موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتضنته الدوحة خلال ستة أيام تحت شعار: نحو مسرح عربي جديد ومتجدد
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 02 - 2013

الربيع العربي يلقي بظلاله على الندوات والعروض في مهرجان المسرح العربي بقطر
ليس من باب الترف الفكري أن يتفاعل المبدع المسرحي مع القضايا التي تعتمل في واقعه ومحيطه، وأن يجعل منها موضوعا للتأمل ومادة خاما للاشتغال الدرامي. تلك حال الفنان المسرحي العربي اليوم، الذي يجد نفسه في خضم حراك اجتماعي وتحولات تثير أسئلة عديدة، وتطالبه بأن يكون فاعلا في الأحداث لا منفعلا بها فقط. ليس غريبا، إذن، أن تكون قضايا الربيع العربي حاضرة في الدورة الخامسة لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته مدينة الدوحة، خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 15 يناير الحالي، تحت شعار «من أجل مسرح عربي جديد ومتجدد». وكانت التظاهرة من تنظيم الهيئة العربية للمسرح بشراكة مع وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية. وتمثل حضور قضايا الربيع العربي على مستويين: مستوى النقاشات الفكرية والندوات العلمية ومن ضمنها ندوة حملت عنوان «أي ربيع للمسرح في الوطن العربي في ظل الربيع العربي»، ومستوى العروض المسرحية التي هيمنت على بعضها مواضيع الحرية ورفض الاستبداد والتسلط؛ فلا عجب أيضاً إن كانت جائزة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي لأفضل مسرحي عربي لعام 2013، من نصيب مسرحية «الديكتاتور» التي قامت فرقة «بيروت 8:30» اللبنانية بتحيينها وإعادة الاشتغال عليها من جديد، علماً بأن تاريخ تأليفها من طرف عصام محفوظ يرجع إلى عام 1968.
وقد اعتبر إسماعيل عبد الله (الأمين العام للهيئة العربية للمسرح) مهرجانَ المسرح العربي علامة منيرة في الساحة الثقافية والفنية العربية، وأعرب، في مؤتمر صحفي عقده خلال اليوم الأخير للمهرجان، عن ابتهاجه بما تحقق في هذه الدورة، سواء على مستوى العروض المسرحية أو على مستوى الندوات الفكرية والورشات التطبيقية. وجوابا على أسئلة الحاضرين، أوضح أمين عام الهيئة العربية للمسرح أن هذه الأخيرة لا تتعامل بأجندات مسبقة مع الأعمال المسرحية العربية، وإنما تحتكم إلى قرارات لجان الانتقاء الموجودة في البلدان العربية وفق معايير علمية دقيقة. ونفى بهذا الخصوص وجود أية نية لإقصاء المسرح المصري في هذه الدورة، معبّراً عن اعتزازه بالتجربة المسرحية المصرية الريادية، ومشيراً إلى أن مصر حضرت بعدد من وجوهها المسرحية المعروفة، والشيء نفسه ينطبق على بلدان عربية أخرى.
وأفاد أن الهيئة بصدد تشجيع تطور المسرح المدرسي في بعض البلدان كجزر القمر وموريتانيا والسودان ليشكل رافدا من روافد الحركة المسرحية. كما عبّر عن ترحيبه بجملة من الاقتراحات التي قدمت خلال المؤتمر الصحفي، والتي أكد أنها تندرج ضمن إستراتيجية الهيئة للتنمية المسرحية، واصفاً إياها ب «خارطة طريق» لاستنهاض المسرح من كبوته والمساهمة في ضمان مستقبل مسرحي آمن للأجيال القادمة. ومن ضمن تلك الاقتراحات: تخصيص حيز أوفر للورشات المسرحية وتتويجها بعرض مسرحي، وإحداث صندوق لدعم الفنانين، وعقد شراكات عالمية لترويج العروض المسرحية المتفوقة خارج الوطن العربي، وإعادة إنتاج العروض المسرحية الكلاسيكية المتميزة، وإحداث قناة تلفزيونية متخصصة بالمسرح، وإفراد مكانة خاصة لمسرح الشباب، والاهتمام بترجمات النصوص المسرحية وتشجيع الدراسات ونشرها.
وأعلن إسماعيل عبد الله أن الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي ستُعقد في الشارقة خلال العام المقبل، وذلك تزامنا مع اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية (2014)، موضحاً أن برنامج العروض المسرحية سيكون موزعاً على أكثر من قاعة مسرحية، مما سيساعد الفرق على إعداد ديكوراتها ومستلزماته التقنية والقيام بالتدريبات التي تسبق العروض في أحسن الظروف.
أي ربيع للمسرح في ظل الربيع العربي؟
«أي ربيع للمسرح في الوطن العربي في ظل الربيع العربي؟» كان هو عنوان الندوة التي ترأسها فهد عبد المحسن (من الكويت) وشارك فيها كل من نهاد صليحة (من مصر) وزهيرة بن عمار (من تونس) ومحمد الصادق (من ليبيا).
في مستهل الندوة ذكّر الفنان غنام غنام (من الهيئة العربية للمسرح) بأنه خلال دورة بيروت من مهرجان المسرح عام 2011، كان المهرجان يعيش على وقع الشارعيْن التونسي والمصري، إبان سقوط نظام بنعلي، وأنه في دورة عمان كانت العروض تركز على إدانة الطغاة والطموح نحو الحرية، والآن يقول غنام نعيش ذات الوضع بتجليات أخرى.
بدأت الدكتورة نهاد صليحة مداخلتها بملاحظة مفادها أن الربيع العربي أصبح أشبه بولادة متعسرة تسبب آلاما شديدة وقلقا دائما مستمرا وتأرجحا بين اليأس والرجاء، مؤكدة أن المسرح في مصر عكس هذه الحالة: حالة التوقع الفرح الأولى ثم إدراك أن الميلاد لن يكون سهلا، فبخصوص الحالة الأولى أوضحت المتحدثة أنه في بداية الثورة المصرية، أثناء اعتصامات ومظاهرات التحرير وغيره من الميادين، سادت حالة من الانتشاء والفرح التي تجلت في عروض احتفالية، وأخرى يمكن إدراجها ضمن ما تسميه كارول مارتن «مسرح الواقع». وقالت الدكتورة نهاد إن هذا الوصف ينطبق على العديد من العروض التي شاهدتها على مدار السنتين الماضيتين، والتي تهتم بوضع صور من الواقع الحي ومن التجارب الحقيقية التي حدثت أثناء الثورة على المسرح بأشكال فنية مختلفة، واستدلت على ذلك بمسرحيات: «حكايات التحرير» لفرقة «سبيل» و»ببساطة كدة» لفرقة «أنا الحكاية» و»لا وقت للفن» و»دروس في الثورة» لليلى سليمان و»تحت قمر الثورة» لهاني عبد الناصر و»ورد الجناين» لمحمد الغيطي و»كوميديا الأحزان» لإبراهيم الحسيني وغيرها.
