تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    المغرب التطواني يكشف حقائق مغيبة عن الجمهور    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    مصرع رضيع إثر سقوطه من شرفة المنزل ببرشيد            بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة للشيخ القرضاوي حول قضية الحجاب في فرنسا
نشر في التجديد يوم 21 - 12 - 2003


مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، وأتم علينا النعمة بأعظم منهاج شرع، منهاج الإسلام، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، وجعلنا بهذا الإسلام أمة وسطا لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا وقائد دربنا محمداً عبد الله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فعلّم به الأمة من جهالة، وهداها من ضلالة وبصرهم من عمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، اللهم صلي وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنته، وأمتنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، أما بعد،،،،
الإسلام دعوة عالمية
فيا أيها الأخوة المسلمون، الإسلام دعوة عالمية، جاء للناس كافة، عربهم وعجمهم شرقيهم
وغربيهم، كما قال تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وقال عز وجل (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)، (إن هو إلا ذكر للعالمين)، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)، فلا عجب أن تضيء أنوار الإسلام في المشرق والمغرب، وأن نرى المسلمين في كل مكان من أرض الله، (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله).
ولد المسلمون في قارات الدنيا الست، بعضهم من أهل البلاد الأصليين وبعضهم ممن هاجر إليها، وقد أصبحت الهجرة مفتوحة في أنحاء العالم، وأصبح العالم متقارباً حتى زعموه قرية من القرى بعد ثورة الاتصالات، فلم يعد هناك حجاب بين قطر وآخر، وإنما أصبح الناس يسيرون من مكان إلى مكان وينتقلون من دولة إلى دولة ومن قطر إلى قطر، ولذلك لا عجب أن تجد الإسلام في أفريقيا وآسيا وأن تجده في أوروبا وأمريكا وأن تجده في استراليا، هذا هو شأن دين انتشاري مثل هذا الدين الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
عجبنا من موقف فرنسا أم الحريات
ولذلك لا عجب أن نرى عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا، بعضهم من أهل البلاد الأصليين، وبعضهم مهاجرون إليها، وبعضهم تجنسوا بجنسيتها، هناك مسلمون في أوروبا الشرقية في البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو وبلغاريا وغيرها، ملايين، وهناك مسلمون في أوروبا الغربية ثم إن الرمز الديني، الإنسان حر فيه ومختار، يعني يستطيع أن يضع الصليب على صدره أو تضع الصليب على صدرها ويقدر على أن لا يفعل، إنما هذا ليس أمراً اختيارياً، هذا أمْر أمر الله تعالى به فليس لمسلمة الاختيار في هذا، هي مجبورة على أن تمتثل أمر الله عز وجل، ولذلك لا يقال إن الحجاب رمز دينيجاءوا إليها منذ القرن الماضي وقبل القرن الماضي، وتجنسوا بجنسيتها، هناك مسلمون في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفي كل البلاد الأوروبية، وأعظم أقلية إسلامية وأكثرها عدداً هم المسلمون في فرنسا، هناك نحو ستة ملايين من المسلمين يعيشون في فرنسا، نصفهم تقريباً مجنسون بالجنسية الفرنسية، بعضهم فرنسيون في الأصل وبعضهم هاجروا من بلاد شمال أفريقيا أو من السنغال وغيرها من البلاد التي كانت تستعمرها فرنسا، حملوا الجنسية الفرنسية وأصبحوا مواطنين فرنسيين لهم كل الحقوق التي
للمواطن الفرنسي، وبعضهم يعيشون في إقامة مشروعة، هؤلاء لهم حق أن يمارسوا دينهم كما يمارس غيرهم دينهم، هذا ما تقتضيه الحضارة وما يقتضيه ميثاق حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة وما تقتضيه الدساتير الحديثة التي توفر الحرية لكل مواطن ولكل مقيم على أرض الوطن، وهذا ما تفخر به الحضارة الحديثة أنها حضارة الحريات وحقوق الإنسان وبالذات ما تفخر به فرنسا، فرنسا التي تعد نفسها أم الحريات وتعد ثورتها أم الثورات، وتقول نحن بلد الحضارة والنور والانفتاح، هذا ما تقوله فرنسا التي انطلقت ثورتها في أواخر القرن الثامن عشر لتنادي بمبادئ ثلاثة: الحرية والمساواة والإخاء، ولذلك عجبنا من موقف فرنسا في السنوات الأخيرة من قضية اتخذت منها أمراً إدّاً وضخمتها تضخيماً كبيراً قضية المسلمة التي تريد أن ترتدي الحجاب، طاعة لأمر ربها والتزاماً بواجبات دينها.
