وأنت في الطريق إلى جماعة سيدي الذهبي بضواحي مدينة ابن أحمد، تلفحك أشعة الشمس الحارقة، بداوة ظاهرة للعيان تبدو من طريقة حديث وملامح نسائها ورجالها، أطفال ورضع لا تتردد أمهاتهم في حملهم خارجا رغم اشتداد القيظ. قرية صغيرة خرج سكانها ذات يوم وهم يحملون الفؤوس والمعاول وقنينات فارغة، ليس للعمل في الحقول أو الضيعات، بل من أجل إعلان «الحرب» على الماء الشروب، الذي أصبحوا محرومين منه بسبب انقطاعه لأيام متتالية، كانت هذه وسيلة للاحتجاج ذات يوم، بعدما ضاقت بهم السبل بفعل ندرة مادة حيوية، هددوا المسؤولين بإحداث أعطاب في قنوات التزويد التي تمر من المنطقة من أجل الحصول على الماء. حملوا أمتعتهم وهددوا بالتوجه نحو ولاية جهة الشاوية ورديغة مشيا على الأقدام، من أجل التنديد بموجة العطش التي تجتاحهم مع قدوم أول يوم في فصل الصيف منذ ما يزيد عن خمس سنوات، مواطنون سئموا مسلسل يتكرر مع كل سنة وهو البحث عن نقطة «ماء» يضطرون لشرائه رغم ربط منازلهم بالماء الصالح للشرب. ملاح دون مياه على جانب الطريق جلس الخدير، رجل تجاوز الستين من عمره، يتجاذب أطراف الحديث مع عدد من جيرانه بعد أن افترشوا الأرض واتخذ بعضهم من «الياجور» مقاعد لهم، تقاطعه طفلة ببراءة مخبرة إياه بأن والدتها تريده أن يجلب لها «مسحوق الغسيل» من الدكان، يتأفف ويبدي استياءه من طلبات النساء التي لا تنتهي، على حد قوله. قاطعناه لنسأله عن مشكلة الماء ب«الملاح»، وهو الاسم المشهور الذي يطلق على المنطقة، لكون عدد من اليهود المغاربة كانوا يقطنون بها، قبل هجرتهم نحو «إسرائيل»، ليأتي الجواب سريعا «لقد نفد صبرنا لأن الماء الصالح للشرب انقطع عنا في الشهر السابق لمدة تزيد عن عشرة أيام متتالية، فلم نعد نv طيق الوضع، تظاهرنا أمام الجماعة، التقينا المكلف بتدبير قطاع الماء، فقدم لنا مبررات مفادها أن هناك مشاكل في قنوات المياه، لكن لما تحدثنا إلى مسؤول عن الماء بخريبكة أخبرنا أن هذا مبرر غير معقول وغير صحيح، لأن مثل هذه الأعطاب يتم إصلاحها». بنبرة حادة يحكي هذا الرجل قصته مع المسؤول عن قطاع الماء، قائلا «شكونا مرارا وتكرارا ونظمنا اعتصاما أمام الجماعة من أجل وضع حد لمعاناتنا، لأننا نشعر بالإقصاء بسبب انقطاع الماء عنا في الوقت الذي لا ينقطع عن أماكن أخرى، ولما اقترحنا على المسؤول عن تدبير قطاع الماء بالجماعة أن يتم تزويدنا بماء ابن أحمد ليوم واحد، كان جوابه لا يمكن ذلك لأن بالمدينة أطر». جواب المكلف بالماء، على حد قول الخدير، كانت بمثابة استفزاز وتحقير لهم، ما دفعهم إلى التصعيد من حدة الاحتجاج عبر حمل الفؤوس من أجل التهديد بتكسير قنوات المياه التي تمر من المنطقة من أجل الاستفادة منه، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل مشاق الحصول على قطرات من صنابير بيوتهم التي جفت عن آخرها. يقاطعه شاب في العشرينات من عمره قائلا: «رغم أن المشكل تم حله نسبيا غير أن منازلنا ما زالت تعرف انقطاعا متكررا رغم الوعود المقدمة لنا بعدما قمنا بفك اعتصام من أمام مقر الجماعة كان ينظمه السكان، جلهم من النساء»، ليحكي كيف أن مختلف ممثلي السلطات العمومية المحلية من قائد ورئيس لدائرة ابن