بناء على نتائج الانتخابات المصرية في جولتها الأولى يمكن القول إننا إزاء خيبة أمل كبيرة، وإن تكن متوقعة، من دون أن يغير ذلك من أهمية ما جرى، ومن تأثيراته على أسئلة الداخل والخارج في الساحة المصرية. من المؤكد أن عزوف أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين المصريين عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع بحسب اعتراف الأجهزة المعنية إنما يشير إلى يأس عام من إمكانية تغيير الحزب الحاكم لسلوكه السياسي، وهو ما تأكد بالفعل خلال الجولة التي جرت، حيث مارس أزلام الحزب ذات ألعابهم القديمة من تزوير متعدد الأشكال مع ذكاء إضافي هدفه التغلب على مشكلة الإشراف القضائي على رغم انحياز بعضه للحزب الحاكم أيضاً. من الواضح أن الحزب قد ترك لمرشحيه البحث عن آليات التلاعب المناسبة كل حسب قدراته، مع وضع أجهزة الدولة في خدمته، غير أن ذلك لم يمكن جميع المرشحين من تجاوز الجولة الأولى حيث ستضطر أغلبيتهم لخوض انتخابات الإعادة أمام مرشحي الإخوان والمعارضة والمستقلين. في هذه الجولة حصل الإخوان على أربعة مقاعد مقابل 26 للحزب الحاكم، وهي نتيجة جيدة إذا أدركنا حقيقة ما جرى من تلاعب، لاسيما حرمان أحد مرشحيهم (حازم صلاح أبو إسماعيل) من فوز واضح بأسلوب "عيني عينك"، وتبقى انتخابات الإعادة التي تشمل 133 مقعد كعنصر تأكيد على مسار التلاعب والتزوير الذي طبق في الجولة الأولى. إذا سارت اللعبة ضمن ذات السياق أو أفضل قليلاً في ظل التهديدات بالمقاطعة من قبل المعارضة وتمكن الإخوان وبعض المعارضين الآخرين من تحقيق نتيجة معقولة في دورة الإعادة، فإن بالإمكان القول إن النتيجة النهائية ستكون معقولة. ونقول معقولة لا وفق معيار الحق والعدل أو الإصلاح المنشود، بل ضمن الظروف المتاحة في ساحة يتحكم بها حزب حاكم يصعب عليه التنازل عن سلطاته بسهولة. بعد انتخابات الإعادة سيكون بوسعنا الحكم على حقيقة نوايا الحزب الحاكم إزاء العملية الانتخابية برمتها، وإمكانية منحه المعارضة فرصة الفوز بنسبة معقولة من المقاعد تتراوح ما بين 15 و20 في المئة. إذا حصل ذلك فبالإمكان الحديث عن كتلة معارضة مزعجة ستطارد الوضع القائم وسياساته على صعيد الداخل والخارج. من المؤكد أن أوضاع الداخل هي الأكثر إلحاحاً على المواطن المصري الذي يئن تحت معطيات البطالة والفقر الناتجة في جزء كبير منها عن الفساد الذي يعشش في مختلف القطاعات الرسمية، لكن المصريين كانوا على الدوام أبناء أمتهم وطليعة التغيير فيها، وهم من دون شك يتابعون ذلك التراجع الواضح في حضور بلدهم وأدواره العربية والإقليمية كما يتابعون أيضاً الحملة الشرسة على أمتهم، والتي لا يمكن أن تواجه من دون ريادة مصرية للوضع العربي. على هذا الصعيد لا بد أن نتوقع أدواراً كبيرة لكتلة المعارضة في حفز الوضع الرسمي على تجاوز حالة العجز التي يعيشها منذ ما يزيد عن عامين، ومن ثم الشروع في لملمة الوضع العربي ووضعه على سكة المواجهة الفاعلة للهجمة الأمريكية الصهيونية الرامية إلى إعادة تشكيل المنطقة. من جانب آخر يمكن القول إن تغييراً في تركيبة المؤسسة التشريعية في مصر لا بد أن يترك آثاره على التجارب الديمقراطية العربية الأخرى باتجاه مزيد من الانفتاح على المعارضة، وفتح المجال أمام مشاركة أوسع في صنع القرار. لسنا متفائلين كثيراً في ضوء ما جرى، لكننا نتحدث عن آمال محدودة لا أكثر، وما من شك أن حراك الشارع المصري خلال الشهور الأخيرة لا يمكن أن يفضي إلى لا شيء بحال.