لننسى ما كان بيننا وبين فرنسا في الماضي البعيد والماضي القريب
منذ تسع سنوات، ألقيت خطبة من فوق هذا المنبر عن هذه القضية، حينما حضرت مؤتمراً
للمستشرقين في فرنسا في أواخر سنة 94 وناقشت بعض الفرنسيين في قضية الحجاب مناقشة طويلة، وقلت لهم إننا نحن المسلمين نريد أن نتعامل مع فرنسا معاملة الند للند، وأن ننسى ما كان بيننا وبين فرنسا في الماضي البعيد والماضي القريب، قد كان للمسلمين مع فرنسا تاريخ أي تاريخ، منذ القرن الأول وصل المسلمون إلى أوروبا وافتتحوا الأندلس ووصل الفاتحون إلى جنوب فرنسا وكادت الجيوش الإسلامية تتوغل وتتوغل لولا معركة قدّر الله فيها أن ينهزم المسلمون بقيادة البطل الإسلامي عبدالرحمن الغافقي، المعركة التي يسمونها معركة بواتييه، والتي قال أحد مؤرخيهم: لولا انتصارنا في هذه المعركة لكنّا نرصف تحت ظلام الإسلام إلى اليوم، والإسلام ليس ظلاماً، الإسلام نور وكتابه نور وشريعته نور ونبيه نور (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم).
ثم كان لنا تاريخ مع فرنسا في الحروب الصليبية، الحروب التي سماها مؤرخونا حروب الفرنجة وسماها الغربيون الحروب الصليبية، لأنهم رفعوا الصليب شعاراً، وكان لفرنسا فيها دور كبير في هذه الحروب، كان لهم دور في فلسطين وكان لهم دور في مصر وقد جاء ملكهم الذي كان يعتبر أحد القديسين الملك لويس التاسع واصطدم بالمسلمين في مصر وأسره المسلمون في المنصورة ووضعوه في دار شهيرة اسمها دار ابن لقمان حتى قبل المسلمين أن يفكوا أسره وأن يقبلوا فدية كبيرة ليعود الملك إلى بلاده، وبعد ذلك حينما أراد الفرنسيون أن يهددوا المصريين في عهد خلفاء صلاح الدين الأيوبي، عهد الملك الصالح أيوب نجم الدين أرسل إليه الشاعر ابن مقروح يقول
قل للفرنسيس إذا جئته مقال صدق من مقول فصيح
دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح
قال له نحن حاضرون وجاهزون، دار ابن لقمان منتظرة والقيود التي قيد بها ملككم والطواشي (المملوكي الحارس) كما هو باق، هكذا كنا.
ونسينا هذا التاريخ، ثم جاء تاريخ آخر دخلت فيه فرنسا بلاد المسلمين مستعمرة، لسوريا ولبنان، وفي الجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال وبلاد شتى في أفريقيا، وكان آخر البلاد التي تحررت من نير الاستعمار الفرنسي هي الجزائر التي خاضت معركة ضروس طويلة المدى، مع الاستعمار الفرنسي، وهو استعمار استيطاني ليس استعماراً طارئاً وينهبوا الأموال ثم يعود بعد حين إلى دياره ولكنه استعمار استيطاني، استوطن الجزائر واعتبرها جزءاً من فرنسا وأراد أن يلغي هويتها فألغى لغتها العربية ليحولها إلى الفرنسية وأراد أن يلغي دينها الإسلامي، كثيراً ما رأيت في الجزائر مساجد حوّلت إلى كنائس، أو حولت إلى متاحف، وظل هذا الاستعمار مائة وثلاثين عاماً، قاتل فيه الجزائريون منذ عهد الأمير عبدالقادر إلى عهد الثورة الجزائرية الأخيرة التي سقط فيها أكثر من مليون شهيد، وتحررت الجزائر من فرنسا، وأصبحنا دولاً مستقلة نتعامل مع فرنسا معاملة المستقل للمستقل.
