لم يعد خافيا على أحد أن عناصر البوليساريو لهم علاقة وطيدة بتنظيمات إرهابية متمركزة في الصحراء الكبرى، كما لها علاقات بشبكات التهريب الدولي للمخدرات والأسلحة والبشر، ومنظمي الهجرة السرية من دول أفريقيا جنوب الصحراء في اتجاه المغرب. على الأقل هذا ما أكدته التطورات الأخيرة في ملف الرهائن الأسبان المختطفين فوق الترا ب الموريتاني منذ نونبر الماضي. القاسم المشترك بين الأسبان وقبيلة عمر الصحراوي بشمال مالي، أن كلاهما عاش أجواء الفرح والبشرى، الأولون احتفالا بعودة كل من آلبرت بيلالتا البالغ من العمر 34 سنة وروكي باسكوال البالغ 50 سنة، اللذين أمضيا تسعة أشهر رهن الاحتجاز لدى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الصحراء، والآخرون بمناسبة إطلاق سراح ابن قبيلتهم. فكانت الفرحة مشتركة بين الخاطف والرهينة. ولم تتسرب معلومات كافية حول الزيارة التي كان وفد البوليساريو قد قام بها إلى موريتانيا، في ذروة المفاوضات الجارية بين إسبانيا وكل من موريتانيا ومالي للإفراج عن رهينتين إسبانيتين، مقابل فدية مالية توجت بإطلاق سراح المسؤول السابق في البوليساريو، عمر الصحراوي. بيد أن الأمر لم يكن يحتاج إلى عناء كبير للربط بين تلك المفاوضات والموقف الذي تخشاه الجزائر حيال ربط دعمها غير المشروط للبوليساريو بالتورط في تشجيع الإرهاب، طالما أن انتماء عمر الصحراوي إلى الجبهة يُلزِم هذه الأخيرةَ بكل تبعات تصرفاته، وإن كان حاول التستر على ذلك الانتماء بحمله الجنسية المالية، ففي النهاية لا يشكل حمل الجنسية مَخرجا، وإنما يطرح المزيد من التساؤلات حول الظروف والملابسات التي أحاطت بانتقاله إلى مالي، في ارتباط مع بدء تشكيل الخلايا الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. وحتى تبدو الجزائر بعيدة عن ملابسات تلك الصفقة المشبوهة، أوعزت إلى عناصر من البوليساريو بالتوجه إلى نواكشوط لحمل رسائل جزائرية سرعان ما سيتم الإعلان عن مضامين مناقضة لها حين تحدث مسؤولون جزائريون عن رفض بلادهم تقديمَ فديات إلى خاطفي الرعايا الأجانب، وعن تبنيهم اقتراحا يدعو إلى رفض مقايضة التنظيمات الإرهابية بفديات مالية. وقد أرادت الجزائر من وراء ذلك التملص من أي مسؤولية لها حيال ما اقترفه عمر الصحراوي، وكذا إزاء العروض والطلبات التي رافقت العملية، وهو ما يفسر كيف أن مستشارا للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خرج عن صمته، إذ أعلن كمال بارا رسميا أن التنظيمات الإرهابية جنت من تلك المقايضات أزيد من 50 مليون أورو. ولعل السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تأتى لمستشار بوتفليقة، قليل الكلام، أن يعلن عن هذا المبلغ، وكأنه لم يكن بعيدا عن فصول المفاوضات، وعما كان يوضع فوق وتحت الطاولة. للوقوف على خلفيات وأبعاد التحركات الجزائرية يتعين الإشارة إلى أن الجزائر أبدت في الأشهر الستة الأخيرة مزيدا من الاهتمام بالأوضاع الأمنية في بلدان الساحل جنوب الصحراء، فقد استضافت مؤتمرات أمنية وسياسية وعسكرية ركزت على إيهام المجتمع الدولي بأن الجزائر منشغلة بالحرب على الإرهاب في المنطقة. فيما أكثر التقارير مصداقية شككت في النوايا الجزائرية، من منطلق أن بعض الأوساط الجزائرية كانت وراء تشكيل اللبنات الأولى للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. ينضاف إلى ذلك أن الطابع الانتقائي للدول للمشاركة كان يشير إلى أن وراء تلك الدعوات خلفيات لا تقل مكرا عن إشعال الحرائق ثم المناداة بإطفائها. ذلك أنه لو صدقت النوايا الجزائرية في هذا المجال لانفتحت