يوجد بالمغرب ما يزيد عن 30 حزبا سياسيا. أغلبية هذه الأحزاب هي مُجرّد أدوات تُحَرّكها السلطة السياسية. أما الأحزاب التي تدخل ضمن اليسار فهي التالية : ''الحزب الاشتراكي الموحد''، و ''حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي''، و ''حزب النهج الديمقراطي''، و ''حزب المؤتمر الاتحادي''، بالإضافة إلى تنظيمات وتيارات ثورية أخرى، صغيرة، ومَشْهُود بوجودها. - ما هي الأحزاب التي يتكوّن منها اليسار في المغرب؟ يوجد بالمغرب ما يزيد عن 30 حزبا سياسيا. أغلبية هذه الأحزاب هي مُجرّد أدوات تُحَرّكها السلطة السياسية. أما الأحزاب التي تدخل ضمن اليسار فهي التالية : ''الحزب الاشتراكي الموحد''، و ''حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي''، و ''حزب النهج الديمقراطي''، و ''حزب المؤتمر الاتحادي''، بالإضافة إلى تنظيمات وتيارات ثورية أخرى، صغيرة، ومَشْهُود بوجودها. وأما ''حزب الاتحاد الاشتراكي'' فقد أصبح يتأرجح بين موقعي يسار الوسط، ويمين الوسط. و ''حزب التقدم والاشتراكية'' تحول إلى حزب يميني. و ''حزب الاستقلال'' كان ولا يزال حزبا يَمِينيا ومُحافظا. وأما ''حزب العدالة والتنمية'' الإسلامي، فَيَحْتَلّ، على العموم، موقع الوسط. تارة يدافع عن مواقف تقدمية (مثل مواجهة الفساد)، وتارة أخرى يدافع عن قضايا يمينية أو رجعيّة (مثل الدفاع عن 'إمارة المؤمنين'، وعن أَسْلَمَة الدولة، وعن الخضوع الأعمى للشريعة الإسلامية). - هل يجوز نقد أحزاب اليسار؟ نحن ننتقد أحزاب اليسار. لكن هذا النقد هو نقد من نوع جديد. لأننا لا ننتقد أحزاب اليسار من منطلق الكراهية، أو المزايدة، أو التحدي، أو المنافسة. على عكس ذلك، نحن نعلن انتمائنا إلى قوى اليسار، ونحترمها، ونتعاطف معها، ونساندها، ونتضامن معها، ونُصِرّ على النضال إلى جانبها. ولا ننتقد قوى اليسار إلاّ لأننا نريدها أن تكون قوية وفعّالة أكثر مِمّا هي الآن. وبقدر ما ندعّم قوى اليسار، بقدر ما نحرص على مُناقشتها ونقدها، كُلّما دعت الضرورة إلى ذلك. والنقد المُتبادل هو من بين أهم السُّبل لتحسين أداء هذه القوى. ومن لا يَجْرُؤُ على تبادل النقد، بشكل بناء وعلني، لن يتقدم. - هل اليسار بالمغرب بخير؟ يظهر كل حزب من بين أحزاب اليسار بالمغرب أنه راض عن حاله. بينما في الواقع، أوضاع أحزاب اليسار ليست مُرضية. لأن أحزاب اليسار لا تعمل بما فيه الكفاية لتطوير نفسها، أو لرفع مستوى فعاليتها. وكل خطاب سياسي يعتبر اليوم أن حالة أحزاب اليسار بالمغرب جيّدة، أو حسنة، هو خطاب مُكَرّر، ومُحافظ، ولا فائدة منه. بل نقد اليسار هو الخطاب الوحيد الذي يمكن أن يُساعد على إبراز نقط ضعف هذه الأحزاب، أو نقائصها، أو أخطائها. ولا يوجد سبيل آخر، غير النقد، لمُساعدة أحزاب اليسار على إصلاح نفسها، أو تقويمها، أو تَثْوِيرِها. وبشكل إجمالي، وخلال ال 10 أو 20 سنة الماضية، نلاحظ أن قوى اليسار بالمغرب لم تتحسن كيفيا، أو أنها لم تنجح في إعلاء درجة تأثيرها. بل إنها لم تجتهد إلى حدّ الآن لكي ترفع مستوى فعاليتها السياسية. وهذا يعني أن أحزاب اليسار تَخَلّفَت بالمقارنة مع أحزاب اليمين. وسُوء حال أحزاب اليسار بالمغرب يتجلى في كون تأثيرها السياسي هو الأقل فاعلية بالمقارنة مع الأحزاب الأخرى. وتظهر أحزاب اليسار كأنها مهمّشة، ليس فقط من وسائل الإعلام العمومية كما يقول البعض، ولكن أيضا من الساحة السياسية. فتظهر أحزاب اليسار، بالمقارنة مع أحزاب اليمين، كأنها غارقة في رتابة مُعْتَادَة، وفي الدُّغمائية، وفي التقليد، وفي ضعف دائم. وأحزاب اليسار هي تقريبا الأحزاب الوحيدة في المغرب التي لا تتوفّر