كان أولهما طويلا عريض المنكبين، بجسم رياضي مشيق، وشعر أبيض يعطي تناقضه مع سمرة وجهه الوسيم سحرا رجوليا يشي بالطيبوبة الفطرية التي لا تخطئها عين سجين دأب على رؤية جلادين قُدت تقاطيع وجوههم من الصخر الجامد. كنا نلقبه ب"جّيف"(بتشديد الجيم) لشبه بينه (...)
تقديم:
يعتبر الشهيد عزيز بلال واحدا من كبار الأكاديميين والمفكرين الاقتصاديين المغاربة والعرب الذين قدموا أطروحات متميزة في مجال تخصصه، اقتصاد التنمية والتخلف، إذ تعتبر كتاباته في هذا المجال مرجعا مغربيا لا تخطئه العين، خاصة كتابه "الاستثمارات (...)
عندما كنا عظاما نخرة في قبور تزممارت، لم يكن ذكرنا يثار إلا عند أحد بعض جهابذة القمع حين كان يهاتفه المدير، المسمى قيد حياته القاضي، فيقول له بلغة مشفرة:
مون جنرال، تهرست واحد كوكا (أي بمعنى، مات أحد السجناء)
فيجيب الجنرال بعد أن يعب الدخان مليا من (...)
كان عبد الله أعكاو يسكن الزنزانة رقم 5 في تزممارت ويقابلني مباشرة في الزنزانة رقم 10 . وكان امتيازه الوحيد الذي حظي به في فترة من الفترات، هو مشاهدته الدائمة لصديقتي الحميمة، الحمامة الرائعة "فرج" التي ربيتها في المعتقل، وكنت أخرجها من نويفذة الباب (...)
بلغ من الكبر عتيا، فشاب كل ما فيه وانكمش وجهه بعدما حفرت فيه السنون بسكين الزمان أخاديد عميقة قاتمة.
وفي السنوات الأخيرة، تكالبت عليه الأدواء من كل صوب وحدب، فغرق في التحاليل الطبية وانشغل بالطواف حول العيادات في البيضاء والرباط حتى أنه لم يكن ينتهي (...)
بلغ من الكبر عتيا، فشاب كل ما فيه وانكمش وجهه بعدما حفرت فيه السنون بسكين الزمان أخاديد عميقة قاتمة.
وفي السنوات الأخيرة، تكالبت عليه الأدواء من كل صوب وحدب، فغرق في التحاليل الطبية وانشغل بالطواف حول العيادات في البيضاء والرباط حتى أنه لم يكن ينتهي (...)
كلص متختل ماكر، دخل الحشيش إلى البلدة الآمنة فعاث فيها فسادا وسرق منها أغلى وأنفس ما لديها من الشمائل والشيم، وعوض أن يكتفي بما نهب ويطلق ساقيه للريح، استأسد وطغى وتجبر، ثم نصب نفسه إمبراطورا على بسطاء القبيلة، وجعل منهم عبيدا يخدمونه بالليل والنهار (...)
يخيل لي أن بعض الأشياء الغريبة لا تحصل إلا لي...
حدث ذلك في شهر أبريل من سنة 1999...
كان جاري الفوقي رجلا "إخوانيا"، لم يكن يسلم علي أو يرد علي السلام بمثله كلما التقينا مصادفة في السلالم. ولما فشلت في حمله على الكلام، صرنا نلتقي كما تلتقي شاحنتان (...)
تَعَود نفر من الموظفين المشتهرين بحرصهم الشديد على الدرهم والسنتيم أن يجلسوا في ذلك المقهى. فقد كانوا يكتتبون كل يوم لجمع ثمن "براد" من الشاي ويتحلقون حوله صارفين الساعات الطوال في دردشة مستفيضة حول أقصر الطرق لجمع المال، وفي قراءة الجرائد مع تفكيك (...)
في محطات الميترو بفرنسا، عادة ما تسمع تحذيرا قبليا يأتي عبر صوت نسوي دافئ، يردد برنة رخيمة كزقزقة العصافير:
أيتها السيدات، أيها السادة، انتباه من فضلكم، نرجو أن تأخذوا حذركم، من المحتمل أن يكون نشالون في هذه المحطة...
أما في محطات القطارات والحافلات (...)
ليغمض أحدكم عينيه لحظة، وليتصور أنه وجد نفسه فجأة لا قدر الله في أسوأ سجن عرفته البشرية في القرون الوسطى...
فيه زنازين هي أقرب إلى القبور منها للعلب الإسمنتية التي يتحمس بعض المقاولين لبنائها لإخوانهم المغاربة بكثير من السادية والمقت.
زنازين مظلمة (...)
جلست القرفصاء وسط ذلك المربع من الأرض الذي ترسم ضلوعه بقايا أساس، كانت تقوم عليه أربعة جدران صخرية قاتمة. حولي يتطاول حشيش عنيد يابس، وهنا وهناك، تتناثر أحجار بلون الحناء تارة، ولون الرماد تارة أخرى. أمامي سور صخري رهيب يدور شمالا ويمينا على شكل (...)