ولاحظت المتحدثة أن هذه العروض، بصرف النظر عن مستواها الفني، تشترك جميعها في طرح إشكالية العلاقة بين الوقائع والأحداث من ناحية وبين تفسير الأفراد لها باعتبارها حقيقة أو واقعا حقيقياً. وأوضحت أن هذا النوع من المسرح يختلف عن المسرح الوثائقي الذي عرفه العالم العربي في الستينيات، فهو مسرح يواكب الحدث الذي يتخذه موضوعا ولا يستحضر أحداثا من الماضي بعد مرور سنوات عديدة من خلال الوثائق، كما أن أبطاله يتحدثون بأنفسهم عن تجاربهم أو يتحدثون بألسنة غائبين من أصدقاء عايشوا تجاربهم.
وأشارت الدكتورة نهاد إلى أن الثورة خلّفت تماساً بين الفرد كفنان والفرد كمواطن، فبرز مفهوم «المواطن/ الفنان/ المؤدي/ الناشط»، مستدلة على ذلك بمسرحية «دروس في الثورة» التي تصف فيها مخرجتها نفسها وفريقها بأنهم نشطاء فنيون. وسجّلت أن المسرح المستقل في مصر كان سباقاً في مواكبة الأحداث بعروضه، وأنه كان عاملا أساسياً في بروز المفهوم السابق ذكره، مؤكدة أن التحام الفنان/ المؤدي/ الناشط بمجموع الشعب إبان الثورة أذاب الفروق بين الأداء الفني والأداء الثوري. واستطردت قائلة: قد تكون معظم العروض الأدائية العديدة التي قدمت على مدار العامين الماضيين ذات قيمة وقتية، قد تزول بزوال الظرف التاريخي، لكن على الجانب الآخر، يمكن القول إن هذا الزخم المسرحي لا بد أن يفرز في المستقبل كتّاباً وفنانين ينتجون أعمالا لا تفقد قيمتها بمرور الزمن.
اختارت زهيرة بن عمار أن تعكس صيغة عنوان الندوة على الشكل التالي: «أي دور للربيع العربي في صنع ربيع المسرح العربي؟»، وذكرت أن المبدع العربي كان يعيش فترات نضال المسرح قبل الربيع العربي، وحاول أن يخلق لنفسه عالمه وربيعه الخاص، من أجل إيجاد توازنه الطبيعي من ناحية، ومن أجل حقه في التعبير عما يجيش في صدره من ناحية أخرى. وإثر الربيع العربي تضيف المتحدثة تكسرت كل الحواجز النفسية، وتفجرت المواهب الإبداعية، وبفضل هذا الربيع تغير الخطاب وتعددت لغات التخاطب وتباينت مناهجه، وكان من المؤمل ربيع ثقافي وثورة ثقافية، ولكن حصدنا صورة تبنتها أفكار إيديولوجية متخفية خلف أقنعة دينية واجتماعية حاولت بشتى الطرق الركوب على الأحداث وفرض هيمنة معنوية للتأثير من جديد على الفكر والإبداع. وتابعت قولها إنه في تونس مهد الثورات العربية ظل المسرح منذ الشرارة الأولى صامدا أمام جميع أشكال التيارات الفكرية الرافضة لمبدإ الاختلاف، رافضا كل أنواع الرقابة، متحديا المنطق التكفيري لبعض التيارات التي تجرم الفنون ولا تؤمن بالفن كرقي حضاري ورسالة نبيلة.
وختمت مداخلتها بمجموعة من المقترحات، في مقدمتها دعوة دول الربيع العربي إلى استشراف المستقبل الثقافي والمسرحي بما يقتضيه ذلك من بناء وهيكلة على أسس معاصرة، كما دعت القطاع الخاص إلى نشر ثقافة الاستثمار الثقافي، مطالبة أيضا بتكثيف التظاهرات المسرحية العربية وفتح المجال للمشاركات الأجنبية للاستفادة منها.
من جانبه أشار المخرج والممثل الليبي محمد الصادق إلى أنه بعد حدوث التغيير في بعض الأنظمة العربية، أصبح شارع الربيع العربي مسرحا مفتوحا للمشاهدة، يعبر عن واقعه وحقوقه دون أي رادع أو رقيب، كما أن مواطن الربيع العربي أصبح يرى واقعه الحياتي مهيأً لمنحه المشاركة في تفعيل حرية التعبير من خط اللقاء وليس من على المنابر ومقاعد المشاهدين. وتساءل المتحدث: ماذا يريد أن يقول المسرحي بعد ذلك؟ هل يردد ما يرفع من مطالب وشعارات في الشارع، ويتحول إلى ببغاء من خلال عروضه المسرحية التي لن ترتقي إلى مستوى الحدث؟ وبما أن المسرح كما لاحظ المتحدث هو فن مدني، فبالتأكيد أنه يغيب بعد إسقاط النظام، لأن المدن تفسخت وتريد إعادة هيكلتها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
وأعرب عن خشيته من تراجع المسرح بسبب غرق الإنسان في الهموم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما قد يبعده عن الفن الذي يُنظر إليه في المجتمعات العربية على أنه شيء ثانوي، في حين أنه من الأساسيات ويجب أن تعطى له الأولوية.
وعندما فتح باب النقاش أمام الحاضرين، تحدثت الكاتبة السعودية ملحة عبد الله من موقعها كشاهدة على ما يحدث في مصر، فأبرزت تكاثر الفرق المسرحية المستقلة التي بلغ عددها حوالي 300 فرقة، تناقش موضوعات فطرية وأخرى وجودية. ودعا الفنان القطري موسى زينل إلى حضور أقوى للمثقف العربي للحيلولة دون تحول الربيع العربي إلى خريف. فيما قال الفنان البحريني يوسف حمدان إن المسرح ليس حراكا آنيا بل هو رؤية بعيدة قرينة بالتحول والتحرك. وهو ما أكده محمد سيد (من السودان) حين ذكر أنه مع الثورة لا يمكن توقع تغيير سريع في المسرح حتى وإن امتلك مفاتيح مناسبة للعمل. ودعا الفنان حسين الخطيب (نقيب الفنانين الأردنيين) إلى قراءة متأنية لما يحدث في بلدان الربيع وعدم إنتاج ردود الفعل على المستوى المسرحي. بينما ركز كاظم نصار (من العراق) على أهمية الانفتاح على المسرح العالمي وكذلك الوعي بدور المسرح في المجتمع، ودعا الدكتور علي العنزي (من الكويت) إلى ضرورة دعم المؤسسات الثقافية في الوطن العربي، وطرح الطاهر الطويل (من المغرب) فكرة عدم الانسياق إلى نبل موضوع العمل المسرحي المرتبط بالثورات لتبرير الضعف الفني، كما أشار الدكتور مصطفى رمضاني (من المغرب) إلى أنه لا يمكن أن نجني ثمار الربيع العربي سريعا في جميع المجالات بما فيها المجال الثقافي والمسرحي تحديدا، وسجل صالح كرامة (من الإمارات) غلبة الطابع الثوري على الفني في جل الأعمال المسرحية المرتبطة بالحراك العربي وهو ما اعتبره أمرا طبيعيا، مثلما ذكر الفنان القطري غانم السليطي أن المسرح هو الاستقرار وعدو الارتجاج، وتحدث الفنان المصري نور الشريف عن الحاجة إلى كتاب مسرحيين ذوي تأثير لكن بلا خطابة، وفي السياق نفسه نبهت الباحثة المغربية لطيفة بلخير إلى مسألة العودة إلى تسييس المسرح، فيما اعتبرت الفنانة الأردنية الشابة أسماء الرقابة الذاتية أخطر أنواع الرقابات.