على أعضاء مُحْتَرِفين، مُتَفَرّغين للعمل السياسي، وقادرين على تخصيص كل وقتهم لحزبهم. والسبب في هذا النقص لا يرجع فقط إلى ضعف الإمكانيات المالية كما يقول البعض. بل يُحتمل أن يرجع السبب إلى غلبة الهِوَاية على الاحتراف في مجال السياسية. و إذا كان الحِسّ النقدي لمناضلي أحزاب اليسار تجاه القوى اليمينية حادّا، فإن حِسّهم النقدي هذا، تُجاه أحزابهم الخاصة، يُصبح في غالبية الحالات مَكْبُوتا، أو مُلَجّما، أو مُحَرّما. ورغم تأسيس ''تَجَمُّع اليسار'' في سنة 2004، فإن الحوار، أو التنسيق، أو التعاون، أو النضال المُشترك، فيما بين أحزاب اليسار، يبقى ضعيفا، أو أقل من المستوى الممكن. وذلك رغم أن أفكار أو أهداف أحزاب اليسار مُتشابهة، أو مُتقاربة، أو مُتطابقة. ويبقى تطبيق الديمقراطية داخل أحزاب اليسار بعيدا عن أن يكون سَليما. لأن المُنافسة فيما بين مُختلف الشخصيات أو الكفائات (إبان المُؤتمرات، إن وُجِدَت) لا ترقى إلى مُستوى مُرض. ولأن مواقع المسئولية داخل أحزاب اليسار تُقْتَسَمُ فيما بين أفراد جماعة صغيرة، أو فيما بين بضعة جماعات مُتماسكة. و خلال ال 20 سنة الماضية، فإن الأحزاب التي تقدمت أو تَقَوّت أكثر بالمغرب، ليست هي أحزاب اليسار، وإنما هي على الخصوص الأحزاب ''الإسلامية''. ويُحْتَمل جدا أن يستمر هذا التوجّه خلال ال 10 سنوات الآتية. كما يُحتمل جدّا، خلال السنوات المقبلة، أن تستمر هذه الأحزاب ''الإسلامية'' في الفوز بأكبر عدد من أصوات الناخبين في مجمل الانتخابات المُبرمجة. وتقوية هذه الأحزاب ''الإسلامية'' لا ترجع فقط لكونها تستغل الدين في مجال السياسة، كما يعتقد البعض. وإنما ترجع أيضا، وعلى الخُصوص، إلى كونها تستعمل مناهج في التفكير وفي العمل تَتّسِم بواقعية، وبفعالية أكبر (بالمقارنة مع أحزاب اليسار)، ولو بقيت هذه المناهج مُغَلّفة بخطاب ديني. بينما المناهج التي تستعملها أحزاب اليسار (في التفكير وفي العمل السياسيين) تبقى دون المستوى المطلوب. ويُحْتَمل أن تستمر الأحزاب ''الإسلامية''، خلال السنوات المُقبلة، في الفوز بأغلبية الأصوات المُعبّر عنها في كل الانتخابات (سواء كانت برلمانية، أم جهوية، أم جماعية). ليس فقط لأن غالبية الشعب مُسْتَلَبَة (aliéné) من طرف الدين، بل أيضا لأن أحزاب اليسار ضعيفة. وسَيَسْتمرّ فوز الأحزاب ''الاسلامية'' في الانتخابات إلى أن تُحِسّ غالبية الشعب، من خلال ممارسة ''الإسلاميين'' للسلطة السياسية, أن هيمنة الدين تتناقض مع الديمقراطية، ومع التنمية الاقتصادية. وتحتاج جماهير الشعب، لكي تُدْرِك أن ''الإسلاميين'' غير مُؤهّلين لتحقيق الديمقراطية والتنمية، إلى قرابة 10 أو 20 سنة من التجربة. وتحقيق التنمية والديمقراطية، يبقى مشروطا بالفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والسياسة. - هل خطاب أحزاب اليسار يتلاءم مع مُمارسته؟ تميل أحزاب اليسار عادة إلى إخفاء ضعفها عبر التركيز على إنتاج بيانات ثورية، أو نصوص يسارية. بينما ممارستها السياسية تبقى على العموم دون المستوى المطلوب. وغالبا ما نجد انفصاما واضحا بين خطاب أحزاب اليسار وممارستهم. ومن بين الأمثلة المعبرة في هذا المجال، نذكر مثلا علاقة أحزاب اليسار ب ''حركة 20 فبراير'' (التي اندلعت في المغرب في سنة 2011، في ارتباط ب ''ثورات الربيع العربي'' في كل من تونس ومصر). فكل أحزاب السار (الحقيقية) تُعلن في بياناتها أنها تُقدّر ''حركة 20 فبراير'', وتُساندها، وتُعَظّمها، وتُشارك فيها، وتُراهن عليها في برامجها وفي خططها. لكن في الواقع، نلاحظ أن مُشاركة أعضاء أحزاب اليسار في ''حركة 20 فبراير'' تبقى هزيلة، أو