من هم صناع الخمر في المغرب؟ هل هم مغاربة أم أجانب؟ ومن هم تجار أم الخبائث؟ وكيف تطورت تجارة الخمر في بلادنا التي ينص دستورها على أنها إسلامية؟ وهل المستهلكون للخمر والمشروبات الكحولية يهود أم نصارى أم مغاربة مسلمون؟ وهل العاملون عليها الموزعون لها جملة وتقسيطا راضون عما هم فيه؟ أم تراهم يشعرون بالسعادة ويعيشون في النعيم المقيم؟ وما هو الوضع القانوني لهذا القطاع الملعون -كما جاء في الحديث الشريف-؟ وهل آثاره المخربة محدودة يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها؟ أم أن اجتياح السموم لكل جوانب حياتنا الاجتماعية كالصحة والاقتصاد والأسرة والشباب وحتى النساء قد حول اللعنة المذكورة في القرآن والسنة إلى سرطان ليس له من علاج؟ والخسائر التي يسببها هذا القطاع على جميع الأصعدة: كم يمكن تقديرها ماليا، وأي رقم سنحصل عليه بعد تلك العملية الحسابية؟ هذه أسئلة تطرح نفسها بقوة على كل باحث منصف، وتتطلب الإجابةعنها قدرا عاليا من الشجاعة والجرأة والنزاهة. وقد قام الباحث لحسن الزروالي بتقديم أجوبة دقيقة عن بعض هذه الأسئلة في كتابه القيم المسطور باللغة الفرنسية بعنوان تجارة المشروبات الكحولية بالمغرب (مطابع أمبريال. الطبعة الأولى .1997 المغرب)، والكتاب كان في الأصل بحثا لدبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص بكلية الحقوق بالرباط. أجوبة أخرى، وأجوبة هذا الباحث تجدونها في هذا الملف.
تجفيف منابع التدين والمقاومة لماذا تتركز زراعة العنب المنتجة للخمر في مكناس دون غيرها؟ لماذا اختار الاستعمار هذه المنطقة دون غيرها. يقول مسير إحدى الضيعات الفلاحية التابعة لشركة التنمية الفلاحية sodea، بمكناس فضل عدم ذكر اسمه: أنت ترى بأم عينك هذه الأراضي المترامية الأطراف، فأغلبها زراعية بورية - ويشير إلى بعض الضيعات التابعة لشركة ويليام بيتيس الفرنسية التي تستثمر في هذا المجال، ولها معمل تحت اسم domaine sahari بمنطقة أكوراي -. هذا الشاب يقضي يومه وسط سيارة يتجول بها عبر الضيعات التي تصل مساحتها إلى 500 هكتار، يتفقد أحوال العمال والآليات، ففي أول يوم وقع على كل شيء لمباشرة عمله، وإن كان وضعه المادي يختلف قليلا عن العمال المؤقتين الذين كانوا ينتظرونه بجانب سور معمل آيت سوالة لصناعة الخمور. أملا في تلقي راتبهم الزهيد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تركز هذه الصناعة بمكناس راجع إلى وجود عدد كبير من اليهود بها يتاجرون في هذا القطاع منذ القدم، فضلا عن وجودها وسط المغرب. هناك سر آخر يفسر تركيز الاستعمار الفرنسي على منطقة مكناس، سر يتمثل في مقاومة المقاومة المغربية عن طريق الخمور أي بكلمات اليوم تجفيف ينابيع المقاومة عن طريق حرق البساط الذي تتحرك فيه وتستقطب منه رجالاتها بمكناس والمناطق المجاورة لها (إفران، الحاجب، أزرو، خنيفرة ..)