البلاد على كل مبادرات التنسيق المطروحة على الطاولة، منذ انفجار الظاهرة الإرهابية، بل عكس ذلك نأت بنفسها بعيدا عن الجهود الدولية الرامية إلى التصدي للهجرة غير الشرعية والتهريب والجريمة المنظمة والإرهاب، مع أن هذه المعضلات كل لا يتجزء. ولولا تعاظم وتفاحش تجارة التهريب التي تشمل المنتوجات الاستهلاكية ومواد الإغاثة الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تيندوف وكذا السجائر والأسلحة، لما أمكن للتنظيمات المتطرفة الخارجة عن القانون أن تملك الوسائل التي تنفذ بها عملياتها، ولولا استفحال الهجرة غير الشرعية التي لها شبكاتها وطرقها، لما أمكن لتلك التنظيمات أن تجد الملاذ الآمن في أكثر المناطق عرضة للهجرة، خصوصا في الساحل. كيف إذن يمكن لدولة لا تفي بالتزاماتها الإقليمية والدولية في التصدي لهذه المعضلات التي تؤرق المجتمع الدولي أن تختزل مهمتها في الحرب على الإرهاب فقط، مع أن تجربتها الذاتية في هذا المجال أبرزت محدوديتها وعدم نجاعتها، بدليل أن الأعمال الإرهابية لا زالت تحصد أرواح الأبرياء من أبناء الشعب الجزائري. إن كل هاجس الحكومة الجزائرية هو إبرام المزيد من صفقات التسلح، بدعوى الاستقواء على «الإرهابيين»، مع أن القصد من وراء ذلك لا يغيب عن أذهان أبعد الناس عن الاهتمام بهموم المنطقة. لعل أقرب دليل على تورط الجزائر في الأعمال الإرهابية أنها وفق إفادات عميل الاستخبارات الجزائرية كريم مولاي كانت وراء تخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية في فندق أطلس أسني بمراكش، بغاية تدويل فكرة الإرهاب، وبالتالي فإن هذه السابقة التي لا نكاد نجد مثيلا لها في التزامات الدول، تعتبر دليلا إضافيا على أن ما من شيء يبدو مستحيلا في الأعراف الجزائرية، تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة. الأكيد أن من جند إرهابيين وأرسلهم إلى المغرب، كما حدث في صيف 1994، لا تعوزه الأسباب والمبررات والوسائل التي تجعله يكرر التجربة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، خصوصا أن التربة هناك مهيأة أكثر، نظرا لغياب رقابة الدول وعدم سيطرتها على حدودها ووجود مساحات شاسعة تكفل بعثرة أي جهود لتثبيت القواعد الإرهابية تحت شعار معركة كسب العقول لحشد الدعم الدولي لموقف السلطات الجزائرية في صراعاتها الداخلية مع الجماعات الإسلامية المتطرفة. لم تترك الجزائر أي وسيلة إلا واستخدمتها، بما في ذلك عرض أراضيها لإقامة قواعد عسكرية أجنبية، على أن يترك لها هامش الصراخ بأنها ترفض ذلك. والأكيد أنه لدى تزايد شعورها بأن الخطاب الجزائري لا ينفذ إلى العقول، خصوصا في ضوء تراجع حيثيات الحرب الكونية على الإرهاب بعض الشيء، فإنها اختارت منطقة الساحل والصحراء لجذب الاهتمام إلى مشكل ليست بعيدة عن افتعاله، إن لم يكن بالطرق الرسمية، فعبر إطلاق الأجهزة التي قال عنها العميل كريم مولاي إنها مستعدة دائما لفعل الشيء ونقيضه. وما لم يتم تسليط الأضواء الكافية على خلفيات الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الجزائر نهاية تسعينيات القرن الماضي، وامتدت إلى اليوم بطرق مختلفة وملتوية، فإن الجزائر ستستمر في تكرار اللعبة القذرة. يد تلوح برفع لواء الحرب على الإرهاب وأخرى توقظ نار الفتنة والإرهاب. أما التصريحات ذات الطابع الاستهلاكي، فإنها لا تعدو أن تكون من أجل تحويل الاتجاه عن أي بحث حقيقي حيال الأيادي الخفية التي تحرك الدمى الإرهابية ، ثم تصيح أن الإرهاب قادم، فاحذروا المقايضة، مع أن الدور الجزائري كان أ كبر من أي مقايضة لأنه كان