المسرح في قطر.. محطات وذكريات ومطالب أيضا!
خلال ندوة «المسرح في قطر: ريادة وتجارب مميزة»، دعا فنانون مسرحيون إلى إعادة إنجاز تأريخ للمسرح القطري، الذي قالوا إنه لم يُكتب بعد، وطالبوا بإعطاء اهتمام أكبر للبيئات الفنية الأساسية التي تشكل رافدا لتطوير المسرح ومده بالكفاءات والأجيال الجديدة، ولاسيما المسرح المدرسي والأندية الشبابية. كما ألحوا على ضرورة وجود تكتل للفنانين المسرحيين في إطار جمعية مختصة، مطالبين أيضاً بضرورة عدم إخضاع التعامل مع النشاط المسرحي للاعتبارات التجارية، سواء على مستوى تأجير أماكن التداريب والعروض المسرحية أو على مستوى الدعاية للأعمال المسرحية في وسائل الإعلام.
عاد الفنان عبد الله أحمد في مداخلته إلى الإرهاصات الأولى لفن المسرح في دولة قطر، والتي قال إنها ترجع إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، معتبرا أن السمة الغالبة لعروض تلك الفترة هو الارتجال الذي كان يقوم به شباب الأندية الثقافية والفنية. وبعدما تحدث عن وجود حيز من التمثيل في العروض الموسيقية التي كانت تقوم بها فرقة الأضواء الموسيقية التي تكونت في عام 1966، انتقل للحديث عن تأسيس «الفرقة الشعبية للتمثيل» بمبادرة من رائد المسرح العراقي موسى عبد الرحمن، والتي استمر نشاطها إلى بداية السبعينيات.
ثم تطرق المتحدث إلى تجارب أخرى كقيام دار المعلمين عام 1970 بتقديم مسرحية «صقر قريش»، وبعدها مسرحية «حلاة الثوب رقعته منه وفيه»، ثم تأسيس فرقة «المسرح القطري» بمبادرة من محمد عبد الله الأنصاري، ففرقة «مسرح السد»، ثم فرقة «الأضواء المسرحية»، وفرقة «المسرح الشعبي». وقال عبد الله أحمد إن هذه الفرق قدمت ما بين 1972 و1994 مسرحيات للكبار والصغار بلغ عددها 123 مسرحية، ولكن لظروف خاصة تقرر عام 1994 دمج الفرق الأربع في فرقتين إثنتين: فرقة قطر المسرحية وفرقة الدوحة المسرحية.
ولاحظ المتحدث أنه مع تزايد المتخصصين والدارسين لفن المسرح، أخذت الفرق تعتمد على وجهات نظر جديدة في الإخراج والتمثيل وتعتمد على نصوص عربية وعالمية بالإضافة إلى النصوص المحلية، فتولدت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح منذ عام 1981. كما أبرز كثافة مشاركة المسرح القطري في عدد من المهرجانات المسرحية العربية منذ عام 1975، لافتاً الانتباه إلى قلة الحركة النقدية الموازية التي تواكب الأعمال بطريقة موضوعية، مستثنيا من ذلك جهود الدكتور مرزوق بشير والدكتور حسن رشيد وحسن حسين الذي فقدته الساحة الثقافية المحلية.
وخصص عبد الله أحمد الجزء الأخير من مداخلته للكتاب والمخرجين الذين أرسوا بناء المسرح القطري: عبد الرحمن المناعي وغانم السليطي وحمد الرميحي، داعيا هؤلاء إلى تجديد شبابهم المسرحي والاقتراب أكثر من الجمهور. وختم كلمته بالتأكيد على ضرورة أن تلامس الأعمال المسرحية القطرية الواقع المعيش للناس برؤية كوميدية اجتماعية.
خلال تعقيبه على هذه المداخلة، ارتأى الباحث القطري مرزوق بشير توجيه الشكر إلى «الهيئة العربية للمسرح» التي أتت إلى قطر «لتحريك المياه الآسنة، ولتكون حافزا للمعنيين بالمسرح على تنشيط الحركة المسرحية القطرية التي كانت وما زالت من أهم الحركات المسرحية في الخليج»، على حد تعبيره. كما أثنى على ورقة عبد الله أحمد التي قال إن كاتبها جزء من تلك الحركة فهو شاهد وموثق وكاتب ومخرج وإداري وممثل. وارتأى صاحب التعقيب تقسيم المسرح القطري إلى مرحلتين: مرحلة الفطرة ومسرح النضج، متوقفا عند تجربة «نادي الطليعة»، وهي جماعة بنت مسرحا وأسست لتخصصات مسرحية وتناولت مواضيع تستثير الجمال والتحدي والمواجهة، لدرجة أن ذلك المسرح أغلق بعدما قدم مسرحية جريئة في موضوعها مجسدة ما يطلق عليه «الالتزام».
وتحدث عن بعض العوامل التي اعتبرها أثرت سلبا على الحركة المسرحية القطرية كدمج الفرق المسرحية الأربعة في فرقتين اثنتين، ودور الدراما التلفزيونية في استقطاب الممثلين، وانحسار دور الأندية والمراكز الشبابية، وإلغاء التوجيه المدرسي، وعدم وجود مسرح جامعي، وغياب مقرات للمسارح، وعدم التمكن من تكوين جمعية للفنانين المسرحيين، ودور الرقابة...
بعد ذلك، فتح المجال للنقاش، حيث انتقد الفنان حسين الخطيب (نقيب الفنانين الأردنيين) عملية الرقابة على المسرح القطري، وقال إن شروط الإبداع ينبغي أن تكون هي الأساس والحكم المفصلي. فيما دعا الفنان القطري غانم السليطي إلى عدم التعامل مع المسرح كمنتج تجاري وإلى رفع ما أسماه «الاعتقال الاقتصادي» عن المسرح القطري.
أما كاملة سالم العياد (مديرة إدارة المسرح في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت) فقد عزت هروب الجمهور من مشاهدة بعض العروض المسرحية العربية إلى تحول العديد من الأعمال إلى مجرد كباريه ورقص وجرأة زائدة عن اللزوم. بينما ركزت الباحثة الجزائرية الدكتورة جميلة مصطفى الزكاي على مسألة الفطرة في عدد من التجارب المسرحية العربية والتي تعتمد على الكتابة الجماعية للعمل المسرحي المصحوبة بالارتجال. ولاحظ الباحث المغربي الدكتور مصطفى الرمضاني وجود مفارقة متمثلة في تطور العمران وفقر المسرح، معتبرا أن النقد المسرحي لا يمكن أن يوجد بدون حركة مسرحية متطورة. فيما لفت الفنان البحريني الدكتور عبد الله السعداوي الانتباه إلى وجود توجه نحو الاستثمار في عالم الثقافة والفن من لدن مؤسسات رأسمالية. كما قال الفنان القطري موسى زينل إن المسرح في قطر حديث، وهذه الحداثة هي التحدي الذي يواجهه في عصر التلفزيون والفيديو والإنترنت.
