المسرح هو فن الانفتاح والتنوير وحرية التعبير ينمو بنماء أجوائها ويذوى بتراجعها أكد المشاركون في ندوة «واقع المسرح العربي .. مكامن الإخفاق ومواقع التعثر» في الوثيقة الختامية التي أعدوها في نهاية الندوة والتي عقدت في الشارقة على صعوبة أن تنمو الحياة الثقافية وأن يزدهر الإبداع الأدبي والفني في بيئة فكرية واجتماعية وسياسية تتصف بانعدام الحيوية وتعاني من الجمود والتخلف. وشدد المشاركون على انه لابد للفكر وللمجتمع وللحياة السياسية من مواكبة ما استقر في عصرنا من مبادئ حرية الفكر وحرية التعبير والديمقراطية والاحتفاء بالتنوع الثقافي واحترام حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المبدعين بشكل خاص. وأشاروا إلى أن ما نلمسه اليوم من وجود معوقات للنهوض بالإبداع العربي الحديث إلى المستوى المنشود ليكون حاضرا في المشهد الثقافي والاجتماعي العربي يعود إلى قصور مجتمعاتنا العربية عن تحقيق الالتزام بتلك المبادئ ووضعها الموضع المستحق في السياسات العربية المعنية. وأوضحوا في وثيقتهم أن المسرح كان من أكثر التجليات الثقافية والأدبية والفنية تأثرا بجو الكبت والانغلاق الذي ساد الحياة العربية في العقدين الأخيرين خاصة أن المسرح هو الفن الذي تنصهر فيه الفنون جميعا «الأدب والشعر والتشكيل والموسيقى والإيقاع والرقص والإيماء» وهو إلى ذلك فن جماهيري يعتمد في وجوده على التفاعل بين من يحتل خشبة المسرح ومن يشغل مقاعد المتفرجين وهو فن الانفتاح والتنوير وحرية التعبير وينمو بنماء أجوائها ويذوى بتراجعها. وأكدوا أن المسرح العربي يعاني اليوم كبوة بعد عهود من الازدهار وغدا بفضلها تراثا أدبيا وفنيا تأصل في الحياة الثقافية العربية ورغم أن واقع المسرح العربي يتفاوت من دولة إلى أخرى وغالبا داخل الدولة الواحدة ما بين العاصمة والمدن وبينها وبين البادية والريف فإن المشهد المسرحي العربي يشترك في العديد السمات التي تشكل مكامن الوهن في الحركة المسرحية العربية المعاصرة وتتمثل في تراجع الكتابة المسرحية وعدم وجود ما يكفي من النصوص المسرحية الراقية لتحقيق النهضة المسرحية المنشودة. وخلص المشاركون في الندوة إلى وضع عدد من التوصيات والاقتراحات لمعالجة هذه الهنات والارتقاء بالمسرح العربي المعاصر ومن أبرزها دعوة وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي إلى إدخال مادة المسرح في المدارس والتركيز على البحث المسرحي في الكليات والجامعات والمعاهد والاهتمام بالنص المسرحي منذ سنوات الدراسة الثانوية وأن تكون الكتابة المسرحية حاضرة إلى جانب الشعر والنص القصصي والخطابة والمقالة الأدبية وأن يرتقي المسرحيون أنفسهم فضلا عن الصنعة المسرحية بثقافتهم العامة من خلال القراءة والمشاركة في المحاضرات والندوات والحرص على ضرورة أن تكون العروض المسرحية متبوعة دائما بمناقشة علنية لها. وخلص المشاركون أيضا إلى أن يتم تكليف باحث مسرحي من طرف إدارة المهرجان بإعداد ورقة نقدية في الموضوع وأن يعطى الفرصة لكي يقرأ النص من قبل وأن يحضر بعض التمارين إذا أمكن وأن تكون هذه الورقة النقدية مدخلا للحوار العلمي والموضوعي الرصين والهادئ وأن تبتعد عن أحكام القيمة وأن تركز على توصيف العمل الإبداعي بكليته بما هو نص وإخراج وتمثيل وسينوغرافيا ومناخ مسرحي عام من حيث هو علاقة تفاعلية مع المكان ومع الفضاء ومع الجمهور. كما تضمنت المقترحات والتوصيات إقامة دورات تدريبية وورش عمل في مجالات الكتابة المسرحية والنقد المسرحي والتمثيل والإخراج والديكور المسرحي وبناء مسارح في المدن الصغرى والقرى النائية وقريبا من التجمعات السكنية والعمل على توظيفها توظيفا يوميا وتقريب المسرح من روح الجمهور من خلال إعادة النظر في هندسة المسارح في الدول العربية ومن خلال بناء مسارح جديدة تمثل فضاءات المدينة العربية ودعوة وزارات الثقافة العربية والهيئات والمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي في كل دولة والعمل على صياغة لوائح موحدة لتنظيم الحراك المسرحي في أقطار الوطن العربي جميعا ودعوة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم لحث الدول على التنسيق فيما بينها وتحديد المرجعية المسؤولة عن العمل المسرحي في كل دولة لتسهيل التواصل ما بين الجهات العربية المختلفة وبينها وبين الهيئات المسرحية العالمية. ودعا المشاركون في مقترحاتهم إلى ضرورة إعادة النظر في مدة المهرجانات المسرحية واختيار الأعمال بالاستناد إلى قيمتها الفنية بعيدا عن أي اعتبار آخر والبحث عن آلية لتحقيق ذلك بما يضمن جودة الأعمال وتشجيع مبدعي المسرح على البحث والتجريب والتجديد وكذلك توجيه المهرجانات إلى إنتاج بعض الأعمال التي تتوفر فيها الشروط الفنية الجيدة لتكون نموذجا مسرحيا متطورا إلى جانب الأعمال المشاركة ودعوة المسرحيين إلى استخدام اللغة العربية الفصحى في أعمالهم لقدرتها على مواكبة العصر وقوة تعبيرها في مجال الدراما دون إنكار استخدام اللهجات العامية مع الارتقاء بها وتقريبها من الفصحى قدر الإمكان تحقيقا لإيصال الأعمال المسرحية إلى الجمهور العربي بأسره إضافة إلى وضع دراسة اجتماعية لجمهور المسرح تتناول أساسا نوع الجمهور الذي يحضر إلى المسرح ومدى تردده عليه وترتيب هذا الجمهور حسب النوع والعمر ومستواه الثقافي ومهنته ومستوى دخله واهتماماته الأخرى وما الذي يفعله قبل مشاهدة المسرح وما الذي يفعله بعد ذلك وطرق التلقي وأساليبه ووسائله. وشددت المقترحات على ضرورة العمل على استرجاع الجمهور إلى المسرح العربي بواسطة التشجيع على إدماج الترفيه والإمتاع في المسرح دون السقوط المباشر في الإسفاف بل بإعادة دمج المنتج الموسيقي في المسرح ودعم مسرح البحث والطليعة في منتجاته بما يضمن له الاستمرار وضمان جو ديمقراطي لكي يتنفس هذا المسرح هواء الحرية وكذلك تأسيس مرصد عربي لدراسة ذوق الجمهور المسرحي ومزاجه والتوسل بتكنولوجيات التواصل «التلفزة وشبكات التواصل» لاستقطاب الجمهور للمسرح وإعادة النظر في مناهج معاهد وكليات المسرح في الوطن العربي بما يحقق التكامل بين الرؤى الوطنية والقومية ومستجدات التقنية والحرفية المسرحية العالمية والدعوة إلى تجديد تدريس مادة الإخراج المسرحي في المعاهد والكليات المختصة بنظرة معاصرة تدرك أهمية المخرج المحترف في العملية المسرحية ودوره الكبير على المستوى الإبداعي والقيادي والإداري في الإنتاج المسرحي. كما شددوا على العمل على إفساح مجالات الابتكار والإبداع والممارسة المهنية الحرفية لأجيال مسارح المدرسة والشباب والجامعات والهواة والمرأة والطفل وتقديم الخبرات والتأهيل والتنشيط المستمر للعناصر العاملة في هذه المسارح النوعية لتوسيع فاعليتها في الحياة الاجتماعية العربية والعمل على تأهيل الممثل المحترف وتعريفه بالتطورات الحديثة في الغرب فضلا عن استناده إلى العوامل الحية في التراث العربي والالتفات إلى الأشكال التراثية العربية الحاملة بذور المسرح بهدف دراستها أو تطويرها أو تجديد حيويتها. وناشدت التوصيات والمقترحات العمل على توثيق ورصد الحياة المسرحية العربية وفي ذات الوقت العمل على إنشاء المكتبة المسرحية العربية والمترجمة .. مشددة على أن تحظى بأولوية في مجال النشر وكذلك المكتبة الإلكترونية العربية المسرحية والإصدارات المسرحية العربية ودعمها في الأقطار العربية وإصدار الدليل «المعجم المسرحي العربي» وإقامة معرض متنقل للكتاب المسرحي في العواصم العربية وإيجاد قوانين تحمي الإبداع والمبدعين وتصون حقوقهم.. موضحة أن هذا هو حجر الأساس للنهوض بالحياة الثقافية والإبداع في المجتمع وهذا يقتضي وعي أصحاب الحقوق بحقوقهم وتطبيق تلك القوانين الحمائية في بيئة تحترم الإنسان وحقوقه كما لابد من توفير أجواء الحرية الفكرية والفنية والثقافية لتفعيل تلك القوانين وسيادة احترام الإنسان لتحترم حقوقه والعمل على دعم الحركة المسرحية الفلسطينية بإقامة دورات واستضافات في المسارح العربية لطواقم شبابية تريد التخصص في تقنيات المسرح وفتح باب الإقامات الفنية للفنانين الفلسطينيين في المسارح العربية من أجل القيام بأعمال مسرحية مشتركة وتنشيط التواصل بين الكتاب المسرحيين وإقامة دورات للكتابة المسرحية على المستوى العربي.