لم تعد بعض المجلات، وخاصة الفرنكفونية منها، تكتفي بمجرد الإشهار للخمور من خلال إبراز صور القنينات وأنواعها، بل انتقلت إلى الدعاية لها من خلال نهج جديد يقوم على إرفاق الصور بمقالات صغيرة تشرح بالتفصيل نوعية هذا الخمر أو ذاك بصيغة تحبيبية ودعائية في غاية الجرأة على ثقافة الشعب المغربي وقيمه. وقد ظهر ذلك جليا في مجلة إيكونومي أنتروبريز المغربية، حيث نشرت في عددها لشهر نونبر مقالات إشهارية لتشجيع استهلاك الخمور، مخصصة لذلك صفحات تحت عنوان معلومات حول الاستهلاك "info conso " ومما جاء في إحدى الفقرات التي تعرف بمزايا نوع من أنواع الخمور، تقول المجلة إن هذه الخمر هي «خمر الحب وخمر اللحظات الحميمية، يمكن أن تستهلك بين الأصدقاء وفي جميع المناسبات، الصغيرة والكبيرة منها»، وفي إشهار آخر تخبر المجلة القارئ في العدد نفسه الذي صدر في العشر الأواخر من رمضان أن نوعا من الخمر قد وصل أخيرا للمغرب وفي مقدمة الإشهار كتب ما يلي: «في الصالونات والنوادي الخاصة انتشر الخبر بسرعة كبيرة، لقد وصلت إنها هنا، لقد رأيتها لقد تذوقتها تصلح للمشاهدة تصلح للشراب إنها خمر الفودكا الأكثر أناقة في العالم». وفي المقال الإشهاري نفسه، وبعد أن بينت المجلة المذكورة أن مجموعة من النجوم السينمائيين في العالم يعترفون بجودة تلك الخمرة الآتية من بولونيا، تؤكد للقارئ بدون حياء ولا تردد أن الإحساس نفسه موجود في المغرب بقولها: «بالبيضاء والرباط ومراكش، وحسب ما يخرج من ردهات النوادي والرياضات فهي موجودة، جمال أخاذ آت من المناطق الباردة، اطلبوا رؤيتها وشربها: خمرة ... إنها نجمة تقوم بزيارتنا». وفي سياق الإشهار تعلن المجلة أن أحد أنواع الخمور سيكون معروضا بإحدى فنادق مراكش طيلة أيام المهرجان الدولي للسينما، كما حددت ساعة بداية ونهاية عرض تلك الخمرة! وتنتقل بنا المجلة المذكورة من عالم الخمور إلى عالم التدخين، حيث لم ترفقه بالتذكير بمخاطر التدخين وأنجزت روبورتاجا إشهاريا من صفحتين حول ثلاثة انواع من السيكارات التي توصف بالراقية، وميزاتها خاتمة بقولها «إذن لا تتراجعوا دخنوا إحدى هذه السيكارات، وستتميزون بكل أناقة». إن قارئ المجلة وهو يتصفحها يراوده شك هل هي مغربية وهل تصدر بالمغرب، فيضطر كما حصل لي لمراجعة الصفحة التي تنشر فيها أسماء هيئة التحرير، ليجد أنها فعلا مغربية والشركة الموزعة مغربية وتصدر في المغرب المسلم، فتتناسل في ذهنه كما حصل في ذهني أسئلة كبيرة وكثيرة من المقصود بهذه الإشهارات والمقالات المشبوهة، وأين هم المسؤولون عن النشر في بلدنا، وما موقف الحكومة؟ أم أنها كعادتها ستقول لنا إنها موجهة لغير المسلمين، لكن المجلة المذكورة توزع في كل الأكشاك وفي كل المدن وليست خاصة بأماكن يرتادها غير المسلمين فقط، كما أن الإشهارات المذكورة ليست حصرا على المجلة التي تحدثنا عنها، بل توجد بمجلات أخرى يقرؤها المغاربة والمسلمون، وهم شرائحها المقصودة، فهل تطبق الحكومة القانون وتسهر على احترام المشاعر الدينية للمغاربة أم أنها ستترك الحبل على الغارب؟ وهو ترك لن يعمل إلا على تعميق المشاكل التي تسبب فيها الخمر من خراب للبيوت ودمار للأسر وإزهاق لأرواح بريئة.