وشكل حاضر العرض المسرحي القطري موضوع ندوة تحدث فيها الناقد سباعي السيد عن اتجاهات المسرح القطري، مقسماً إياها إلى ثلاثة: مسرح الموروث الشعبي، والمسرح الواقعي الاجتماعي، والمسرح الحداثي الذي ينزع نحو التجريب. وركز الصحافي أشرف مداخلته على ما أسماه «مشكلات وأزمات المسرح القطري»، معتبرا أن هذا الأخير تراجع خلال السنوات الأخيرة قياسا إلى فترة السبعينيات والثمانينيات، وعزا ذلك إلى جملة من العوامل، من ضمنها في رأيه: تسطيح التعامل مع القضايا الاجتماعية والتأرجح بين التراثي والحداثي، وعدم الاعتماد على نصوص مسرحية عالمية، واستعمال العامية المحلية في العروض المسرحية، وغلبة المسرح التجاري الوافد من بعض البلدان العربية، وعدم تحقيق مسرح الشباب للنتائج المرجوة منه.
لم تسلم مداخلة أشرف مصطفى من المقاطعة ولاسيما من لدن الفنانين موسى زينل وحمد الرميحي اللذين اعتبراها سطحية وغير دقيقة، بل إن الرميحي وجه لصاحب المداخلة سؤالا مباشرا: كم قرأت من نصوص مسرحية قطرية؟ ليجيب: لم أقرأ، ولكنني شاهدت عروضا مسرحية معاصرة.
وفي مجال التعقيب، قال الفنان سيار الكواري إن العرض المسرحي القطري موجود وذو حضور قوي ويشكل استمرارا لتجارب سابقة. أما الفنان موسى زينل فدعا إلى يقظة قوية لانتشال المسرح من وهدته، وقام الفنان غانم السليطي بتحديد بعض العوامل التي قال إنها قتلت الإبداع منها عدم الاعتماد على البعد التنويري للمسرح في الإطار الديني، وهيمنة الرقابة على العروض المسرحية. أما الفنان سعد بورشيد فقسم المسرح القطري إلى أربعة أجيال: جيل الرواد المؤسسين، جيل الرواد الأوائل، جيل التواصل والاستمرارية، جيل الشباب الواعد. ومن جهته، أكد مصطفى عبد المنعم على ضرورة ربط الماضي بالحاضر، فيما أبرز علي العنيزي أهمية الإلمام بخصوصية كل تجربة مسرحية قبل الحديث عنها.
وكان الفنان غنام غنام (عن الهيئة العربية للمسرح) آخر المتحدثين، فقال إن حضور المسرح القطري يتجلى من خلال رموزه التي ما زالت حاضرة بيننا. وشدد على ضرورة التدقيق أكثر عند الحديث عن حاضر المسرح القطري من خلال جرد لعدد المسارح وعدد المخرجين والممثلين والتقنيين والسينوغرافيين والنقاد وغيرهم. وأعرب عن اعتقاده بأن حاضر العرض المسرحي القطري لم يحضر في تلك الجلسة، كما أن كل الأوراق المقدمة خلال جلسات الندوة الفكرية هي مجرد عناوين بحاجة إلى تعميق وتدقيق وضبط، حتى تكون الدراسات شاملة ووافية. واستشهد في هذا الإطار بما تم في المغرب العام الماضي، حيث أنجزت دراسات في إطار ندوة «نقد التجربة: همزة وصل» بلغ مجموعها 800 صفحة ستنشرها الهيئة العربية للمسرح بين دفتيْ كتاب.
ثالوث المسرح القطري: المناعي والسيطي والرميحي
خصصت الندوة الرئيسية: «همزة وصل: المسرح في قطر ريادة وتجارب مميزة» لتجارب ثلاثة من رواد المسرح القطري: عبد الرحمن المناعي وغانم السليطي وحمد الرميحي.
في الجلسة المخصصة لعبد الرحمن المناعي، والتي أدارها الفنان القطري موسى زينل، أوضح الفنان غنام غنام (من الهيئة العربية للمسرح) أنه بعد نجاح تجربة «نقد التجربة: همزة وصل» التي نظمت العام الماضي في المغرب، ارتأت الهيئة تعميمها على باقي البلدان العربية بهدف توثيق أبرز العلامات المسرحية في كل بلد على حدة.
وفي السياق نفسه، أفاد إسماعيل عبد الله (الأمين العام للهيئة العربية للمسرح) بأن الهدف المتوخى من مثل هذه الندوات هو الوصول إلى موسوعة مسرحية موسعة تضم دراسات حول مختلف التجارب المسرحية الرائدة في العالم العربي. كما أبرز أهمية التجربة المسرحية في قطر وانعكاسها الإيجابي على صعيد الكتابة والإخراج المسرحيين وكذلك على صعيد تأسيس مسرح جماهيري نوعي.
ثم أعطيت الكلمة للفنان عبد الرحمن المناعي الذي أشار إلى أن المسرح في قطر حديث نسبياً، قائلا في إطار حديثه عن الريادة المسرحية: «نحن مجرد حلقات متواصلة، والريادة تعني الاستمرارية». وأوضح أن المسرح القطري يدين بالفضل بجانب جهود مجموعة من الفنانين والإداريين القطريين إلى كفاءات عربية أخرى ساهمت بالدفع به إلى الأمام، من بينهم هاني الصنوبر ونبيل الإلفي وغيرهما. وذكر أن المسرح القطري بدأ ينضج تدريجيا منذ أوائل السبعينيات حتى وصل إلى ذروته في أواسط الثمانينيات، مشيرا إلى إسهامات الفنانين حامد الرميحي وغانم السليطي وغيرهما، ملفتا الانتباه إلى وجود حركة نقدية موازية آنذاك.
بعد ذلك، قدم الفنان علي ميرزا محمود مداخلة بعنوان: «عاشق المسرح الكبير» اتسمت بنفحات أدبية وإنسانية شفافة، حيث تطرق إلى الشمولية التي تميز تجربة المبدع عبد الرحمن المناعي فهو المؤلف والكاتب والمخرج والشاعر والمغني ومصمم الديكورات والإعلامي. وتطرق المتدخل إلى تعرفه لأول مرة على المحتفى به، أواخر ستينيات القرن الماضي، في «نادي الجزيرة» في حي «أم غويلينه»، وهو النادي الذي كانت تقوده ثلة من مثقفي قطر المفعمين بالقومية العربية المؤمنين بدور الثقافة في بناء المجتمع. وأضاف الفنان ميرزا محمود أنه كان يذهب لمشاهدة أولئك الفنانين وهم يقدمون مسرحياتهم الارتجالية واسكيتشاتهم الكوميدية المرحة ووصلاتهم الغنائية الشيقة. واستطرد قائلا إنه بعد تواري النادي المذكور عن الأنظار قصدا أو عن غير قصد لمع عبد الرحمن المناعي من جديد في ثوب جديد مع المرحوم هاني الصنوبر وهما يحومان على كوكب مسرحية «أم الزين» في بداية سبعينيات القرن الماضي، والتي شارك فيها صاحب المداخلة نفسه ممثلا بجانب فنانين آخرين من أمثال علي حسن وسيار الكواري وحسن إبراهيم وغانم المهندي وسعاد العبد الله. تلت ذك مسرحيات أخرى: «باقي الوصية»، «المغني والأميرة»، «يا ليل يا ليل»، «هوبيل يالمال»... كما تحدث الفنان علي ميرزا محمود عن مساهمة المناعي في مسرح الطفل من خلال عدة أعمال، لافتا الانتباه إلى أن طريق المبدع المذكور لم يكن طريقه ولا مفروشا بالورود والرياحين، بقدر ما كان مليئا بالأشواك والزجاج المحطم والحصى والصخور. وختم مداخلته بالقول: «كما يقولون مسرح توفيق الحكيم ومسرح الطيب الصديقي ومسرح فواز الساجر وغيرهم ممن يُنسب إليه المسرح أو يُنسبون إليه، فإننا في قطر نقول مسرح عبد الرحمن المناعي، الذي ولا شك أيضا أنه سيترك أثرا في جيل كامل من الفنانين المسرحيين الموجودين بين ظهرانينا، ولا شك أنه سيترك أثرا في جيل آت ومقبل من الفنانين القطريين والعرب كعلامة فارقة وبارقة في الحراك المسرحي العربي...»