، ثم وجود ثكنات عسكرية فرنسية بالمنطقة. ومع نمو القطاع وازدهاره، أصدرت الحماية الفرنسية قانون 5 ماي ,1937 المنظم لتجارة المشروبات الكحولية بالجملة والتقسيط. وعرف الإنتاج والاتجار في الخمور ارتفاعا ملحوظا إذ بين ,1929 و,1939 تضاعف الإنتاج مرتين من 400 ألف هكتولتر، إلى 781 ألف و671 هكتولتر. وبعد تزايد إنتاج الخمر وانتشار استهلاكه في صفوف المغاربة، بالإضافة إلى التدابير الإجرائية الجديدة التي سنتها الحماية الفرنسية، أزعجت السلطة المغربية لكونها تخالف الشريعة الإسلامية، لمساهمتها في تمييع الشباب المغربي، وصرفه عن مهمة الدفاع عن حوزة الوطن، والإضرار بالاقتصاد المغربي. ولهذه الأسباب ستصدر السلطات المغربية بعض القوانين التي تحرم بيعه واستهلاكه للمغاربة المسلمين، إذ بالرغم من الحماية التي كان يشهدها المغرب، فقد سمح للملك بأن يتخذ بعض الإجراءات القانونية منها ظهير 10 يناير ,1913 وظهير 14 أكتوبر ,1914 وظهير 2 يونيو1916 المتعلقة بتنظيم استعمال الخمر والاتجار فيها. في مقابل ذلك عمدت سلطات الحماية بزيادة تشجيع استهلاك الخمر والاتجار فيه في صفوف المغاربة المسلمين، فكان رد فعل الحركة الوطنية هو القيام بحملة واسعة ضد بيع الخمور للمسلمين تمثلت في حملة إعلامية في الصحف، وحملة شعبية بتوعية المواطنين في المساجد وفي أماكن التجمعات، ومقاطعة بعض مستهلكي الخمر اجتماعيا. وقوبلت هذه الحملة بإصدار قرار في 5 ماي 1937 ينص على فتح المحلات في الأماكن التي يقطنها الأوروبيون، ومنع استغلال أماكن الأحباس والأماكن القريبة من المستشفيات والمدارس.
الخمر في مرحلة الاستقلال نال المغرب استقلاله سنة 1956 , وبعدها عرف موضوع الخمر من الناحية القانونية بعض التغييرات الطفيفة، ففي سنة 1958 أصدر وزير العدل منشورات ينص فيها على مكافحة انتشار الخمور، وبعد تسع سنوات من هذا التاريخ (1967) أسندت للمدير العام للديوان الملكي بعض التفويضات في مجال التنظيم القانوني للمشروبات الكحولية وما يرتبط بها، وفي السنة الموالية (1968) اتخذ قرار وزيري ينظم أداء الرخص، وبعد عشر سنوات انطلقت ثلاثة قرارات وزارية صادرة عن وزير الفلاحة (1986 ,1979 ,1977) يحدد فيها نظام التسميات الأصلية للخمور. وقرار وزيري أصدره الوزير الأول آنذاك أحمد عصمان 1977 ينظم صناعة الخمور وترويجها والاتجار فيها، وكلها قرارات لا تضيف جديدا، بل تفسر وتتمم قرار 1967الصادر عن مدير الديوان الملكي. ترخيص ترويج الخمور والاتجار فيها له أنواع مختلفة، فهناك الرخص العادية، وتسمى هذه الرخص بالعادية على اعتبار أنها تقدم للأشخاص الذاتيين، وتمنح لهم وفق المسطرة العادية المتبعة لذلك، وترتب على صنفين: الصنف الأول، وتطلق على الأماكن التي تقدم وتستهلك فيها بعين المكان، وبصفة رئيسية مشروبات كحولية، أو ممزوجة بالكحول، وهي المرتبطة أساسا بمؤسسات مثل المقهى، المقصف، المطعم، والفندق. الصنف الثاني: وهو عكس الأول، تقدم فيه المشروبات المذكورة إلا بصفة إضافية، أي غير رسمية لأنها تشترك مع مواد أخرى في عملية البيع. رخص دائمة: وتختلف عن الرخص العادية من حيث أنها تقدم للأشخاص المعنويين، وتشبهها بتصنيفها إلى صنفين:
الصنف الأول: القانون منح رخصا لأصحاب المشاريع التي تدر على أصحابها مردودا مهما، ولكن اشترط في ذلك أن يكون للشخص المعنوي ضرورة الرخصة للفائدة السياحية، أي المؤشر العام للرخصة ليس عنصر الأجنبي لوحده.
