ربما تصر أكثر من اللازم الأجهزة الأمنية المغربية في أن تسترسل في توضيح معنى المفهوم الجديد للسلطة ، وأن تشرح للمواطنين الذين لم يستوعبوا بعد ماذا يعني حرفيا العهد الجديد . "" أريد أن أسمع أصوات أذيال المخزن تتعالى . أريد أن أرى ملامح هؤلاء الذين يدعون المغاربة إلى الذهاب إلى مسرحية الإنتخابات . الذين يوهمون الشعب أنه ثمة إصلاحات أو على الأقل رغبة في الإصلاح السياسي . قبل أيام ، طالعتنا الديموقراطية المغربية الفريدة بملاحقة الأجهزة الأمنية لمدير جريدة الأيام نور الدين مفتاح كأنه جيمس بوند ، والصحفية ماريا مكريم في حالة استنفار قصوى ، لو كانوا يقومون يواحد بالمئة من ذلك الإستنفار لساعد في انتقاص عدد الجرائم المهول في المغرب ، لا لشيء ، سوى لتفكيرهما في نشر صورة والدة الملك . لا أريد التعليق على الموضوع لأنه شيء لا يمكنني استيعابه ، فسلوكات النظام المغربي المتناقضة تجعل حتى الدكتور بافلوف وكبار علماء السلوكية في حالة حيرة . إذ تنشر مئات الجرائد المغربية صورا للعائلة الملكية كل يوم ، حيث أنه ثمة جرائد محلية وجهوية يكاد لا يخلو بعضها في كل أعدادها من الصور الملكية بمناسبة وغير مناسبة ، فهل تأخد تلك الجرائد تراخيصا في كل عدد لنشر الصور الملكية ؟؟ أكيد أنه لا . البعض كالعادة سيقول أنها مسألة أخلاق وصورا شخصية ، ربما هؤلاء من شدة البلادة لا يفرقون بين الشخصية العامة والخاصة . ثم هذه فقط صورة عادية . فلتتصوروا معي إن كانت تلك صورة غير عادية ، ربما إن الجيش المغربي بكل عتاده الحربي وطائراته سيحاصر نور الدين مفتاح . قد كنت سأفهم شيئا لو أن زوجة الملك محمد السادس لا تظهر في الإعلام ، بمعنى كان سيكون مبررا ونرى أن الملك يتابع تقليد والده ونتفهم الأمر رغم لامشروعيته في أدبيات حرية التعبير والصحافة. عموما ، فالأجهزة الأمنية تكلفت بكفاءة في شرح حرية التعبير والصحافة للسيد نور الدين مفتاح وماريا مكريم . قبل أيام أيضا ، في ظل العهد الجديد تم اعتقال المناضل شكيب الخياري بتهمة تسفيه مجهودات الدولة ، وبتلقي أموال خارجية . للإشارة ، فغالبية المثقفين المغاربة تلقوا ويتلقون باستمرار أموالا أجنبية من المجلات والجرائد المشرقية والعربية والعالمية عموما . المرجو من السيد عقار أن يشرح باسم اتحاد كتاب المغرب لشكيب بن موسى والمسؤولين عن الأجهزة الأمنية معنى التعويضات عن الكتابة قبل أن يجد نفسه ويجد غالبية منخرطيه إن لم يكن كلهم في ضيافة الأجهزة الأمنية . أما تسفيه مجهودات الدولة - فإذا كانوا يقصدون السفيه بالمعنى القانوني - فالسفيه كما جاء في منطوق القانون المغربي هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه ، وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به وبأسرته . فحسب التعريف القانوني المغربي للسفيه فالنظام سفيه بامتياز ، ولا داعي لأن يسفهه أحد . فهل الدولة التي تصرف أموال الشعب الذين يموتون بالجوع والبرد على الحفلات والحلويات تملك القليل من العقل ؟ كما أن هذه التهمة الجديدة تفوق بكثيرغرابة القانون الذي كان يحاكم به المعارضين في سنوات الرصاص والذي كان يعرف بقانون " كل ما من شأنه " . فعلى الأقل قانون " كل ما من شأنه " كان متعلقا بالسياسة والمعارضين فقط . أما هذه التهمة الجديدة " تسفيه مجهودات الدولة " فلا يمكنك أن تجزم متى تبدأ ومتى تنتهي . مثلا أن تكون في السوق وتقول للخضار : انقص ثمن البطاطس ، فإنها ليست جيدة جدا . سوف تتهم بتسفيه مجهودات الدولة في المجال الفلاحي . أو أن تقول : المنتخب لكرة القادم فاشل ، فستعتقل أيضا حتما لأنك تسفه مجهودات الدولة في النهوض بالمجال الرياضي . أو أن تقول لصديقتك في حديقة عامة : الجو مشمس قليلا ، سوف يعتقلونك بتهمة تسفيه مجهودات