ضعيفة، أو أقل من المستوى المُمكن. حيث لا تُشارك معظم أُطُر أحزاب اليسار في ''حركة 20 فبراير''، ولا يتواجدون في لجانها، ولا يتحملون فيها مسؤوليات تنظيمية. بمعنى أن غالبية أطر أحزاب اليسار لا تُساهم في تأطير شباب ''حركة 20 فبراير''. وأعداد أعضاء أحزاب اليسار الذين يُشاركون في المسيرات الأسبوعية ل ''حركة 20 فبراير'' تبقى ضعيفة، أو دون المستوى الممكن. ومُشاركة هؤلاء المناضلين في ''حركة 20 فبراير'' تكون في غالب الحالات ناتجة عن مبادرات أو عن اجتهادات شخصية، وليس عن توجيه حزبي واضح وصارم. فالموقف الرسمي، أو النظري، لأحزاب اليسار من ''حركة 20 فبراير'' هو الدّعم المُطلق لهذه الحركة. لكن موقفها العملي هو إهمالها. فبدلا من أن تكون أحزاب اليسار هي المُنَشّْط أو القائد الطبيعي ل ''حركة 20 فبراير''، نجد أنها تسير ورائها، أو تُهْمِلها، أو تَحْذَر من ديناميكيتها، أو لا ترغب في استمراريتها. ومن بين نتائج هذا الإهمال، نجد أن أنواعا مختلفة من عناصر البوليس المُسْتَتِرَة تشارك بكثافة في ''حركة 20 فبراير''، وفي جمعها العام، وتقوم بمحاولات لا يستهان بها للتّحكّم فيها. إن ضعف ''حركة 20 فبراير''، أو توقّفها، سيكون، في جوهره، نتيجة لضعف أحزاب اليسار. وفشل ''حركة 20 فبراير''، سيكون فشلا لأحزاب اليسار. ولا تستطيع القِلّة القليلة من المناضلين المُحَزّبين، الذين يُحاولون تنمية فعالية ''حركة 20 فبراير''، أن ينجحوا في نضالاتهم، أو في مجهوداتهم، إلا إذا طَوّرت أحزاب اليسار نفسها، بهدف الرّفع من مستوى مشاركتها السياسية في هذه الحركة. - هل تجتهد أحزاب اليسار لتطوير نفسها؟ من بين الملاحظات التي لا تَسُرّ، والتي لها دلالة سلبية، أذكر أن أغلبية أحزاب اليسار نظمت مؤتمراتها الحزبية خلال الشهور الأخيرة، لكن هذه المؤتمرات الحزبية لم تُحْدث تغييرات كيفية، لا في الخط السياسي لهذه الأحزاب، ولا في برامجها، ولا في ممارساتها. فإذا استثنينا إصدار بعض البيانات، وتغيير جزئي في أعضاء بعض الأجهزة القيادية، فإن الرّتابة السابقة، والعادات القديمة، تَعُود بسرعة، وتستمر في السيطرة، كأن شيئا لم يتغيّر في هذه الأحزاب. بينما تطورات الصراع الطبقي تستوجب منها تغييرات عميقة أو جذرية. - وهل هناك أمثلة أخرى تُبَيّن ضعف أحزاب اليسار؟ على العموم، أحزاب اليسار بالمغرب تُعاني من قِلّة مُبَادراتها، ومن ندرة أنشطتها. وتُعاني أيضا من ضعف حماس غالبية أعضائها. وتُعاني أيضا أحزاب اليسار من ضعف الانضباط داخلها. كما أن الإنتاج السياسي لأحزاب اليسار، وإبداعاتها في مجال أساليب النضال، تبقى غير كافية، أو شحيحة. وقدرتها على تعبئة جماهير العمال، أو الفلاحين، أو فئات الذين لا يستغِلون ولا يُستغَلّون، تظل محدودة جدا، بل قد تكون أحيانا منعدمة. وإن ظاهرة نَدْرَة أو غياب تبادل النقد فيما بين أحزاب اليسار، أو فيما بين أعضائها، تَدُلّ على أنها غارقة في فكر يظهر أنه يساري في خطابه، لكنه مُحَافِظ في جوهره. وهذه المُحافظة تتجلّى في كون أحزاب اليسار لا تجرؤ بما فيه الكفاية على مُراجعة أو تطوير أطْرُوحَاتها السياسية القديمة. ولا تُبْدِع أفكارا سياسية، أو أساليب نضالية جديدة. ونتيجة ذلك هي أن أحزاب اليسار تتفَاعُل بِبُطْء كبير مع التطورات العميقة الجارية في المجتمع. وبطء تفاعلها مع تطورات المجتمع يُفَوّت عليها الكثير من فرص التدخل والتأطير. ومن بين المظاهر الأخرى المُعبّرة عن ضعف أحزاب اليسار، أن الأطر العُليا، والمُفكّرين، والعلماء، والخُبراء، يهربون من أحزاب اليسار، أو يَنْفُرُون منها. بينما الظاهرة الطبيعية هي أن اليسار الذي يكون مُتقدّما، أو حَيَوِيّا، أو طليعيّا، يستقطب غالبا حوله أكبر المُثَقّفين، وأحسن المُفكّرين في المجتمع. - هل الأطر القديمة في أحزاب اليسار تلعب دورا مُبْدِعا أم مُحَافظا؟ الأطر القديمة (Apparatchik) في أحزاب اليسار تلعب على العموم دورا مُحافظا. وتظهر بعض هذه الأطر كأنها هي التي تحتكر حق تحديد من هم الأفراد المقبولين، ومن هم ألأفراد المنبوذين. فهؤلاء الأطر القديمة تظهر على شكل ''حرّاس المعبد''، الذين يَصُونون ''الأصول''، و''المراجع''، و''المشروعية''، و''الاستمرارية''. ويتحوّل أحيانا دور هذه الأطر القديمة إلى تَرْوِيج الدّغمائية (Dogmatisme). وقد تُحَنّط الفكر الثوري إلى درجة تحويله إلى معتقدات مطلقة وجامدة، تَصْلحُ لكل مكان وزمان. وتَتّهِم كل مُحاولة لتجديد الفكر بأنها ''انحراف'' أو ''زندقة'' سياسية. وقد تُصبح هذه الأطر القديمة هي التي تَعُوق إحداث تغييرات، أو مُراجعات، أو إبداعات، سواء في الأفكار، أم في الخط السياسي، أم في الأساليب النضالية. وأحيانا، يغرق بعض الأطر القديمة في تفاصيل صراعات خَفِيّة، مُعَقّدة، ومُتواصلة، بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات، مُتَنَافِسة داخل أحزابهم. وقد تستحوذ، أو تستهلك، هذه الصراعات، جُلّ طاقاتهم، إلى درجة أن مُساهماتهم في مجالات تطوير الأفكار، أو تحيين الخط السياسي، أو إبداع أساليب نضالية جديدة، تُصبح هزيلة، أو مُنعدمة. وبقدر ما تكون تلك الأطر القديمة مَشْغُولة بتلك المُنافسات فيما بين شخصيات، أو جماعات، أو تيارات، داخل حزبها الخاص، بقدر ما تكون رؤيتها الشُّمولية للصراع الطبقي (الدائر على صعيد مجمل المجتمع) محدودة أو ناقصة. قد تكون هذه الأطر القديمة قوية، أو فعالة، في ميدان هذه الصراعات، أو المنافسات الدّاخلية للحزب المعني، فيما بين شخصيات أو تيارات، لكنها قد تكون، بالمقابل، ضعيفة، أو مُتخلّفة، في مجال فهم أو معالجة الإشكالات الكبرى للحزب، أو للبلاد. وفي مثل هذه الحالات، يُصبح الحزب المعني غير قادر على التفاعل بسرعة أو بفعالية مع مستجدات أو متطلبات الصراع الطبقي (الدائر على مستوى عموم المجتمع). وقد يدخل الحزب المعني في صيرورة ضعف، أو تخلف متواصل، إلى درجة أنه قد يصبح مُهَمّشا، أو عاجزا، أو متخلفا. - هل أحزاب اليسار تختلف حول إختيارات استراتيجية؟ تُعاني بعض أحزاب اليسار من ازدواجية في تَصوّرها لعملية الوصول إلى السلطة السياسية. فتارة، يعتقد بعض مناضليها أن الوصول إلى السلطة يستحيل بدون استعمال العنف الثوري (تَبَعًا لأطروحة لينين والبلاشفة). وتارة أخرى، يعتقدون أن الفوز في الانتخابات يمكن أن يكون سبيلا سلميّا للوصول إلى السلطة. وهذه الازدواجية في التصور تُؤثر سلبا على التوجّهات، أو على البرامج السياسية. بينما الفعالية السياسية تقتضي الانخراط الكُلّي، إما في التوجّه الذي يُراهن على العنف الثوري، وإما في التوجّه الذي يُراهن على صناديق الاقتراع، وليس التذبذب المُتواصل بينهما. وبعض المُفكرين يعتبرون أنه يتوجب على أحزاب اليسار أن تحسم اختياراتها بشكل تام، وأن تُحدث قطيعة مع أطروحة لينين حول الوصول إلى السلطة عبر العنف الثوري. والثورات الحديثة في كل من تونس، ومصر، واليمن، (وعلى خلاف حالتي ليبيا، وسوريا)، تُبيّن أن إسقاط نظام مُستبد (أو على الأقل خلخلته عبر إسقاط رئيسه)، يمكن الوصول إليه عبر نضال جماهيري، سياسي، حَاشِد، سلمي، ومُتواصل، دون اللجوء بالضرورة إلى العنف الثوري. وحيثُ أن الحصُول على الشرعية السياسية، سواء داخل البلاد أم خارجها، يَقْتَضِي الوصول إلى السلطة بِرِضَا الشعب، أي عبر انتخابات نزيهة. على