الصنف الثاني: في هذا الصنف خرج المشرع عن المعهود ومدد الرخص إلى هيئات مثل المآوي العائلية، والأندية الخاصة، والجمعيات كذلك لها الحق في بيع وتقديم الخمر. - رخص الفرجة: تعتبر نوعا من الرخص الدائمة ولكنها تستغل في أوقات معينة حسب نوعية المكان، والمجال الذي يعمل فيه صاحب الرخصة، ويمكن تسميتها برخصة المؤقت الدائم. ثم هناك رخص مؤقتة، وتقدم لفترة محددة حسب القانون أو المدة المعتبرة جوهرا للمكان الذي تنجز فيه أشغال معينة بعضها يتم تجديده وأخرى لا تجدد. ويفقد الترخيص بكل أنواعه السالفة الذكر لأسباب قد تكون قضائية إثر حكم للسلطة القضائية، أو كإجراء للمحافظة على النظام العام الذي هو محدد في القانون الإداري بأنواعه الثلاثة: المحافظة على الصحة العامة، أوالسكينة العامة، أو الأمن وبعض الفقهاء يزيد الأخلاق العامة، أو يأتي الفقدان لاحترام مشاعر رواد الأماكن الدينية. لحسن الزروالي في دراسته القيمة حول الخمور بالمغرب خلص إلى أن التشريعات القانونية المغربية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية أصبحت اليوم مصدر تسميم للمجتمع المغربي عن طريق سياسة الباب المفتوح وغض الطرف وتجاهل الآثار السلبية، على خلاف الدول الإسلامية الأخرى التي راجعت قوانينها في هذا الصدد مثل ليبيا والكويت والمملكة العربية السعودية والجزائر وغيرها... أكثر من هذا، أن بلادنا لا تقلد حتى الدول الغربية التي استعمرتنا مثل فرنسا، في سياساتها مع الخمور، وذلك عن طريق تشريعات للوقاية والعلاج، أو مؤسسات للرصد والدراسة والإحصاء...
استهلاك المغاربة للخمور حسب معطيات إحصائية، فإن المغاربة المسلمين الحضريين الذين يتجاوز سنهم 20 سنة استهلكوا ما معدله 202000 هكتولتر، أي ما يعادل 20 مليون و200 ألف لتر من الجعة البيرة وذلك سنة .1975 واستهلك المغاربة المسلمون ما معدله: سنة 24 1980 مليون و11 ألف لتر. سنة 1981 ارتفع الاستهلاك إلى 28 مليون و316 ألف لتر، لتصل الكمية سنة 1982 ما مجموعه 33 مليون و280 مليون لتر. ووصل استهلاك الخمور بجميع أنواعه سنة 1987 ما معدله 85 مليون و500 ألف لتر. وفي دراسة قامت بها شركة GMB في سنة 1988 جاء فيها: حسب دراسة للسوق أجريت من طرف شركة secodip لفائدة GMB سنة 1988فإن مستهلكي الجعة يمثلون 35 في المائة من الساكنة الحضرية من الذكور بالمغرب وهذه الفئة تتمركز في أغلبها ما بين 25 و49 سنة. إلا أن المنتجين لهم رأي آخر، يقول عمر عواد، المدير العام لشركة les celliers mekneَّ: الاستهلاك الداخلي كان معدله في نهاية السبعينيات 3 لترات للفرد الواحد، وحاليا المعدل هو 1 لتر للفرد، إذ أن الاستهلاك انخفض ثلاث مرات، وسنة بعد أخرى لا نلحظ تقدما في رقم المعاملات، هذا الانخفاض في الاستهلاك في الحقيقة هو غير واقعي، نظرا لانتشار الخمور المهربة من الثغرين المحتلين سبتة ومليلية. وأبرزها التينتو والويسكي القادمين من إسبانيا، والفودكا الروسية. ويشتكي مصنعو الخمور من انتشار القطاع غير المنظم، يضيف عواد: هناك قطاع منظم، وقطاع غير منظم، ففي القطاع غير المنظم، الكل ضائع، الدولة ضائعة، والمستهلك ضائع لعدم مراعاة الشروط الصحية. في دراسة للمجلس الوطني للشباب والمستقبل حول مدى انتشار الخمور في مناطق المغرب وجهاته، فإن الجهة الوسطى في المغرب تأتي في الدرجة الأولى ب-91 في المائة تليها جهة الشمال الغربي ب-81 في المائة. في حين تأتي في المراتب المتأخرة جهة الجنوب ب-21 في المائة، ثم الوسط الجنوبي ب-8.6 في المائة. هناك نوعان للتوزيع: التوزيع المباشر وتشكل 89 في المائة، ثم 4 في المائة عن طريق ماكرو ومرجان، على اعتبار تواجدهما في مناطق محدودة في المغرب. في ما يخص قطاع المشروبات بصفة عامة، التوزيع أكثر انتشارا وإشعاعا، فشركة GMB لها أكثر من 60 ألف نقطة بيع، بما معدله 4 نقط بيع لكل ألف نسمة في المغرب في حين أن في فرنسا نقطة بيع لكل 10 آلاف نسمة. أما نقط بيع الخمور في المغرب فأعلاها بالدارالبيضاء بأكثر من 450 نقطة بيع، في حين أن أدناها في واد زم بأقل من عشرين نقطة بيع.
