فرهود آخر ! ,جنون مطبق , خوف مستتر , لوحة للضاحكين رسمت بالوان زيت الدموع المعتقة , هذا يفك اسلاك عمود الكهرباء فرحا بالغنيمة , ذاك يحمل كرسيا خرج به من دائرة حكومية محترقة,امرأة تصرخ فيهم حرام ,اخر يصيح فرهود وهي تعني سرقة جماعية يحمد عقباها على وفق مبدأ حشر مع الناس عيد ,جندي يسلب منه سلاحه اثناء ترنحه متعبا يائسا من قبل صبية صغار , يفكون السلاح , يتقاسمون الرصاص كما الحلوى ,عجوز تحفر في الأرض وتقسم سماع ابنها يناجيها من سرداب سجن تحت الأنقاض وتسأل الناس الراكضين في كل اتجاه ان يحفروا معها , دبابة يحاول تشغيلها عدة مراهقين بعد ان تركها الجند في حي سكني بكامل عدتها وعتادها , اطفال يهللون فرحين برؤية الأباتشي تحلق على علو منخفض يلوح لهم المارينز بأيديهم منها مترقبين نهاية المشهد , ومن فوق سطح بيتي اراقبهم بدوري باحثا في عبث الغيوم عن نحت لبشر , لوجه يطل من هناك يخترق دخان الحرائق المتصاعد ,وهدير رعب تكنلوجيا الحرب , ليلمح لي ببارقة امل على اني سأكمل سيكاري اليتيم قبل ان تحط فوق قنبلة تعادل كلفتها بناء مدينة في بلدي لتقتلني انا فقط لا لشيء انما لأني انظر اليهم , يمضغون العلكة فرحين بأنتصارهم مطلين من نوافذ اباتشي علينا يلوحون باليد وبالثانية احتضنوا اسلحتهم , العصا والجزرة , لمن تاه طريقه عنه , وملأت سماءه بالدماء ,طيب لماذا ؟! ,لما كل هذا الشر في الأرض وفي السماء على حد السواء , اسلحة لم تمر على خيال البشرية جربت في ارض العراق , لتباع بعد عشرة اعوام في سوق السلاح على انها مجربة , والتجربة هنا اسوأ برهان ,فأين جيمس بوند من هذا الفيلم العراقي , لما رامبو يجول ويصول وحده !. يغريني الأعتراف بعجز القلم احيانا , فمسألة لمن نكتب لم تعد مسألة هي الأخرى , لأنه بطبيعة الحال حين البحث فيها نمارس الكتابة ايضا فلمن نحيل هذه المسألة , اكيد للقارىء, بالتالي في أي صيغة غير الكتابة طبعا, والتي تتضمن ذات السؤال , لمن نكتب!, لذا لن ابحث فيها فلا اجد المقام ملائما اكثر لمسألة اخرى وهي بماذا اكتب ؟!, بلغة غيري , وهنا يشتد وقع السؤال تقريبا , لأنك بكل الأحوال ايها القارىء تمثل الآخر , واي آخر !,الآخر الرمزي ,وهو عند اغلب المفكرين, الآخر بأمتياز,حيث يرون جميعا ان كينونة المرأ لا يمكن ان تتحقق الا من خلال القدرة على القول ,لكن هذه القدرة تعتمد على استخدامك نظاما تمثيليا يعني اللغة التي بالضرورة تسبق وجودك,وهكذا فأن عرضك لأفكارك الذاتية والكيفية التي بها تمثل ذاتك تتأتي فقط من خلال اللغة التي تسبق دائما وجودك , وعليه فأنك حال نطقك تكون اصلا منطوقا او مكتوبا مسبقا ,وهذا الوضع يجعل الوعي الذاتي نفسه مخترقا من الخارج , أي ان الذاتية النقية ليست نقية لأن الآخر الغريب قد دخل مسبقا جوهر بنيتها , وبأختصار ,فأن المقطع الذي سبق كلمة "يغريني" لا يمثلني تماما , هذا اذا كان منطقيا ان اجزم بوجود أي كلمة تمثلني هنا فعليا !,اما قلت لك اني ابحث عني اثناء الكتابة , لعلك تجدني اثناء القراءة !. لما عزت علينا الأجابات ,وبدأت كلمة علي بابا, ترن في الآذان تلمح لما حدث في مدينة المحمرة الأيرانية وما حدث في