أحمد والمدير المحلي للمكتب المحلي للماء، دخلوا معهم في حوار من أجل ثنيهم عن التوجه إلى مقر الولاية بمدينة سطات بعدما قدموا لهم وعودا بالعمل على تسوية الأمر. النساء أكثر تضررا مجازر ومحلات مخصصة للشواء جل روادها من عابري الطريق الوطنية التي تخترق الجماعة، أصحابها متضررون بدورهم من انقطاع الماء، شأنهم في ذلك شأن مصنع للحوم الديك الرومي ودار الطالب ومؤسسات تعليمية، لكن المتضرر الأكبر من هذا المشكل هم النساء لأن فمسؤولية جلب المياه تقع عليهن، الرجل يتوجه إلى العمل ويترك المرأة تتدبر مشاكلها المنزلية لوحدها، وهو ما جعلهن الأكثر عددا خلال الاعتصام الذي نظموه أمام الجماعة. فاطمة العراقي، سيدة تجاوزت الستين من عمرها، تحمل يوميا قارورات وبراميل مختلفة الأحجام من أجل جلب الماء من أحد الآبار التقليدية تجنبا لأي انقطاع مفاجئ، تحكي هذه السيدة عن ما تكابده من عناء قائلة «لقد أصبحنا وكأننا نعيش في جزيرة معزولة، فالماء هو كل شيء في حياتنا، وأسوأ شهر عشناه بسبب هذه المعضلة هو شهر رمضان»، تقاطعها جارتها التي تصف الوضع بالصعب والشاق والذي يحتاج إلى حل جذري وليس مؤقتا لأنه لا يعقل، في رأيها، أن يضاف إلى الوضعية الهشة للسكان ومعاناتهم مع الفقر شراء «الماء» من صاحب «سقاية عمومية» فوتها المجلس الجماعي لأحد المواطنين، يقاطعها جار لها خياط قائلا: «إن ثمن الماء هو 10 دراهم لحوالي 100 لتر، وهناك بسطاء لا يقدرون على دفع هذا المبلغ الذي يبدو للبعض غير مرتفع». عندما سألنا رشيدة، ربة بيت، عن المتاعب التي يخلفها انقطاع الماء، ردت مستغربة «الجميع يعرف قيمة الماء بالنسبة للإنسان، فغيابه وعدم شربه يعني الموت، لأنه قد نستغني عن الأكل لبضعة أيام لكن لا يمكن فعل ذلك بالنسبة للماء الذي نحتاجه في نظافة الأجساد والأماكن والأواني والثياب، بل حتى الحيوانات يستحيل استمرار حياتها من دونه». شراء «الماء» عدد من السكان يلجؤون إلى اقتناء الماء من «السقاية العمومية»، الذي يختلف ثمنه، فحسب حسن فتحي، فإن 100 لتر تكلف حوالي 20 درهما، وهو ثمن مكلف، وفق رأيه، غير أن هناك محسنين يقدمون الماء مجانا لأن لديهم آبارا خاصة بهم ومنهم صاحب حمام، يفتح بابه للمحتاجين للماء دون مقابل، في حين يلجأ محسنون آخرون إلى تأمين الماء لبعض المعوزين عبر اقتنائه لهم. في ما مضى كانت عدد من الآبار تلبي حاجيات السكان قبل أن يتم ربط منازلهم بالماء الصالح للشرب، لتتحول إلى آبار شبه مهجورة وإن كانت مياهها لم تعد صالحة للشرب بفعل تغير طعمها بعد أن أصبحت مصبا للواد الحار، على حد قول نعيم حجاج، فاعل جمعوي، الذي قال في تصريح ل»المساء»: «لدينا آبار تعتبر تراثا بالنسبة لنا، كانت تمتاز بمياه عذبة، غير أن مجلس الجماعة القروية قضى عليها ولوث مياهها بفعل سياسته الخاطئة. عند وصولنا إلى المنطقة، لم نستطيع الولوج إلى جماعتها القروية التي أ وصدت أبوابها بسبب احتجاجات عدد من السكان على بعض المشاريع التي تهم ضيعات تربية الدواجن، والتي اعتبرها هؤلاء مضرة بهم وببيئتهم، ويدعون أصحابها إلى الرحيل. احتجاج السكان أصبح شيئا مألوفا لدى السلطات المحلية، ولو أن أحد ممثليها، نبه إلى ضرورة ألا