الأول في حكم تارك الصلاةوالثاني في النزاعات والعقوبات كثيرة هي معالم المغرب الأمازيغي، كثيرة ومتنوعة إلى حد يصعب معه عدها وعرضها، إلا أنه لا بد أن تستوقفك بين الفينة والأخرى، محطات وازنة ودالة، من ذلك المغرب العميق، أي مغرب سنة 1819 ه، بإحدى مناطق سوس النائية نلتقي بنص إسلامي تشريعي بامتياز، ولد في محضن أمازيغي. اخترنا في هذا العدد نصين من كتاب ألواح جزولة والتشريع الإسلامي للأستاذ امحمد العثماني (والذي هو في أصله ديبلوم دراسات عليا بدار الحديث الحسنية 1971)، الأول في مسألة ترك الصلاة والثاني يقدم نموذجا لتدبير المخالفات الاجتماعية والقواعد والأحكام التي كان أهل سوس يتحاكمون إليها لفض نزاعاتهم والتعليق عليها بالمقارنة مع التشريعات الإسلامية، ويقول المؤلف في وصف هذه الألواح قد "توافر في الألواح ما توافر في القوانين العصرية الحديثة من قواعد عامة سليمة المغزى، ومن مثل ديموقراطية عليا، بل سبقتها إليها، كما صينت بها الكليات الخمس التي تأمر بصيانتها جميع الشرائع". ويضيف المؤلف بأنه "تعرف المسائل الجوهرية في الألواح، والمشاكل التي يكثر حدوثها في الوسط السائدة فيه الألواح، بتكرارها في اللوح بعبارات مختلفة، وبتأكيدات متباينة، يدرك ذلك من له إلمام بالأسلوب، والعقوبات في الألواح على الجنايات ضد الجماعة أشد من الجنايات ضد الأفراد، إذ حماية الجماعة حماية للأفراد. فالألواح بصفة عامة تعرف الجرائم المقصودة والجرائم غير المقصودة، وتعرف جرائم متلبسا بها وجرائم لا تلبس فيها، وتعرف جرائم إيجابية وجرائم سلبية، وتعرف جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد، وتعرف جرائم عادية وجرائم سياسية. وتميز أيضا بين الكبار والصغار من حيث المسؤولية الجنائية. أما المسؤولية المدنية، فلا يعفى منها القاصر عن كل جريمة يرتكبها، أو أي ضرر يصيب بها غيره في ماله أو نفسه، لأن الأعذار لا تهدر الضمان ولا تسقطه، ولو أسقطت العقوبة". أما المبادئ المؤطرة للألواح فمنها "القاعدة المشهورة: لا رجعية في التشريع الجنائي، والقاعدة: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والعقوبة التي تفرضها الألواح على الجاني تقوم على أصول ظاهرة محققة للغرض منها، وهو إصلاح الأفراد وحماية الجماعة وصيانة كيانها ونظامها. فالأصول هي أن تكون العقوبة: أ واردة في لوح صادر عن جماعة أو ممثليها. ب شخصية تصيب الجاني وحده ولا تتعداه إلا إلى مشاركا أو محرضا أو معاونا له أو مدافعا عنه. ج عامة، تقع على كل أفراد القبيلة مهما اختلفت أقدارهم، فلا تمييز في التطبيق بين الأفراد: فالحاكم كالمحكوم، والشريف كالوضيع، والقوي كالضعيف، والنابه كالخامل على السواء". وقد عرف المؤلف النص الثاني ب"اللوح المختار لصغره ولسلامة أسلوبه بعض السلامة يرجع تاريخه إلى أواخر صفر عام 1235 ه / موافق أواخر نونبر سنة 1819 م، وهو لمنطقة أيت وادريم، التي هي إحدى مناطق دائرة إيتركان، وهي قديما من هشتوكة الجبلية، وتضم هذه المنطقة عدة قبائل كما ورد في اللوح نفسه. ولهذا يعد هذا اللوح من ألواح الحلف (أمقون)، وهو عبارة عن عدة قبائل، أو عدة مناطق تعقد فيما بينها حلفا، وتؤيده بوضع لوح تبين فيه الموضوعات التي يجب التعاون عليها، في المرافق المشتركة بينها، وهذا النوع من الألواح غالبا ما يكون صغيرا، لكونه لا يعالج إلا موضوعات عديدة ومحدودة ومشتركة بين أجزاء الحلف (أمقون) كما