يمنح شهادات الميلاد. وفي نفس السياق،تؤشر عدة قرائن أن جبهة البوليساريو فقدت الكثير من رمزيتها باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي، إضافة إلى ضيق أفقها المستقبلي، حتى أن قيادتها اليوم ترى نفسها في نفق مسدود، غداة إعلان المغرب الشروع في تطبيق الجهوية الموسعة / الحكم الذاتي من جانب واحد. وهو ما يعتبر فترة انتكاسات متتالية لجبهة البوليساريو تجعل من غايتها في إقامة جمهوريتها العربية الصحراوية الديموقراطية أشبه بخيط دخان تتقاذفه الرياح، ويتعزز فشلها في تحقيق حلم انفصال الصحراء بالتحاق عدد كبير من قادتها بالمغرب، وفقدان قادتها التاريخيين (حراس مبدأ تقرير المصير) لتوهجهم أمام شباب المخيمات الذين لم تعد الجبهة بالقادرة على منحهم آمالا جديدة ومقنعة. وتأكد ذلك بما أورده تقرير المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن، من أن (جبهة البوليساريو) توجد حاليا في مرحلة متقدمة من التفكك تجعلها تشكل تهديدا جديا للاستقرار الإقليمي. وهو ما يجعل عددا من التحليلات الجيوسياسية ترجح توجه جبهة البوليساريو لأن تصبح حليفا استراتيجيا للجماعات المسلحة في وسط الصحراء الإفريقية ضد المصالح الدولية بالمنطقة وتنفيذ عمليات عسكرية بطبيعة انتحارية داخل الأقاليم الجنوبية الصحراوية. وبررت هذه التحاليل رؤيتها تلك بتزايد الضغط الدولي على جبهة البوليساريو بخصوص إحصاء لاجئي مخيمات تندوف، وكذا بإمكانية التعاطي الايجابي للمنتظم الدولي مع دعوات المغرب إلى توطين اللاجئين بالجزائر أو إدخالهم إلى الأقاليم الصحراوية، إضافة إلى ضغط الشارع الداخلي، مما قد يدفع بجبهة البوليساريو كتعبير عن ردة فعل سلبية للتحالف المطلق مع تنظيم القاعدة في الصحراء الإفريقية، أو على الأصح الاستنجاد بالجماعات المتطرفة التي تجري معها اتصالات في الصحراء، وذلك لتنفيذ هجمات داخل الأقاليم الجنوبية، لاشتراكها وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي بأهداف محددة منها مهاجمة المصالح الغربية لأنها في نظر الجبهة تساند الطرح المغربي في ضم الأراضي الصحراوية بحسب ما عبرت في مناسبات عدة داخل الأممالمتحدة، وهو ما تأخذه فرنسا واسبانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية على محمل الجد. وتذهب بعض التحليلات إلى أن مصير جبهة البوليساريو في غياب أي أفق للتفاوض حول قضية الصحراء، وفي وقت استطاع فيه المغرب تأكيد رغبته الجدية في الدخول إلى مفاوضات مباشرة مع مراعاة مقترح الحكم الذاتي، وهو ما اعتبرته الجبهة شروطا للتفاوض، فلم تبد ترحيبا حول عقد جولة أخرى من المفاوضات، الأمر الذي جاء لصالح المغرب، فبادر إلى اتهام الجزائر والبوليساريو بتعطيل المفاوضات، ورد على ذلك بالإعلان عن تطبيق الجهوية الموسعة، حيث يقول محمد السادس ملك المغرب في خطابه الأخير: "ويظل في صلب أهدافنا الأساسية، جعل أقاليمنا الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة. فالمغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية، للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي، للنزاع المفتعل حولها، على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي، الخاصة بالصحراء المغربية". وأمام هذا الوضع الجديد الذي سيفرضه المغرب في الأقاليم الصحراوية، فإن من شأن ذلك أيضا أن ينهي ما تبقى من الآمال التي تتذرع بها جبهة البوليساريو لدى شارعها العام الداخلي، فتتشتت المواقف الداخلية للجبهة، وتذكي الصرعات، وهو ما بدت تلوح بوادره الأولى في الأفق بعد إعلان حركة خط الشهيد المعارضة وحزب التكتل الصحراوي المستقل -(حزب معارض للبوليساريو)-، استعدادهما للدخول في مفاوضات مباشرة مع المملكة المغربية بإشراف أممي، إذا ما استمرت قيادة البوليساريو في "سياسة التعنت والهروب إلى الأمام" ورفض مطالب التيار المعارض لها بفتح الحوار وعقد مؤتمر طارئ تشرف عليه لجنة تحضيرية مستقلة. واتهم زعيم حركة خط الشهيد القيادي الصحراوي محجوب السالك جبهة البوليساريو بأنها "لا هم لها سوى المتاجرة بدماء ومعاناة الصحراويين...