يصطحبوا العربات والبهائم إلى مكان التظاهر، لأن ذلك ليس لائقا، وفق تعبيره، خاصة أن شعارات الوقفة اختلطت بنعيق حمار اصطحبه أحد المحتجين. الفعال الجمعوي يشبه واقع الناس ب»الملاح» وطريقة حصولهم على المياه ب»عام البون»، لأن المادة الأساسية في الحياة لم تعد متاحة لأنها تعطى تارة وتمنع تارة أخرى، غير أن الأصعب بالنسبة لحسناء، ربة بيت، هو أنه لا يتم إخبارهم بتوقيت الانقطاع، لذلك يعيشون دائما على إيقاع كابوس انقطاع الماء، تقول هذه المرأة: «إن الماء عنصر أساسي في الحياة وبدونه لا يمكن للإنسان أن يعيش، فعند كل انقطاع للماء ندخل في دوامة لا تنتهي، كما أن عدم إبلاغنا من قبل المسؤولين وعدم التواصل معنا يجعلنا نجهل أوقات الانقطاع». هذه المرأة ظنت أن مشاق وعناء جلب المياه من الآبار انتهت بربط قريتها بالماء الصالح للشرب، وأن ركوبها الحمار والسفر مسافة طويلة من أجل أن تروي ظمأ أسرتها، مشهد ذهب إلى غير رجعة، غير أن هذه الظنون والأحلام تبخرت بعدما عادت من جديد إلى سابق نمط عيشها بين الفينة والأخرى حاملة البراميل لجلب المياه الشروب، بعدما عجز المسؤولون عن وضع حد لهذا الانقطاع الذي عمر طويلا بقريتها الهادئة. استهلاك عشوائي أزمة انقطاع الماء ليست معضلة تهم جماعة الذهبي لوحدها، بل تشهدها عدد من المدن والقرى، غير أن الاختلاف يكمن في أن مدة الانقطاع لا تكون طويلة، ففي بعض المدن يحدث المشكل لبضع ساعات وفي مناطق أخرى ينقطع الماء يوما ويزود الناس به في اليوم الموالي، لكن في أماكن مثل سيدي الذهبي، يكون الانقطاع لمدة تزيد عن أسبوع. وشهدت عدد من المناطق والمدن مثل مكناس وأكادير وغيرها، احتجاجات بسبب انقطاع الماء، الذي يسبب مشاكل كثيرة للمواطنين، غير أن أغلبية الانقطاعات تكون ذات طابع تقني، من قبيل انهيار بعض قنوات التزويد، أو توحل ماء السدود، وهو ما يؤدي إلى تراجع منسوب المياه، غير أن هذا لا ينطبق على «الملاح»، الذي يرى سكانه أنه ليس من المقبول أن يحرموا من هذه المادة الحيوية، في الوقت الذي يتم تأمينها لمحيطهم مثل الجماعة القروية لثلاثاء الأولاد وغيرها من الجماعات المحيطة بهم، وهو ما يعتبرونه «حكرة وتهميشا وإقصاء لهم»، فضلا عن عدم التواصل من قبل الجهات المعنية، في زمن أصبح التواصل أمرا يسيرا حتى يستعدوا للأيام العصيبة، على حد تعبير أحدهم. عصام الحسناوي، المسؤول عن قطاع الماء بوكالة سيدي الذهبي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أكد ل«المساء» أنه بفعل العامل الجغرافي ومستويات الطوابق التي يقطنها السكان، فإن الماء خلال فصل الصيف لا يصل إلى الذين يوجدون في منطقة أعلى، بسبب كثرة الطلب على الماء خلال هذه المرحلة من السنة، إلى جانب كثرة استهلاك الماء بفعل درجة الحرارة، وهذا ما يؤدي إلى هذه المشاكل. المسؤول عن قطاع الماء بجماعة سيدي الذهبي، أوضح أن المشكل لم يعد قائما، وأن المتضررين لا يتجاوز عددهم حوالي 14 منزلا، وهو ما نفاه السكان، الذين أكدوا أن الجميع متضرر لكن بنسب متفاوتة. وانتقد الحسناوي الاستهلاك غير المعقلن والعشوائي للماء من لدن السكان، وهو ما يجعل الاستعمال يفوق الطاقة الاستيعابية، وبالتالي فالمشكل في رأيه طبيعي بفعل المناخ والاستعمال المفرط للماء الصالح للشرب. مبررات المسؤول عن قطاع الماء بسيدي الذهبي لم يقتنع بها عدد من سكان «الملاح»، الذين يطالبون بأن يتم وضع حد لمشكل طال أمده، ورغم أنه تم حل المشكل حاليا، فإن ذلك لا يعني أنهم سيركنون، بل إنهم في استراحة مؤقتة من الاحتجاج حاملين شعار «إن عادوا عدنا».