وإن كنا نأخذ على فرنسا في بعض الأوقات انسياقها مع التيار المعادي للإسلام، ولكن – والحق نقول – في المدة الأخيرة كثيراً ما نوّهنا للموقف الفرنسي من قضايانا العربية والإسلامية، فنحن نقول للمحسن أحسنت كما نقول للمسيء أسأت، حينما وقفت فرنسا من قضايانا العربية كقضية فلسطين وقضية الحرب على العراق، وقفت موقفاً لم تكن فيه ذيلاً لأمريكا وإنما وقفت موقفاً مستقلاً إيجابياً، أشدنا بالموقف الفرنسي ورحبنا بالموقف الفرنسي.
قرار فرنسا بمنع كل الرموز الدينية
ولكن ها هي فرنسا اليوم تتخذ موقفاً من المسلمين في ديارها يغضب مسلمي العالم كله، لا تبالي فرنسا لأن تغضب ستين بلداً إسلامياً تضمهم منظمة المؤتمر الإسلامي، وتريد أن تغير على الفتيات المسلمات، سبحان الله، هناك لجنة حكماء شكلها الرئيس شيراك لتبحث في أمر الرموز الدينية وهذه الأشياء وأصدرت توصيتها بأنه: يجب منع كل الرموز الدينية ومنها الحجاب الإسلامي، حفاظاً على الوجه العلماني لفرنسا وتأييداً للفصل الكامل بين الدين والدولة، وأي دخل لدولة في قضية الحجاب، هذا أمر شخصي بحت يتعلق بحرية الإنسان، واختياره، هل هذا سيؤثر على الدولة الفرنسية؟ عجب كل العجب أن يقال أن ارتداء الحجاب – وكلمة الحجاب أصبحت تطلق عرفاً على الخمار، الإيشارب أو الطرحة التي توضع فوق الرأس، وهذا أمْر أمَر به الله سبحانه وتعالى ليس من اجتهد الفقهاء ولا من ابتداع المسلمين، هذا أمر قرآني، يقول الله تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) يضربن بخمار الرأس على الجيب وهو فتحة الصدر، المراد أن يغطي هذا الخمار الرأس والنحر والعنق، هذا أمر أجمع عليه المسلمون بكل
مذاهبهم، المذاهب الأربعة، والمذاهب الثمانية، والمذاهب التي انقرضت، مذاهب الأوزاعي والثوري والطبري وغير المذاهب، فقه الصحابة والتابعين والأتباع وكل الفرق الإسلامية والمدارس الإسلامية كلها أجمعت على أن الخمار واجب وفرض ديني أمر به الله ورسوله، وهذا إجماع نظري ارتبط بالتطبيق العملي خلال ثلاثة عشر قرناً، في القرون الثلاثة عشر الماضية لم تعرف مسلمة كشفت رأسها، منذ أن تبلغ بل حتى قبل أن تبلغ منذ أن تشتهى تضرب الخمار عليها هذا أمر لا شك فيه، لم تفكر مسلمة في التمرد على أمر الله هذا إلا منذ دخل الاستعمار بلاد المسلمين، ولذلك أعجب لإحدى الصحفيات قالت إن الحجاب هذا بدعة اخترعتها الجماعات الإسلامية في هذا العصر، لأنه لم يكن المسلمات يلبسن هذا الحجاب، ومنذ ظهرت الجماعات الإسلامية لبست النساء الحجاب، يعني تعتبر هي الفترة التي طغى فيه الاستعمار الغربي على المسلمين وبدأ الناس يقلدون الغرب شبراً بشبر وذراعاً بذراع في الأفكار والمفاهيم والتقاليد تعتبر هذه الفترة هي الأصل، الجماعات الإسلامية لم تفعل شيئاً إلا أنها أيقظت المسلمين وحركتهم ليلتزموا بدينهم فكانت الصحوة الإسلامية المعاصرة، فأصبح الناس
يشعرون أنهم مسلمون وبدأت المرأة المسلمة بأنها مسلمة، وأنها غير المرأة الغربية وأن عليها واجباً أمرها الله به أن تغطي رأسها.