يرى في النص النموذجي، وهو أشبه بقانون دولي عام ، أما ما يقع داخل أجزاء الحلف، فإنه يعالج بواسطة ألواح أخرى محلية، وهي تعالج المسائل التفصيلية التي يقع عليها النص فيها. وهي أشبه بقانون خاص". كما خصص مبحثا كاملا لدراسة موقف علماء جزولة من الألواح، حيث استعرض آراء 51 عالما ممن أيدوا العمل بالألواح ودافعوا عنها، دون أن يغفل ذكر من عارضوها، وإذ ننشر هذين النموذجين فإننا نفتح الباب لنقاش حول عدة قضايا تناواتها الألواح قديما وحديثا من مثل موقع العرف في التشريع والتدوين القانوني في التجربة الحضارية. الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله ومن ترك الصلاة بلا عذر شرعي حتى خرج الوقت مثل الذي ينام عن العشاء حتى طلع الفجر وهو بائت في الحصن، ومثل الذي ترك الظهرين حتى غربت الشمس وهو حاضر في الحصن وقتهما، ومثل الذي نام عن الصبح حتى طلعت الشمس ينصف بأوقية لكل صلاة، والعلماء أمروا بقتله حدا، ففي المختصر: "ومن ترك فرضا آخر لبقاء ركعة... إلخ". ونحن لم نقدر على قتله، ومقدورنا تأديبه بالمال وعقوبته به. وأما الدعوة والتبريح بأسرض في الحصن، فإن كان إلى إمام الزاوية، فلا بأس به، فإذا حضرا بين يديه فإن تراضيا عليه بالتحكيم والتراضي، فواضح، وإن لم يتراضيا اقتراعا أو يتصالحا. وإن تخلف المدعو عنه، يغرم خمس أواق ، كما يغرمها إذا تواعدا إليه وتخلف أحدهما عن صاحبه، وإن كانت الدعوة فيه، أي في الحصن، إلى غير إمامها كإلى بعض علماء البلدان أو بعض الحصون أو بعض القبائل فإنه يغرم في الدعوة مثقالا، ولا شيء على المدعو في التخلف عنه إلا إن فعلا ذلك بأمر الجماعة الحاضرين في الحصن ورفعوهما إلى من رضياه من العلماء، فلا بأس به، ولا شيء فيه على الخصمين، لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله)، وقوله: (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك) (الآية)، وأما من تعامل بالربا في الحصن ككراء الدراهم بالدراهم وبالطعام، وكبيع سلعة بمال، ثم اشتراها البائع من مشتريها بأقل مما باعها به له، فإنهما يغرمان ريالا كبيرا على كل منهما، وخلطتهما لا كلام فيها لأرباب الحصن، ولو أكل أحدهما الآخر، ولا ربحهما الله، وكذلك كل خلطة فاسدة عقدها المتعاقدان مع علمهم بفسادها، فلا تفصل فيه ولا يغرمون فيها، نعم، وخلطة الحصن لم تخرج منه بأسروض. والسلام. نص لوح حصن سيدي يعقوب الهلالي ألواح جزولة والتشريع الإسلامي ص: 123-122 اللوح الثاني في النزاعات بآيت وادريم الديباجة: "الحمد لله وحده. وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا ومولانا محمد صلاة تدوم بدوام جودك وعطفك ياذا الجلال والإكرام لا شريك له، وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لقائك يا رحمان الرحيم. فبحول الله وقوته وتوفيقه عقدنا عقدا ومواخاة ومسالمة ومشاركة ومتابعة بين بني ودريم من حد أقطار القبيلة ومن انتسب إليها وانتصر إلى أربابها عقدا يوجب لهم حفظ الدماء والأموال والأعراض ويوجب رجوع كل شارد إلى وطنه بلطف الله وشفقته في عباده الضعفاء وأن يقبض الأعيان القريب والبعيد والجانب والأخ بيد واحدة، ويوجب أيضا بحول الله أن يكون الجميع يدا واحدا يتواصلون ويتزاورون ويتراحمون ويتوامنون ويتشاورون في محدثاتهم ويسلكون في مشورتهم الأصلح ويتصابرون ويتتابعون ويتواصون على الفلاح ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتوبون ويندمون على ما سلف وصدر منهم من كبائر السيئات وقبائح المنكرات ويتعاونون في أمور دينهم ودنياهم وعلى أن يكون اعتماد أمور القبيلة في يد الله ويد أعيانها الآتي أسماؤهم واتفق رأيهم على ما سأذكره من الإنصاف في كل حادثة لا قديم إلا الله، وعلى ذلك يكون عرفهم وعرف أعقابهم إن شاء الله ويكون الإنصاف الآتي على الأثلاث: الثلث للمصالح، والثلثان للأعيان الآتية، فالله يجعل البركة في رأيهم". üüüüüüüü ثم عدد اللوح الأعيان وأسماء القبائل التي ينوبون عنها. ثم عقب قائمة الأعيان بقوله: وهؤلاء الأعيان هم الذين يسعون في بلدهم وهم الذين يقفون في كل واقعة ومحدثة وسد الخلات وعليهم بتقوى الله العظيم والصبر لكل بلية والاعتصام بالله في كل واقعة أو متوقعة، والدوام على المشورة في كل أمر وأن لا يتحاسدوا ولا يتباغضوا وليكونوا عباد الله إخوانا بحول الله وقوته وبركة نبيه عليه الصلاة والسلام. الموضوعات: ثم الإنصاف المشار إليه أعلاه. "أن من كسر العافية يعطي مثقالا وتخرب داره وزاكَ، ومن اتهم بذلك فخمسين يمينا. ومن قتل فأربعون مثقالا في الدية، ومائة مثقال في الإنصاف وفيها الذبيحة والدار. ومن اتهم بالقتل فخمسين يمينا. ومن سرق في الدار فعشرة مثاقيل ويغرم متاع الناس. ومن اتهم بها في الدار فأربعة وعشرون يمينا، وفي الغابة سبعة مثاقيل، والمتهم بها فيها اثني عشر يمينا. ومن سرق في السوق أو حاب في طرقه أو سرق في الموسم أو حارب في طرقه يغرم متاع الناس ومائة مثقال في الإنصاف، ومن قطع في الطريق في غير السوق من غير قتل ولا جرح أربعون مثقالا، ومن ضرب بالمكحولة أو السكين وجرح فسبعة مثاقيل، مع الإحسان للمجروح، ومن طلع الزناد وسل المدية من غير ضرب فمثقال، ومن بينت عليه الفاحشة فسبعة مثاقيل. ومن اتهم فخمسة من إخوانه. ومن حمي ونعر في بعض ما ذكر فخمسة مثاقيل. ومن كسر دعوة النفاليس فمثقال. ومن مات في النقاب سارقا، فلا دية ولا زاكَ ولا إنصاف عليه. ومن جرح بالحجر فمثقالين. ومن تضارب بالدبز والنعال والأسواط حتى أثر ذلك فعشرة أوجه، وفي ما بين النساء ربعية السمن لحيهم. ومن أحرق الشعير يغرم متاع الناس ويعطي عشرة مثاقيل، ومن اتهم بالسرقة في الحرمات، فخمسين يمينا، وغير ذلك باجتهاد الأعيان". وإليكم تبنيدها: البند الأول: "إن من كسر العافية يعطي مائتي مثقال وتخرب داره وزاكَ، ومن اتهم بذلك فخمسين يمينا." البند الثاني: "ومن قتل فأربعون مثقالا في الدية ومائة مثقال في الإنصاف وفيها الذبيحة واالدار، ومن اتهم بالقتل فخمسين يمينا." البند الثالث: "ومن سرق في الدار فعشرة مثاقيل ويغرم متاع الناس. ومن أهم بها في الدار فأربعة وعشرون يمينا، وفي الغابة سبعة مثاقيل، والمتهم بها فيها اثني عشر يمينا. ومن سرق في السوق أو حارب في طرقه أو سرق في الموسم أو حارب في طرقه يغرم متاع الناس ومائة مثقال في الإنصاف، ومن قطع في غير السوق من غير قتل ولا جرح، فعليه أربعون مثقالا". فقرة أولى متممة للبند الثالث: "ومن مات في النقاب سارقا، فلا دية ولا زاكَ ولا إنصاف عليه". فقرة ثانية كتممة للبند الثالث: "ومن اتهم بالسرقة في الحرمات فخمسين يمينا". البند الرابع: "ومن ضرب بالمكحولة أو السكين وجرح، فسبعة مثاقيل مع الإحسان للمجروح. ومن طلع الزناد وسل المدية من غير ضرب، فمثقال". فقرة متممة للبند الرابع: "ومن جرح بالحجر، فمثقالين، ومن تضارب بالديز والنعال والأسواط حتى