يعملون في الخمر وهم لها كارهون للوصول إلى معامل الخمور الموجودة في طريق أكوراي لا بد من سيارة أجرة كبيرة يتكدس فيها 6 أشخاص. لتشق طريقا ضيقا بها نتوءات لا تتسع لأكثر من سيارة واحدة، منعدمة من التشوير، وعلامات المرور. إدريس رجل في الخمسينيات من عمره، امتهن الاشتغال في الفلاحة لأزيد من عقدين من الزمن، أتى لمكناس من أكوراي ليتسوق الأغراض التي يحتاجها خلال أسبوع قال: مرة أعمل في البطاطس، وأخرى في العنب مع شركة التنمية الفلاحية صوديا، ومع (ما جاب الله) إدريس لا يتجاوز أجره 35 درهما في اليوم، في حين إذا اشتغل مع صوديا فإن أجره سيرتفع إلى 46 أربعين درهما. ولم يسبق له أن اشتغل في المعمل الذي يطلقون عليه اسم لاكاب نظرا لأن عملية تصنيع الخمر تتم في الدهاليز المظلمة. تحدث بعض المواطنين داخل الطاكسي عن صناعة مربى العنب، مثل مربى المشمش، والتوت، وقال السائق: قل الشراب - يعني الخمر- وكفى. العمال الذين يشتغلون في قطاع الخمور هم أيضا غير مستريحين في عملهم، يقول حارس في بوابة معمل آيت سوالة: أنا أشتغل هنا أكثر من 6 سنوات ... لقد مضى العهد الذهبي للمعمل، نتقاضى أجرا زهيدا. هذا العامل غير راض، وغير مطمئن البال على عمله، ودائما ما يتناول أفراد أسرته عمله في الخمور المحرمة، فأبناؤه وزوجته دائما ما يناقشونه بقوة وحرارة في عمله. عند تذكيره بأن الخمر حرام ولعنة، يدير ظهره مبتسما، يخطو خطوات مبتعدا، ثم يقول: حقيقة نعلم أن الخمر حرام، لكن، أين سنذهب، من أين أعول عائلتي؟ يدور نقاش في ما بيننا في البيت داخل أسرتنا، ويقول لي أبنائي: كفى من العمل في المحرمات، لكن ليس لدي البديل. رغم أنهم يعلمون أنهم يشتغلون في عمل ترفضه أنفسهم وتأباه فطرتهم، فإن وضعيتهم المادية غير مريحة هي الأخرى، يقول عامل يشتغل داخل معمل آيت سوالة: الكل وضعيته مزرية هنا، كان يشتغل أزيد من خمسين عاملا هنا، والآن عدد العمال معدود على رؤوس الأصابع. استلقى ثلاثة عمال على العشب بجوار المعمل، ينتظرون مسير ضيعات صوديا ليقبضوا أجر ما عملوه، يقول أحدهم: يتأخرون علينا بالأداء، يؤدون لنا فقط أجر عشرة أيام، ونادرا ما نتمم 15 يوما من العمل بدعوى عدم وجود الميزانية، ونتقاضى عن اليوم الواحد 46 درهما، في حين أن الذين يشتغلون عند النصراني - يقصدون الحقول التابعة ل-domaine sahari - زادهم 10 في المائة في الأجور، ونحن لم نر أي شيء ويضيف أشتغل منذ سنة 1984عاملا مؤقتا، ويعدوننا بالترسيم كل مرة، وذلك بقولهم، سنرسم كل سنة عاملا، لكن على ما أعتقد، حتى العامل الواحد لا يتم ترسيمه خلال سنة. ويضيف أحد العاملين بصوت مرتفع: هذا الشاب ابني ويعمل مثلي، (يشير) إلى شاب في العشرينيات من عمره، وأخوه الأكبر منه سنا متزوج، ويقبع في المنزل بدون عمل. فيما يقاطعه عامل آخر بالقول: لا صوديا (اخلاتنا)، وتكرفصت علينا... في بطاقة الأداء (البوانتاج)، عندنا أربعة آلاف أوخمسة آلاف يوم ونادرا ما يتممها الواحد منا عندما يحين وقت تقاعده، للتلاعب في أيام عملنا. الدخول إلى مصنع الخمور domaine sahari يحتاج إلى رخصة من مدير الشركة الموجود في بوردو الفرنسية، لكننا استطعنا الدخول إلى المستودع الخاص بتعبئة قنينات الخمر الآتية من وراء البحار. مسير المستودع، لم يدعنا نأخذ أي صورة فوتوغرافية خوفا من استغلالها في تشويه سمعة المصنع. وهل يحتاج معمل خمر إلى صورة تشوه سمعته؟ داخل مكان التعبئة كانت كومة من الصناديق الكرتونية عليها علامة المصنع، فيما كانت قارورات الزجاج الفارغة مصففة بعناية، وفي عمق المعمل تتواجد آلة التعبئة ويحيط بها خمس فتيات وسيدتان تجاوزتا على ما يبدو عقدهما الرابع، واحدة منهما أرملة وأخرى تنتظر سفرا إلى إسبانيا لعلها تتزوج هناك كما قال المسير. بعد إنهاء العمل، جلست الفتيات أمام الصناديق الفارغة، وعندما بدأنا في الحديث معهن، كان المسير لنا بالمرصاد، وفي كل مرة يجيب مكانهن. فشركة ويليام بيتيس، مقرها في فرنسا تشتغل بنظام الكوطا في المغرب، وحصتها الموجهة إلى الاستهلاك الداخلي هي 1000 هكتولتر في السنة، وأنواع الخمور التي تنتجها هي كري، روزي، والروج، وفيه نوعان: ريزيرف، ونورمال. يقول مسير مستودع التعبئة نشغل الفتيات لأن لهن مردودية أكبر من الرجال، ثم الثقة، ويسمعن ما يطلب منهن. والفتيات يشتغلن هنا أفضل من أن يشتغلن في الضيعات تحت الشمس الحارقة، لأن الأمر سيان ما دمن يشتغلن في قطاع الخمور. الفتيات من جهتهن يقلن بلسان واحد: ليس لدينا بديل، وإذا لم نشتغل هنا فسنذهب للاشتغال في الدالية. مسير معمل التعبئة بدوره لم يكن ينتظر أو يحلم بالاشتغال في معمل لإنتاج الخمور. كانت أحلامه ترفرف فوق مكاتب الإدارات العمومية، إلى أن وجد نفسه مسيرا لمعمل لتعبئة الخمور. عينه على البحث عن بديل، وأخرى على البطالة القاتلة التي يتخبط فيها زملاؤه الذين كان يقاسمهم الحضور بين جنبات الكلية. كل من التقيناهم غير راضين عن التجارة في الخمور. يقول صاحب محل تجاري لبيع الخمور ينادونه بالحاج: رواج الخمور قائم طول السنة، إلا في رمضان، نظرا للإغلاق، إذ يتراجع في هذا الشهر المبارك بنسبة 99,99 في المائة، والخمر الذي يكثر عليه الطلب هو العادي. أما الغالي الثمن، هو les coteau de latlas ويباع ب-170 درهما للقنينة الواحدة. استهلاك الخمور لا يقتصر على الأجانب، وعند وقوفنا مع صاحب المحل بعض الوقت، كل الزبناء يتحدثون الدارجة المغربية، ومن طبقات مختلفة، منهم رث الثياب، وصاحب المظهر الأنيق، يقول بائع الخمر الكل يشرب (مدمن على الخمر)، وكلهم يشري حسب قدرته الشرائية. دخل زبون واشترى قنينتين من الخمر، فسألناه عن المادة التي اشتراها فقال الماحيا وهي من الدارالبيضاء، وهي خليط من الكحول والتين. وأشار إلى غطاء أصفر يعلو القنينة وقال: هو ضمان من عدم التهرب الضريبي، فكل غطاء يشترى بأربعة دراهم، وبه يتم ضبط كميات الخمور المستهلكة. فحسب المدعو الحاج الناس مبتلون بشرب الخمر، ولا يمكن أن يقطعوه، فهو عندهم مثل الخبز. ورغم ما يدره عليه من أموال، فإنه غير راض عن العمل الذي يقوم به. يقول: بطبيعة الحال، لست راضيا عن عملي، وليس لي صنعة أو حرفة أخرى يمكن أن أعيش منها، نحن سواسا - يعني المنحدرين من سوس - نقول: إن الخمر مثل السلم، وهو