حركة الحجاب حركة نسائية طوعية اختيارية
هذا هو نصح الصحوة الإسلامية، وهذا أمر نسائي بحت، حركة الحجاب بين المسلمات حركة
نسائية طوعية اختيارية لم يلزم بها أب ولا زوج بل كثيراً ما رأيت بعض الآباء ينهين بناتهن عن التزام الحجاب ورأيت بعض الأزواج وكثيراً من الزوجات يتخاصمن مع أزواجهن من أجل هذا، هي حركة نسائية تتعلق بإرادة المرأة المسلمة نفسها، وهذا ما حدث في فرنسا، وما حدث في بلاد أوروبية مختلفة، لماذا يمنعون المرأة، أليست حضارتكم التي تقول بحق الإنسان في أن يلبس ما يشاء والتي تقرر الحرية الشخصية والحرية الدينية، ثورة الحرية والمساواة، تضغط على النساء ويقهرنهن على ما لا يردن، هذا ضد مبدأين أساسيين من مبادئ الحرية، الحرية الشخصية والحرية الدينية، الحرية الشخصية في أن الإنسان يلبس ما يشاء، وهذه من الحريات المدنية الأساسية، واحدة تلبس جابونيز وواحدة تلبس طويل وواحدة تلبس قصير، لا أحد يتدخل في هذا، لماذا تتدخلون في المرأة التي تريد أن تحتشم، هذا حقها المحض وحريتها الشخصية.
أين المساواة والتسامح الديني الذي يزعمونه؟
ثم هذا من الحرية الدينية، الإنسان حر في أن يعتنق من الأديان ما يشاء وأن يلتزم بدينه، هذا أكثر من حرية، لأن الحرية الحقيقة تتعلق بالأشياء التي يجوز للإنسان أن يفعلها ويجوز أن يتركها، أما هذا لا يجوز للمسلمة الملتزمة أن تتركه لأن الله أمرها به، كيف تجبرون المسلمة على أن تفعل أمراً يخالف أمر ربها، ولذلك نقول هذا ضد الحرية وضد المساواة لأن معنى هذا أنكم تضطهدون المسلمة الملتزمة بالدين التي تريد أن ترضي ربها بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، تقولون لها لا، فأنت تعطي الملحدة واللادينية حق أن تفعل ما تشاء ولا تعطي للمتدينة هذا الحق، أليست هذه تفرقة؟ أين المساواة التي تزعمونها إذا؟ الإنسانة المؤمنة بالله الملتزمة بأحكامه وتعاليمه لا تستطيع أن تمارس هذا الحق، أين التسامح الديني؟ تزعمون أنكم أهل التسامح، أين التسامح إذا فرضت عليّ ما لا أريد؟ إذا فرضت عليّ أن أخالف أمر ربي.
(وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، هذا أمر، (وليضربن) هذه لام الأمر، والأمر القرآني للوجوب المحتم اللازم، (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)، أي أمر الله لابد أن يجاب، فكيف تجبر المسلمة على أن تخالف دينها وتترك أمر ربها؟ أين التسامح؟
الحجاب ليس رمزا دينيا!!