الكويت !, اتجهنا كل لمحرابه , ذاك يصلي وذاك يسكر , بالنسبة لي لم اجد غير بقايا ورقة وقلم يتوسل بي ان اكتب , ولكن ماذا اكتب ؟!,تقلبت في اوراقي القديمة بحثا عن اجابة , عن مسرحية عن مشهد عن حوار , عن انسان يعبر بي ضفة امان اتوق اليها وانا المنتهك من كل المحيط , تدحرجت من اعلى سفح همي لأصل دون رغبة مني لفكرة , طالما راودتني اثناء وقع القصف وزلزلة الأنفجارات ,وعلى الرغم من لا جدواها الا ان الدافع الوحيد الذي اذكره وراءها كان ان اعمل شيئا , او ان اقول , فكثيرة هي الأقوال المحتبسة في صدري منذ شهدت عيناي هذا البلد العجيب , بالطبع لم تكن الغرابة المحيطة بي غريبة عني , وانا جزء منها اولا واخيرا , لكن السيء في الأمر كوني مستغرب ما آلت اليه الحال اخيرا , بالتأكيد ليس استغرابي نكرانا او دفاعا عن سلبية دوري كأحد المعنيين بالتغيير للأفضل لكن المصيبة ان الأفضل لم يعد محسوما !,هنا تتلاقح الأفكار لتلد الموتى دائما , وما انا الا احد هذه الجثث العراقية ,او لعلها العربية ,الفكرة هي ان تبدوا فاعلا امام نفسك على اقل تقدير لتنام مرتاحا ليلتك , او لتخدع ذاك السائل اللحوح بداخلك عن رد فعل يوازي حروف كلمة انسان في مخيلتك لما يحلو التغني بهذه الكلمة من قبلك عند كل صفعة واقع تلفح خدك الغض بنارها , خاصة وان ايامك عراقية الطابع ,ولم يكن بوسعي غير ان انادي في داخلي ذلك المارد المتمرد على قوقعته الأختيارية بأن يفضي اليه بما افعل ,فطالما كرهت منه القول الكثير , لأني بكل صراحة لا املك حد شجاعة يهيئ لي أولوية التضحية او ما نسميه الأيثار , لما اصف امام عيني كل ما يعتلي خشبة ميزان ايثاري بنفسي , فمجرد التفكير في هكذا فعل بطولي مثلا كقولنا كلمة لا , او لماذا , او ما شابه قبل 2003, يقتضي بي حاله ان اغادر وعيي ولا وعيي بنفس الوقت لأنطق بهذه الكلمات التي تفصل بينك وبين حوض حامض الكبريتيك كأي عراقي, بالمناسبة ان هذا الحوض لا يخرج منه حتى هيكلك العظمي لأنه قد يدل عليك , وانت المحكوم عليه بالعدم فكيف يستوي ذاك وهدف من يهم بأعدامك !,جل ما في الأمر واعظمه تقريبا وجود مخدر جاهز للتناول دائما عند كل حين مشابه لهذا الفرهود الذي اراه , فالقصف والقذف بالنار ليس جديدا , وشعاري الذي ارفعه مع الكثيرين هنا , بأنها ليست حربي انا , ذا مفعول سحري , فهو يبعدنا عن سندان السلطة والآن عن مطرقة الأحتلال , فما اروعه من اكسير موت فلا حياة لمن تنادي, هل تجد انسانا غير العراقي يعترف بعجزه ولا جدواه بهذه الفظاعة , لتقدر انت ما او صلني لهذه الحال التي تسميها صراحة من اباحة واستباحة , واستمتع فلعلني سأصمت يوما بدون سبب منطقي بنظرك عزيزي القارىء , فما المنطق بكونك عزيزي فعلا حتى يعز نثر تراب تربتي على ورقتي هذه , لتفكر في الأمر قليلا , فلعلك طرف في القضية , ولتكن هذه الورقة شكوتي اليك ومنك ارفعها امامي لأغادر دونما لوم او لأغسل بماء الوجه اوراق اتهامي !. اجتمعت مع عدد من الأصدقاء , كنت انا اكبرهم عمرا ,ونار التغيير تشتعل في لدرجة ان احرقت صنوبر تعقلهم المتيبس , فالعاصفة تحملنا الى المجهول ولا اتصور مني تيبسا او تعقلا وقتها , وانا