يطلع مولاه ... الخمر محال أن ينقطع في المغرب، الدولة الآن توزع الرخص بشكل كبير، النقاش داخل العائلة لا ينقطع بسبب بيع الخمور، دائما ترفع زوجتي أكف الضراعة إلى السماء وتقول لي الله يهديك. وبيع الخمور يسبب له المشاكل مع بعض المتسكعين، ففي بعض الأحيان يأتيه رجل مقطوع الرجلين، مرابط أمام المحل، ويقف أمام الباب ولا يفتح، حتى أعطيه بعض قنينات الخمر، وينصرف، وإذا لم أستجب لطلبه يهددني: اعطيني وإلا حرمت عليك البيع. ورغم كونه يتمتع بترخيص، فإنه كل مرة يستدعى من قبل المحكمة، يقول: إذا وقعت حادثة أو جريمة وكانت بفعل الخمر، فإن البعض ينزل علينا الباطل بتهمة أننا بعنا له الخمر. وقد ينزل علينا بعض رجال الأمن الباطل إذا لم نعطهم ما يريدون...، ففي سنة 2003 توصلت ب- 10 دعاوى من المحكمة، وآخرها حكم علي بشهرين موقوفة التنفيذ.
العجب العجاب دخل إلى محل بيع الخمور رجل بلباس أنيق ليرجع الخاوي -13 قنينة- وقال صاحب المحل: أنت ترى أن الناس حالتهم ضعيفة، ويرجعون الخاوي عساهم يحصلون على جعة أو جعتين مقابل الخاوي. في تلك الأثناء جاء شاب في الثلاثينيات من عمره ب-سيارة بيكاب مكشوفة ممتلئة بأكياس داخلها أكثر من 1800 قنينة خمر فارغة من الحاجب التي تبعد عن مكناس ب-53 كيلومترا، وقال: هناك 19 فردا أعولهم بهذه الطريقة، فنحن نجمع القنينات الفارغة من الرعاة، والأطفال الصغار.هذا الشاب ترك وراءه أبا له مريضا بالرأس لم يجد ثمن السكانير الذي طلبه منه الطبيب. إلا أن حاله وهو داخل إلى المدينة بالقنينات الفارغة يثير فيه الاشمئزاز من نفسه، يقول وهو متكئ على البيكاب: يا له من تشويه أن أحضر القنينات الفارغة من الخمر إلى المدينة. هذا النموذج يوضح بجلاء غزو الخمور للبوادي المغربية، وانتشار الكرابة فيها، والبيع السري للخمر. يقول صاحب محل لبيع الخمر: الخمر زبناؤه مغاربة، في اليوم أبيع أربع أو خمس قنينات للنصارى، في حين أن أغلب المخمرين وأغلب زبنائنا مغاربة... أما النوع الذي يباع بكثرة هو الويسكي، وتصل القنينة المرتفعة الثمن ب-ألفي درهم للقنينة الواحدة، وإذا ذهبت إلى مقهى في الليل، فإنك ستجد العجب العجاب. هذا العجب العجاب لم نره بالليل، فقد رأيناه رأي العين قبل أن يحل الظلام، ففي إحدى الحانات كانتبارميطة (وهو لقب النادلة في الحانة) وراء الكونطوار منهمكة في تلبية رغبات زبنائها، ولم تجد متسعا من الوقت للحديث معنا، فهناك من يشتري الخمر بالقنينة، وهناك من يلبي رغبته وإدمانه بالكأس الواحدة. في الداخل، خرجت فتاة يافعة تتقيأ من فرط شرب الخمر. وبالقرب منها شاب يشتغل في الحانة يقول مبتسما: المغرب هو هذا، وأنت عارف...الظروف هي التي أتت بي إلى هذا العالم، وأنا لست راضيا عن عملي وقال موجها لنا نفس السؤال: وهل أنت راض عن وجودك بهذا المكان؟ غير بعيد عن هذه الحانة تتواجد حانة أخرى يكاد الواحد لا يستبين الباب المؤدي إليها. كان نادل، وبارميطة يتجاذبان أطراف الحديث بينهما، وجلست في ركن آخر فتاة رفقة زميل لها يحتسيان كؤوس الخمر يقول: أنا لست راضيا على عملي، ولم أجد البديل، منذ 12سنة وأنا أشتغل، وعائلتي لا تريد أن أستمر في هذا العمل، والشيء الذي لا يقبلونه مني هو الإدمان على شرب الخمر، وبهذا السبب أنا دائم العراك مع أبنائي وزوجتي، فكما تعلم فأنا أعمل في هذا الميدان، ولا أستطيع أن أبقى دون شرب...