فاتني أن اليسار توحد. عذرا. عذرا أيها اليسار. لم أسمع بالخبر إلا متأخرا. لقد توحد اليسار ودخلت ثلاثة أحزاب في بعضها البعض. ثلاثة أحزاب دفعة واحدة امتزجت واختلطت وأصبحت واحدا. بشبيبتهم وشيوخهم ونسائهم دخلوا في بعضهم البعض وتكاتفوا واصطفوا وأصبحوا كالبنيان المرصوص، محتفظين في نفس الوقت باستقلاليتهم وهوياتهم الخاصة. ويا خوفي على اليمين ويا خوفي على اليسار المهادن وعلى اليسار الإصلاحي ويا خوفي على الرجعيين وعلى الظلاميين بعد أن توحد اليسار الجذري. ولننتظر الاكتساح لننتظر ثورة العمال والكادحين إذن. لننتظر هرب المحافظين من المغرب. بعد نقاشات كثيرة ومحاولات لا تعد ولا تحصى ها هو اليسار يتوحد ويصير قوة. ها هو يتفق أخيرا ويلم شمله ها هو الحلم الذي طال انتظاره يتحقق وأي يسار اليسار الممانع اليسار الطاهر والنقي والخالي من الشوائب يسار السلف الصالح يسار البعث والقومية العربية والأنظمة الشمولية والزعيم خالد الذكر يسار عبد الرحمن بنعمرو ونوبير الأموي يسار صدام حسين وحافظ الأسد اليمين الآن يغادر المغرب قبل أن تقبض عليه فيدرالية اليسار والإسلاميون يختفون في التقية ويسار الكافيار يحتمي بالليبرالية وينزوي في الصالونات والمخزن يرتعد من شدة الخوف لم يكن يتوقع أحد في العالم أن تقع هذه المعجزة الكل كان يردد مات اليسار وها هو حي يرزق ويتوحد جاء من الماضي ومن موته وها هو يتكتل ويعود إلى الأصل خوفا منه لم يكتب عنه إعلام النظام وضعوه في صفحات داخليه كأنه ليس حدثا تاريخيا كأنه ليس معجزة يا لجبن الإعلام الموجه الذي أهمل هذه الوحدة حقيقة، فاتني الخبر وها أنا أوليه كل الاهتمام الواجب فقد توحدت ثلاثة أحزاب دفعة واحدة لكنها لم تتوحد الوحدة والاندماج ليسا غاية في حد ذاتهما، كما تقول الرفيقة منيب، بل العمل المشترك والنضال وتوقيع العرائض ومن حق كل حزب أن يحافظ على هويته واستقلاليته لأن اليساري ينظر إلى رفيقه اليساري دائما كعدو يسعى إلى القضاء عليه ولذلك قضى اليسار على بعضه البعض قبل أن يدخل في معركة هزم اليمين والنظام الرجعي. وأخير توحد اليسار ويا ليته ما فعل لأنه سيكتشف كم هو ضعيف وكم شبع موتا ولو زادوا عليهم النهج أيضا فلن يحصل شيء وسيزداد هذا اليسار ضعفا كلما توحد وتفدرل ولو توحد مائة حزب يساري راديكالي فلن يحصل أيضا أي شيء وسيبقى اليسار ضعيفا وغير مؤثر ولو تنازل النهج وانبطح وانضم إليهم لظهر اليسار أكثر على حقيقته وكلما توحد عرف حجمه وكلما ترشح في الانتخابات أهمله العمال والفلاحون والكادحون والمسحوقون غريب فعلا أمر هذا اليسار إنه التيار السياسي الوحيد في العالم الذي يمكن وصفه اليوم بالرجعي والظلامي الرأسماليون استفادوا من الماركسية ولطفوا استغلالها الليبراليون سرقوا روح اليسار وحبه للحرية وطبقوها الاشتراكيون تحولوا إلى ليبراليين اجتماعيين الإسلاميون راجعوا أنفسهم ودخلوا إلى العالم واستوعبوا منطقه إلا اليسار إلا هذا اليسار منغلق على نفسه ومكتف بذاته وبالسلف اليساري الصالح وميت ويعتقد أنه حي ويدافع عن الفقر ليبقى الفقر ويدافع عن المسحوقين والمسحوقون يتبعون من لا يدافع عنهم المسحوقون يحبون الأثرياء والذين يستغلونهم ويصوتون عليهم دائما في الانتخابات. اليسار جميل وحالم لكنه موجود في الأغاني فقط و في الكتب والتنظيرات والتاريخ دوره أن يقاطع الانتخابات فحسب ويحتج ويعتصم ويوقع البيانات والعرائض ويبقى أبدا في المعارضة وينضم إليه الفنانون والحالمون أما السلطة فيمينية ومنذ أن خلق الله اليسار خلقه معارضا ورافضا للظلم وباحثا عن الحرية وبمجرد وصوله إلى السلطة يتحول مع الوقت إلى يمين حدث هذا في الماضي وسيحدث في المستقبل حدث هذا في القرن الماضي حين كان اليسار موضة العصر ولم ينجح ولم يتوحد ولم يكن يسارا أما الآن فلا أحد يسمع باليسار ولا أحد يبالي به ولا أحد يضع له أي حساب إلا هؤلاء اليساريون الذين مازالوا على قيد الحياة وهم الذين توحدوا نهاية الأسبوع الفائت وعلينا أن نوفر الحماية لهم ونعتني بهم حفاظا على التنوع وعلى ثقافة الرفض والاحتجاج لقد فاتني الخبر ولم أسمع به إلا متأخرا وفاتح ماي قريب وأظن سيكون له طعم آخر هذه السنة بعد وحدة اليسار الطاهر اليسار الجذري اليسار الحقيقي وغير المزيف بعد الوحدة والفيدرالية ودخول ثلاثة أحزاب في بعضها البعض لكن يبقى هناك مشكل سيظل هذا اليسار دائما أسير اليمين سيظل مفتقدا إلى الجماهير وإلى الطبقة العاملة وفي حاجة ماسة إلى جماعة العدل والإحسان ومهما توحد سيبقى محتاجا إلى الإسلاميين وإلى شباط وإلى الشباب الملكي وإلى لشكر كي يملأ الشارع فالشارع هو الآخر يميني والناس فيه فردانيون ومهووسون بالاستهلاك والفرجة باستثناء الساحة المقابلة للبرلمان التي يجتمع فيها بين الفينة والأخرى يساريون تضربهم الشرطة في بعض الأحيان وأحيانا ينصرفون من تلقاء أنفسهم دون أن يضربهم أحد. وإذا كان من يسار في المغرب فهو الذي يوجد في تلك الساحة في مدينة الرباط حيث الحمام وذرق الحمام والفضوليون والمخبرون غير ذلك لا شيء ولا وحدة ولا اندماج ولا ثورة ولا جماهير ولا طليعة ولا مؤتمر ولا حزب اشتراكي هذه الأحزاب التي كان على الدستور أن يخصص لها كوطة وأن يعتبرها مكونا لغويا وخطابيا وسياسيا كي تستمر على قيد الحياة ولا تنقرض وكي يغير المغاربة من نظرتهم إليها ويولوها الاهتمام الذي تستحق لتضحياتها في الماضي وللظلم الذي لحقها في الحاضر والذي يجعلها تزداد ضعفا كلما توحدت.