الهجوم على الملك والملكة ورئيس الحكومة: اليمين المتطرف يهدد الديمقراطية الإسبانية في منطقة الإعصار    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    سبع ولايات ستحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    نجم الكرة التشيلية فيدال متهم بالاعتداء الجنسي    ارتفاع درجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    دراسة: المغرب قد يجني 10 ملايير دولار من تنظيم "مونديال 2030"    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    التساقطات المطرية الأخيرة تبعث الأمل في موسم فلاحي جيد    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أخنوش: فقدنا 161 ألف منصب شغل في الفلاحة وإذا جاءت الأمطار سيعود الناس لشغلهم    عمره 15 ألف سنة :اكتشاف أقدم استعمال "طبي" للأعشاب في العالم بمغارة الحمام بتافوغالت(المغرب الشرقي)    "المعلم" تتخطى مليار مشاهدة.. وسعد لمجرد يحتفل        الإسبان يتألقون في سباق "أوروبا – إفريقيا ترايل" بكابونيغرو والمغاربة ينافسون بقوة    حصيلة القتلى في لبنان تتجاوز ثلاثة آلاف    أخنوش: حجم الواردات مستقر نسبيا بقيمة 554 مليار درهم    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا الخميس والجمعة المقبلين    النجم المغربي الشاب آدم أزنو يسطع في سماء البوندسليغا مع بايرن ميونيخ    المعارضة تطالب ب "برنامج حكومي تعديلي" وتنتقد اتفاقيات التبادل الحر    سعر صرف الدرهم ينخفض مقابل الأورو    الجفاف يواصل رفع معدلات البطالة ويجهز على 124 ألف منصب شغل بالمغرب    البحرية الملكية تحرر طاقم سفينة شحن من "حراكة"    استنفار أمني بعد اكتشاف أوراق مالية مزورة داخل بنك المغرب    «بابو» المبروك للكاتب فيصل عبد الحسن    الجولة التاسعة من الدوري الاحترافي الأول : الجيش الملكي ينفرد بالوصافة والوداد يصحح أوضاعه    إعصار "دانا" يضرب برشلونة.. والسلطات الإسبانية تُفعِّل الرمز الأحمر    تعليق حركة السكك الحديدية في برشلونة بسبب الأمطار    رحيل أسطورة الموسيقى كوينسي جونز عن 91 عاماً    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مصرع سيدة وإصابة آخرين في انفجار قنينة غاز بتطوان    عادل باقيلي يستقيل من منصبه كمسؤول عن الفريق الأول للرجاء    أمرابط يمنح هدف الفوز لفنربخشة    متوسط آجال الأداء لدى المؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 36,9 يوما    إبراهيم دياز.. الحفاوة التي استقبلت بها في وجدة تركت في نفسي أثرا عميقا    بالصور.. مغاربة يتضامنون مع ضحايا فيضانات فالينسيا الإسبانية    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    "فينوم: الرقصة الأخيرة" يواصل تصدر شباك التذاكر        فوضى ‬عارمة ‬بسوق ‬المحروقات ‬في ‬المغرب..    استعدادات أمنية غير مسبوقة للانتخابات الأمريكية.. بين الحماية والمخاوف    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: للفلسطينيين الحق في النضال على حقوقهم وحريتهم.. وأي نضال أعدل من نضالهم ضد الاحتلال؟    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: لا تعترف بالحريق الذي في داخلك.. ابتسم وقل إنها حفلة شواء    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صنعة بوك...
نشر في هسبريس يوم 09 - 08 - 2013

دخل أستاذ الترجمة إلى أحد مدرجات جامعة محمد الخامس بالرباط لإلقاء درسه في ذلك الصباح الشتوي البارد. وما أن استقر الطلبة والطالبات في مقاعدهم وأخذوا النص المطبوع بين يديهم، حتى نظر الأستاذ إليهم وأشار بأصبعه كيفما اتفق إلى أحد الطلبة الجالسين في الصفوف الأمامية، (وكان طالبا عرفت عنه أنه من أصل فقير، ويجهد نفسه في التزلف إلى شرذمة من أبناء الميسورين)، وطلب منه أن يقرأ النص المكتوب باللغة العربية.
وكم كانت دهشة أترابه عظيمة لما بدأ الطالب يقرأ النص بلهجة متكلفة فيها فخفخة وعظمة، كتلك التي ينتهجها بعض المراسلين في القنوات الفضائية الخليجية. ومع تتالي الجمل سرت في المدرج هستيرية من ضحك صاخب وقف الأستاذ حيالها مستغربا مدهوشا موزعا بين استنكارها والاستسلام لعدواها..