الثائر على نفسي قبل المحيط, وتدارسنا الأمر قليلا, عمل مسرحي يكشف ستار ويسدل اخر ,كالعادة , كان من تأليفي واخراجي , وهم الضحايا الذين اقدمهم قربانا لجمهور غير محدد الهوية والأنتماء, لأن الخطة كانت ان نعرض في شارع , وقد تمر قوافل الأميركان لترى كما يرى العراقيين ايضا , كانت فكرة مجنونة , ومااقرب هذه الأفكار لقلبي , الا ان الظروف سبقتنا فلم يبق شارع الا وعلقت عليه عناوين مختلفة تحدد هوية العراق الجديد,ولم اكن ارغب بتمثيل أي منها , لأني اجهلها جهل العراق ذاته ,واذا بتجمع للفنانين يعلن عن اول مهرجان مسرحي بعد الأحتلال , فدخلنا مطمأنين لهذه الفرصة المشرعنة !,فهي تحت عنوان الفن وهنا ادخل مغمض العينين دوما ,فلم يتسنى لي عنوان ان يحتكر الفن يوما , هذا المارد الذي يأبى بقاءه في أي قمقم ولو كان ذهبا مرصعا بالماس,زد على ذلك ان هذا المهرجان سمي بأسم الحرية , فكان مهرجان الحرية المسرحي عنوانا له وطعما ,فأذا كان الفن ماردا بنظري فماذا عن الحرية !,لهذا استحضرنا ارواحنا المسرحية اخيرا على منصة التمارين , وسجلنا المشاركة وثبت ذلك في كارت الدعوة للمهرجان , يوم الخميس عمل مسرحي لمجموعة من الشباب هم نحن , وعلم الجمهور واستعد الحضور , ووقفنا على باب المسرح نطلب الأذن بالمرور, وهذا الشرطي يطلب مني هويتي !, واعضاء نقابة الفن يصرخون بوجهي , وتقدم احدهم ودفعني, والكل يهلل في وجهي وفرقتي ان لا عرض لكم هنا اليوم , ولا دخول لكم في ساحة الفن هذه الى ابد الآبدين , لماذا ؟!, لأني مارست حريتي الجديدة وقلت رأيي في بعض من يشارك في المهرجان , وفي فنهم , ولم ذلك من الحكمة بالطبع فحتى مجتمع الفن العراقي محكوم بالتقاليد القبلية , فلابد من فرض طقوس الطاعة والولاء المطبق والا !, والا ماذا ؟, الم يسمعوا نداء الأباتشي, ولا انين الأم الباحثة عن ولدها تحت التراب, طيب لما هؤلاء الذين اوصلوني يوما ما لحبل المشنقة يوما ما بأسم التمرد على نظام يقبض الحرية كما الحياة يشاركونني خشبة مهرجان الحرية هذا ؟!, الا يحق لي حتى الأدلاء برأيي, ان لم يكن من مجال لأعتراضي , فأنا لست احد افراد قبيلة الفن هذه , ولله الحمد طبعا !,خلعت ساعتي وحزامي ودمعة تطرق باب الخروج من عيني اثناء اقتياد الشرطي لي في طريق لباب غرفة التوقيف , السجن, لأول مرة , كفنان , في أي زمن؟ , بعد 2003, حينما كان يحكمني بول بريمر , والتهمة؟! , قلت لا , لمن؟., لفنانين, غريبة!, حتى كاتب التأريخ سيحتار بهذه الحادثة كيف بها ان توثق , بل ان المحقق ترنح من الضحك وهو يقرأ ورقتي بين اوراق المفقودين والمقتولين والمطالبين بالثأر والسراق والمغتصبين , فلم يدرس يوما ما ما شابه تهمتي , بل لم يتوقع بعد 2003 ان يقتادوا فنانا من الأساس بأي تهمة !, الا ان القاضي اعزه الله ونصره على من يعاديه, اصدر الأمر بتوقيفي , والسبب, انهم لليوم يحكمون بقوانين ما قبل 2003 , بالتالي فتحت باب السجن لي على مصراعيها ليبدأ مشهد مسرحي احتار في كتابته ليومي هذا , وها هي , لحظة دخولي السجن , كسياسي ربما, كفنان , كأنسان , لأول مرة ,واكاد اقسم انها ليست الأخيرة !. الظلام يعم المكان, وقد توقف