أثر ذلك، فعشرة أوجه، وفي ما بين النساء ربعية السمن لحيهم". البند الخامس: "ومن بينت عليه الفاحشة، فسبعة مثاقيل، ومن اتهم فخمسة من إخوانه." البند السادس: "ومن حمي ونعر في بعض ما ذكر، فخمسة مثاقيل". البند السابع: "ومن كسر دعوة النفاليس، فمثقال." البند الثامن: "ومن أحرق الشعير يغرم متاع الناس ويعطي عشرة مثاقيل". البند التاسع: "وغير ذلك باجتهاد الأعيان". قراءة تحليلية للوح الثاني الديباجة: شكل الارتباط بين هذه القبائل التي عقدت حلفا، وفاقي، توحدها الأرض، وتربط بينها زيادة على الدين واللغة المصالح المشتركة، وأبوابها مفتوحة لمن شاء اللحاق بها، إما بالانتقال إلى أرضها، أو الدخول معها في حلف يكون له فيه ما لها وعليه ما عليها. وقد اشتملت الديباجة على مبادئ وأصول وقيم أساسية، وكان من جملة المبادئ الأساسية التي سجلتها ما يلي: أ توحيد كلمة الجماعة وتنظيم صفوفها، والتضامن بين أفرادها.(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).(1) ب المحافظة على الشورى في كل ما جد.( وأمرهم شورى بينهم)(2) ج السهر على المصالح العامة، وعلى إقرار الأمن العام، وعلى معاقبة المجرمين. "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"(3) د حفظ الدماء والأموال والأعراض من كل أمر أو امرئ يمسها بسوء، "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام..." (الحديث)(4) ه موقف الجماعة كلها واحد في الحرب والسلم ، فالجميع يشترك في الدفاع عن مصالحها، ويتساوون في الحقوق والواجبات دون محاباة. (إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) (5)، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"(6) و القيام بإبلاغ الساهرين على تنفيذ هذا اللوح بكل المخالفات وبكل ما يخل بالأمن العام، في دائرة الصدق والأمانة في النقل. (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (7) ز القضاء بإرجاع كل منفي، وبالعفو العام عن الجرائم السابقة، لأن التشريع الجنائي لا رجعية فيه. (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) (8) ح وجوب القيام بتغيير المنكر على كل من رآه وعاينه، بقدر الإمكان "من رأى منكم منكرا فليغيره..." (الحديث) (9) ط القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممن آنس في نفسه القدرة على القيام بهما على سبيل المناصحة والتواصي (بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)(10). ي التعلق بالله واستمداد العون والتوفيق منه على القيام بأمور الدين والدنيا. ( فتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم) (11) ك الإخلاص للمثل العليا، وللحق والعدالة، وللأخلاق السامية. (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (12) ل على أن كثيرا من هذه المبادئ الأدبية لم تقترن بالجزاء عند عدم القيام بها (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (13) م جعل السلطة التنفيذية في أيدي أعيان الجماعة (إينفلاس) (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (14) ن مصادر اللوح الكتاب والسنة ومصالح المحيط الاجتماعي. س الاتفاق على مقدار العقوبات على الجنايات المنصوص عليها في اللوح. ع عدم رجعية ما وقع عليه النص في اللوح وهو ما يعبر عنه في القوانين (15) بالأثر المباشر أو الحال أو الفوري للقانون بل يطبق على المخالفات اللاحقة لإشهاره، لا على السابقة