خلاف ما سبق، يَعتبِرُ بعض المناضلين الآخرين أن المُراهنة على العنف الثوري هي نوع من التّطَرّف السياسي. ويَستنتِجُون من هذا الاعتبار أن الواقعية السياسية، أو الاعتدال السياسي، ''يفترض بالضرورة'' القَبُول بالنظام الملكي القائم. ويستنتجُون منه أيضا أن الموضوعية السياسية ''تقتضي بالضرورة'' حَصْر كل النضالات المُقبلة ''تحت سقف الملكية البرلمانية''. ويُحوّلون ''سقف الملكية البرلمانية'' إلى ''حدّ مطلق''، أو ''مقياس مطلق''، أو ''دغمة (Dogme)''. ثم يستعملون هذا ''المقياس'' كلما أرادوا الفرز بين ما هو مقبُول، وما هو غير مقبول. فيُكبّلون هكذا فكرَهم وممارَستهم، ودون الوعي بهذا التكبيل، أو التقييد القَبْلِي. بينما المُرونة الفكرية تقتضي القبول ب ''الملكية البرلمانية الديمقراطية'' إذا كان بإمكاننا فعلا أن نحقّقها. أمّا إذا ظَلّ النظام السياسي القائم يرفض تحقيقها على مَرّ عشرات السنين من التضحيات، فإن الحل البديل المنشود يُصبح هو ''الجمهورية البرلمانية الديمقراطية''. المهم ليس هو شكل السلطة (ملكية أو جمهورية)، وإنما المهم هو مضمونها، أي الديمقراطية. وهذه الديمقراطية ينبغي أن تتجلى في الكرامة، والحرية، والعدل، وفصل السّلطات، وحقوق الإنسان. وكل مناضل يضع ''سقفا''، أو يُسَطّر ''حدّا''، ثم يُحَرّم على نفسه تجاوز هذا ''الحدّ''، فإنه يفقد موضوعيته، أو يفقد حِسّه النقدي، أو قدرته على النضال الثوري. فهل هناك فرق بين شخص يَمنع نفسه من الطموح إلى أكثر من ''السقف'' الذي فرضه طَوَاعِيّة على نفسه، وشخص آخر يجبره نظام سياسي استبدادي على احترام ''خطوط حمراء'' محدّدة ؟ هل هناك فرق بين من يجبره عدوّه السياسي على عدم تجاوز ''خطوط حمراء'' مُعَيّنة، ومن يفرض على نفسه الخضوع ل ''مُقدّسات'' محددة ؟ أليس المناضل الثوري الحقيقي، هو الذي يهتدي في كل مناسبة بعقله وحده، ولا يقبل الخضوع لأي ''حدّ''، سواء في فكره أم في نضاله ؟ أليس المقاوم أو الثائر هو الذي يُصِرّ على أن يظل مُتَحَرّرا من كل ''القيود'' التي يمكن أن تَحُدّ من حريّته ؟ أليس المواطن الحُرّ هو الذي يَحْرُص باستمرار على أن يتفاعل بحرية تامّة مع كل مستجدات المجتمع، دون الخضوع لأي ضغط، أو إكراه، أو ''خط أحمر''، أو ''سقف''، أو ''مقدس'' ؟ - هل انقسام اليسار إلى عدة أحزاب يُشكّل عائقا؟ ظل اليسار بالمغرب ينقسم إلى 4 أو 5 أحزاب. وهذا الانقسام يدوم منذ 20 أو 30 سنة. لكن مُبَرّرات هذا الانقسام ليست واضحة بما فيه الكفاية، ولا مُقنعة. وفي الواقع، لا يلمس الملاحظ وجود خلافات جذرية فيما بين مناضلي مختلف أحزاب اليسار، سواء على مستوى الخط السياسي، أم على مستوى البرنامج النضالي، أم على مستوى منهج التفكير. والخلافات الموجودة فيما بين مناضلي أحزاب اليسار هي خلافات طبيعية، ولا ترقى إلى مستوى تبرير انقسامهم إلى أحزاب مُتَنَافِسَة أو مُتناقضة. وإذا ما استمر انقسام اليسار إلى عدة أحزاب متنافسة، فإن هذا اليسار سيظل بالضرورة، مُقَسّما، ومُتشرذما، و مُتَفرّقا، و ضعيفا. والفعالية السياسية لليسار ستبقى، في هذه الحالة، هزيلة، أو رديئة. بينما مصلحة اليسار تستوجب توحيده عاجلا في إطار حزب واحد، أو داخل جبهة حقيقية ومُوحّدة. ويمكن، إن اقتضى الحال، أن يعمل هذا الحزب المُوَحّد، أو الجبهة، بأسلوب التيارات، لتمكين مختلف الحساسيات السياسية من التعبير عن نفسها. - هل أحزاب اليسار بالمغرب تحمل تصوّرا مُوحّدا حول النظام السياسي المُقْبِل أو المَطلوب؟ منذ استقلال المغرب من الاستعمار الفرنسي، في سنة 1956، ظلّت قوى اليسار بالمغرب تُطالب ب ''دَمَقْرَطَة'' النظام السياسي الملكي الاستبدادي. وذلك هو ما زِلْنَا نُعَبّر عنه اليوم بِمَطْلَب ''ملكية برلمانية ديمقراطية''. لكن النظام السياسي المُستبد لم يتوقّف، إلى حَدّ اليوم، عن التحايل، وعن رفض أي دَمَقْرَطَة حقيقية. فهل يُعْقَل أن نستمر في المُطالبة، خلال ال 60 سنة الأخرى المُقبلة، بنفس المطلب الذي هو ''ملكية برلمانية ديمقراطية'' ؟ ورغم عِنَاد النظام هذا، لا زالت بعض قوى اليسار تُصِرّ على أن لا يَتَجاوز نضالها، الحالي أو المُقبل، ''سقف الملكية البرلمانية'' ! والقوى السياسية التي تَتَشَبّث باحترام هذا ''السقف''، تَقْضِي على أية إمكانية للنضال المُشْتَرَك مع قوى اليسار الأخرى التي لا تقبل هذا ''السقف''. ولا يُعقل أن تستمر أية قوة من بين قوى اليسار في تقييد نفسها داخل حدود شعار ''سقف الملكية البرلمانية'' خلال ال 60 سنة الأخرى المُقبلة. ألم يَحِن بَعْدُ الوقت لكي تراجع مجمل قوى اليسار بالمغرب شعارها حول طبيعة النظام السياسي المطلوب ؟ ألم يحن الوقت لكي تُبَلْوِر أحزاب اليسار تصوّرا مُوحّدا حول طبيعة النظام المَنْشُود ؟ ألا تقتضي الفعالية السياسية أن يكون تصور أحزاب اليسار للنظام السياسي المطلوب، مُوَحّدًا، واضحا، وحازما ؟ ألا يُسْتَحْسن أن يكون شعار اليسار من قبيل الشِّعار التالي : ''إمّا ملكية برلمانية وديمقراطية الآن، وإمّا جمهورية برلمانية وديمقراطية الآن، ولا نقبل بأي حلّ ثالث لهما''. - طرحتَ فيما سبق انتقادات مُوَجّهة إلى عموم أحزاب اليسار. أعطيني الآن أمثلة ملموسة على بعض الانتقادات الخاصة، الموجهة إلى كل حزب على حِدَة. فما هو مثلا نقدك الملموس ل ''حزب الاتحاد الاشتراكي'' ؟ هذا الحزب يحتوي على عدد من المناضلين المُخلصين. إنه فعلا حزب ضخم، مثل الفيل، لكنه أصبح منفوخا بالهواء، ثقيل في حركته إلى درجة أنه لم يعد يقدر على المشي أو التقدم. أصبحنا لا نسمع شيئا عن وجوده أو نضاله إلا بمناسبات الانتخابات. ويظهر أن غالبية النخبة السائدة داخل هذا الحزب لم تعد تتوفر على أية رغبة في تنظيم نضالات جماهيرية حازمة أو ثورية. وكُلّما جاءت مناسبة تاريخية حاسمة بالمغرب، إَتّضَح من خلالها العجز التام ل ''حزب الاتحاد الاشتراكي'' على استغلال هذه المناسبة. وقع ذلك مِرارا وتكرارا. وقع مثلا خلال الانتفاضات الشعبية الماضية، ووقع أيضا كلما حصل هذا الحزب على نِسَب هامة من مقاعد البرلمان. ووقع أيضا حينما نادى الملك الحسن الثاني على المناضل عبد الرحمان اليوسفي، زعيم ''حزب الاتحاد الاشتراكي''، لكي يَرْأس أول حكومة ''للتناوب التوافقي''. كما تَكَرّر ذلك العجز عِدّة مرات، مثلا حينما حصل هذا الحزب على عدد مُعتبر من الوزارات داخل الحكومة. ورغم كل هذه الفُرَص التاريخية، فإن هذا الحزب لم يَتَمَيّز بأي إنجاز سياسي ذي أهميّة. وكان النظام القائم، في كل مرّة، يحتال على هذا الحزب، ويستغلّه، ويتلاعب به، ثم يُضْعِفه، ثم يُهَمّشه. ولا شيء يُثْبِتُ، إلى حَدّ الآن، أنه هذا الحزب قادر على الاستفادة من أخطائه السابقة. - وما هو نقدك ل ''حزب التقدم والاشتراكية''؟ يحتوي هذا الحزب هو أيضا على مناضلين مُخلصين، يعملون في صمت، أو في الخفاء، لكن غالبية الجماعة الصغيرة التي تسيطر على هذا الحزب تمارس السياسة باعتبارها فَنّ النّفَاق. ورغم خطابها السياسي الباهت، فإنها لا تهتم سوى بمصالحها الشخصية الانتهازية. ويكفي أن يَنْزَع النظام السياسي القائم ''رَضّاعَة الحليب'' من فَمِ قِيَادة هذا الحزب لكي يَنْدَثِر خلال بضعة سنوات. ومن الصعب أن يبقى هذا الحزب موجودا بعد قرابة ال 10 سنوات المقبلة. - وما هو نقدك ''لحزب النهج الديمقراطي''؟ هذا الحزب، مثله مثل الأحزاب الأخرى، يحتوي على كثير من المناضلين الصادقين أو المُخلصين. المشكل هو أن الروح النقدية تنقصهم، وذلك إلى درجة أنهم لا يُحِسّون بنقط ضعف حزبهم. وظل الرأسمال الرئيسي لهذا الحزب هو الاستثمار في تُرَاث ''منظمة إلى الأمام'' وشهدائها. لكن ''تاريخ انتهاء صلاحية'' إيديولوجية منظمة ''إلى الأمام'' فات منذ زمان. ف ''حزب النهج'' هو حزب مُقَلّد، ومحافظ في ثوريته. ولا زال غير قادر على مراجعة أو تجاوز الأطروحات ''الماركسية اللينينية'' القديمة. يتعامل مع نظرية ''الماركسية اللينينية'' كأنها ''قرآن'' من نوع جديد، يحتوي على كل شيء، ولا يحتاج إلى أي اجتهاد جديد. بل يعتبر كل مُحاولة لتجديد الفكر بمثابة ''زندقة''. ويُعاني من الدّغمائية. ولا يجرؤ على إبداع أطروحات سياسية جديدة، أو لا يَتَجَرّأ على ابتكار أساليب نضالية من نوع جديد. بعض مناضليه يحفظون بعض المفاهيم أو العبارات الثورية، ثم يعتقدون أن ترديد هذه العبارات هو حُجّة قاطعة على ثوريتهم. وهو حزب غارق في النزعة ''السطالينية'' (Stalinisme). ولا يتحمّل النقد، لا من داخل الحزب، ولا من خارجه. ويميل إلى مُحاولة السيطرة على مجمل التيارات أو التنظيمات الجماهيرية. ويطلب من مناضليه أولا الولاء أو الإخلاص للقيادة، بدلا من أن يطلب منهم الكفاءة السياسية، أو استقلالية الشخصية، أو الفعالية النضالية، أو النزاهة الأخلاقية. وتوجد داخل هذا الحزب هيمنة الولاء لأشخاص، وليس الولاء لمباديء. وإذا استمرت هذه الظاهرة، فقد تُعرّض هذا الحزب لانشقاقات في المستقبل. ويميل بعض قِيّادِيّيه، أو بعض المسئولوين فيه، إلى ممارسة مناورات تكتيكية سرية داخل الحزب. ولا يجتهد هذا الحزب بما فيه الكفاية لتكوين مناضليه الشبان. ولا يهتم بتنمية روح الاستقلالية لديهم. ومستوى التكوين السياسي لمناضلي هذا الحزب يبقى غير مرض. و يستعمل هذا الحزب أساليب التَّجْيِيش وسط الشّبان، ويستعمل شَحْن العواطف، ويبالغ في تقوية الارتباط الحماسي، وذلك على حساب تنمية التكوين السياسي المُعَمّق، أو المنهج النقدي، أو العقلانية. - وما هو نقدك ''لحزب الطليعة''؟ هذا الحزب يُشبه ''حزب النهج''. وهو أيضا محافظ في ثوريته، لا يقدر على تجاوز أطروحات ''الاشتراكية العلمية''، أو ''الماركسية اللينينية''. ولا يجرؤ على تبني أطروحات سياسية جديدة. ولا يبتكر أساليب نضالية من نوع جديد. ويميل أحيانا إلى تقليد النزعة ''السطالينية''. ويميل إلى السيطرة على الحركات أو التنظيمات الجماهيرية (طبقا لنظرية ''الطليعة'' التي وضعها ماركس، وطَوّرها لينين و البلاشفة). ويُعاني هو أيضا من الدغمائية (dogmatisme). ولا زالت الولاءات فيه لأشخاص أو لزعماء قوية. ويظهر أن هذا الحزب لا يعرف بعد كيف يتغلب على مشكل خلافة زعيمه المريض، والذي يحظى بتقدير كبير و مُسْتَحَقّ. ويتوفّر على زعماء آخرين يحضون باحترام مَشهود لهم. لكن المشكل هو أن التّجربة تُبَيّن أن نزعة الزعامية تُضِرّ دائما، وفي آخر المطاف، بالمنهج النضالي أو الثوري، ولو مُورِسَت هذه الزعامة بحسن النّية. والتكوين السياسي لشباب ولمناضلي هذا الحزب هو أحسن نسبيا من مستوى تكوين مناضلي 'حزب النهج'، إلاّ أن هذا التكوين يبقى هو أيضا غير كاف. - وما هو نقدك ''للحزب الاشتراكي الموحد''؟ هذا الحزب فيه هو أيضا كثير من المناضلين الصادقين. لكنه يعيش تناقضا حادا بين جناح ثوري، وجناح إصلاحي، أو ''لِيبِيرَالِي''، أو شبه ملكي. وإذا لم يُعالج هذا الحزب هذا التناقض المذكور، فمن المُحتمل أن يتعرّض لخطر انشقاق في المُستقبل. ويعاني هذا الحزب من ضعف الانضباط لدى بعض مناضليه. بعض الأعضاء في هذا الحزب يناضلون ويُضَحّون بشكل مُتواصل، لأنهم يؤمنون بالحزب، بينما بعض الأعضاء الآخرين يظهرون كأنهم دائما غائبون، لا يُبَالُون لا بالحزب، ولا بالمُقَرّرات، ولا بالنضال. ويُفضّل جزء هام من أعضاء هذا الحزب صيانة قربه، أو ارتباطه، ب ''حزب الاتحاد الاشتراكي''، على قربه من أحزاب اليسار الأخرى. ربما لأن هؤلاء المناضلين يعتقدون أن ارتباط حزبهم ب ''حزب الاتحاد الاشتراكي'' يُعَزِّز لديهم الواقعية السياسية، أو يُقَوّي داخلهم المُراهنة على الانتخابات. أو لأنهم يظنون أن اقتراب حزبهم من أحزاب اليسار يحتوي على خطر تَقْوِيّة التيار الثوري أو المُتَشَدّد داخل حزبهم. وغالبا ما تخلق الاستحقاقات الانتخابية أزمات داخل هذا الحزب، وذلك نظرا للخلافات، أو المنافسات، التي تثيرها هذه الانتخابات داخله. - وما هو نقدك ''لحزب المؤتمر الاتحادي''؟ هذا الحزب له وضع خاص، لأنه يَتَمَاها مع نقابة ''الكُنْفِدرالية الديمقراطية للشغل''. ورغم أن مناضليه اِنْشَقّوا عن ''حزب الاتحاد الاشتاركي''، وقاموا بقطيعة فكرية وسياسية معه، إلا أن طموحهم إلى استعادة تأثيرهم على هذا الحزب لا زال يُراوِدُهم. وهذا الحزب هو من بين أحزاب اليسار الذين لا يتفاعلون إلا نادرا مع باقي أحزاب اليسار. ومشاركته في الأنشطة الثقافية، أو في الحركات الجماهيرية، تبقى أضعف نسبيا من باقي أحزاب اليسار بالمغرب. لكن حينما يتحرك هذا الحزب، فإنه يأتي بجماهيرية حاشدة. وتَوَجّهه الفكري أو السياسي غير مُستقر، أو غير واضح بما فيه الكفاية. - تنتقد الأحزاب، وهل تنتقد نفسك أيضا؟ بالطبع ! أنتقد نفسي في كل صباح وفي كل مساء. (يضحك). أخطائي، أو نقط ضعفي، هي أكبر وأكثر من نقط ضعف أحزاب اليسار. القضية هي فلسفية. النقد هو مثل الهواء أو ''الأُوكْسِيجِين'' الذي نَحْيَى به. إذا لم ينفع النقد، فإنه لا يَضُرّ. وفي حضارتنا العربية الإسلامية، النقد مرفوض، بل يُعْتَبر إهانة خطيرة، ربما لأن هذه الحضارة تخاف بشكل كبير من نقد الدين. بينما في الحقيقة النقد هو مُساعدة ثمينة. بدون ذهن نقدي، سنبقى سطحيين في حياتنا. على العُمُوم، لا ننتقد أعدائنا، وإنما ننتقد أحبابنا وأصدقائنا وشركائنا. لأننا نريد منهم أن يَتَحسّنوا. وكون شخصية الناقد (أنا، أو أي ناقد آخر) ناقصة أو مُخْطئة، لا يبرر الرفض المُسْبق للإنتقادات التي يطرحها هذا الناقد. لأن صَوَاب أو إفادة نقد مُحدّد، ليس مشروطا بكون شخصية الناقد أو ممارسته نَمُوذَجِيّتَين. لا أنتمي حاليا لأي حزب، لكنني أساند كل الأحزاب التقدمية والثورية. وأُقَدّر تضحياتها. وإذا توحّدت أحزاب اليسار في حزب واحد، آنئذ يمكن أن أنخرط في هذا الحزب. وَإِلّا، فَلَا. (يضحك). - ومن أين تاتيك هذه الانتقادات؟ لا أعرف تقريبا أي شيء عن الحياة الداخلية لأي حزب. لكن الأهم هو ملاحظة ممارسة هذه الأحزاب، من خارجها، وفي الميدان. الناقد لا يحتاج إلى مُخبرين مُنْدَسّين. من يريد أن تكون هذه الأحزاب أكثر فعالية، هو الذي يمكن أن يلاحظ نقط ضعفها. - هل من خاتمة؟ هذه أمثلة من الانتقادات الموجّهة إلى أحزاب اليسار بالمغرب. ومناضلون آخرون يُوَجّهون انتقادات أخرى إلى أحزاب اليسار. ويتكلمون عن نقط ضعف أخرى فيها. والمنطق السليم يستوجب، إن وُجِد ولو نقد واحد صحيح من بين هذه الانتقادات المذكورة سابقا، أن لا يهدأ بال المناضلين المعنيين بهذا النقد حتى يُصَحّحُوا هذا الخطأ أو النقص، بشكل تام، أو جذري. فهل هذا هو ما يفعله مجمل مناضلي أحزاب اليسار بالمغرب ؟ -- مقال عبد الرحمان النوضة، حرّر في 11 يونيو 2012. ويمكن تنزيل مقالات وكتب أخرى للكاتب بالضغط هنا.