الزمان , لأن الشرطي اخذ ساعتي والحزام , ولا اعلم كيف يمكن لساعة ان تستخدم كأداة جارحة داخل السجن !,ربما هي تجرح احاسيس السجناء بتذكرهم للوقت الذي قضى عليهم هنا , يالها من رحمة بالأنسانية , جلست عند اول بقعة استطعت الوصول اليها وانا استدل طريقي داخلا على جمهرة من الناس دون سلام, احسست ان العدد كبير , فلم اراهم الا بعد ان زال توهج الضوء الباقي في عيني من خارج السجن ,جلست وارتمى ظهري الى الحائط دونما شعور, ربما هو استحضار لا واعي لكل الأفلام التي شاهدت فيها هذا الموقف من قبل, كنت كثيرا مااجاهر بهذه النظرية حتى كتبتها ضمن كتاباتي عن الفن الثامن , عن ان الآنسان المتعرض للفنون السبعة يبرمج تلقائيا مستحضرا تلك السكريبتات من اللاوعي , واجهت اعتراضات كثيرة , بل وصفت بالمتطرف الرافض للفنون السبعة ,وكأن مااقول جديد كل الجدة , وكأن مقولة التأريخ يعيد نفسه قد انمحت او دحضت , ولم تكن نظريتي الا وصفا لما اراه , فأما العيب في عيني او لا اعلم بصراحة كيف اوضح الأمر , ارتميت بظهري وانا احاول فك شفرات الحوار الدائر قبل دخولي للغرفة , وكان المتحاورين كثر , الا ان اطراف الحوار تركزت اخيرا عند ثلاثة من المتحدثين , والباقي اصبح جمهور الندوة المدعو عنوة لحضورها طبعا , وانا منهم ,وكأنها فرصة للخروج من همي , فحينما سمعت كلمة فن , استنفرت مداركي لوحدها , وبانت ملامح المتحدثين شيئا فشيئا , واذا بالركن المقابل لي , حيث اني اتخذت ركنا في الغرفة, لعلها حركة تنم عن البحث الآمن عن الأمان وسط عالم الأجرام هذا ,فأذا بي ارى في الركن المقابل لي استاذي حبيس السجن مثلي , استاذ الفن الذي درسني في ايام دراستي للمرحلة المتوسطة , ذاك الذي اختفى بعد عام تسعين, وسمعنا اشاعات واقوال تبين انه كان عضوا في الحزب الحاكم وقتها , اها نعم كان يجبرنا على الهتاف والتهليل والخرج بشكل منظم في كل مناسبة لا وطنية ,لكن الأقوال كانت تفسر اختفاءه بأنه اصبح ضد السلطة بعد عام تسعين, فماذا يفعل هنا ؟, اليس وزيرا او مديرا على الأقل كمكافأة له !, وانا اهم بالسؤال بعد السلام, واذا يستوقف سلامي سؤال طرحه عليه متهم او مجرم او لا اعلم بالضبط , لكنه كان ساخرا بسؤاله للأستاذ حيث استفسر منه عن السبب الذي جعله يغير قائمة الأسماء , اها تذكرت ,, كانت الأشاعات تقول ان هذا الأستاذ قدم للسلطة بعد ان فرضت سيطرتها على جنوب العراق عام تسعين أي بعد الثورة الشعبية التي اعقبت تحرير الكويت ,كان قدم لهم قائمة بأسماء من شاركوا فيها أي الثورة من ابناء منطقته , وعاد بيومها وقدم قائمة اخرى مستثنيا اثنان من الأسناء, مما حدى بالمسئولين عنه ان يعتبروا هذا خيانة او جراء رشوة , رغم انه منهم ومقدم فروض الطاعة والولاء بل ويعمل حتى في عدم وجودهم أي اثناء الثورة الشعبية , التي لم ينل منها اذى !, لكن هذا التصرف منه كان كافيا لفصله وسجنه وطرده من التدريس والحزب الحاكم , والآن ماذا ؟!, هنا استرقت السمع جيدا وفهمت ان سؤال الرجل للأستاذ كان لماذا لم تهرب بعد ان تغير النظام في 2003 !,فاجابه بكل بساطة انه لم يتوقع ان عوائل الشباب الذين ادرج اسماءهم في ورقة الطاعة