لتكوينه. (عفا الله عما سلف، ومن عاد، فينتقم الله منه) (16). ف تنظيم الغرامة المستوفاة من أصحاب المخالفات، والمخلين بالتزامات اللوح، إلى آخر ما يمكن أن يستنتج من منطوق الديباجة ومفهومها. أسماء الأعيان وأسماء القبائل التي يتكلمون باسمها لم أكلف نفسي عناء نقل هذه النقطة وكتبها مع النص المدروس، اكتفاء بوجودها في الرسم (الذي سيمر بك بعد هذه الدراسة)، وهي لا تمت إلى النص المقصود بالدراسة بصلة، وهي داخلة في التنظيمات والشكليات لعامة الألواح، فما من لوح، كيفما كان شأنه، إلا وينص على الأعيان، وأسماء الأسر أو القبيلة أو القبائل، حسب طبيعة اللوح، فاجتماع الأعيان، ومناقشة الموضوعات وحلولها، وإفراغها في القالب النهائي يضفي على اللوح صفته المادية، ثم تضفى عليه الصفة الرسمية والإلزامية، وذلك بالسير في الطريق الذي يؤدي إليها من الإصدار والإشهار وحمله إلى علم الناس بما ذكرنا (17) الموضوعات وعقوباتها: بنود هذا اللوح قليلة العدد غزيرة المدد، وهي لم تتجاوز تسعة، وصياغتها بعيدة عن الترتيب. وقد استعملت فيها ألفاظ وتعابير كانت شائعة آنذاك، ثم قل استعمالها تدريجيا. وينقسم ما ورد في اللوح إلى الجنايات، والجنح، والمخالفات، فالجناية هي أعلى ما يعاقب عليه بأقسى عقوبة، وما دون ذلك هو جنحة، وما دونهما مخالفة. تفسير الألفاظ وبعض التعابير: جاء في البند الأول : كسر العافية، أي نقض الهدنة إذا عقدت بين قبائل الحلف، أو بينها وبين غيرها من القبائل الخارجة عنها. وجاء في البند الثاني والثالث، وفي الفقرة الأولى المتممة للبند الثالث كلمة الإنصاف (بكسر الهمزة)، وهو الذعيرة والعقوبة المادية، وهي كلمة مأخوذة من الإنصافبمعناها العربي الذي هو قبول الحق. قال الجشتيمي: فيعملياته(18) كمثل ما يوصف بالذعيرة أو باسم إنصاف على جريرة في سوسنا،إلخ. وجاء في البند الأول كلمةزاكا ،وفي الفقرة الأولى المتممة للبند الثالث كلمة زاكك أي التغريب والنفي والإخراج من القبيلة حتى يتخذ في شأنه العفو أو غيره. وجاء في الفقرة نفسها أيضا كلمة مات، أي قتل بالبناء للمفعول. وجاء في البند الرابع كلمة المكحولة (هكذا) ، أي البندقية. ثم إن البند الأول يتعلق بخرق الهدنة، والبند الثاني يتعلق بالقتل، والبند الثالث والفقرة الثانية المتممة له يتعلقان بالسرقة، والفقرة الأولى المتممة للثالث أيضا تتعلق بالدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض، والبند الرابع والفقرة المتممة له يتعلقان بالضرب والسلاح والتهديد به والجرح والضرب المتبادل بين الرجال أو بين النساء. ويستفاد من هذا أن مشكل المضاربة بين الرجال والنساء غير مطروح، لأن اللوح لوح الحلف، والمضاربة بهذا الشكل لم تقع ولن تقع. والبند الخامس يتعلق بالزنى والخيانة الزوجية والشذوذ الجنسي. والبند السادس يتعلق بإيواء المجرم أو إخفائه أو إعانته أو الانتصار له، ويستفاد منه بالأولوية عدم أخذ أحد بذنب غيره. قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (19). والبند السابع يتعلق بالامتناع عن الحضور أمام السلطة المختصة إذا استدعي، والبند الثامن يتعلق بالاعتداء على المحصول الفلاحي بإضرام النار. والبند التاسع يتعلق بإحداث تشريع جديد لما جد من المشاكل على وفق ما عرف ونصت عليه عدة ألواح (20). تنقسم بنود اللوح إلى: 1 جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد : فالبند الأول والجزءان الأخيران من البند الثالث، وجميع الفقرة الأخيرة المتممة له تتعلق كلها بالجناية ضد الجماعة، ولذا كان العقاب فيها قاسيا بنسبة ذلك العصر. والبنود الباقية كانت الجناية فيها ضد الأفراد. 2 جرائم وجنح ومخالفات: فالبند الأول والثاني والثالث والجزء الأول من الرابع والبند الخامس والثامن كلها تتعلق بالجنايات، أما البند السادس فجنحة، ولهذا كان العقاب فيه دون ما سبق. أما الجزء الأخير من البند الرابع، وجميع الفقرة المتممة له والبند السابع فهي تتعلق بالمخالفات. 3 جرائم إيجابية وجرائم سلبية: فالبنود كلها تتعلق بجرائم إيجابية، ما عدا البند السابع فهو سلبي. 4 جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة: فالبنود كلها تتعلق بجرائم مقصودة، وما سواها يفهم من الوضع العام. الخاتمة ثم أتى اللوح بعد الموضوعات بخاتمة تشتمل على دعوات على الباغين والمفسدين والساعين إلى إحداث الشر والتفريق بين الجماعة المتضامنة، كما تشتمل على وصايا للأعيان بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وبترك الشبهات والشهوات، وأن يكون وقوفهم مع الضعيف أكثر من وقوفهم مع القوي. وبعد إن اللوح، في ضوء ما قدمنا، يكفل للمواطنين الحريات الخاصة والعامة، والحريات الاقتصادية والاجتماعية، فالحريات الخاصة هي التي تتعلق بشخص المواطن: فالمواطن له حرمته ومكانته الاجتماعية، وله حرية التجول والاستقرار. والحريات العامة هي حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الاجتماع، والحريات الاقتصادية هي حرية الشغل والملك والتجارة، والحقوق الاجتماعية هي التربية والتعليم وتكوين الأسرة على وفق ما هو معروف آنذاك. ألواح جزولة والتشريع الإسلامي للأستاذ امحمد العثماني الصفحات: من 137-131 الهوامش: 1 سورة الأنفال، الآية 46 2 سورة الشورى الآية .35 3 أخرجه البخاري في كتاب الأحكام ، وأخرجه مسلم فيكتاب الإمارة وأخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء، وأخرجه الترمذي في كتاب الجهاد. 4 أخرجه البخاري في كتاب الغنم وفي كتاب الحج، وفي كتب التفسير، وفي كتاب الفتن وفيبدء الخلق، وأخرجه مسلم في الديات، وأخرجه النسائي في كتاب العلم وفيكتاب الحج. 5 الحجرات الآية 10 6 رواه البخاري في كتاب المظالم والغصب، وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلةوأخرجه الترمذي في كتاب الجهاد. 7 سورة المائدة الآية 3 8 سورة آل عمران الآية .134 9 عبد الرحمان البغدادي، جوامع العلم والحكم، وأخرجه مسلم والترمذي فيكتاب الإيمان، وأخرجه أبو داوود في كتاب الصلاة في باب الخطبة في يوم العيد. 10 سورة العصر. 11 الشعراء الآية.219 ,218 ,217 12 الأنعام الآية .153 13 النحل الآية .125 14 النساء الآية .58 15 بناء على قاعدة مبدإ عدم سريان القانون على الماضي أو عدم رجعيته، راجع: عبد الفتاح، نظرية القانون ص ,241 وراجع الملحق رقم ,7 ص 291 ,294 ولوح حصن صايصيض ص ,42 ومن هذا البحث ص .126 16 عبد الفتاح، نظرية القانون ص .260 17 انظر وسائل إشهار الألواح حتى تكون لها الصفة الإلزامية، في هذا الفصل ص 109 110 18 في باب مسائل الغصب والسرقة والاستحقاق 19 الأنعام آية ,166 الإسراء آية ,15 فاطر آية 18 20 جاء في لوح حصن صايصيض بأيت مزال (ص 20) ما نصه "فإن تلبست عليهم المسألة واستشكلت، زادوا أربعة رجال من فضلاء أهل الحصن أو خمسة حتى يتفقوا عليها ويعملوها بما فيه".