، وجزم أنه لو استفتي الصحراويون اليوم بشأن خيار البقاء في مخيمات تندوف والحكم الذاتي، فسيختارون الحكم الذاتي لأنه على الأقل سيكون على الأراضي الصحراوية". وأمام هذا الوضع فإن المغرب اليوم في وضع جد مريح، قد تدفع به إلى تحين الفرصة كذلك لرفع سقف شروط الجلوس إلى طاولة المفاوضات، باستدعاء باقي الفصائل المعارضة لجبهة البوليساريو بغية تحجيم مطالبها أو لقطع الطريق عليها في المنتديات الأممية، ولذلك يبقى المغرب منفتحا على هذا الخيار لمزيد من النضج السياسي والإعلامي حتى تفرض التيارات المعارضة لجبهة البوليساريو نفسها بشكل أعمق في المنتديات الدولية. في منطقة هشة وذات عصبيات قبلية متعددة متقلبة الأهواء والنحل السياسية على قدر تقلب الرياح في الصحراء في الوقت الراهن، حيث تصعب عملية ضبط مستقبل جبهة البوليساريو، وخاصة بعد أن خبا توهج مطلب تقرير المصير (استقلال الصحراء عن المغرب حسب البوليساريو)، إضافة إلى بروز معارضة قوية من داخل المخيمات تفضح الممارسات المشبوهة لقيادة الجبهة، في التدبير السياسي والأمني والعسكري، مؤكدة تورط قادة الجبهة في علاقات مريبة مع مجموعات مسلحة منها جماعات إسلامية ومجموعات المتاجرة في البشر والسلاح والمخدرات... ووفقا لما أوردته تقارير استخباراتية مغربية أن اعتقال أفراد من جبهة البوليساريو على الحدود مع الجزائر كانوا بصدد تبادل صفقة كبيرة للمخدرات كشف تورط قيادات من الجبهة في الاتجار بالمخدرات. وأمام هذا الواقع لم يعد ربط جبهة البوليساريو بالحركات الإسلامية اتهام مغربي فحسب، حيث سبق لوزير العدل المغربي الراحل محمد بوزوبع أن صرح بناء على تقارير أجهزة الاستخبارت الدولية لا سيما الأمريكية منها بأن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لا سيما الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية والسلفية الجهادية المغربية مع جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية ينسقان نشاطهما بهدف زعزعة استقرار منطقة الساحل. وهو الاتهام الذي أعاده وزير الداخلية الأسبق شكيب بنموسى حين أعلن أن البوليساريو تشجع "المخططات الرهيبة الهادفة لجعل الصحراء قاعدة للإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتهريب والاتجار المحرم في البشر والسلاح". بل أصبحت هذه القناعة حقيقة لدى خبراء عسكريين بالمنطقة، بعدما تأكد ضلوع قيادات من جبهة البوليساريو في الاتجار في السلاح، وبعد تبوث تورط أحد قادتها والذي أدين بموريتانيا بتهمة سرقة متفجرات لبيعها لجماعات إرهابية بالمنقطة. كما تأكد تورط جهات من البوليساريو في علاقات مريبة مع إرهابيين، حتى أن المخيمات غذت ملاذا لاستقرار الإرهابيين. وتوالت دلائل هذه القناعة بعد تفجر حادث اختطاف الرعايا الإسبان مؤخرا على الطريق الرابط بين نوديبو ونواكشوط، حيث أشارت تقارير إعلامية عن وجود إمكانيات قوية لتورط أعضاء من البوليساريو في هذا الحادث، وذلك بمساعدة جماعة الدعوة والقتال على اختطاف الرهائن الاسبان ونقلهم إلى مالي. وفي هذا الصدد أوردت تقارير صادرة