يقتضي طرح النقاش حول اليسار بالمغرب و مستقبله بعضا من التحرر من هاجس المناضل اليساري من اجل التساؤل حول الموضوع بعيدا عن الضغوطات الذاتية. و لعل أول سؤال قد يتبادر إلى الذهن هو "ما هو اليسار اليوم"؟ "" استهل هذا النص إذن بتساؤلات موضوعية تلخص منطلقات النقاش حول الإشكالية/العنوان : ماهو اليسار المغربي, ما طبيعة نشأته وما هو واقعه اليوم؟ ما هو الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي المغربي اليوم؟ ما هي الحاجة الموضوعية إلى الفكر اليساري بالمغرب؟ و ما هو المشروع المجتمعي اليساري؟ أية أفاق لليسار المغربي : الزوال, التشرذم, التعدد, الوحدة؟ إن التفكير في موضوع "اليسار المغربي إلى أين" بصورة عقلانية و محايدة يرتكز بالضرورة على تبني نسق تحليلي يربط بين الواقع المجتمعي و السياسي المغربي والتطور التاريخي للحركة اليسارية في الجدلية التي أفرزتها السيرورة الفكرية. كما أن هذا النسق يجب أن يستحضر وبقوة الأشياء, التحولات السوسيولوجية و السياسية المتسارعة التي طرأت على مغرب الالفية الثالثة كخلفية للنقاش. "اننا لا ننطلق هنا مما يقوله الناس او يتخيلونه او ينمثلونه, كما اننا لا ننطلق مما يكونون عليه في كلام الاخرين و فكرهم و خيالهم و تمثلهم, كي نصل بعد ذلك الى البشر الذين هم من لحم و دم, كلا. اننا ننطلق من الناس في فعاليتهم الحقيقية كما اننا نتمثل تطور الانعكاسات و الاصداء الايديولوجية لمجرى حياتهم الواقعية انطلاقا من مجرى الحياة ذاك" يقول كارل ماركس. (1) و بتبني هذه الفكرة الموضوعية في التحليل, احاول التجرد من كل افكار مسبقة و جاهزة حول مفهوم اليسار و تجنب اختزاله في التمثل المجتمعي و السياسي. 1- ما هو اليسار المغربي و ما طبيعة نشاته و ما هو واقعه اليوم؟ لعله نقاش فكري عميق و صعب كل محاولة للتعريف باليسار عموما. و لعلني اجد في شق من التعريف الذي اساقه محمد الحنفي (2) بعضا من الواقعية : "اليسار ... يسعى الى تغيير الواقع تغييرا جذريا, حتى يصير في خدمة الكادحين, ... انه يسعى الى تحقيق الحرية و الديموقراطية و الاشتراكية, باعتبارها أهدافا ترتبط فيما بينها ارتباطا جدليا". هذا الشق البراغماتي من التعريف الذي ساقه الكاتب يعفينا, و لو مرحليا, من الرجوع الى التاصيل الابستمولوجي المرتبط بسياق دستور فرنسا 1789 او من التعمق الفلسفي في نظريات ماركس و تروتسكي و سان سيمون, بغية التعريف باليسار المغربي و التاصيل له. بدا الفكر اليساري المغربي مع حركة التحرر الوطني و بارتباط مع واقع مغربي صرف. و مع الاستقلال, غابت الحاجة الذاتية والموضوعية لوحدة الصف الوطني. كما ان الوضع و التطورات والتصورات حول مسالة الدستور و تحديد الاختصاصات داخل الدولة الحديثة و موضوع الديموقراطية و اشكالات التنمية حافزا اساسيا لبروز تيار يساري مغربي. هذا التيار سيخوض معارك ونضالات ساهمت في خلق ميزان القوى و خلخلة يعض من البنيات التقليدانية في المجتمع و الدولة. و ظل هذا اليسار يقاوم ويصارع من اجل تحقيق القيم التي كان يدافع عنها, عملا بمقولة كي بيدوس, الممثل الفرنسي, الجزائري الاصل, واليساري الافكار : "انه في نظرة اناس اليمين يتبين لنا اننا من اليسار". وفي ظل الصراع المرير مع اليمين المحافظ ( المخزني و الديني ) سيزداد زخم الافكار والاطروحات اليسارية, كما ستتناسل الرؤى و الماقف لتهوي باليسار في اختيار تعددية فكرية و سياسية و تنظيمية, ستؤدي الى إضعاف اشعاعه. الا ان الانهاك الذي اصاب الجسم و الفكر اليساري, بفعل عوامل متعددة : بطش الة القمع, سقوط حائط برلين, تنامي القوى الامبريالية و الظلامية, تسويق العولمة و الليبرالية المتوحشة كبديل "لموت الايديولوجيا", سيدفع اليسار مع نهاية الثمانينات الى ورطة سؤال : الى اين؟ لم يستطع اليسار في هذه المرحلة من انتاج اليات جديدة لتحليل الواقع المجتمعي. لقد ظلت بنية التحليل التقليدية القائمة على اساس فصل المجتمع الى ثلاث طبقات متصارعة : طبقة كادحة و طبقة متوسطة و بقة برجوازية حاكمة, هي المحدد الوحيد للرؤيا السياسية للمجتمع. و ظل رهان اليسار على الطبقة المتوسطة ( المثقفون خصوصا ) من اجل تعباة الجماهير الشعبية ( الطبقة الكادحة ) لاحداث التغيير هو الوسيلة المتبعة. و بارتهان اليسار الى هذه النظرة الكلاسيكية سيكون للدولة الاستباق في طرح الانتقال الى الديموقراطية, و لو بضغط خارجي او حاجة موضوعية لضمان استمرار شكل الدولة او لاستغلال الرصيد الشعبي لليسار. و امام التيه الفكري و العقم الايديولوجي و انحصار دور المثقف اليساري, سيلتقط اليسار "شعار الانتقال الديموقراطي, دون اي تدقيق لمضمونه و الياته, و هو ما عمق من ضبابية و التباس التوجهات السياسية و الفكرية لليسار" يقول حسن طارق. (3) ان هذا الخطاب الجديد الذي تبنته الدولة, خطاب الانتقال الديموقراطي, سوف يصنف اليسار, كرد فعل على منظور الدولة, الى ثلاث مجموعات : اليسار الراديكالي : يعتبر بنيات الدولة غير ديموقراطية و بالتالي لا يعتبرنفسه معني بهذا المخاض. اليسار الحكومي : تبنى خطاب الدولة و اختار التوافق المرحلي حول "الانتقال الديموقراطي". اليسار الغير الحكومي : رهن مشاركته في مفهوم "الانتقال الديموقراطي" بتوفير ضمانات مؤسساتية. وعموما, لم يكن هذا التباين سوى رد فعل لمشروع الدولة, و لم ينتج اليسار افكارا اخرى. و ساهم هذا الانحصار اليساري في عزوف المجتمع عن السجال السياسي, نظرا لغياب خطاب يعبر عن همومه. و لنا ان نتساءل مع احمد دابا عن هذا الوضع الجديد عندما يناقش الطبقات المتوسطة : " لماذا لم تشارك أغلب هذه الفئات في الانتخابات الأخيرة ، علما أن جزءا هاما من هذه الفئات كان يمنح أصواته لليسار وللاتحاد علي وجه التحديد ولبعض المكونات اليسارية الأخرى ، هل للأمر علاقة بطبيعة الاختيارات السياسية التي دافع عنها الاتحاد بقوة واستمر في الدفاع عنها حتى بعض الخلاصات السياسية التي وصل إليها اليوسفي بعد تجربة " التناوب التوافقي " الأول ، والذي عرض لأهم عناصرها في إحدى دورات اللجنة المركزية للاتحاد ، وكذا في محاضرة ببروكسيل ؟ ، إذا كان الأمر كذلك لماذا لم يصوت ولو جزء من هذه الفئات لليسار الذي عارض هذه الاختيارات منذ بداياتها الأولي ؟ هل لأن هذا الأخير ، وكما يقال شارك في الانتخابات بمضمون المقاطعة ، أم لأن هذه الفئات تولي أهمية خاصة للجدوى من التصويت علي هذه القوي أو تلك ؟ أم أن حقيقة الأمر أن هذه الفئات هي اليوم ضحية وضع اقتصادي واجتماعي يجعلها في وضعية ما بين أن تحافظ علي وضعيتها كما هي ، أو تنحدر للهامشية والبلترة ؟ أي أن الخوف من الانحدار الاقتصادي الضاغط يجعل جزءا هاما منها محافظا ، والجزء الأخر "انتهازي " و" متردد " ؟ هذا السؤال يكتسب مشروعية خاصة إذا ربطناه بالانهيار الأخلاقي المخيف لجزء هام من النخب السياسية أمام إغراءات المناصب ؟ أم أن أغلب هذه الفئات تنظر بعين الارتياح للمشاريع والاستثمارات الكبرى التي يقوم بها ملك البلاد ؟ وبالتالي تقيم العملية السياسية بالمغرب كما هي اليوم بعدم الجدوى والفاعلية ، ما دام الفاعل الأساسي والحاسم يوجد في مكان أخر غير صناديق الاقتراع ؟". (4) هذه التساؤلات و غيرها تحيلنا الى الشق الثاني من هذا النص. 2- ما هو الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي المغربي اليوم؟ "ان بزوغ الحرية في مجتمعات لا تزال في طور الاستئناس بالديموقراطية, و لو في شكلها الاولي, يجعل الافراد يسعون الى الدفاع على مصالحهم الانانية و الشخصية على حساب التمتع الجماعي بهذه الحرية". (5) الجانب الاجتماعي و الاقتصادي. عرف المغرب الحديث تحولات جذرية على مستوى البنيات الاجتماعية و الاقتصادية. فبعد ما عرفه بلدنا من خلخلة لعدة ممارسات و مفاهيم مع الحماية الفرنسية, تحولت البنيات المجتمعية لمغرب الاسنقلال المبنية على القبيلة و العشيرة الى تجمعات نووية دون القطيعة مع ما سبق. و تحولت البنيات التقليدية القروية إلى تركيبات حضرية دون التشبع بالممارسات المدينية. كما ساهم ظهور طبقة جديدة من المثقفين ذوي الميولات اليسارية في الستينات و السبعينات الى اتساع المطالبة المجتمعية بالحريات و التحرر. الا ان المد الاصولي, الذي ساهمت الدولة بعدة اشكال في تشجيعه, سيؤدي بالمجتمع الى تبني نظم الفكر المحافظ منذ اواخر الثمانينات كانطواء هوياتي على الذات هروبا من الفراغ الفكري و الضغط الاقتصادي. عرفت هذه الفترة خصوع المغرب لبرنامج التقويم الهيكلي و ما انتجه من تفقير للامة و انحصار و هشاشة الطبقة المتوسطة, و هو ما تزامن مع توالي سنوات الجفاف. وسيعرف المغرب مع بداية الالفية الثالثة نوعا من الانتعاش الاقتصادي نتيجة لجو من الاستقرار السياسي الذي افرزته مرحلة التوافق السياسي بين المؤسسة الملكية و الكتلة الديموقراطية. الا ان هذا الازدهار الاقتصادي لن ينعكس على جميع طبقات المجتمع. بل كرس مزيدا من الفوارق الطبقية و افرز برجوازية جديدة استفادت من ريع المرحلة الجديدة : المضاربة في البورصة, الاعفاء الضريبي على الفلاحة, المضاربة العقارية, ... فيما ارتفعت في المقابل هشاشة الطبقات السفلى من المجتمع. و عرفت الساحة مجموعة من أشكال الاحتجاجات : أحداث صفرو, أحداث سيدي افني, تنسيقيات مناهضة الغلاء, الدكاترة المعطلون, ... غير أن هذه الأشكال الاحتجاجية و إن صنعت الحدث في حينه, إلا أنها لا زالت لم ترقى للتعبير عن حركية حقيقية وسط المجتمع, نظرا لانعدام الخطاب السياسي المؤطر و انشغال اليسار إما بالمشاكل الذاتية و إما بالنقاش حول مضمون التوافق السياسي. و رافق مسلسل لبرلة المجتمع و اتساع هامش الحريات و انتشار الوسائل الجديدة للاتصال (الصحون الهوائيات, الهواتف النقالة, الإنترنت, ...) إلى ظهور جيل جديد من الشباب المغربي ذي ارتباطات ثقافية و إعلامية عالمية. إن هذه العولمة الإعلامية لم تسثني حتى القرى و المداشر النائية. و خلقت هذه الموجة الجديدة, و ما أتاحته من سرعة للحصول على المعلومة بعيدا عن