ثم أعطيت الكلمة للمبدع البحريني خليفة العريفي للتعقيب، فأشار إلى أنه لا يود التعليق على مداخلة الفنان علي ميرزا محمود، لكونها لم تكن ورقة نقدية لا عن أسلوب المناعي في الكتابة ولا عن رؤيته الإخراجية، بقدر ما كانت ورقة أدبية. وفضل في المقابل الحديث عن بعض مميزات نصوص الفنان المناعي، والتي حددها في الغنائية والملمح الشعري وحضور البعد الواقعي وتوظيف التراث بشكل عميق، مما جعله كما يقول قدوة للعديد من الكتاب المسرحيين في الخليج عموما. وختم كلمته بالقول إن المناعي لم يتوقف، بل إنه ما زال يشتغل وإن لديه نصوصا سترى النور على خشبة المسرح.
بعد ذلك، فتح باب المناقشة أمام الحاضرين، فطرح شمس الدين يونس سؤالا عن أهم سمات مسرح المناعي، وكذا عن مدى تأثير الحركة المسرحية في قطر. واقترح عبد الله السعداوي أن تقوم الهيئة العربية للمسرح بتكليف نقاد وكتاب بإنجاز دراسات وافية عن المسرح الخليجي من خلال النصوص المسرحية. وفي السياق نفسه أكد جان قسيس على ضورة التوثيق لذاكرة المسرح العربي. فيما تحدث علي العنيزي عن مسرحية «أم الزين» وموقعها في الحركة المسرحية القطرية، مبرزا أهم ملامح التجربة الفنية لدى المناعي. وثمنت كاملة العياد فكرة التوثيق، داعية إلى أن يكون بمثابة سجل تاريخي شامل. واعتبرت جميلة مصطفى الزكاي أن تجربة المناعي لا تختلف كثيرا عن تجارب الرواد الأوائل في عدة بلدان عربية، مقترحة إصدار سلسلة للتعريف بالأعلام المسرحيين العرب. أما الفنان سعد بورشيد فلم يقو على مغالبة دموعه وهو يسترجع ذكرياته مع الفنان المناعي الذي قال إنه كان بمثابة الأب والأخ والمعلم المسرحي معتبرا إياه «الأب الروحي للمسرح القطري».
وتعقيبا على بعض الاستفسارات الواردة في مداخلات بعض الحاضرين، أوضح إسماعيل عبد الله (الأمين العام للهيئة العربية للمسرح) أن الندوة الفكرية تندرج في إطار استراتيجية شاملة تتبناها الهيئة وستنطلق في صيغتها النهائية خلال الشهر القادم، وتتضمن عدة مشاريع من ضمنها إحداث المركز العربي لتوثيق المسرح، وذلك لتدارك النقص والخصاص الموجود على مستوى استرجاع الذاكرة المسرحية. وأضاف أنه لن يتم الاكتفاء بما ورد في الندوة من مداخلات، بل سيُعزز ذلك بدراسات نقدية حول تجربة عبد الرحمن المناعي في التأليف والإخراج والإبداع المسرحي عموما.
في إطار الجلسات الفكرية المتعلقة بالمسرح القطري، خصص الفنان سعد بورشيد مداخلته للحديث عن «حمد الرميحي مخرجا مبدعا وكاتبا متميزا»، فأشار إلى أن هذا الفنان بدأ حياته الفنية عام 1969 ممثلا في مسرحية «صقر قريش»، ولكنه سرعان ما ترك التمثيل لعدم تفوقه فيه. غير أنه بسبب عشقه لهذا الفن الساحر لم يترك المسرح، وكانت نقطة التحول في حياته بتركه عالم التدريس والتحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، وبعد تخرجه من المعهد ازداد تعلقه بالمسرح من خلال الكتابة والإخراج وذلك منذ عام 1980 حتى الآن؛ وقد كانت بدايته في التأليف من خلال الكتابة الجماعية لنص «رحلة جحا إلى جزيرة النزهاء» بمعية زميليه في الرحلة الإبداعية: الفنان غانم السليطي والناقد الدكتور مرزوق بشير، تحت الإشراف المباشر للمخرج التونسي المنصف السويسي عام 1979.
ثم تناول الفنان بورشيد بالتحليل عددا من مسرحيات الفنان حمد الرميحي، وفي مقدمتها مسرحية «بودرياه» التي اعتبرها المتحدث «مفاجأة غير متوقعة» و»بطاقة تعريف لهذا الكاتب والفنان حديث العهد آنذاك بالتخرج من المعهد الأكاديمي»، وقد كتبها في صيغتها الأولى عام 1981، وأخرجها الفنان حسن إبراهيم. وأوضح بورشيد أن المؤلف تعامل في هذا النص المسرحي مع أسطورة «بودرياه» رمز الخوف والرعب في عقول وقلوب البحارة البائسين، فجعل من إحدى شخصياته رمزا للثورة على التسلط والجبروت، وكانت بمثابة الشرارة الأولى التي انطلقت في وجه كل من يحاول أن يغيب العقول وأن يشل التفكير لغالبية الجموع. وأضاف المتحدث قائلا: «إن أسطورة «بودرياه» لم تفارق الكاتب حمد الرميحي، ولم تغادر مخيلته أبدا، وربما أحس بأن تلك التجربة لم تأخذ حقها في النضج، وأن هناك أسراراً كثيرة لم تكتشف بعد، فأصر على مواصلة البحث والدراسة في قضايا التمرد والثورة على السائد والموروث من المعتقدات القديمة والأساطير الراسخة، فأعاد صياغة النص من جديد، وأصر في هذه المرة أي عام 1988 أن يتصدى بنفسه لإخراج هذه المسرحية بعد أن تسلح بتجاربه التأليفية والإخراجية من خلال مسرحية «المجانين» مؤلفاً (1982) ومسرحية «المناقشة» تأليفاً وإخراجاً (1983).