الدولة التي وضعت لك حديقة ورغم ذلك تتكلم بملاحظات . الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تسلم من هته التهمة الميتافيزيقية هو أن لا تتكلم إطلاقا ، ورغم ذلك بإمكانهم أن يقبضوا عليك بتهمة تسفيه مجهودات الدولة في مجال الإتصالات بعدم استعمالك لخطوط الهاتف التي شيدتها . إنه بكل بساطة العهد الجديد والمفهوم الجديد للسلطة. هل تساءل من قدم شكيب الخياري للمحاكمة بتهمة تسفيه مجهودات الدولة أن الملك تحدث مرارا وسيتحدث في المستقبل أيضا على أن القضاء لا زال سفيها ويحتاج إلى إصلاحات كما هو الحال بالنسبة لكل القطاعات الأخرى؟ هل عندما يتحدث مواطن عن الإختلالات تسمى رغبة في تسفيه المغرب وعندما يتحدث عنها الملك تسمى ملاحظات جوهرية ومقاربة خلاقة ؟ ثم أليس من حق المواطنين أن يقولوا نريد إصلاحات ، بعيدا عن هذه التهمة التي أرشحها شخصيا لأن تضاف إلى عجائب الدنيا السبع . لن أستغرب صراحة ، إن سمعت يوما أن السيد عباس الفاسي وأغلبيته قرروا أن يسقطوا الحصانة البرلمانية عن المعارضة وأن يودعهم السجن بتهمة تسفيه مجهوداته كممثل للدولة . فقط ، أريد أن أسمع تبريرات من يتحدثون عن الديموقراطية المغربية وعن ضرورة المشاركة في الإنتخابات . مناضل آخر اعتقل في الأيام القليلة الماضية هو حسن برهون بتهمة نشر تهم كاذبة تتعلق بالفساد . إذا كانت الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والمناضلين والشعب يعرف أن ثمة فساد مستشري في أجهزة الدولة وفي كل هياكلها بدون استتناء ، فكيف يريدون أن يدفنوا رأسهم في الرمل مثل نعامة ، بل الأدهى ، يقدمون للمحاكمة كل من حاول فضح الفساد . شكرا على العهد الجديد . الصحافة في نظرهم هي أن نكون بوقا لهم ، وأن نصفق كأننا أغبياء لكل كارثة يقدمونها للبلاد ، الصحافة في نظرهم هي أن نستعمل كلماتنا في مديحهم وتلميع وجوه النظام البشعة . المناضل حسن برهون كما نحن سوف نقول دائما لا وليشربوا البحر . هم لم يستوعبوا بعد أن الزمن تغير ، وأن استعمال الرقابة لتكميم الأفواه لم يعد مجديا . وأننا سنتكلم كما نريد . نعم ، سيأخدون بعضنا إلى السجون ، وسينكلون بالبعض ليجعلوا المغاربة يعيشون الخوف . لكنهم واهمون جدا ، فالمنطق التاريخي تغير ، والكلمة لم تعد تموت يإحراق الكتب أو منع توزيعها ، بل قادرة أن تخترق كل الرقابات عبر الإنترنيت . وإن كنتم قبضتم على شخص لأنه يكتب إسمه بشكل صريح ولا يخاف أحدا ، فسيظهر بدل كل واحد ملايين يكتبون بأسماء افتراضية ويفضحون الفساد الذي تريدون أن تخفوه بخطاباتكم الركيكة والمستهلكة . وينط إلى ذهني البطل المجهول صاحب الأشرطة على اليوتوب الذي سفه مجهودات الدولة بالصوت والصورة ، وبدل أن تستنفر الأجهزة الأمنية أدواتها لمحاربة الفساد ، استنفرت جهودها لمحاولة القبض على الشخص الذي فضح الفساد . ورغم أنه يمتلك الحجة على الفساد بالصوت والصورة إلا أنه لم يضع إسمه على الأشرطة لأنه يعرف جيدا المفهوم الجديد للسلطة. هل لا زلتم لا تخجلون من أنفسكم وتدعوننا للذهاب إلى الإنتخابات؟ هل لا زال الكراكيز الحكوميون يتحدثون عن حرية التعبير والصحافة في المغرب؟ الديموقراطية ليست كلمات وشعارات فضفاضة . الديموقراطية ليست فقط الذهاب للصناديق . الديموقراطية ممارسة يومية . الديموقراطية قناعات فكرية . الديموقراطية ليست على مزاجهم ، عندما يستيقظون من النوم يقررون هل سوف يمارسونها قبل الغداء أو بعده . إن كانوا يريدون حقا أن يذهب الشعب للإنتخابات فليحترموا على الأقل هذا الشعب قليلا . أما الأجهزة الأمنية فمن المنطقي جدا أنه على الملك أن يتخد بموجب مسؤولياته القانونية إجراءات عقابية في حق كل من تورط في إهانة المغاربة والتنكيل بهم ، وأن يقيل وزير الداخلية لأنه هو من عينه وزيرا ليعتقل