عن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية والمغربية أن شبكة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي قد تمكنت من استقطاب مقاتلين ينتمون لصفوف جبهة البوليساريو. وقد تزكى هذا المعطى بتأكيد خبراء جيوسياسيون على أن حركة عابرة للحدود كتنظيم القاعدة، بالضرورة فإنها تشتغل عبر ارتباطات محلية وإقليمية لتعزيز موقعها، وضمان تعاون كامل مع الأجيال الجديدة من عناصر البوليساريو بإغراءات مالية تستخلص من عائدات تهريب الأسلحة واختلاس المساعدات الإنسانية وبعث إيديولوجية دينية جديدة تقوم مقام الفراغ الإيديولوجي الماركسي اللينيني بعد بداية انهيار إيديولوجيا البوليساريو. وأكد تقرير المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن ببروكسيل، الذي يعد أحد أهم التقارير الاستخباراتية دقة على وجود تنسيق بين البوليساريو وتنظيم القاعدة، وأرجع ذلك إلى حاجة هذه الأخيرة «لامتدادات محلية والاستفادة من الدعم المالي والزخم الإيديولوجي، الذي تقدمه الجماعات الإسلامية المتطرفة. وقد تزامن هذا مع التحول الذي طرأ في صفوف جبهة البوليساريو التي أضحت تبحث عن موارد جديدة للتمويل، حيث يجد بعضهم ضالتهم في تهريب السلاح والاتجار به، هذا من الناحية المالية، أما من الناحية الإيديولوجية فيبدو أن البوليساريو بدأت تبحث عن نفس جديد، وقد وجدته بعض تياراتها في الأصولية كإيديولوجية معولمة تخترق كل الحدود. وعليه تزايدت مخاوف الفاعلين السياسيين والعسكريين محليا وإقليميا ودوليا من تهديدات قد تعلنها جبهة البوليساريو على منطقة شمال إفريقيا والصحراء الإفريقية الكبرى في المستقبل، وخاصة بعد أن يشمل يأس أمل تقرير المصير جل قادتها وأعضائها ومقاتليها، وتتقوى هذه المخاوف بما أفادت به تقارير استخباراتية أمريكية عن التحاق ما يناهز 2500 شخص بالزويرات قادمين من الجزائر في نهاية مارس 2006 بجبهة البوليساريو إضافة إلى ضم الحركة لما يناهز عن 10 آلاف مقاتل تجهل جنسياتهم وانتماءاتهم الحقيقية، حيث يعيش أغلبهم سيرورة تحول من الصعب مراقبة تحركاتهم، وهم يمتلكون أسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للطائرات كانت الجزائر قد زودت بها جبهة البوليساريو. وتبقى تحركات الولاياتالمتحدةالأمريكية الجدية لإقامة قاعدة عسكرية "أفريكوم" على الصحراء الجزائرية محاولة استباقية لمراقبة الوضع في الصحراء الإفريقية الكبرى، وتأكيدا على الأنشطة المريبة لعناصر من البوليساريو ومن جماعات إسلامية مسلحة أخرى تتاجر في الممنوعات. حيث أشارت تقديرات إحصائية صدرت عن الأجهزة الأمنية بدول المغرب العربي وعن تقارير هيئات مكافحة الإرهاب في أوربا وأمريكا على أن عددا من المنتمين إلى الجماعات المسلحة في شمال إفريقيا يتراوح بين 4 و 5 آلاف عنصر منظمين في خلايا مشكلة من جنسيات مغربية وجزائرية وليبية وتونسية وموريتانية، ومن مالي والنيجر ونيجريا وتشاد تنشط على مساحة تفوق 5 ملايين كيلومتر مربع في الصحراء الكبرى. وأضافت التقارير ذاتها أن السنوات الأخيرة شهدت تناسل العديد من الخلايا الأصولية المتطرفة على امتداد التراب المغاربي، تم تفكيك أكثر من 40 خلية ذات ارتباطات بتنظيم القاعدة داخل المغرب فقط. فيما يعتقد أن المئات من هذه الخلايا لا تزال في حالة خمول فلم يتم وضع اليد على عناصرها بعد. كما شهد الجنوبالجزائري وتخوم مالي والنيجر وعلى امتداد الساحل في بداية سنة 2004 تمركز عدة عناصر متطرفة ومنهم أطر قيادية قادمة من أفغانستانوباكستان للتأطير والاستقطاب وتدريب المنتمين وتأهيلهم قبل إرسالهم إلى أفغانستان