دخل أستاذ الترجمة إلى أحد مدرجات جامعة محمد الخامس بالرباط لإلقاء درسه في ذلك الصباح الشتوي البارد. وما أن استقر الطلبة والطالبات في مقاعدهم وأخذوا النص المطبوع بين يديهم، حتى نظر الأستاذ إليهم وأشار بأصبعه كيفما اتفق إلى أحد الطلبة الجالسين في (...)
عندما يتقاعد الموظف، تفغر الحياة في وجهه فاها كوحش جائع تقطر أنيابه دما ولعابا...
يكتشف فجأة أنه كبر، وأن العد العكسي قد انطلق به إلى موت متربص يتثاءب في كل زاوية من زوايا البيت البارد الصامت، ويلوح بيده المشعرة ذات المخالب النحاسية الحادة.
يتراءى (...)
اليوم الأول:
في الصباح الباكر، جاء إلى فندق أريحا السيد فيصل شريف، أحد المؤرخين التونسيين الشباب المتميز بالفعالية والحماس، لأخذي مع الأستاذ والباحث المغربي الموساوي العجلاوي إلى دار الثقافة ابن رشيق الموجودة في قلب العاصمة التونسية، للمشاركة في (...)
حين أمر على مدرستي الأولى التي تعلمت فيها أول حروف الأبجيدية، يستبد بي دون أن أشعر إحساسان متناقضان، إحساس بالشوق الطاغي إلى تلك الفترة المدرسية الغابرة التي كانت تكتنفها البساطة في أجمل تجلياتها، وتهيمن عليه الروح الوطنية الصادقة العميقة في كل (...)
ها هو ذا شهر الرحمة والغفران قد أهل كما يهل زائر نوراني يطلب الاستضافة أمام الأبواب، فمن الناس من سينبهر بالنور وسيفتح له بابه وقلبه محتفيا مرحبا، ومنهم من سيعبس في وجهه ويغلق بابه دونه منتهرا في غلظة:
أما اخترت سوى هذا الشهر القائض للمجيء؟
في هذا (...)
لما خرجت من السجن بعد عقدين ونيف من الزمن، كنت خلالهما محسوبا على أهل القبور، كان علي أن أسوي وضعيتي الإدارية وأن أسعى للحصول على بطاقة التعريف الوطنية لكي أكون بالحق والحقيق، واحدا من المواطنين المغاربة، السعداء بالانتماء إلى أجمل وطن في الدنيا، (...)
بمحض الصدفة، حضرت حفلا باذخا في أحد الأحياء الفاخرة بالبيضاء، وكانت المناسبة، إحياء عيد ميلاد طفلة في سن السابعة من عمرها من طرف جدها.
كان الحضور كبيرا ومتنوعا يتشكل من علية القوم، أو قل إن شئت ممن يحكمون المغرب والمغاربة، إذ كان يتراوح بين وزراء (...)
الذي يوجد في العمارات الشاهقة، هو صورة مصغرة للحياة بخيرها وشرها.
فكما الحياة تُصعد البعض إلى أسمى الدرجات، وتُخفض البعض الآخر إلى أسفل الدركات، فهو كذلك، يُصعد إلى أعلى الطبقات ويُهبط إلى أسفلها وأدناها.
وكما الحياة تحبس صعود بعض الناس وهبوطهم في (...)
رجع علي من عمله الشاق متعبا لا تكاد رجلاه تحملانه من شدة العياء.
وبعد أن اطمأن على حالة أبنائه الأربعة الراجعين من المدرسة، حضّر شيئا من الطعام فوضعه في سلة ثم أخذ حافلة متهالكة وتوجه قصدا إلى مستشفى الولادة حيث ترقد زوجته التي وضعت بالأمس طفلها (...)
في سنة 1993 ، اكتريت منزلا صغيرا بجنب منزلهم في حي تبريكت بسلا، وبالضبط في زقاق اسمه "ليبريا". وكما لا يخفى على أحد، فإن الأسماء الفخفاخة التي توحي بالترف والسلطة والغنى، تطلق على الشوارع والأحياء النظيفة الجميلة التي يقطنها النافذون من الميسورين (...)
الشحاذة ظاهرة اجتماعية بغيضة تنخر أوصال المجتمع وتقتل فيه الكرامة وتلغي الإنسانية وتعطي عنه في الخارج صورة مشوهة تثير التقزز والاحتقار.
وليس الفقر والعوز عيبا ما دام الله عز وجل قد قدر بين الناس أقواتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات على أن لا يبخل الذين (...)
من الناس من يحبون أطفالهم حبا يملك عليهم كل شيء.
ومن البديهي أن يحب الإنسان أولاده، هذا شيء مفروغ منه ولا يجادل فيه مجادل، لأنه حتى القطة تحب صغارها وتدافع عنهم بالمخالب والأنياب.
ولكني أقصد هنا فئة يزيد حبها عن المعقول إلى أن تصبح مستعبدة من طرف (...)
حكى لي أحد الأصدقاء حكاية فيها من الإثارة والغرابة ما يجعل المرء يبقى حيالها مدهوشا مصدوما.
وهي في حقيقة أمرها حكاية تبرز لنا نوعا من السلوك المشين الذي يعتمده بعض الأغنياء من فاحشي الثراء في التعامل مع من دونهم من الفقراء والمعوزين، الذين يخدمونهم (...)