عين بلال.. في انتظار تزويد السكان بالماء الصالح للشرب بعد جفاف الآبار «العطش» بإقليم سطات لا يطال الذين ينقطع عنهم الماء الصالح للشرب، بل يتعدى ذلك إلى عدد من الجماعات، ومنها جماعة عين بلال التابعة لدائرة البروج، سكانها لا زالوا يئنون تحت وطأة ندرة المياه بعد جفاف الآبار التي يعتمدون عليها في التزود بالمياه. في هذا السياق، يحكي إبراهيم الحافظون، فاعل جمعوي، ل«المساء»، قصة العطش قائلا: «يعود هذا المشكل إلى منتصف شهر يوليوز 2001، فحين شعر سكان دوار المغارات الذي يمثل مركز جماعة عين بلال، بخطر الخصاص الحاد في المياه بسبب جفاف المنابع والآبار التي كانوا يعتمدون عليها في التزود بالمياه لسد حاجاتهم منها، راسلوا والي جهة الشاوية من أجل مواصلة أشغال حفر بئر كان السكان قد وضعوا طلبا بشأنه في جماعتهم القروية، مطالبين بالتزام المقاول الذي أسندت إليه صفقة حفر البئر ببنود الاتفاق بينه وبين السكان والجماعة من حيث مكان الحفر وتمرير قنوات المياه ومكان وضع صهريج التخزين». منذ ذلك الحين، اعتمد السكان على هذا البئر وبعض الآبار الأخرى التي جاد بها المحسنون بالمنطقة إلى أن ضعفت الفرشة المائية وتضاعف عدد الآبار بالمنطقة، يقول الحافظون، فهدد السكان السنة الماضية بمسيرة العطش تجاه ولاية جهة الشاوية ورديغة للمطالبة بتوفير الماء الصالح للشرب، وكذا الخاص بسقي البهائم، واستفادتهم من محطة تصفية مياه بحيرة سد المسيرة، الذي يقع على تراب جماعة عين بلال نفسها. مراسلات عديدة وضعت على مكاتب المسؤولين تطالب بتزويد سكان عين بلال بالماء الصالح للشرب من مركز المعالجة بسد المسيرة الموجود بتراب جماعة عين بلال، والذي تستفيد منه منطقة الرحامنة، في حين حرم سكان دواوير جماعة عين بلال من ربط منازلهم بالماء، فكان الجواب من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب سنة 2014، يخبر الجمعية المعنية بالمراسلة بأن المكتب قد قام بإنجاز دراسة لتزويد هذه الدواوير بالماء، وأنها ستعمل على تنفيذ ذلك، لكن لاشيء تحقق، وفق المصدر ذاته، وبعدما حلت لجنة إقليمية مختلطة في السنة ذاتها عاينت حالة الجفاف الذي خيم على المنطقة وخاصة الآبار، لتخلص إلى أن الحل الوحيد لمشكل الماء بجماعة عين بلال هو تزويد جميع دواوير الجماعة بالماء الصالح للشرب من محطة المعالجة بسد المسيرة، إلا أن ذلك لم يتم تنفيذه. عاش السكان موجة العطش هذه السنة، فلم يكن من حل سوى اللجوء إلى صهاريج متنقلة لتوزيع الماء على السكان ببعض الدواوير ، وفق ما أكده السكان، ما دفع بجمعيات المجتمع المدني بمنطقة عين بلال بني مسكين الغربية إلى دعوة الجهات المعنية إلى تسريع تنفيذ خلاصات لجنة المعاينة وتزويد سكان المنطقة بالماء الصالح للشرب تفاديا لتفاقم الوضع في ظل ارتفاع درجة الحرارة.