تلك سيطالبون باكثر من الدية , أي المال , جراء مساهمته الفاعلة في اختفاء اولادهم بتهمة الثورة ضد النظام, بل انه كان مستعدا لهذا اليوم الذي حسب انه سيحسم بطريقة العراقيين العشائرية.. أي جلسة تنتهي بالقبلات وتسليم مال يعادل كل حياة بسعر متفق عليه حسب السوق القبلية واسعار بورصة الأنفس بوقتها , الا ان احد الجالسين تداخل معه في سؤال اخر مما جعلني اصمت حتى عن السلام عليه , فقال بما معناه لماذا تصورت ايها الأستاذ انهم سينسون ابناءهم ؟!, فرد عليه استاذي بنفس البساطة , بأن هذه شيمة العراقيين اثناء الأزمات وخاصة هذا الأحتلال الأمريكي الغاشم ان يتناسوا جراحهم الصغيرة !. هنا غرقت في ضحك عال جدا , ذهل الجميع بعد صمتي لساعتين وانا مستغرق في هذه الندوة التعريفية المختصرة بتاريخ العراق داخل السجن ,ناسيا بالكامل سبب وجودي ,مما جعل الجميع يضحك معي وكانها عدوى الضحك التي درسناها في كوميديا المسرح ,مما حدى ببعضهم الى التقرب لي وطلب السكائر وانا ارمي عليهم النكتة تلو الأخرى ,واذا بمسئول مركز الشرطة يطل علينا من النافذة قائلا بما معناه مضى عليك ساعتين وقلبتها مسرحية لو تمضي لك سنتين هنا لقلبتها كباريه , قلت له وانا احاول تمالك انفاسي التي تداخلت بين الضحك ودخان السكارة الخارج من صدري , قلت له وانا انهض لمصافحة يده الممدودة انني اشكر القاضي الذي ربما كان متشاجرا مع زوجته يوم امس على حصته الأسبوعية في فراش الزوجية المنظم لهذه الفرصة التي لولاها لم التقي بأستاذي في الفن في موقف ولا الأفلام الهندية تستطيع ان تأتي بمثله , وهنا غرق الضابط في ضحكاته ايضا , والتفت الي استاذي وقال عرفتك اول ما دخلت وهل مثلك متمرد في الدراسة استطيع نسيانه , وبدأ يتساءل عن سبب وجودي وذهب الضابط قاطعا وعدا انني ساخرج بعد نصف ساعة لا اكثر , مما ادى بحالتي الى التغير من الصمت والأنصات الى التدحرج شيئا فشيئا لكرسي الحكواتي لأسرد لهم قصة وجودي هنا ,وحينما وصلت نهايتها فتح باب السجن وودعتهم على عجالة واذا بالضابط يعتذر ويلوم القاضي المتعجرف لطلبه توقيفي , بينما كل مجرمي العراق خارج السجون , فكما نعرف تم فتحهها بواسطة الجيش الأمريكي اول مادخلوا للعراق , الا انني كنت مرتاحا لهذه التجربة الغريبة , فقد انتهى الأمر على هذا , ولم يجد ملف القضية التي اتهمت بها الا اقرب سلة مهملات ليجلس فيها , فلم تستوعبه لاقوانين السابق ولا اللاحق من الفقه القانوني العراقي , فنان تم منعه من عرض مسرحيته بحجة انه تطاول على لجنة المهرجان بكونها سمحت لفنانين بالمشاركة رغم انهم ضد الأحتلال !, ومن معه ؟!,بل كيف للمهرجان ان يكون ضده وهو عنوانه مهرجان الحرية !. هكذا خطوت لأول وهلة تحت اخر قنابل مطر اميركا ,بين اول رصاص العراقي الموجه لصدر العراقي ,تخبط مرهون بما انبرى تحت الذات من مساند خفية , ربما لها اساس من الأساس, لكنه لم يبدوا جليا وقتها بل في ذات الوقت الذي ارتديت ساعتي لحظة خرجي من السجن وجدتها متوقفة ,فقد رماها الشرطي بيده التي تعودت رمي المسدس الثقيل في الدرج, مما ادى الى اهتزاز البطارية قليلا , بصراحة لم احفل بالساعة , لكن ما شدني هو بقاء