أنا أعجب من حضارة يباهون بها تتعصب ضد إنسان لأنه يعمل ما يأمره به دينه دون أن يضر بها أحد، مالك أنت؟ واحدة تلبس طرحة على رأسها ما يضيرك أنت؟ المصريين لهم نكتة يقولون (واحد شايل ذقنة انت مالك زعلان ليه؟)، واحدة تضع طرحة على رأسها ما يضيرك من هذا؟ ومن المهم أن هناك خطأ كبيراً شائعاً، أكبر الأخطاء الشائعة أن يقال عن الحجاب أنه رمز ديني، وهذا عجب من العجب، الحجاب ليس رمزاً دينياً ولا يخطر ببال من تلبس الحجاب أنها تريد أن تعبر عن دينها، إنها تعلن أنها مسلمة، بدليل أن المسلمة في بلاد المسلمين تعمل هذا، إنما هناك ملتزمة وغير ملتزمة، الحجاب ليس رمزاً، الرمز الديني هو ما ليس له وظيفة إلا الإعلان عن انتماء صاحبه لهذا الدين، مثل واحدة تلبس صليب على عنقها، هذا الصليب ليس له فائدة إلا أنها تريد أن تقول: أنا نصرانية مسيحية، اليهودي الذي يلبس قلنسوة تغطي قطعة من رأسه، هذه ليست لها وظيفة لأنه لو أراد أن يغطي رأسه لغطى رأسه كلها، هذا رمز ديني، الحجاب ليس رمزاً ولكن له وظيفة وهو أنه يستر شعر المرأة ويستر نحرها وعنقها، هذه وظيفة، فتسميته رمزاً تسمية خاطئة لا تدل على عمق في الفكر أو تأمر حقيقي في هذا
الموضوع، وكثير من المسلمين يقولون هذا، هو رمز ديني، لا ليس رمزاً دينياً، هذا أمر.
دائرة التسامح في الإسلام تصل لما هو مباح في الأديان الأخرى ومحرم في الإسلام
وحتى لو كان هناك رموز دينية، قالوا سنمنع الصليب الكبير، ما معنى الصليب الكبير؟ وهل التي تلبس الصليب .. تلبس صليب نصف كيلو؟ هو صليب، والصليب الصغير لا يمنع، إذن يكون الأمر منصباً على منع الحجاب الإسلامي، هذا هو المقصود والدليل أنه لم تثر القضية إلا بعد أن أصبحت قضية مثارة في كل مكان حينما وجدت فتاتان أبوهما يهودي وصممتا بعد أن أسلمتا على ارتداء الحجاب وأبوهما يدافع عنهما وعن حقهما في لبس الحجاب، فثارت هذه القضية ووصلت إلى ما وصلت، نحن المسلمون متسامحون، نحن نتسامح فيما هو أكثر من ذلك، نحن نطالب الفرنسيين ونطالب الحضارة الغربية أن تسامحنا فيما نراه أمراً واجباً دينياً، ولكن نحن المسلمون نسامح فيما هو أكثر من هذا وأوسع دائرة، أننا نسامح فيما يراه الشخص مباحاً في أمر دينه لا نضيق عليه فيه وإن كنا نحن نراه حراماً، نحن نرى أن أكل لحم الخنزير حرام، ولكن لا نمنع المسيحي من أن يأكل لحم الخنزير وأن يربي الخنزير في بيته أو في مزارع عنده، هذا حقه، لا نريد أن نضيق عليه في أمر مباح، مع أن الأمر المباح يستطيع الإنسان أن يتركه، يعني ليس من الواجبات الدينية أن يأكل المسيحي لحم الخنزير، هو مباح له،
ولكن الإسلام يقول له أنت حر فيما أبيح لك، شرب الخمر مباح عند المسيحيين محرّم عندنا، الخمر أم الخبائث ومفتاح الشرور، ومع هذا لا نضيق على المسيحيين في أن يشربوا خمراً بشرط أن يشربوها في مناطقهم الخاصة، ولا يبيعوها للمسلمين ولا يعلنوا بها في المناطق الإسلامية، هذا هو الإسلام.
الكون قائم على التنوع
بل مذهب الإمام أبي حنيفة أن المسلم لو كسر دنّاً من خمر لذميّ نصراني فإن عليه أن يغرم قيمته لأنه مال متقوّم عند صاحبه، إلى هذا الحد؟ فأين هذا التسامح مما نراه في فرنسا الآن؟ حضارتنا الإسلامية في أيام بلوغها الذروة في أيام عطائها المدرار كانت حضارة متسامحة اتسعت لكل الأديان، ولكل الثقافات، آمنت بظاهرة التنوع، شارك في بناء الحضارة الإسلامية مسلمون ومسيحيون ويهود ومجوس ومن كل الملل والنحل شاركوا في الحضارة الإسلامية ووسعتهم الحضارة الإسلامية، الحياة مبنية على التنوع، الكون قائم على التنوع، مختلفاً ألوانه، هذا الكون فيه أشياء كثيرة مختلف ألوانها أي أنواعها، فلماذا يريد الفرنسيون أن يمنعوا ظاهرة التنوع والتعدد، هذه ظاهرة رجعية أن تحاول أن يكون هناك لون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وزي واحد، هذا هو التأخر والتخلف، ليست هذه حضارة، الحضارة أن تسع الآخرين.
