تقدم وثائق ويكليكس التي كشف عنها في اليومين الماضيين من قبل كل من الغارديان البريطانية ولوموند الفرنسية حول الإرهاب في المنطقة المغاربية أضواء جديدة حول تحول الإرهاب إلى محدد مفصلي في السياسة الدولية تجاه المنطقة المغاربية وكذا منطقة الساحل والصحراء، ودوره الحاسم في تأسيس تفاهم أمريكي- فرنسي لتقوية النفوذ العسكري لكل منها في المنطقة وتوسيعه، كما تقدم الوثائق معطيات تعزز الشكوك المتداولة حول متاجرة بعض الأنظمة بملف الإرهاب لجلب المساعدات العسكرية لها، وضمان غض الطرف عن سياسات قمعها للمعارضة، وصولا إلى التورط في الاستفادة من مبالغ الفدية المقدمة لتحرير الرهائن. الأمر لم يتوقف عند هذه الحدود، فإحدى مراسلات السفيرة الأميركية بباماكو في نونبر 2009 والتي نشرت في يومية ''لوموند'' ذهبت حد عرض الاتهامات المالية - الجزائرية المتبادلة حول تحميل كل بلد للأخر المسؤولية عن التعثر في مكافحة القاعدة، وهو الاتهام الذي بلغ حد قول السفير الجزائري بباماكو للسفيرة الأميركية أن هناك ''درجة عالية من التراخ ، إن لم نقل التواطؤ ، مع تنظيم القاعدة'' وأن ''مالي'' سربت معطيات الهجوم على القاعدة إلى هذه الأخيرة بشكل مسبق، وهي اتهامات يصعب فهمها بدون استحضار الوثيقة التي كشفتها الغارديان والمؤرخة في 29 أكتوبر 2009 حول ما دار في زيارة نائب وزير الدفاع الأمريكي ''فيكي هادلستون'' وخاصة ما هم الوعد الجزائري بقيادة عمل مشترك يشمل أيضا مالي والنيجر وموريتانيا في مواجهة القاعدة بالساحل والاتفاق على تكوين قيادة عسكرية مشتركة لذلك وهو المسعى الذي وجد تشجيعا كبيرا من أمريكا، ذلك أن هذه المراسلة تضمنت دعوة جزائرية عبر عنها الجنرال ''لعلايلي'' للضغط على ''مالي'' باعتبار أنها تمثل المشكل الأكبر أمام مكافحة الإرهاب، واتهم فيها مالي- بحسب تلك المراسلة- بمساعدة القاعدة على المستوى الاستخباراتي وكذا تسهيل تسلم الفديات واصفا أحد الأبناك في مالي بأنه بنك الإرهابيين الذي ينبغي محوه (لم تنشر الغاريان إسم البنك). أما مراسلات السفارة الأمريكية في الجزائر والمنشورة من قبل ''الغارديان'' فقد سارعت إلى التأكيد على أن مشكل الإرهاب في المنطقة ليس بالبساطة والاختزال الذي يقدم به، بل أصبح مفتاح التموقع الدولي لأنظمة المنطقة في السياسة الدولية، وهو ما ظهر من خلال مراسلات السفير والتي غطت الفترة الممتدة من 2007 إلى بداية سنة ,2010 وقدمت معطيات ووقائع حول ذلك. بكلمة، إن مزاعم محاربة الإرهاب تتراجع أمام معطيات الحرص على تغذيته وضمان استمراره، باعتباره ورقة في المساومات الدولية، وهو ما يطرح أسئلة عديدة حول حقيقة ما يجري؟ ومن المستفيد من الإرهاب؟ وحجم خطره؟ وجدية سياسات محاربته؟ وذلك كجزء من التساؤلات المثارة والتي ليست بالجديدة لكنها اليوم تكتسب مصداقية وشرعية كان من الصعب التوفر عليها في السابق.