ثم انتقل بورشيد إلى الحديث عن أعمال مسرحية أخرى كتبها حمد الرميحي منذ أوائل التسعينيات: «عذابات أحمد بن ماجد»، «رأيت الذي سوف يحدث»، «موال الفرح والحزن»، «حلم رجل أسود»، ّالمحارة ملكة الأزمنة القديمة»، «سجلات رسمية»، «بترول يا حكومة»، «القرن الأسود»، «ورقة حب منسية»، «أبو حيان التوحيدي»؛ مؤكدا أن مسرحيته «قصة حب طبل وطاره» شكلت ظاهرة جديدة في المسرح القطري خصوصاً والخليجي عموماً، لما تحبل به من معالجة درامية عميقة للثنائية الأزلية (الرجل والمرأة).
بعد ذلك، قدم الفنان يوسف حمدان ورقة بعنوان «حمد الرميحي.. أفق الحب والحرية في مسرحنا الخليجي»، ذكر فيها أن الرميحي يشكل في علاقته مع المسرح حالة عصية وإشكالية، يصعب الاقتراب منها في سرده الحكواتي الشخصي لها، ويصعب التّماس معها حين تخرج من حيز الحكواتي الشعبي البسيط. وأضاف أن الرميحي منح المسرح في الخليج العربي حقنة حقيقية لعروبة المسرح في فضائها الإنساني الأوسع، وأنه علاوة على ذلك اجتمعت في شخصيته شخوص وأجسام تقاطعت مع الشعراء الصعاليك وشعراء الحب العذري والصريح ومع شطحات وارتحالات المتصوفة الفلسفي ومع جموح وتحديات ابن ماجد وعبثية موليير وبيكيت ومع تمرد ونّوس... ولاحظ أن تجربة الرميحي لم تنصف نقدياً في قطر، بل إن البعض ممن كتبوا في النقد ظلمه لأسباب «تابوهات» اجتماعية عقيمة أبعد ما تكون عن النقد، بل حتى عن الانطباع العابر عن التجربة.
في تعقيبه على المداخلة، أشار الفنان موسى زينل إلى أن حمد الرميحي فنان متجدد لم يقف عند لون معين، وبذلك يوجد في كل عمل من أعماله ملمح جديد في الشكل والمضمون. وفي السياق نفسه، اقترح الفنان نور الشريف إنجاز توثيق بصري دقيق حول أسلوب إخراج حمد الرميحي لأعماله، حتى يكون مرجعا للباحثين والمهتمين. ووصفت الباحثة لطيفة بلخير المبدع الرميحي بالكاتب الإشكالي الذي لا يقبل المهادنة، فيما لاحظ علي مهدي أن الفنان المذكور يخلق فرجة مختلفة تجمع بين الشعبي والتراثي وتراهن على الصورة المشهدية الموحية، مما يجعل عروضه حسب رأي الفنانة أسماء مصطفى تعكس من جهة شاعرية ملحوظة ومن جهة ثانية تعاملا إبداعيا مع جسد الممثل. أما الباحث مصطفى الرمضاني فاعتبر أنه من السابق لأوانه الحديث عن مدرسة مرتبطة بفنان مسرحي معين، بقدر ما يمكن الحديث فقط عن تجارب قائمة على الاجتهاد. أما الفنان سيار الكواري فقال إن للرميحي أسلوبا مميزا وأنه حساس ورقيق في كتاباته وفي تعامله مع الممثلين.
وكانت جلسة أخرى قد خصصت للحديث عن الفنان القطري غانم السليطي، حيث تدخل الفنان المسرحي الإماراتي مرعي الحليان بورقة حملت عنوان: «الخطاب المسرحي الثائر ضد سطوة الجهل»، تحدث فيها عن الوجوه الفنية المتعددة للسليطي: ممثل مسرحي يمتلك أدواته الأدائية الاحترافية القادرة على شد انتباه الجمهور وجذبه، ومؤلف كتب عشرات النصوص المسرحية والدراما التلفزيونية، ومخرج ناقد لم يتنازل عن أشكال المسرح الكلاسيكي بهدف تقريبه إلى الجماهير الغفيرة نافرا من التغريب والمغالاة. وأكد أن كل أعمال السليطي لا تخرج عن خطاب واحد امتلك وعيه ووظفه لكي يؤشر إلى المزالق التي أوجدتها اختلالات الحياة والبيئة واعتلال الشخصية الخليجية نتيجتها؛ موضحاً أن المتغيرات التي مر بها الإنسان الخليجي والتي يمر فيها إلى اليوم كانت هي الصلصال الذي صاغ لنا به السليطي أعماله المسرحية والدرامية التلفزيونية حتى اليوم، والغريب والمدهش يقول صاحب المداخلة أن السليطي أصر وما زال يصر على قسوة خطابه اللاذع ومبضعه الفني الجارح لكي يقوض شرور تلك المتغيرات.
وفي تعقيبه على المداخلة، قال الفنان موسى زينل إنه كان من المفروض أن يتوقف المتحدث مرعي الحليان عن نموذج مسرحي واحد ليقدمه بشكل تحليلي مستعينا ببعض الوسائل التقنية الحديثة. واعتبر أن الانطلاقة الفنية الحقيقية للسليطي كانت في مسرحية «المناقشة»، مؤكدا أن هذا الأخير كفنان كوميدي لم يلجأ إلى الإسفاف ولو في جملة واحدة.
احتفاء بمريم سلطان وأحلام محمد
أثنى عدد من الفنانين العرب على قيام «الهيئة العربية للمسرح» بمبادرة تكريم ثلة من المبدعات العربيات، واعتبروا ذلك التفاتة طيبة تجاه نساء فنانات استطعن أن يشققن مسارات في درب الإبداع، رغم صعوبات السياقات الاجتماعية التي رافقت بداياتهن. ودعا المتحدثون إلى توثيق تجارب الفنانات المسرحيات الخليجيات من خلال كتاب شامل، علاوة على إيلائهن الوضع الاعتباري والمادي اللائق بإسهاماتهن البارزة.
جاء ذلك في إطار فعاليات فقرة التكريم التي تميزت بتكريم الفنانتين مريم سلطان (من الإمارات العربية المتحدة) وأحلام محمد (من مملكة البحرين)؛ اللتين بسطتا للحاضرين أهم معالم تجربتهما الفنية، قبل أن يقدم بعض الفنانين الخليجيين ممن واكبوا تلك التجربة شهادات في حق المحتفى بهما.