وزاد المدرج غرقا في القهقهة العالية المجلجلة لما أنهى الطالب قراءته وكأنه كان يغطي أحداث حرب ضارية، متعمدا أن يبالغ في تمديد نطق الحروف الأخيرة:
حسن زيتوني... إيم بي... سي...
وقف الأستاذ ينظر إليه في بلاهة، واعتقدت للحظة أنه سيطرده من المدرج، غير أنه لم يفعل بل أذعن بدوره لابتسامة مستغربة، وهو يرفع إحدى يديه إلى صدغه ويحركها بكيفية دائرية، تعني أن الشاب أحمق أخرق.
تأسفت لتصرف الأستاذ، إذ لو مر ذلك الحدث في زمن غير ذلك الزمن، لكان الشاب من عداد المطرودين على أقل تقدير.
وهنا استرجعت صورة "موسيو هيربوتي"، الحارس العام الفرنسي لثانوية مولاي إسماعيل بمكناس في منتصف الستينيات.
كان الرجل في عقده الخامس، بملامح قاسية كأنه ضابط خرج لتوه من أحد مخافر النازيين.
فقد دأب على أن يقف دائما على عتبة باب الثانوية أنيقا رشيقا بعينين زرقاوين ثاقبتين مسلطتين كالصقر على الداخلين والداخلات، حتى إذا ما رأى ما لا يعجبه من هندام أو سلوك أنزل بساحة صاحبه الويل والثبور.
ولم يكن الرجل وحده على هذا الحال، بل كان لمعظم الأساتذة من الجدية والمهابة ما كان يخول لهم فرض احترامهم على كافة التلاميذ.
قلت في نفسي:
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم"...
في الاستراحة، بدا لي الشاب مغتبطا وكأنه قام بإنجاز باهر، سيما حينما رأى بعض أصدقائه يداعبونه ويحيطونه بهالة من الإعجاب الشديد.
لست أدري لماذا كان ينظر إلي خلسة وهو يتقبل دعابات أترابه. ربما لأنه رأى على ملامح العسكري القديم الذي كنته آثارا بادية من الاستياء.
وبعد برهة، تقدم إلي وقال بدون مقدمات:
ما رأيك في هذا المقلب الذي قمت به؟
أتريد رأيي حقا؟
بكل تأكيد...
قل لي قبل هذا؟ ماذا يفعل أبوك وكم عدد إخوتك وأخواتك في المنزل؟
ابتسم وكأنه لم يفهم قصدي فقال:
أبي شرطي بسيط وعدد إخوتي وأخواتي ثمانية، أربع إناث وأربعة ذكور.
أنا في عمر والدك، ورغم ذلك يصعب علي أن أظهر أمامك بمظهر الورع الناصح الذي يعطي الدروس...
يعني؟
يعني كان من الأحرى أن تركز على دروسك، وتنأى عن لعب دور المهرج، الحياة ليست ضحكا ولعبا، ومن تعاشرهم أبناء أثرياء، مستقبلهم مضمون بدراسة أو بغير دراسة، أما أنت فليس لك بديل عن...
تبرم الشاب من كلامي وقد بدا عليه حنق شديد.
ومرت الأيام تباعا، فانصرمت من عمر الزمان خمس سنوات، وذات يوم وأنا في طريقي إلى موعد كان لي مع كريستين وأبرهام السرفاتي بالمحمدية، حيث كانا يسكنان في فيلا تتواجد بحي راق مجاور للبحر، إذا بي ألتقي عرضا بشرطيين شابين كانا يتجولان بين الفيلات الفاخرة في إطار تأمينهما لحراسة المكان.
استوقفني أحدهما وأزاح القبعة عن رأسه وهو يهتف باسمي باسما. لم يكن الشرطي الشاب سوى زميلي في السنة الأولى من الجامعة، "حسن زيتوني" المغشوش...
ماذا تفعل هنا؟
ها أنت ترى... أؤمن حراسة الميسورين... تقاعد أبي بعدما أفنى عمره في ضمان سلامتهم، وها أنا اليوم أخلفه عملا بالمقولة المشهورة: "صنعة بوك لا يغلبوك"...
قلت مبتسما بمرارة:
لا... لقد غلبوك...
قال:
فعلا... أعترف أني "ذهبت مع الخاوي"، الآن والآن فقط، أدركت فظاعة الغبن، لكني أعدك بأني سأكون كوميسيرا كبيرا.
قلت مداعبا:
بشرط ألا تكون جلادا تعلق الناس من أرجلهم كما تعلق خراف العيد...
رد علي ضاحكا وهو ينصرف:
الآن، سأقول لك لا... ولكن غدا من يدري؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.