من شاب منكسر عاطفيا إلى مبتدع لشبكة الفايس بوك لم تكن سعاد حسني تدرك يوما أن حياتها ستكون قصة فيلم، يشاهده الملايين بعدما اعتادوا مشاهدتها كبطلة لمجموعة من الأفلام، ولم يكن يدرك نجوم وفنانون آخرون أنهم بعد مماتهم سيصبحون أكثر شهرة ونجومية، أمثال شابلن، وجون واين، وفريد شوقي، ومارلين مونرو، وغاري كوبر، وألفرد هيتشكوك، وصلاح أبو سيف، هؤلاء وسواهم. ولم يدرك الشاب زوكربيرغ المنكسر بقصة حب عاطفية، أن يتحول في يوم من الأيام إلى محتضن لثورات الشعوب. فمنطلق الحكاية حسب الفيلم الأميركي «الشبكات الاجتماعية»، وحسب أول وصف له يأتي في مشهد رائع في مقدمة الفيلم، عندما تقول له الفتاة التي كان يصادقها: «اسمع.. سوف تصبح شهيرا وثريا، لكنك ستمضي في هذه الغاية معتقدا أن الفتيات لسن معجبات بك لأنهن يعتقدن أنك فريد. وأريد أن أخبرك من أعماق قلبي أن هذا ليس صحيحا. الصحيح هو أنك أحمق». ويستمر الفيلم في تصوير الجزء الغامض من حياة مؤسس ثالث ديمقراطية في العالم (الفيس بوك)، وبعد انصراف إريكا غاضبة يرى زوكربيرغ جالسا مع بعض زملاء الجامعة يستمع إلى فكرة يتداولها الأخوان وينكلوفس (يقوم بهما معا، وبفضل التكنولوجيا، أرمي هامر)، وصديق لهما حول القيام بإنجاز محطة إلكترونية على الإنترنت تكون بمثابة مكان تواصل بين الطلاب الباحثين عن علاقات عاطفية، كل مع الجنس الآخر، من دون اعتماد أسلوب التعارف المعتاد وما يحمله من احتمالات صد وعزوف. زوكربيرغ يعود إلى غرفته ويطلع صديقه إدواردو على الفكرة معترفا بأنه سمعها من الأخوين وينكلوفس، ويطلب منه أن يساعده لتحقيقها. هو سيهتم بالجانب التقني، وعلى إدواردو تأمين ألف دولار لولادة المشروع. حال إنجاز هذه الخطوة التي تبدو من موقعنا اليوم بسيطة للغاية، يكتشف زوكربيرغ نجاحها السريع بين طلاب الجامعة إذ أخذ يؤمها عشرات ثم مئات، مما دعاه إلى توسيع رقعتها لتشمل جامعات أخرى. هنا أفاق الأخوان وينكلوفس وصديقهما على فعلة زوكربيرغ واعتبروها سرقة. ومن هنا هي معركة بين الطرفين يتحول فيها زوكربيرغ إلى فاعل وأصحاب الفكرة الأساسيون إلى منتقدين، لكن زوكربيرغ شخصية معقدة، مثل «الفيس بوك» الذي أسسه قد يكون قريبا منك إذا ما كان بحاجة إليك، أو بقدر حاجتك أنت إليه، وبعيدا عنك لأنه أشبه بشبح ليس له حضور فعلي. ومثله أيضا، يمتلك شخصية منعزلة وغير معزولة. زوكربيرغ، حسب الفيلم، أسس لأسلوب تواصل، بينما تخلو حياته من كل قدرة على التواصل، الرابط الوحيد بينه وبين الآخرين هو كم سيستفيد من وجودهم في مسار حياته. لذلك، وحين بدا له أن إدواردو لن يقدر على الانتقال بهذا المشروع من موقعه الاجتماعي إلى نشاط تجاري مركز ومتطور، يسعى إلى إدخال سواه في اللعبة مستغنيا، ليس عن خدماته وأمواله المحدودة فقط، بل عن صداقته أيضا. شركاء زوكربيرغ الجدد هم رجال أعمال يشاركونه الرغبة في الارتقاء، وهم الذين ساعدوه - كل حسب حصته من الكعكة للوصول إلى النجاح الذي حققه. وتنتهي كاميرا المخرج بالتركيز على مارك وهو جالس وحده في غرفة نصف مضيئة وأمامه الكومبيوتر، روح معزولة فوق جزيرتها رغم كل المعطيات التي كان يمكن أن تخلق منه إنسانا اجتماعيا داخل أو خارج الشبكة الاجتماعية التي ابتدعها. وهكذا انتقل شاب منكسر عاطفيا، ومنعزل عن العالم المحيط به، ومنبوذ من طرف أصدقائه، إلى رمز من رموز التواصل، ومبتدع فضاء الثورات العربية، ومحتضنها عبر عالم افتراضي.