كرم فرع الرباط لاتحاد كتاب المغرب الشاعر والروائي والصحفي حسن نجمي، وتميز الحفل المنظم بالمسرح الوطني محمد الخامس بدعم من مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير ومجلس مدينة الرباط، بتقديم شهادات في حق المحتفى به. وركز كل من أنيس الرافعي ومحمد أسليم في مداخلتيهما على الرواية الأخيرة لحسن نجمي «جيرترود». وقال أنيس الرافعي، في مداخلة عنونها «رواية «جيرترود لحسن نجمي ولعبة الاستشفاء بدراما الشبيه»، أن الرواية تتناول واقعة تاريخية حقيقية مجتزأة من سيرة جيرترود ستاين (1898-1946) عامدا إلى نسج سيرة بيوغرافية متخيلة. وأضاف أن عماد هذه المتخيلة التوليد والاختلاق ونسب المعلوم إلى المجهول التاريخي، لبطله الرئيس محمد الطنجاوي في علاقته الدرامية بهذه الناقدة الأمريكية ذات الأصول اليهودية، والتي ذاع صيتها في مدينة باريس بفعل احتضان صالونها لأفراد «الجيل الضائع» كما سماه الكاتب إرنست همنغواي في كتابه «الوليمة المتنقلة»، وكذا بسبب اتخاذها موديلا من قبل أيقونات الفن التشكيلي العالمي، كبابلو بيكاسو الذي رسم بورتريها تكعيبيا لها بعد 87 جلسة «على انفراد» في عزلة محترفه. وقال إن الحكايتين معا، حكاية «محمد الطنجاوي» وحكاية السارد، «نظم حبكتهما متخيل ثري خبر قيادة حصانين مسرعين بيد واحدة، اتخذتا على امتداد اللغة والمعمار والتشخيص صفة تلك النبتة التي تغور في باطن الأرض، ولمّا تتبرعم تنتج جذورا متداخلة ومتحايثة». أما الباحث محمد أسليم فقد تناول رواية «جيرترود» باعتبارها «طقوس إعداد» و»انتقال وجنائز»، ويتمثل الطقس الإعدادي في تهييء «جيرتود» لمحمد حتى يندمج في المجتمع الفرنسي، لكن هذا الأخير لن يحتمل تلك الطقوس، خاصة عندما يتعرض لإهانة شديدة، فيقرر قطع هذا التكوين والعودة إلى موطنه الأصلي بخفي حنين. وبخصوص اعتبار «جيرترود» طقسا انتقاليا، فلأنها تتحدث عن عودة البطل، مختلفا عن نفسه وعن الآخرين، مشيرا إلى أن الطقوس الانتقالية، إذا كانت عادة ما تكرس بحصول الفرد المنتقل على وضع اعتباري معترف به من لدن الجماعة، فإن طقس محمد أفضى إلى إقصائه، ربما لأن لا أحد من أفراد مجتمعه اعترف له به، أو لأن الوضع الجديد غير قابل للتسمية مما دفعه إلى اختيار الموت. وهنا انتقل أسليم إلى «جيرترود» كطقس جنائزي، مشيرا إلى أن السارد يقول إنه كتب قصة حياة محمد الطنجاوي استجابة لعهد كان قد قطعه على نفسه في حياة البطل، لكن بموته ارتقى هذا الوعد العابر إلى واجب، فعمل وفق رغبة محمد على تدوين قصته مع جيرترود بالشكل الذي يريده، وهو أن ينتصر له وأن يرد له الاعتبار، بمحو إهانة «جيرترود» له عندما محته من منزلها ومن كتابها، ومن صورها. من جهته تحدث الشاعر والناقد أحمد ازنيبر عن حسن نجمي شاعر، في كلمة عنونها «مديح العزلة في ديوان على انفراد لنجمي حسن»، معتبرا أن نجمي الشاعر يرصد في ديوانه بعض الملامح التي تؤكد الصلة بين الذات الشاعرة وظلها، من جهة وبين الذات الشاعرة ومحيطها من جهة أخرى. فمع كل قصيدة جديدة يسافر بنا الشاعر من تيمة لتيمة، ومن عالم المرئي المباشر إلى عالم التصوير والتشكيل, من عالم الواقعي إلى عوالم المتخيل. ومن ثمة، تكتسي الصور الشعرية المبثوثة في الديوان حركية خاصة، من خلال ما توافر من استعارة ومجاز وتشبيه وغيره تعميقا للدلالة وتوسيعا لدائرة القراءة والتأويل. أما عبد الحميد اجماهري فتحدث عن نجمي الصحفي، فقدم شهادة تحت عنوان «حسن نجمي ..هذا ما نطقت به فراسة الشاوية» قائلا «في الوقت الذي كان غياب الشخصية يكفي لصناعة صحافي أو صحافية، كان نجمي ينحت الشخصية بالأدب، ويسند المقالة باستعارة من الخزامى أو من السقوط سهوا»، مشيرا إلى أنه «عندما يعتقد البعض أن تحويل الكتابة الصحافية إلى بهرجة، جزء من الموهبة، يعتقد، من باب فضوله الإنساني، أن الصحافي النزيه يجب أن يرتفع أعلى من الخشبة، إلى الكتابة». وتخللت الحفل إيقاعات موسيقية وقعتها كل من فرقتي (لانيولا) و(مفتاح صول) للعزف والكورال من العرائش والمكونة من 30 تلميذا.