من المؤكد أن وصول مقاعد الإخوان المسلمين والمعارضة إلى ربع مقاعد مجلس الشعب المصري في انتخابات المرحلة الأولى بعد جولة الإعادة قد شكلت مفاجأة مهمة بالنسبة للساحة المصرية، لاسيما حصول الإخوان على نسبة 20% من المقاعد، لكنها بمقياس الحق والعدل والشعبية الطبيعية لا تبدو مفاجئة بحال من الأحوال، ذلك أن الوضع الطبيعي هو خسارة فادحة للحزب الحاكم، وحتى للمستقلين الذين ما يلبثون منذ اليوم الأول للدورة البرلمانية أن يعودوا من جديد إلى صفوف الحزب الحاكم الذي خرجوا منه رداً على عدم ترشيحهم، ومعظم هؤلاء من رجال الأعمال الذي يسرقون فوزهم من خلال المال والبلطجة السافرة في أكثر الأحيان، تماماً كما يفعل الآخرون من الحزب الذي يصبحون أضعف في مواجهة خصوم من ذات اللون بوسعهم استخدام ذات الأدوات الرخيصة إياها. ليس ثمة رضاً من أي نوع عن أداء الحزب الحاكم، فلا الأوضاع الداخلية، اجتماعياً واقتصادياً تسر البال، ولا الحضور السياسي المصري عربياً وإقليمياً يثير الارتياح في نفس مواطن مصري يتحلى بقدر غير عادي من الروح الوطنية والاعتداد ببلاده وقوتها وحضورها. لا تسأل بعد ذلك عن حكايات الفساد التي تزكم الأنوف في الساحة المصرية، وأبطالها في معظمهم من أركان الحزب الحاكم، ومن الأجهزة الأمنية المتحالفة معه، والموافقة بقدر ما على حكاية الخلافة التي لم يستسغها الشارع المصري بأي حال من الأحوال. من هنا كان طبيعياُ أن يستثمر الناخبون المصريون فسحة الإشراف القضائي على الانتخابات، وإن لم تكن كافية للحيلولة دون قدر لا بأس به من التزوير متعدد الأشكال، إضافة إلى قدر من الرقابة الخارجية ومعها دعوات الإصلاح التي تملأ الآفاق، فضلاً عن صراخ قوى المعارضة في الجماهير بضرورة التحرك دفاعاً عن حاضرها ومستقبلها الذي يعبث به الحزب الحاكم. كان طبيعياً أن يستثمر المصريون ذلك كله في الخروج ولو بنسب ضئيلة (24% من الناخبين المسجلين أي حوالي 15% من مجموع الناخبين) إلى صناديق الاقتراع لكي يعبروا عن قدر من الاحتجاج من خلال التصويت لرموز المعارضة، وعلى رأسهم الإخوان الذين يسجلون مصداقية عالية في الساحة المصرية، فيما يتكاثر قادتهم في السجون على نحو مضطرد بسبب دفاعهم عن حقوق المصريين في الحرية والعيش الكريم في ظل نظام يحترم دينهم وهويتهم ومصالحهم. من المؤكد أن النتيجة كانت جيدة، فأن يحتل الإخوان ورموز المعارضة عشرين في المئة من المقاعد، فضلاً عما هو أكثر من ذلك، فإن معنى ذلك أن كتلة معارضة كبيرة وفاعلة سوف تتوفر في المجلس، وهذه لن تمرر بسهولة ما يجري. صحيح أن الغلبة ستكون دائماً للحزب الحاكم، لكن الموقف في كل الأحوال لن يكون سهلاً، لأن الحزب الحاكم سيبقى حريصاً على سمعته من أجل الجولات التالية من جهة، ومن أجل تمرير الخلافة لنجل الرئيس المصري في المرة القادمة من جهة أخرى. يبقى سؤال المرحلة التالية من الانتخابات، وحيث التنافس على حوالي ستين في المئة من المقاعد، وهنا يطرح التساؤل عما إذا كان الترحيب الذي وقع بالنتائج التي تمخضت عنها هذه الجولة على رغم الاعتراضات الكثيرة على التزوير المتعدد الأشكال، عما إذ كان سيؤدي إلى تكرار التجربة في المرحلة التالية أم أنه سيثير في الحزب الحاكم شهية الانتقام من الإخوان عبر الحيلولة بينها وبين زيادة رصيدهم من المقاعد بكل الوسائل بصرف النظر عن مشروعيتها. من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لكننا نأمل أن يتواصل الإنجاز الذي تحقق في المرحلة الأولى خلال المرحلة التالية، وذلك ببقاء نسبة الربع أو حتى العشرين في المئة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى بعض التغيير في الساحة المصرية في السياسات الداخلية والخارجية. ألا يعكس كلامنا هذا كم تبدو آمال المواطن العربي في الإصلاح والتغيير متواضعة؟!