الممثل عنصر أساس في إرساء حركة مسرحية مندمجة مع نسيجها الثقافي كيف يمكن للممثل المسرحي العربي أن يستفيد من أحدث التقنيات والمناهج الغربية في تكوينه وتطوير كفاءاته، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الخصوصيات النفسية والاجتماعية والفكرية لشخصيته؟ وإلى أي مدى استفادت المعاهد المسرحية العربية من التراكمات الغربية المتحققة في هذا المجال؟ وهل الممثل مجرد مؤد وناقل للنص المكتوب، أم إنه مبدع وفاعل فيه؟ وكيف يمكن للممثل العربي أن يساهم في إرساء حركة مسرحية مندمجة مع نسيجها الثقافي والاجتماعي؟ تلك إشكالات (من بين أخرى) يتمحور حولها كتاب ‘تاريخ الممثل في المسرح العربي'، الذي قام بإعداده الناقد والصحافي السوداني عصام أبو القاسم المقيم في الإمارات العربية المتحدة. والكتاب الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، يضم وقائع الملتقى الفكري المصاحب للدورة الثانية والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ويبرز طرق إعداد الممثل لدى المخرجين والمعلمين الكبار وكذلك في المعاهد الأكاديمية الغربية، كما يسلط الضوء على المهارات والكفايات المتمثلة في تمارين الجسد والحركة والصوت والاستبطان الداخلي. تسجل بعض البحوث التي يتضمنها الكتاب أن تطور المسرح على مر مراحل التاريخ فرض متطلبات وتقنيات جديدة على الممثل وطريقة تكوينه وصقل مهاراته، أي إن تكوين الممثل في المسرح ارتبط مباشرة بالتطور النوعي لاتجاهات المسرح وتحولاته حسب المراحل الزمنية، فالمسرح الحديث الذي شهد تطورا سريعا بفضل التكنولوجيا وتطور الفنون الأخرى فرض شروطا جديدة على الممثل وتكوينه الحِرفي. كما أن تعدد المناهج الغربية وأساليبها وطرائق تفكيرها وتطويرها، تختلف حسب الخصوصية النفسية والاجتماعية للممثل. وبالرغم من اختلاف الفلسفات في فن الممثل، يبقى الهدف واحدا هو تنمية قدرات الممثل في معامل واستوديوهات المناهج الغربية. ومن هنا كما ورد في أحد البحوث لا بد من الاستعانة بالمناهج الغربية، ولكن على الممثل العربي الاستفادة من المناهج الغربية بما يتنافس مع الخصوصيات النفسية والاجتماعية والجسدية. تتفق عدة دراسات واردة في الكتاب على أن جل الأساليب المتبعة في التكوين الأكاديمي للممثل في الوطن العربي أساليب قديمة ما زالت ترزح تحت وطأة التقليدية المؤسسة من خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، تم تصديرها إلى أقطار المشرق العربي، وهي لا تتماشى مع روح العصر وتطوره الحثيث في تكوين الممثل. يضاف إلى ذلك أن النموذج التربوي العربي في إعداد وتأهيل الممثل وتطوير قابلياته ومهاراته ما زال يتبع المعايير التقليدية التي تجاوزها الزمن في العديد من الأقطار، أي الولاء الكامل للعلاقة التشخيصية التقليدية القائمة بين الممثل ونص الكاتب. وفي هذا السياق، تستنتج إحدى الدراسات أن فن التمثيل في جل الأقطار العربية ظل يقدم مستوى محدودا من المعرفة طوال القرن العشرين، وبذلك قام فن الممثل على الهواية غير المقننة وعلى الصدفة والارتجال وعلى عدم الفهم العلمي السليم للفظة التمثيل. ولم تتطور فنون الإلقاء والتمثيل في المسرح العربي إلا بعد خمسينيات القرن العشرين، عندما ظهرت كتابات الممثل والمخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي. على صعيد آخر، تُجمع بعض بحوث الكتاب على أن الخطاب النظري حول المسرح العربي شكّل مجالا لتناول الممثل وفنه بالتأمل، بحثاً عن نموذج أو نماذج للتمثيل تتماشى والرؤى المسرحية التي تقترحها كل منظومة تنظيرية على حدة. غير أن هذا الخطاب في بعض وجوهه شكّل عائقاً في وجه نمو وعي حقيقي سواء لدى المنظّر أو الناقد أو الممارس المسرحي بدور الممثل المركزي في إرساء حركة مسرحية مندمجة مع نسيجها الثقافي، تجيب عن تساؤلات المجتمعات التي تعيش فيها، وتشبع انتظاراتها الفكرية والجمالية. تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى البحوث والدراسات، يضم الكتاب بين دفتيه شهادات ثلة من الفنانين المسرحيين والممثلين العرب من ذوي الخبرة والدراية التمثيلية، وهم: سميرة أحمد (الإمارات)، فايز قزق (سوريا)، عبد الرحمن أبو القاسم (سوريا)، غنام غنام (الأردن)، حيث قدم هؤلاء الفنانون خلاصات تجربتهم العملية، متوقفين عند النقلة النوعية التي أحدثها ذلك في مساراتهم الحياتية واختياراتهم الإبداعية، منوهين إلى مدى استفادتهم من خبرات الأجيال السابقة عليهم، ومؤكدين على ضرورة تعزيز الممارسة بالتكوين الأكاديمي المنهجي.