أعطى مسير الجلسة الكاتب والصحافي الكويتي عبد الستار ناجي الكلمة «للمرأة التي اخترقت حاجز التقاليد وندرت نفسها للمسرح»، على حد تعبيره، الفنانة مريم سلطان التي تحدثت عن صعوبات البداية الفنية، موضحة أنها احتكت بعالم الثقافة والفن والدراما وهي صغيرة، من خلال مشاهدة المسلسلات المدبلجة في وقت لم تكن فيه مشاهدة التلفاز متوفرة لكل الأسر، وكذا من خلال قراءة الكتب والمجلات. وأشارت أنها كانت تسترق لحظات اللعب المسرحي في غفلة من الأسرة، ثم انتقلت للحديث عن مشاركتها الأولى في مسرحية «شمس النهار» لتوفيق الحكيم حيث أدت دور الأم، وبعد ذلك في مسرحيات «درس من الزمن» و»سبع ليالي» و»كلهم أبنائي» وغيرها من الأعمال التي بلغ عددها 52 مسرحية وأعمال درامية تلفزيونية وإذاعية؛ مشيرة في هذا السياق إلى احتكاكها بتجارب رواد من أمثال: عبد الله المناعي وعبد الرحمن الصالح وصقر الرشود وإبراهيم جلال وخليفة العريفي وغيرهم... ومن بين المحطات الفنية الأخرى التي توقفت عندها الفنانة مريم سلطان: مشاركتها في فرقة المسرح الشعبي، وأول زيارة فنية لها إلى مهرجان دمشق المسرحي، ومشاركتها في دورة تدريبية حول المسرح ببلادها خلال بدايات الثمانينيات، بالإضافة إلى مشاركتها المسرحية في مهرجانات بالمغرب والكويت وتونس وقطر وعُمان... وختمت مريم سلطان كلمتها باللقب الذي يُطلق عليها في الساحة الفنية الخليجية: «أم المسرحيين»، بالنظر إلى الجانب الإنساني الرفيع اللصيق بها، فهي تعتبر المسرحيين بمثابة أبنائها، تصغي إليهم وتحاول إيجاد حلول لمشاكلهم، لما يجدون فيها من دماثة خلق وصدر حنون.
بعد ذلك قدم مسير الجلسة الفنانة البحرينية أحلام محمد بعبارة «قامة كبيرة في المسرح وفي الدراما الخليجية عموما»، مبيناً أنه عاصرها في الكويت في المعهد العالي للفنون المسرحية.
تحدثت أحلام محمد في كلمتها عن الدور الذي لعبه كل من أخيها (الذي كان ذا اهتمامات فنية وعضوا في أحد المسارح بالبحرين) ووالدتها في ولوجها عالم التمثيل، علاوة على وجود وعي على المستوى الرسمي بضرورة اقتحام المرأة مجالات العمل والمشاركة الميدانية بجانب الرجل. وأوضحت أنها بدأت وهي صغيرة تتشبع بعالم الفن من خلال مشاهدة الأفلام المصرية في التلفزيون، وكذا من خلال تقليد بعض الأدوار بطريقة عفوية في البيت. واستطردت قائلة إنها بدأت التمثيل عن سن الخامسة عشر، حيث يلجأ أصحاب الفرقة المسرحية إلى وضع الماكياج على وجهها وإلباسها حذاء بكعب عال ووضع باروكة على رأسها لكي تبدو أكبر من سنها، استجابة لمتطلبات الدور المسرحي. وأفادت بأن أول مشاركة مسرحية لها كانت من خلال أداء دور ثانوي في مسرحية «أنتيغون» سنة 1971، موضحة أنها استعانت بأخيها في فهم أبعاد المسرحية، إذ زودها بكتاب من سلسلة «المسرح العالمي» الكويتية، الذي يتضمن مقدمة عن المسرح اليوناني، تلت ذلك كما قالت مسرحيات أخرى وأعمال درامية تلفزيونية. وذكرت أن شباب الفرق المسرحية كانوا يتخذونها كمثال، حين يأخذون بيدها ويتوجهون إلى بعض الأسر لإقناعها بأهمية مشاركة الفتيات في المسرح ولإبراز أدواره النبيلة.
وأشارت إلى أن عمل تلفزيوني لها كان في منطقة الدمام بالمملكة العربية السعودية، وذلك في دراما حملت عنوان «الدنيا بخير»، وقالت إن أعضاء الفرقة كانوا يدخلونها إلى فضاءات التصوير خفية في وقت كان فيه محظورا ولوج المرأة إلى عالم التمثيل بجانب الرجال.
بعد ذلك، تحدثت أحلام محمد عن الانعطافة الهامة التي شهدتها مسيرتها الفنية، والمتمثلة في ولوج المعهد العالي للفن المسرحي بدولة الكويت، معبرة عن امتنانها لعدد من الأساتذة الكبار من أمثال جلال الشرقاوي وكرم مطاوع وأحمد عبد الحليم وغيرهم. ولم تستطع الفنانة أحلام محمد كفكفة دموعها حين وصلت إلى ذكر اسم الفنان الراحل صقر الرشود، مبرزة أنه أخذ بيدها وقدم لها مساعدات جليلة لتطوير أدائها الفني الذي قالت إنها ستواصله باستمرار. وهنا، خيمت على قاعة الندوة أجواء التأثر والوفاء والمحبة، مثالا للتواصل الإنساني بين الأجيال الفنية.
ابتدأت شهادات الفنانين الذين حضروا الندوة التكريمية بشهادة الفنان الإماراتي سيد سالم الذي قال إن المحتفى بهما «كسرا حاجز الصوت، صوت العيب»، وتحدث عن فترة الزمالة مع الفنانة مريم سلطان والتي انطلقت في الدورة التدريبية الأولى حول المسرح بحضور كوكبة من نجوم العرب، حيث توزع المشاركون إلى مجموعتين: مجموعة صقر الرشود ومجموعة سلطان الشاعر؛ وأوضح المتحدث أن تلك الدورة أنجبت عددا من الأسماء الفنية البارزة. ثم أشاد بالجانب الإنساني الرفيع الذي يميز مريم سلطان قائلا إنها كانت الأم والأخت والأستاذة الحنون بالنسبة للكثيرين ممن احتكوا بها عن قرب وكانوا يجدون منها النصح والأذن الصاغية لمشكلاتهم والأمينة على أسرارهم وأغراضهم. وأضاف أنها امرأة تحدت الصعاب والمعاناة وكافحت وربت أبناءها، وقاست من الظلم أحيانا، ولكن يكفيها محبة الناس واحترامهم لها.
أما الفنان القطري غانم السليطي فأبرز أن من أهم مميزات مريم سلطان التواضع الكبير الذي يُفتقد لدى الكثير من الفنانين والفنانات، وتطرق إلى مساهمتها في بعض الأعمال المسرحية والتلفزيونية بدولة قطر. كما أثنى على زميلة دربه في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت الفنانة أحلام محمد التي قال إنها رفدت الحركة المسرحية والدراما التلفزيونية في البحرين وأيضا في قطر منذ الثمانينيات. ووجه الشكر لراعي المهرجان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي يجمع بين تدبير الحكم ورعاية المسرح. وختم المتدخل كلمته بملاحظة تتعلق بموضوع التكريم عامة في العالم العربي وفي الخليج العربي تحديدا، داعيا إلى عدم اقتصار المبادرات التكريمية المخصصة للفنانين على الجانب المعنوي فقط، بل أن تشمل أيضا الجانب المادي للمساهمة في إعطاء الاعتبار المستحق لرجال الفن ونسائه.
الفنان العراقي عزيز أخيون قال إنه من خلال معايشته لهموم المرأة المبدعة، في العالم العربي عموما وفي الخليج خصوصا، لاحظ وجود صعوبات جمة تعترض عملهن وطموحاتهن. ولذلك يضيف فإنه مهما قيل عن جهود المرأة في المسرح الخليجي يبقى المسكوت عنه أكثر، مما يتطلب معه تدوين هذه الجهود في كتاب شامل.