هذا للأسف ما وجدناه عند فرنسا المتنورة المتحضرة المتمدنة أم الثورات وأم الحريات تضيق بهؤلاء المسلمات، نريد من فرنسا ونريد من دول الغرب كلها أن تتسع لمن يخالفها في الدين أو يخالفها في العرق أو يخالفها في الثقافة، أما سياسة التطهير العرقي أو التطهير الديني أو التطهير الثقافي أو عدم السماح بأي مخالف ومحاولة صهر المجتمع كله في بوتقة واحدة وفي طريقة واحدة هذا ما لا يقبل بحال من الأحوال.
العلمانية نوعان: متطرف ومعتدل
يقولون نحافظ على الوجه العلماني لفرنسا، العلمانية نوعان: علمانية معتدلة وعلمانية متطرفة، العلمانية المتطرفة رأيناها عند الماركسيين والشيوعيين الذين لا يسمحون بأي دين ولا بأي فلسفة مخالفة وترى أن الدين أفيون الشعوب وينص دستورها أن (لا إله والحياة مادة)، والغربيون الذين كانوا يسمون أنفسهم العالم الحر كانوا ينكرون هذا ويقاومونه ويحاربونه، هذه هي العلمانية المتطرفة، فما بال الغربيين اليوم يتبنون هذه العلمانية.
هناك علمانية معتدلة، لم هي معتدلة؟ تقف من الدين موقف الحياد، يعني هي لا تؤيد الدين ولا تعاديه، لا تقبله ولا ترفضه، ليس لها علاقة بالدين، الذي يريد أن يتدين فهو حر، ولكن الدولة لا تتدخل في تأييد هذا الدين ولا في رفض هذا الدين، هذه هي العلمانية الحقيقية لأنها إذا وقفت من الدين موقف العداء معناها أنها فرقت بين المواطنين بعضهم وبعض لأن من المواطنين من يتدين ومنهم من لا يتدين، فإذا وقفت ضد المتدين فلم تسوّ بينهما، ونحن نخشى أنهم إذا قالوا اليوم نريد أن نمنع التميز الديني في الزيّ، فنخاف مستقبلاً أن يقولوا نمنع التميز الديني في العبادة، لماذا يتميز المسلمون بأن يكون لهم مساجد يصلون فيها، هذا نوع من الخلاف للسائد في فرنسا، وإذا كان هناك من يشرب الخمر ومن لا يشرب الخمر فكيف نميز بينهما؟ هل يجب أن يشرب كل الناس الخمر، هناك من يدخن ومن لا يدخن، هناك من تحتشم ومن لا تحتشم، فيظل هناك فروق، هل ممكن بعد ذلك يقولون لا لماذا تمتنع عن الأكل والشرب في رمضان والناس كلهم من حولك يأكلون ويشربون؟ يعني هذه قضية في غاية الخطورة إذا فتحنا هذا الباب معناها أن يتدخل الناس في الشؤون الشخصية في أخص الخصوصيات وهذا
لا يقبله أحد.
بعض البلاد الإسلامية تفعل مثل فرنسا
نحن ننكر على فرنسا هذا الموقف ونرى أن هذا ردة عن فرنسا وعن موقفها من الحريات ومن حقوق الإنسان وأنها لا يليق بها هذا، وأنها تغضب المسلمين في أنحاء الأرض وإن كان مما كان يندى له الجبين ومما ينقطع له نياط الفؤاد وتتفتت من أجله الأكباد أن في بعض بلادنا الإسلامية من يفعل مثل فرنسا وما هو أشد من فرنسا، لأن فرنسا تمنع هذا في المدارس أما في بلاد إسلامية معروفة في شمال أفريقيا تمنع الحجاب في المدارس والجامعات وتمنع دخول المحجبة في الوظائف الحكومية ووظائف القطاع العام وتمنعها من دخول المستشفيات ولو للعلاج أو الولادة بل أصبحوا الآن يدفعون السائقين إلى أن لا يركبوا امرأة محجبة في سيارة التاكسي، هذه بلاد إسلامية، ولذلك بعضهم يقولون إذا كنتم لا تستطيعون أن تمنعوا هذا في البلاد الإسلامية فلماذا تريدونه أن يقع في بلادنا، هذا أمر مؤسف.