أية رقابة, تقاطبات فكرية و ثقافية واضحة في أوساط الشباب المغربي. و هكذا, و بمقابل شباب اختاروا الانغلاق الهوياتي على الذات أمام "حكرة" داخل و خارج بلدهم, اختار جزء مهم منهم التشبع بالقيم الإنسانية السامية. الجانب السياسي. يتسم الوضع السياسي المغربي العام بكثير من الضبابية. بل و يعيش المغرب ازمة سياسية خانقة من اهم تجلياتها : العزوف المهول عن الانتخابات, حكومة اقلية و تشكيل حكومي ترقيعي و غير مبني على اي تصور, ازمة ثقة, خلط عام في الاختصاصات, انفراد المؤسسة الملكية بكل المبادرات و تقزيم المؤسسات الاخرى, ... إن بوادر أزمة سياسية خانقة هي جالية للعموم. و مشروع المخزن الجديد الذي يوظف المؤسسة الملكية في التنافس السياسي, في مواجهة من يوظفون الدين, ما هو هروب إلى الأمام من طرف جزء من مهندسي المخزن الجديد. فكيف يعقل أن يتم إقحام ثوابت الوطن في اللعبة الانتخابية ( الدين الإسلامي و المؤسسة الملكية ) إن لم يكن الوضع يشي بأزمة حادة؟ وعموما يعرف الوضع السياسي المغربي الراهن حالة تعكس انكسار أمل الانتقال إلى الديموقراطية. أحزاب الكتلة تعيش حالة من التشرذم الداخلي الحاد بفعل التيه السياسي في اختياراتها و عدم رضى قواعدها. فحتى حزب الاستقلال, صاحب الوزارة الأولى و المرتبة الأولى في التشريعيات تعيش قواعده حالة من القلق تجاه تحمل حزبهم للانتقادات و تبعات المرحلة الراهنة. بينما فقد أحزاب اليمين القديم دعم الإدارة لتصير مثل الأحزاب الطبيعية التي يجب عليها أن تقاوم و تنتج لتستمر. و حتى العدالة و التنمية, الحزب الإسلامي الرئيسي المشارك في الانتخابات, لم يستفق بعد من سراب اكتساح الصناديق و ربما استنتج مناضلوه أن المرجعية الإسلامية لا تكفي لوحدها. اما اليسار الغير الحكومي فلازال لم يستطع أن يخرج من تنظيراته للوصول إلى واقعية انتخابية. بل حتى "حزب الدولة" الناشئ على جرار الرحامنة فلا يبدو انه يقنع حتى "مناضليه". " ...التناوب مصطلح من مبتكرات جلالة الملك المرحوم، كان يعني في ذهن جلالته وفي ذهننا جميعا، الانتقال إلى الديمقراطية المؤسساتية الصحيحة. والوسيلة إلى ذلك كانت دوما في ذهن جلالة الملك وأذهاننا هي ما نعطيه جميعا لمفهوم آخر ملازم لفكرة التناوب، أقصد مفهوم "التراضي " وإذا كان لمتتبع لتطور الأمور في المغرب أن يؤرخ لمسيرة الديمقراطية فيه، فلا شك أنه سيجد في مفهوم التراضي وسيلة للتعبير عن الخطوات التي سبقت قيام حكومة التناوب. وهي خطوات طالت فعلا، ولكن في جملتها كانت مسرحا لعميلة تهيئة التربة للانتقال إلى الديمقراطية المؤسساتية، في جو من التراضي والتوافق والتجنيد لبناء مغرب الغد" (6). هذا ما قاله الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي عن التناوب, فهل التراضي ما يزال قائما؟ و أمام هذا الوضع المحبط لأحزاب أناط بها دستور 1996 مهمة تأطير الشعب لا غير, يتسع بشكل مهول دور و اختصاصات المؤسسة الملكية التي نجدها حاضرة بقوة في كل الملفات. بل إن آخر أمل في استقلالية أية سلطة عنها اغتاله تصريح الأستاذ عباس الفاسي عقب تنصيبه وزيرا أولا : "إن برنامجي و برنامج هذه الحكومة هو تطبيق للخطب الملكية". 3-ما هي الحاجة الموضوعية إلى الفكر اليساري بالمغرب؟ و ما هو المشروع المجتمعي اليساري؟ أية آفاق لليسار المغربي : الزوال, التشردم, التعدد, الوحدة؟ انه يحق لنا أن نتساءل بكثير من الموضوعية عن مستقبل اليسار و عن مشروعه المجتمعي. و لنا في أمثلة تركيا و تونس و مصر نماذج حية و قريبة منا لزوال اليسار كمعطى سياسي. ينحصر السجال السياسي داخل هذه البلدان بين يمين محافظ ليبرالي و الإسلاميين, بينما لا يعدو اليسار أن يكون ناديا فكريا. فهل نريد ليسارنا أن يكون مجرد مقاهي فلسفية؟ السنا نعزز هذا الطرح بابتعادنا عن الجماهير لسبب أو لآخر؟ ألم ينشا اليسار المغربي في تربة محلية و يعبر عن هموم الشعب "هنا و الآن"؟ ولعل سؤال المشروع المجتمعي اليساري بالمغرب يتخد كل مشروعيته من ضبابية الاختيارات السياسية و الفكرية لليسار و قلة وضوحها. و بالمقابل يصح لنا أن نتساءل كذلك مع الأستاذ العروي حول قابلية المغاربة للإصلاح : "... وتراني أحلم، مثلما يحلم كل مثقف حداثي، بمغرب حر، منسجم مع نفسه، متعلم، وديمقراطي، ومنفتح ومنتج وخلاق ... ويغلب علي الاعتقاد، بتعذر أن يتحقق، كل ما أقول في مدة جيلين أو ثلاثة أجيال، وتراني أتساءل أحيانا، هل ترغب غالبية المغاربة حقا، في التغيير، أم تخشى أن تتكبد في سبيله التضحيات، وتبذل المجهودات الجسام، وتلاقي الاضطرابات الاجتماعية، فأتوب إلى صوابي، فبأي حق، أضيع على المغاربة أي فرصة مهما كانت عابرة، ينعمون فيها بالهدوء، انتصارا لما أراه، في قرارة نفسي، محتما، ليس عنه مهرب" (7). أو أن نتساءل ها هنا عن صعوبة التغيير انطلاقا من تجربة الأستاذ اليوسفي في "التناوب التوافقي" : "غير أن هذه العوامل التي تبعث على الاطمئنان يجب أن لا تحجب عنا ما يعتمل في أحشاء مجتمعنا من قلق لا يكف عن التنامي، ومرد ذلك يرجع بالتأكيد إلى صعوبة الإصلاح في بلادنا، فكلما اقتربنا من تحقق وشيك، إلا وظهر عدد من العوائق منها ما هو مادي صرف ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو ثقافي. لذلك نجد أنفسنا اليوم أمام سؤال يقض مضاجع المجتمع السياسي والمدني على السواء.هل سنعبر هذا الممر الذي يفصلنا عن مغرب نتطلع إليه منذ عقود أم سنظل أسارى هذا التحول الصعب؟..." (8) و على العموم, و لتجاوز أزمته, على اليسار المغربي أن يعيد النظر في علاقاته مع المجتمع والدولة واستعادة المبادرة. ففي تقديري الشخصي أزمة اليسار المغربي, و التي يعيشها أيضا نيابة عن المجتمع والدولة, تتلخص فيما يلي : أزمة تصور تنظيمي. أزمة تصور مجتمعي. أزمة خطاب. أزمة إنتاج القيم و آلياته. وادرج هنا بعض مداخل فهم و تجاوز الأزمة : على المستوى الذاتي : إن وحدة الصف اليساري لا تمر لزوما بوحدة تنظيمية, يطغى الانضباط فيها على الإنتاج الفكري المبني على الاختلاف. إن الوحدة المنشودة هي و حدة الأفق و الرؤيا السياسية. و هذا الهدف هو لا محالة مرتبط بقدرة تنظيمات اليسار على الحوار البيداغوجي فيما بينها و مدى تأطيرها لقواعدها و نهج ديموقراطية داخلية حقة. ثم إن على تنظيمات اليسار إن تؤسس لانفتاح مسؤول على المجتمع و مؤسساته المدنية ( جمعيات, وداديات, نقابات, ...) ينبني على حوار جاد و تبادل للتجارب و الرؤى. كما انه اصبح لزاما على يسارنا أن يخلق الجسور مع العالم الأكاديمي علي اعتبار أن هذا الأخير يمتلك الملكة و الأدوات لإغناء الزخم الإيديولوجي و الفكري لليسار على جميع الأصعدة. على المستوى الموضوعي :