أما الفنان الإماراتي عبد الله صالح فقال إنه تعلم من الفنانة مريم سلطان أشياء كثيرة من بينها الالتزام واحترام الوقت والمواعيد، مشيراً إلى أنها كانت بمثابة أخصائية نفسية للكثيرين ممن عملوا بجانبها، وموضحا في هذا السياق أنها لعبت دورا أساسيا في إقناعه بالعدول عن فكرة الابتعاد عن المسرح أثناء ظرفين خاصين مر بهما.
الفنانة العراقية عواطف نعيم أكدت أن وجود نساء مبدعات يدين في جزء منه إلى وجود رجال متنورين يحترمون المرأة ويتعاملون معها كأخت وكمبدعة ويجلونها كما يجلون المسرح، معطية مثالا على ذلك بالفنان الراحل صقر الرشود؛ وهو ما يعني أن المسرح بخير وأن الحركة المسرحية تسير بجهود مشتركة لرجال ونساء مما يبشر بنتائج محمودة، حسب توقعات الفنانة عواطف التي أثنت على جهود «الهيئة العربية للمسرح» في هذا الإطار.
آخر الشهادات كانت للفنان التشكيلي والمسرحي الإماراتي محمد يوسف الذي ذكّر بما يميز الفنانة مريم سلطان، فهي الوالدة والأخت والمربية والفنانة، وهي أيضا بتعبيره «مخفر الشرطة» التي نشتكي لديها، لأنها كانت خلال مسيرتها الفنية تجمع بين الصرامة والحنان. كما تطرق إلى بعض محطات الفنانة أحلام محمد ومن ضمنها خصوصا العمل التلفزيوني الموجه للأطفال «افتح يا سمسم» والعديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية.
ثريا جبران غابت جسداً وحضرت وجداناً
كانت بحق لحظة وفاء والتفاتة إنسانية عميقة، تلك التي خصصها مهرجان المسرح العربي في الدوحة، حينما نقل بالصوت والصورة وضعية الفنانة المغربية ثريا جبران، التي حالت ظروف صحية طارئة دون حضورها المهرجان، من أجل إلقاء كلمة اليوم العربي للمسرح.
العديد ممن حضورا حفل افتتاح المهرجان في المسرح الوطني للدوحة، سواء كانوا فنانين ومثقفين ومسؤولين أو نقادا وإعلاميين، لم يخفوا مشاعر التأثر بذلك المشهد، وهم يرون ثريا جبران التي نقلت إلى إحدى مصحات الدار البيضاء المغربية للعلاج تتحدى الألم والمعاناة، لتعانق الأمل والفرح، وتقول مخاطبة أهل المهرجان: «إن وعكة صحية ألمت بقلبي وجعلتني أغيب عنكم، لكنني سأكون حاضرة بقلبي ووجداني»، وتضيف بالكلمات الحارة نفسها: «اشتقت إليكم كثيرا، لكن لدي أملا كبيرا في أن أراكم في القريب العاجل».
تلك هي ثريا جبران التي تحمل في داخلها صبرا قويا وقدرة لافتة على الصمود والمقاومة، حتى في أصعب الظروف الصحية. وتلك هي بعض سمات الفنان الحق، الذي يجمع بين حساسية مرهفة بالناس وقدرة على تمثل مشاعرهم والتعبير عنها إبداعياً، وبين عدم الاستسلام للمرض والمعاناة، بل إنه يجعلهما جسرا منفتحا على المستقبل وتجسيدا لإرادة العطاء الذي لا ينضب.
ومن ثم، فإن «الهيئة العربية للمسرح» مثلما لاحظ العديد من متتبعي مهرجان المسرح العربي في الدوحة أصابت مرتين: مرة حين أسندت للفنانة القديرة ثريا جبران إعداد كلمة اليوم العربي للمسرح، ومرة أخرى حين أبت إلا أن تنقل من خلال شريط فيديو الظرف الخاص الذي تجتازه تلك الفنانة، حتى تشعر بأن الجميع يقف بجانبها، وأنهم زاروها روحياً ووجدانياً في غرفتها بالعيادة الطبية في المغرب، حتى وإن ظهرت قرب باب الغرفة يافطة مكتوب عليها «الزيارة ممنوعة». وبالنيابة عن الفنانة ثريا، ألقت الفنانة اللبنانية رندة الأسمر كلمة اليوم العربي للمسرح دون أن تستطيع مغالبة التأثر من حال سيدة المسرح المغربي.
وكانت ثريا جبران موضوع إحدى جلسات ندوة «نقد التجربة.. همزة وصل» التي نظمتها «الهيئة العربية للمسرح» في إطار الحلقات الفكرية لمهرجان المسرح المغربي الذي نظم بمدينة مكناس العام الماضي، حيث قدم الناقد والكاتب المسرحي محمد بهجاجي مداخلة عن هذه الممثلة ثريا جبران وعن مختلف المحطات الفنية التي مرت بها تجربتها، بدءا بفرقة «المعمورة» ومسرح الهواة، ثم مع الفنان الطيب الصديقي، وصولا إلى تأسيسها لفرقة «مسرح اليوم». وتوقف عند تجربة «مسرح اليوم» التي امتدت من 1987 إلى 1992، مشيرا إلى أن خصائص هذه التجربة تمثلت في المزاوجة بين البحث المسرحي واستهداف الجمهور الواسع، وإرساء لبنات الإنتاج المسرحي، وتنوع مصادر الدعم والتمويل، وإعادة الاعتبار للنص المسرحي، وتقليد عمل كل موسم. وشبّه المتدخل مسار ثريا جبران ب»صخرة سيزيف»، حيث كانت هذه الممثلة تعيش ظروفا صعبة مهنياً واجتماعياً لتقوم من جديد في محاولة لاسترداد أنفاسها وتوهجها؛ موضحاً أن هذا مسار طبعته عدة ثنائيات: التألق والخفوت، الصدفة والاختيار، الحركة والسكون.
ثريا جبران، واسمها الحقيقي السعدية فريطس، من مواليد مدينة الدار البيضاء عام 1952، وقد استعارت لقبها الفني «جبران» من الاسم العائلي لزوج أختها الفنان المسرحي محمد جبران، الذي تعلمت على يديه المبادئ الأولى لأب الفنون، كما كان لتجربة المؤلف والمخرج والممثل المسرحي عبد العظيم الشناوي دور كبير في تطوير موهبة التمثيل لدى ثريا جبران. ومثلما شكل مسرح الهواة اتقاد الجذوة الفنية الأولى بين جوانح هذه الفنانة، كانت تجربتها الاحترافية مع الطيب الصديقي تعميقا لهذا التوجه وفتحا لآفاق رحبة له في المسرح والسينما والتلفزيون. وتعد ثريا جبران أول فنانة مسرحية مغربية تتقلد منصب وزيرة للثقافة خلال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2009، ويشهد كل من احتك بهذه الفنانة عن قرب أنها لم تتخل عن تواضعها وعفويتها وبساطتها وطيبوبتها خلال تقلدها لتلك المسؤولية الوزارية، والتي اضطرت إلى طلب إعفائها منها بعد إصابتها آنذاك بوعكة صحية ناتجة عن ظروف خاصة.
متمنياتنا بالشفاء العاجل للفنانة القديرة ثريا جبران، حتى تعانق من جديد خشبة المسرح، وتعود لأصدقائها ومحبيها بنفس التألق والتوهج والعنفوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.