أما المشاكل التي تعترضنا من قبل الزبناء، هو أنهم عندما يكثرون من شرب الخمر، لا يعرفون الكمية التي استهلكوها، ويقع الشنآن بهذا الخصوص. أما النادلة (البارميطة) في نفس الحانة، في عقدها الثاني،هي البنت الكبرى في البيت، وهي العائل الوحيد لعائلتها. تقول: أنا لست راضية عن عملي، ألاقي صعوبات في العمل، لا يمر يوم دون أن أتعرض فيه للتحرشات الجنسية. وعندما أردنا الغوص معها في ما تلاقيه داخل الحانة، قالت، على ما يبدو فإنك غريب على هذا الميدان، وقالت: عليك بالجلوس في البار لترى ما تريد معرفته. عبد الغني بوضرة-التجديد
محطات تاريخية - دخل الخمر إلى المغرب منذ العهد الروماني، وقد أسس الفينيقيون والقرطاجيون عدة موانئ، ومرافئ في المغرب لهذا الغرض، وحمل الرومان ثقافة اجتماعية وسوسيو اقتصادية جديدة للمغرب. في ذلك الوقت، شهدت الجهة الجنوبية للمغرب ازدهارا فلاحيا، فضلا عن جنوبمكناس، واحتلت صناعة الخمور الصدارة في ذلك العهد، مثل باقي الأقاليم التي أسسها الرومان. - وعندما جاء الفتح الإسلامي، حولت زراعة الكروم إلى عنب الطاولة، وتم الاستغناء عن صناعة الخمر، إلا ما كان سريا. - وفي سنة 1960 كان المغرب يصنع قرابة 3 ملايين هكتوليتر من الخمر، وكان جله يصدر إلى فرنسا. - لم يكن يشهد المغرب قبل فترة الحماية مساحات واسعة في مجال زراعة العنب والمنتوجات المرتبطة بصناعة الخمر، بل كانت الفلاحة المغربية تلبي حاجات المجتمع المغربي اليومية، وبعد دخول الاستعمار توسعت المساحات المزروعة بالمواد المستعملة في صناعة الخمر. - وعرف الإنتاج والاتجار في الخمر أهمية خاصة بالنسبة للمستعمر لأنه من جهة سيلبي حاجة فرنسا من هذا المنتوج، ومن جهة أخرى سيكون عاملا أساسيا في إفساد الشعب المغربي المسلم، وعزله عن مجال الإنتاج النافع. - هذا الوضع الجديد جعل المشرع المستعمر يقر قوانين منظمة لهذا المجال، فمنذ سنة ,1913 سيعرف المغرب سيلا من القوانين الضابطة لتجارة الخمر، وتبعاتها المالية والاقتصادية والمالية والتدبيرية، وتميزت هذه القوانين بكثافتها وبتسلسلها سنويا، وبتعقيد بعضها ووضوح بعضها الآخر. - وعمدت سلطة الحماية إلى فسح المجال واسعا أمام زرع الفواكه المنتجة للخمور، وسهلت الوسائل المادية والإدارية لهذا الغرض. وبفعل التغيرات السوسيواقتصادية التي عرفتها أوربا ستمكن فرنسا من توسيع الإنتاج والتصدير للخمر، لأنه سيلبي الزيادة في الطلب، وسيدر عليها أرباحا طائلة، وسيفتح أمامها أسواقا جديدة. - أنشأت سلطات الاستعمار الفرنسي مكتبا خاصا للخمر والكحول ليقوم بتنظيم القطاع، وتسهيل الاستثمار فيه، وذلك في يوليوز,1938 ولم يعد القطاع يسير وفق النمط القديم، بل اقتضى الأمر عصرنته ليستجيب للوضع الجديد مما أدى إلى بناء مخازن كبرى، خاصة في مدينة مكناس آيت سوالة وهو أكبر مخزون في العالم آنذاك الموجود بطريق أكوراي.