يعيب علينا كثير من المقربين أننا نوسع صدورنا وصفحاتنا لخصومنا أكثر من اللازم، فنعرض أخبارهم وأحوالهم وأقوالهم. وهي أخبار وأحوال وأقوال مخالفة لنا، وأحيانا موجعة لنا، بل فيها طعن وتشويه، وغمز ولمز وتسفيه. فلماذا إذن تفعلون ذلك؟ أأنتم من الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الآخرين؟ أأنشأتم جريدة يومية لتعرضوا بضاعتكم أم لعرض بضائع الآخرين؟ ما سمعنا بهذا في الملة الأولى ولا في الملة الآخرة في ميدان الإعلام والصحافة. وفي مقابل ظلم ذوي القربى هؤلاء، يعيب علينا خصوم مخالفون لنا أننا لأنفسنا وعشيرتنا متحيزون، فلا أخبار إلا أخبارنا، ولا قضايا إلا قضايانا،ولا سبيل إلا سبيلنا، ولا رأي إلا ما نرى. ثم يتحدون قائلين، أين شعارتكم المرفوع يوميا على صدر صفحتكم الأولى (تميز دون تحيز)؟ ذلك قول فقط، فأين الفعل؟ ما أنتم إلا ماكرون، ومن الأولى أن تحذفوه نهائيا، أو تقلبوه فذلك هو الأصوب، اكتبوا بدلا منه (تحيز دون تميز). وجوابا على الفريقين، لابد من الاعتراف أولا، أننا لسنا من المخلوقات التي قال عنها القرآن الكريم (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يومرون) لسنا ملائكة كراما بررة. ولسنا أيضا من المخلوقات التي قال القرآن الكريم عنها إن بعضها يوحي إلى بعض زخرف القول غرورا. لسنا أبالسة حاقدين. نحن مثل أولى القربى منا، ومثل أولي الخصومات لنا، بشر نصيب ونخطئ، ونعلو وننزل، ونتقدم ونتأخر، ومن الوارد جدا أن نتحيز أحيانا أكثر من اللازم، حتى نفقد العدل بسبب هوى أو شنآن، فلا نقوم بالقسط ونتحيز لعشيرتنا وقومنا.. أو نتعامل على المخالفين لآرائنا ومواقفنا.. ذلك أمر وارد جدا. فنحن كائنات بشرية لها فجورها وتقواها. أما المقربون منا، الذين يعيبون علينا أن نقص أخبار من يخالفوننا، والذين استاءوا من سلوكنا بالقول المبعوث والكتاب المسطور، فنحن نوجه قلوبهم إلى كتاب الله ليروا فيه أخبار الشياطين والأبالسة الملعونين المرجومين، فليقرأوا أقوالهم حية في القرآن، ولينظروا إلى نفثهم وسمومهم، وعصيانهم وتمردهم على الله في حوارات لا تزال غضة طرية في كلمات لا تموت ولاتنفد أبدا. ألم تروا إلى محمد صلى الله عليه وسلم واقفا منصتا لأبي الوليد وهو يجتهد في ثني الرسول الكريم عن رسالته، ولم يتكلم النبي العظيم إلا بعد أن فرغ الرجل من كلامه قائلا له: >أفرغت يا أبا الوليد؟< فلما أيقن من إتمام كلامه استرسل في الرد عليه بكلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وغير هذا الموقف صور ومشاهد لا يحصيها العد في عمود كهذا. وأما المخالفون لنا، فهل يريدون منا أن نتنازل عن عقائدنا ومبادئنا وشعائرنا وأخلاقنا، وكل ما يميزنا، ونكون مثلهم، ليرضوا عنا، فنصبح حينئذ في نظرهم موضوعين غير متحيزين! فلماذا إذن نتكلف ونركب مغامرة الإصدار اليومي بكل مخاطرها وأتعابها وأوهاقها، إن لم نعرض بضاعتنا وأفكارنا ومبادئنا؟ ولأي شيء يصلح المنبر الإعلامي إن لم تنطلق منه أصواتنا وأفكارنا؟ ولأي شيء يصلح إن لم نخبر فيه بمظالم المظلومين، والمقهورين والمستضعفين من النساء والولدان الذين لا يجدون منصتا ولا منصفا؟ وما تغني الأوراق والأقلام والصور، إن لم تفضح أهل الكبائر السياسية والاجتماعية والأخلاقية؟ وإن لم تنصح أهل الهوى والانزلاق وأصحاب المكر والخديعة والنفاق؟ وإن لم تهاجم باعة الأعراض والعقول والأجساد؟ وكما بدأنا أول قول نعيده، نحن هاهنا متميزون وللحق متحيزون، ونجتهد لنكون قوامين لله، شهداء بالقسط، ولو على أنفسنا وأهلينا ورؤسائنا. حسن السرات