عقاربها شاهدا على لحظة دخولي , لا خروجي ! , من السجن , اهذا دليل آخر على ان التغيير لم يحدث فعليا , وان السجن باق, وكل ما حدث هو تسلم سجان آخر لمفاتيحه , بل مفتاحه , فليس للعراق ابواب نأمل في فتح احدها بالصدفة بالخطأ يوما ما , هو باب واحد , الى الأعلى , حين تنظر للسماء ليلا من سطح بيتكم ,وتشعر انك في اللامكان , كل ما يزعجني في اجمل تفاصيل هذه اللحظة , هي الشمس العراقية التي تغنى بها الكثيرين عبثا , فهي تكشف لك في كل فجر عن طريقة لتحد من افق عينك المتلذذة بالسهر , فلما تنام وانت لاتأمن في حلمك القادم , لما النوم وانت لديك هذه السماء المرصعة بالنجوم تخط فيها ما شئت بأختيارك, ومااعز الأختيار هنا , فحتى الحلم لا خيار لك فيه , سهرت طويلا ليلتها , ولم اكلم احدا , وانا بين ضحكة مكتومة ودمعة تأبى النزول ,ايقنت اننا ستأكل بعضنا البعض ولو كنا مثقفين , سنكون مثالا رائعا للشراهة , وفعلا بدأ حدسي يتوقد يقينا بعد حين , فطفح الشر بكل ماتملك من قوة استمدها من ضعف , فذبح الأخ اخاه ,بل ذبح نفسه ,في مشهد اقل ما يوصف بالطوفان , وكنت انا والسهر والنجوم شهود ,انا لم اجد في تكاثر الناس في شوارع بلدتي غير كلمة الأفراج عنوانا , فقد افرج عنهم , ولكن مااشد وقع هذه الكلمة تحت لائحة الضياع لما لا يقترن معها دليل , صحيح ان القيد قد كسر , لكن اثره باق , ولولا تحديقنا في الأثر لما كنا مقيدين لحد الآن , انا لا اطالب بالنسيان كأستاذي, فلست في موقعه , بل اطالب نفسي بالدليل , فبوسط هذه الصحراء التي ربما نفرح لو وجدنا سرابها حقيقة , ان هنالك واحة ولو كانت دون ماء, فهي اثر على الحياة في وقت لم تعد لكلمة الحياة معنى , اعلم انها قطرات حبر اليأس ,لكني اضعف من ان اكتمها , ان ما حدث لي يعد كارثة شخصية وموقف وتجربة وقل ما شئت , لكن ما حدث لبلد وشعب بأكمله لا يمكن ان يمر دون نظرة دقيقة , لأنه من غير المعقول ان تطلق سراح شعب غير مؤهل للحرية وتطالبه بتقييمها , نعم , ان الحرية كلمة طالما شهدناها على لافتات لا وطنية , والآن نشهد الجثث تنهش بعضها بعضا بأسمها !, ان البحث في صناديق الأقتراع عن الحرية عبث لا طائل منه , لأن المشكلة في فهم العراقي لها , انا نلت حرية منقوصة لما خرجت من السجن , لأني محاط بهاجس تكرار التجربة فيني لو خطوت نفس الخطوة بأن ادلي برايي , بمعنى ان تهمة ممارسة حرية الرأي هي وراء طعم عنوانه مارس حريتك ايها العراقي !,طيب ماهذا الفخ المكشوف , هل بربك تقع في نفس الحفرة مرتين لمجرد ان تساهم في صدك هذه المقولة !,ان الآخر , الجندي الأميركي الذي يلتف حوله الأطفال متعجبين بملبسه وعدته وكانه نزل عليهم من لعبة اليكترونية مشهد لا يمكن تجاهله, خاصة وان هذا الوحش المفترض يعطي لأطفالنا الحلوى , بينما كانت تمر سيارة الشرطة العراقية,التي لا تمثل الآخر, وترى الشيخ يسابق الشاب هربا في الشوارع الفرعية مع انهم لم يفعلوا شيئا يعد خرقا للقانون حينها , انا نفسي نلت من هذه المشاهد اليومية ما نلت , هل هنالك شعب اشد غرابة من شعبي ؟!, كلمت مرة جندي امريكي , لماذا تدعي البراءة ؟