المغاربة الشرفاء بمجرد رأي بسيط ، ويترك أبناء الاعيان يدهسون المغاربة بسياراتهم بلا رقيب ، وأن يتم إيقاف القضاة ماداموا معينين بظهير شريف الذين يصدرون أحكاما على أهوائهم بتهم لم نسمع بها حتى في العهد القديم . إن الملك بصلاحياته الدستورية الحالية هو المسؤول الاول عن هته الإعتقالات التعسفية ومن واجبه التدخل لإيقاف هته المهزلة وإقالة شكيب بنموسى فورا . فالمسألة تجاوزت حدود الأخطاء الفردية ، بل هي تبدو ممنهجة وواضحة المعالم ، بل إننا نقول أننا نتجه نحو مرحلة شديدة السواد أكثر تضييقا للحريات عن السابق بضوء أخضر من النظام . عفوا ، نريدكم فقط أن تشرحوا للمغاربة المفهوم الجديد للسلطة قبل أن يلتبس عليهم الموضوع ويصير مصيرهم في السجن كما هو الحال بالنسبة لحسن برهون وشكيب الخياري ومعتقلي الرأي الآخرين . فلا بأس أيضا أن يتم تفصيلها قليلا بالكلمات قبل أن يتم تفصيلها بالهراوات . نعم ، لكم ديموقراطيتكم ، ولنا ديموقراطيتنا . عن ماذا تريدوننا أن نتحدث في ظل مفهومكم لحرية التعبير ؟ عن أحوال الطقس ؟ كيف تريدون من الشعب أن يمارس السياسة ، وأنتم تبعدونه يوميا باعتقالاتكم لأشخاص فقط قالوا كلمة أو كلمتين . هل تريدون قطيعا يسمع كل أكاذيبكم ويصدقها ويصفق لمجهوداتكم الجبارة ؟ إننا حتى ولو ألغينا أننا نشترك معكم في الوطن لأنكم سرقتموه كاملا ، فكوننا نشترك معكم في الإنسانية ، علينا أن نعيش كبشر وليس كحيوانات في مزرعتكم . نعم إننا سنحترمكم عندما ستحترموننا . فليس لأحد مهما كان شأنه أن يحتقرنا وأن يجوعنا ويجعلنا نعيش في الألم والمعاناة ، ثم يطلب منا فوق ذلك أن نهلل باسمه ليل نهار . إذا أراد شخص أو هيئة أن تكون مقدسة فعليه أن لا يكون طرفا سياسيا ، أي لا يمارس السياسة . أما أن يريد أحد أن يمارس السياسة بدون أن يشير الآخرون إلى أخطائه فذلك وهم . وحتى لو لم تكن أخطاء فثمة دائما من يمتلك وجهة نظر مخالفة للأمور يريد أن يقدمها . إنهم يكررون نفس أخطاء الماضي ، ولا عذر لديهم . ففي أي سرير تنام مؤسسة المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان ؟ وهل علينا أن ننتظر هيئة إنصاف ومصالحة أخرى في عهد الملك الحسن الثالث ؟ إننا لسنا منافقين وجبناء وأنذال كأولائك الذين ينعتون فترة الحسن الثاني في قبره بالفترة السوداء وبجرائم الماضي ، في حين كانوا يقبلون يديه بحب وتقديس عندما كان حيا وكانوا يرون في كل استراتيجياته أعمالا إنسانية وقانونية وصائبة . فمذا حدث حتى تغيرت عيونهم بزاوية مائة وثمانين درجة ؟ إنه فقط الخوف والرغبة في التسلق وتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة . إننا على الأقل لا نغتاب الموتى ونحاسبهم ، فليكفوا عن الحديث عن أخطاء الماضي وليتحدثوا عن أخطاء الحاضر إن كانوا فعلا يريدون للمغاربة أن يذهبوا للإنتخابات . الحرية لحسن برهون وشكيب الخياري وكل معتقلي الرأي في السجون المغربية . نقول لكم : إننا معكم ونقول لكم كما قال شيركو بيك : " يفوح من الألم نسيم وطني الخرب " . وإن كان النظام يتهمنا بتسفيه مجهودات الدولة ، فإننا نتهمه بدورنا أيضا بتسفيه مجهودات الشعب في محاولة التغيير ، ونتمسك بأن النظام المغربي فاقد العقل وسفيه ومعتوه وينبغي للمحكمة أن تحجر عليه . عفوا ، لقد نسيت أن الحكومة المغربية والمؤسسات الديموقراطية هي لم تصل بعد لسن الرشد القانوني ولا تزال خاضعة بالمطلق لوصاية القرارات الملكية . إذن فتسفيهها أو عدم تسفيهها لا معنى له مادامت قاصرة وكل سلوكاتها وتصرفاتها تندرج تحت عدم أهلية الأداء وليس فقط نقصانه . فهي لا زالت في مرحلة الصغير غير المميز . ولنؤجل نقاش سفهها من عدمه إلى أن تكبر قليلا ، أو على الأقل إلى أن تصل إلى درجة الصغير المميز . [email protected]