يجب أن نقول لفرنسا ما تفعلوه لا يرضينا
نحن أيها الأخوة ينبغي أن نقول لفرنسا: ما فعلتموه لا يرضي المسلمين في أنحاء العالم، والمسلمون في أنحاء العالم وقفوا معكم في قضايا كثيرة وأشادوا بكم ونوهوا بمواقفكم فلا تجلبوا عداوة المسلمين عليكم، كل من عنده استطاعة أن يبعث ببرقية إلى الرئيس الفرنسي أن يفعل وعلى الجهات الإسلامية والجمعيات الإسلامية والجامعات الإسلامية وعلى المؤسسات الإسلامية المختلفة أن تفعل ذلك، لم أستطع أن أقول: وعلى حكام المسلمين أن يفعلوا ذلك لأن بلاد المسلمين كلها لها عند فرنسا مصالح ولفرنسا لها عندها مصالح ولو قال حكام المسلمين كلمة واحدة: هذا لا يرضينا نحن المسلمين والله لارتدعت فرنسا ولكن لا أحد يهتم بأمر الإسلام ولا المسلمين حتى قال أحد العلماء حينما سئل عن هذا الأمر قال هذا أمر داخلي ولا علاقة لنا به ولا يجوز لإنسان أن يتدخل في أمر بلد آخر، نحن لا تدخل ولكن نقول هذا رأينا ونقول هذا يؤلمنا ويؤذينا ويعكر علاقتنا بكم، هذا هو الذي نريده.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشدا وأن يجعل يومهم خيراً من أمسهم ويجعل غدهم خيراً من يومهم إنه سميع قريب. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم.
نبأ اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسن!!!
الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد،،،
فيا أيها الأخوة المسلمون، نشرت الصحف وبثت وكالات الإعلام نبأ اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقد كنت في مؤتمر في مكة حينما سمعت هذا النبأ، وقلت: هذا أمر كان لابد أن يقع، ولا يمكن أن يظل الرجل مختفياً أبد الدهر، خصوصاً أن من أقرب المقربين إليه من هو مستعد أن يبيعه ولو بثمن بخس، ومثل هؤلاء الذين لم يتربوا في حضانة الإيمان مستعد أن يبيع صديقه بعرض يسير من الدنيا، فلهذا وشى به أقرب الناس إليه، وكان بجواري في هذا المؤتمر أحد كبار العلماء العراقيين من أهل السنة قلت له: أسمعت بنبأ اعتقال صدام؟ قال نعم سمعت وهذه نهاية كل ظالم أما قال الرسول عليه الصلاة والسلام "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم تلا قول الله تعالى (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، قلت له: ولكن كنا نحب أن يكون ذلك على أيدي العراقيين لا على يد الأمريكيين، قال: وهل يسمح الأمريكيون للعراقيين أن يسقطوا طاغية، هل يسمحون للمسلمين في أي بلد أن يسقطوا طاغية من طغاتهم؟، قلت له: لا والله لا يسمحون، وما سمحوا بذلك في بلد قط، سمحوا في أوروبا الشرقية أن تثور الشعوب على طغاتها، تشاوشيسكو وغيره
وأن يسقطوهم ولكنهم لا يسمحوا بذلك في البلاد الإسلامية التي كانت تحكمها الشيوعية، البلاد التي كانت منتمية إلى الاتحاد السوفييتي أوزباكستان وطاجيستان وكل هذه البلاد، أبقوا فيها الحكام الشيوعيين القدامى كما هم، لم يسمحوا بثورة على هؤلاء الطغاة، فهم فعلاً لا يسمحون بأن يقوم الشعب العراقي ليسقط طاغيته، هم أيدوا صدام حسين حينما كان توجهه يخدم سياسته، أمدوه بالسلاح وبما يحتاج إليه حتى كوّن جيشه ضدهم، ولكن حينما بدأ يختلف معهم تخلوا عنه، هم الذين أغروه بأن يغزو الكويت، حتى يقع في المطب وفي الفخ ثم بدءوا يحاربونه ويألبون عليه، حينما بدأ يكون سلاحاً نووياً وبدأ يكون خطراً على إسرائيل هنا بدءوا يدركون خطورة هذا الرجل وخطورة العراق، فمن أجل هذا حاربوه، لم يحاربوه من أجل سواد عيون الشعب العراقي أو من أجل المعارضة العراقية، أنا لا أحزن على صدام حسين ولم أكن في يوم من الأيام صدامياً، دعا صدام حسين العلماء وذهب العلماء إلى العراق وحضروا مؤتمراته من المشرق والمغرب إلا عالمين لم يحضرا ووضعا في القائمة السوداء عنده: الشيخ أبو الحسن الندوي في الهند ويوسف القرضاوي في قطر، هذان العالمان لم يستجيبا لدعوة
صدام، وأنا أرى أن هناك فبركة في هذه القضية لا يقبلها منطق ولا عقل، اعتقال صدام بهذه الطريقة وإظهاره لنا بهذا المظهر المهين، وأنه استسلم ولم يضرب رصاصة ولم يطلق طلقة، هذه قضية يبدو أنها مزورة، ليس من المعقول أن يظل الرجل تاركاً نفسه هائج الشعر في رأسه ولحيته، هذا ليس معقولاً وهذا يدل على أنه كان معتقلاً من فترة سابقة، بدليل أنهم أتوا في المشهد الذي ظهر فيه كان هناك نخلة وبها بلح مما يدل على أن هذا كان في شهر أغسطس أو نحو ذلك وليس هذه الأيام، فهل يا ترى هم أمسكوا به وتركوه هذه الأيام حتى يصبح شكله هكذا؟
على كل حال نحن لا نريد أن نبكي على صدام، ولكن لا نريد أن نهلل للأمريكيين، لا نريد أن نطبل ونزمر لهم وأن نسير في ركاب المطبلين والمزمرين لهؤلاء إنما نحن مع كل موقف حق، ونحن ضد كل ظالم سواء كان هذا الظالم عربياً أم عجمياً، شرقياً أو غربياً، نحن نرى أن نهاية الظالمين لابد أن تأتي قرب اليوم أو بعد، وما ذلك من الظالمين ببعيد وما ذلك على الله بعزيز، (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون).
دعاء الخاتمة
أسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم كن معنا ولا تكن علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم انصرنا على أعدائك أعداء الإسلام، اللهم انصرنا على اليهود الظالمين المغتصبين الآثمين، وانصرنا على حلفائهم الصليبيين الكائدين الحاقدين، وانصرنا على جميع الظلمة الجبارين الحاقدين، اللهم رد عنا كيدهم وفل حدهم وأزل دولتهم وأذهب عن أرض سلطانهم ولا تجعل لهم سبيلاً على أحد من عبادك المؤمنين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم أدر الدائرة عليهم وسق الوبال إليهم وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا سريع الحساب ويا هازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا علينا اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم اللهم انصر أخوتنا المجاهدين في سبيلك في فلسطين، اللهم أيدهم بروح من عندك اللهم أمدهم بملأ من جندك، اللهم احرسهم بعينك التي لا تنام
واكلأهم في كنفك الذي لا يضام، اللهم كن لإخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم كن لإخواننا في العراق وكن لإخواننا في كشمير وكن لإخواننا في أفغانستان وكن لإخواننا المضطهدين في كل مكان، الله أسقط بقوتك أسرهم واجبر برحمتك كسرهم وتولهم بعنايتك أمرهم، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا وارفع مقتك وغضبك عنا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
عباد الله، يقول الله تبارك تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
الشيخ يوسف القرضاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.