بلغ التميز بين المشاريع المجتمعية التي تتفاعل في الساحة المغربية أوجه في ذلك اليوم التاريخي المشهود (12 مارس 2000)، فقد تمايز فيه الصفان بكل وضوح وجلاء، فريق في الرباط وفريق في البيضاء.كان الفاصل بين المشروعين المجتمعيين وما يزال هو (الدين)، وحتى لا يتهمنا أحد بأننا نخرجه من الملة أو نحتكر الحديث باسم الدين، فإننا نقول بكل هدوء وموضوعية وبساطة: هناك مشروع مجتمعي يرمي المبشرون به إلى إبعاد الدين من الحياة العامة، وحصره في المساجد ليأخذ شكل علاقة شخصية بين الإنسان وربه وكفى. أما الثلة الأخرى فهي ترمي جاهدة إلى التمكين للدين في شتى مجالات الحياة، لأنها تعتقد أن إقامة الدين تخدم مصلحة البلاد والعباد معا، وهي السبيل السوي الموصل إلى السعادة في الدنيا والآخرة. وفي الوقت الذي يبشر أحد الفريقين بالحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويرفعها شعارات براقة ليستميل بها الرأي العام، يوجه سهامه المسمومة لحصر خصمه وينعته ب"الإرهاب" وجفاف الفكر والتطرف والعدمية ويحاول جاهدا القيام بعملية "تشويه" ممنهجة لصورته، لعله يحظى بإيقاف عجلة "أعداء الفن" المتسارعة ويطفئ نجم "الظلاميين" المتصاعد. وفي المقابل فإن "الإسلاميين" يبشرون بمشروعهم "الأصيل" و"يفضحون" خصومهم بالكشف عما وراء الشعارات البراقة، مقدمين إجابات عملية واضحة تؤكد "زعمهم" ودعاواهم. فأعداد الأصوات التي حصلوا عليها تؤكد "قبول" بضاعتهم وديموقراطيتهم الداخلية التي أفحمت الخصوم... مما يزيد من غيظهم... إنها بخلاصة "حرب التصورات" تتخذ من الرأي العام ساحة لها، والرابح من كسب الرهان ومالت نحوه اتجاهات الرأي. ولا خلاف حول أن معالجة المشكل من جذوره تكمن في تصحيح "التصور" حتى يستقيم "التصرف"، وذلك بآلية فتح جسور الحوار والشروع في النقاش بين الراشدين من الطائفتين، وذلك لأن تجسيد المشروع المجتمعي في الدول الحديثة تلتف حوله كل القوى والفعاليات والأفراد المخلصين والمؤمنين بضرورة التقدم والنهوض بالبلاد. إن خطورة "التصورات" تكمن في تحكمها في السلوكات والتصرفات، وهكذا ففي الوقت الذي "يرى" فيه أغلبية "الأسوياء" أن عرض لقطات خليعة تصور ممارسة الفاحشة بين "رجلين" جريمة في حق مجتمع مسلم، فإن البعض الآخر "يرى" بأن "استنكار" ذلك يعد مصادرة للحرية وعداء للفن و"جريمة" في حق الإبداع و"إرهاب" فكري كما أن محاربة مسابقات ملكات الجمال هي "كره" صريح للوداعة والجمال!! إن "التصور" قد ينقلب وينتكس حتى يرى "المفسد" نفسه "مصلحا". ونقدم دليلين فقط على أن "عدسة" الإنسان السوي هي غير عدسة المضطرب. أحدهما من الوحي الحكيم والآخر من الواقع المعيش، صورتان اثنتان نختتم بهما عبور هذا السبيل: الأولى هي لزوجة لوط عليه السلام، التي لما رأت أضياف زوجها (وهم من الملائكة) خرجت حتى مجلس قومها فقالت لهم: "إن لوطا قد استضاف الليلة فتية ما رأيت مثلهم جمالا" فحينئذ جاؤوا يهرعون من فرحهم إلى بيته، ولما خاطب فطرتهم وقال يا قومي هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي" أجابوه بلا حياء "لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد"!!! أما الصورة الثانية فهي من واقعنا، وهي ليست أكثر وضوحا من الصورة التي قبلها ذلك لأنها مركبة من جزأين أو ثلاثة! الجزأ الأول هو "اعتراف" من المتضرر رقم 1 من هجوم "المتطرفين" المخرج نبيل عيوش حيث قال صراحة لجريدة "الصباح" إنه كان يعرف أن بعض اللقطات "قد تصدم البعض" ولكنه أصر على التشبث بها رغم تحقق الصدمة بل إن الصدمة أصبحت هدفا في حد ذاتها!! الجزء الثاني من الصورة الواقعية هي ل"نور" وهو "ذكر" أثار انتباه بعض السينمائيين الأجانب لأنه يسبح بين الجنسين، وهو يلعب في فيلم "لحظة ظلام" دور ياسمين، كما أنه "راقصة" متخصصة، في الرقص الشرقي اسمها الحقيقي: نور الدين! المفارقة العجيبة تكمن في أن "هذا" الراقصة صرح ل"دومان" الفرنسية أنه يؤمن بالله ويخشاه ويتمنى أن يموت على الخشبة، ويزيد من حجم "الدراما" أنه لا يستطيع مرافقة أمه لرؤية ذلك الفيلم لما يتضمن من لقطات...! الفريق الأول دافع عن الفيلم وحرية التعبير والإبداع وتباكى على الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. أما الفريق الثاني فإنه يعلم أن الرسول الكريم قد لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرحال ويدرك توعد المجاهرين والمشيعين للفاحشة كما يقرأ عاقبة قوم لوط: فلما جاء أمر الله جعل عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد، والجزاء من جنس العمل، فلما انقلب التصور السوي انقلبت عليهم الأرض لأنهم بكل بساطة لم يسمعوا قول رسولهم وهو ينادي: "أليس منكم رجل رشيد". إسماعيل العلوي