, فأجابني بما معناه انه عملي !, الآخر في معانيه الأكثر شيوعا يعني شخصا آخر او مجموعة مغايرة من البشر ذات هوية موحدة,وبالمقارنة مع ذاك الشخص او المجموعة نستطيع ان نحدد اختلافنا عنها ,وفي مثل هذه الضدية ينطوي هذا التحديد على التقليل من قيمة الآخر , واعلاء قيمة الذات او الهوية ,ويشيع مثل هذا الطرح في تقابل الثقافات خاصة , وهذا ما يسود عادة في الخطاب الأستعماري,من هو الآخر هنا ؟!. في مرة كنت خارجا من مدرستي ايام دراستي الأعدادية , وقفت عند ركن في اول الشارع اترقب خروج الطالبات لألقي نظرة على الجنس الآخر الذي يدرسونا اياه في مادة الأحياء , هذه الكائنات الفضائية التي لا نعلم ما تخبىء تحت ملابسها , مر ثلاثة من مرتدي الزي العسكري امامي , لا حقوا فتاة , رموا كلماتهم التي تعد تحرشا جنسيا , ادارت الفتاة عيناها لي كأنما تطلب العون , مني؟!, انا الذي خبأت سيكاري لكي لا يرموا بي في السجن حيث كان شهر رمضان والأفطار العلني ممنوع على عكس التحرش !,لا اعرف مالذي دفعني لأقول عيب!, فلم ولن اكون بطلا يوما ما , كانت هذه الكلمة كافية ليستديروا مرحبين بهذه الفرصة التي جاءتهم لتفريغ فشلهم الذكوري من اقناع الفتاة بكونهم بشر يستحقوا النظر في امرهم كمغازلين شباب , وافرغوا بي هذا الفشل بالكامل , بكل ما تعتق في دواخلهم من تجارب سابقة فاشلة طبعا,فلما يعز على رجل ارضاء امراة , اول ما يخطر في باله هو اظهار قوته البدنية , بينما يقابل هذا المشهد رجل يهدي انواع من باقات الزهور محاولا اكتشاف ما تهواه امراة اعجبته ومايستميلها من اصناف ! , وطلبوا هويتي وجروني ارضا وانا اضرب فيهم طلبا لفرصة اهرب من قبضتهم , كانوا ثلاثة , ولكن كيف اصبحوا اربعة عشر لا اعلم , يبدوا ان هنالك اخوان لهم يتحرشون في شوارع قريبة ,لم اكن اعلم من اين تأتي الصفعة , فضربة الحزام , فالركلة , الى ان وصلنا مركزا للأمن , وهناك , حالتي كما القميص خارجا من غسالة , وقف مسئول وراء مكتبه يسألهم مالذي فعلته انا , قالوا مسكناه يتحرش بالطالبات , انا بحياتي لم اجد هذه الفقرة الشبابية , فلم اعرف لحد اليوم كيف انتقي من الكلمات ما يصلح ان يرمى بشارع !, المهم ضحك المسئول وتوعدني وتوعدهم ان لا يكذبوا مرة ثانية فلا يبدوا عليه الأناقة المعتادة من المتحرشين او ممتهني درب الحب الشبابي , رموني خارجا , ورموا لي هويتي , وهي ورقة صغيرة تقول اني طالب, ولكني لما شاهدتها على الأرض علمت ان المدرسة التي انا فيها اكبر من هذه الهوية الصغيرة , وخاصة بعد هذا الدرس العملي !فقد رمقني من في صورة الهوية بنظرة احسست وقتها انه الآخر , الآخر المشهدي في حالة الذات وتبلورها, فالطفل في مرحلة النمو يحاول دائما تحقيق صورته المثالية المنعكسة في المرآة في كل مكتمل والسيطرة على جسده ,لكن لهذا المشهد اثرا تغريبيا اذ ان السيطرة محالة ,أي لا تستطيع ان تلحق بأنعكاس حركاتك في المرآة لتصل الى لحظة التماثل معها , ولا فرق من يسبق من , انت ام ذاتك, المهم ان تلتقي معها وتكون صورة طبق الأصل , او اصل وجد صورته اخيرا ,كم اتوق ليوم معرفتي , هل انا آخر ؟!, احكم ايها القارىء,ايها الآخر ! . يتبع .... لحظة عارية–12 الكاتب سرمد السرمدي