والعراق لتنفيذ عمليات إرهابية هناك. هذا في الوقت الذي تأكد فيه التحاق 2000 مقاتل بالمناطق الحدودية الجنوبية. وتطابقت تقارير المخابرات الأمريكية والفرنسية والمغربية والجزائرية على أن تنظيم القاعدة بعث مستقطبين إلى منطقة الزويرات منذ دجنبر 2005، وتبع هؤلاء آخرون آتين من تندوف. وتذهب أغلب التحليلات أن دقة تلك التقارير الاستخباراتية تدعو بقوة إلى بداية التحرك الفعلي لمراقبة تحرك الجماعات فوق الصحراء الإفريقية الكبرى، وهو ما يدفع اليوم بالولاياتالمتحدةالأمريكية إلى تأسيس القاعدة العسكرية "أفريكوم" في عهد جورج بوش الابن، والإلحاح على نقل مقر إقامتها من ألمانيا إلى الصحراء الإفريقية (الصحراء الجزائرية) في عهد باراك أوباما، في سياق تنفيذ استراتيجيتها العسكرية الاستباقية لصد مد الحركات الإرهابية ومراقبة جبهة البوليساريو، والحد من أنشطة تجارة السلاح بالمنطقة. ومعلوم أن الجزائر اعترضت سابقا وبشدة على إقامة القاعدة العسكرية الأمريكية "أفريكوم" على مجموع الأراضي الإفريقية، بل ذهبت أبعد من ذلك لكبح أي مراقبة أمريكية لتحركات الجبهة بالصحراء، إلى إنشاء قوات عسكرية افريقية مع ليبيا وأصرت على انضمام قوات من جبهة البوليساريو قسريا باعتبارها حركة تحررية. وكانت مصادر إعلامية بناء على تقارير إستخباراتية قد كشفت أن أولويات تنظيم القاعدة تبقى منصبة على تقوية امتداداته بإقامة معسكرات في منطقة الساحل، وذهبت تصاريح صحفية إلى القول أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن سبق له أن زار مخيمات تندوف والتقى بقادة جبهة البوليساريو، وتتعزز صحة هذه التصريحات بإعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية انضمامها الرسمي إلى تنظيم القاعدة، ولذلك تشدد مجموعة من الآراء أن ذلك يكون قد تم بناء على مفاوضات قادها أحد القادة المؤثرين في تنظيم القاعدة في إشارة إلى أسامة بن لادن. وتذهب معلومات أخرى أن الفضاء الذي يتحرك فيه تنظيم القاعدة قد أصبح ضيقا بعد تكثيف العمليات العسكرية بالشرق الأوسط، وإعلان باكستان حربا طويلة الأمد على حركة طالبان في الجبال الحدودية بينها وبين أفغانستان، ولذلك لم يبق أمام تنظيم القاعدة سوى البحث عن بدائل أخرى لتجاوز ملاحقة القوات الدولية والاستخبارتية له. ولذلك قام بنقل جزء من معركته إلى منطقة شمال إفريقيا ووسط الصحراء الإفريقية الكبرى، مؤسسا بذلك تنظيما تابعا له على شاكلة "القاعدة في بلاد الرافدين" لتوسيع دائرة استقطاباته، لوجود قاعدة بشرية (تعيش قهرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا...) وهي بذلك مهيأة لتبني أفكار ومشاريع الجماعات المتطرفة، ولذلك فإن التنظيم بحسب تقارير عسكرية يجد في المقاتلين الصحراويين استعدادا لتبني مشروعه الإرهابي، بالنظر إلى سوء وضعهم منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار سنة 1991. وفي ذات السياق يؤكد محللون سياسيون حسب ذ. أعبد الفتاح الفاتحي محلل سياسي مهتم بالنزاع في الصحراء ،ن تهديدات جبهة البوليساريو بالرجوع إلى حمل السلاح، وبالاستناد إلى تصريحات عسكريين مغاربة تفيد أن الجبهة كانت تنفذ عمليات العسكرية ضد المغرب بين سنتي 1981 و 1991 عبر تشغيل مقاتلين غير صحراويين من إفريقيا جنوب الصحراء، ولذلك لا يستبعدون أن تلجأ الجبهة بعد انحصار أي تقدم في ملف الصحراء وبعد فشل المفاوضات الأخيرة وتجلي مؤشرات عن فشل المفاوضات المقبلة، إلى التحالف مع مقاتلين إرهابيين لتنفيذ عمليات عسكرية ضد المغرب وذلك لإثارة اهتمام المنتظم الدولي من جديد نحو المنطقة.