عندما يتحادث مغربيان عن الحرية والديمقراطية، فإن أحدهما يقول للآخر: إيوا إلا بْغيتي تْعيش فالحرية والديمقراطية سيرْ للنرويج. والمغاربة عموما يتحدثون عن النرويج، وعن باقي البلدان الإسكندنافية، وكأنهم يتحدثون عن الجنة.. جنة في كل شيء: في الرفاهية والكرامة والحريات. لكن الحقيقة أن جنة النرويج هي لأهلها فقط، وما تبقى من فتات، أو من جحيم، هو للمهاجرين وغيرهم. وعندما سمع المغاربة أن سفير النرويج استعمل أساليب المافيا من أجل خطف طفلي العداء المغربي السابق خالد السكاح وتهريبهما، تماما كما يتم تهريب الحشيش، فإنهم استغربوا ذلك وكأن النرويج بلد معصوم ويسكنه الملائكة، بينما الحقيقة مختلفة كليا، وهي حقيقة يعيشها المهاجرون في النرويج ويحسون بها أكثر مما يحس بها غيرهم من البعيدين عن ذلك البلد الغريب.. والمخيف أيضا. والغريب أن السفراء الأوربيين في هذا البلد أصبحوا خلال المدة الأخيرة يتصرفون مثلما كان أسلافهم يتصرفون قبل فرض شروط الخوزيرات على المغرب قبيل حماية 1912. فقبل شهور، ظهر سفير إسبانيا مع شاذ جنسي مُنح الحماية الإسبانية. واليوم، ها هو سفير النرويج يشترك في خطف طفلين. وإذا لم يتصرف المغرب بكثير من الحزم، فإن بلادنا ستتحول إلى حديقة للألعاب لسفراء البلدان الأجنبية. ويحكي مهاجرون في النرويج حكايات تتراوح ما بين الضحك المر والرعب الأسود. الحكاية الأولى مضحكة ربما، لكن في قلبها توجد سادية نرويجية مخيفة؛ حيث يحكي مغربي يعيش في النرويج أن جارا له من باكستان اشتاق إلى أكل اللحم، لحم البط على الخصوص، لكنه عوض أن يتوجه نحو السوق لشرائه، قرر أن يفعل شيئا مختلفا تماما، وهو أن يختطف بطة من البط الكثير الذي يعيش في بحيرات العاصمة أوسلو. كانت تلك عملية سهلة ولم تتم بأساليب مافيوزية كما فعل السفير النرويجي مع طفلي السكاح. اقترب الباكستاني من بطة سمينة وغافلها شيئا فشيا ثم أمسك بها وأخفاها في كيس بلاستيكي وتوجه بها نحو منزله. لكن لسوء حظه أن عجوزا نرويجية كانت تراقبه من شرفة منزلها، لذلك جاءت الشرطة سريعا وداهمت منزله ووجدته في المراحل الأخيرة لترييش البطة. ماذا كانت عقوبة ذلك المهاجر الباكستاني الزغبي؟ لم تكن العقوبة لا السجن ولا الغرامة.. لقد تم اعتقاله لمدة أسبوع وتم إطعامه لحم البط في الفطور والغداء والعشاء حتى يكره البط وكل ما يأتي منه، وبعد ذلك تم ترحيله نهائيا إلى بلده.. عقوبة متميزة، فعلا، ومتفتقة عن عقلية سادية ساخرة. الحكاية الثانية صادرة عن عقلية سادية قاتلة وفيها مذاق الموت.. يحكي مهاجر مغربي كان في النرويج، في رسائل وجهها إلى كل المسؤولين النرويجيين، أنه اعتقل بعد أن لفقت له تهمة حيازة بضعة غرامات من المخدرات. وفي الوقت الذي كان يتوقع أن تتم فيه تبرئته ويطلق فيه سراحه خلال ساعات، فإنه أمضى أزيد من 6 أشهر في ظروف فظيعة لا تخطر على بال، ووضع في زنزانة تتوفر على شباك خاص كان يتسرب منه هواء بارد جدا كاد يقتله عدة مرات، وكان يقاوم الموت عبر القيام بحركات رياضية مستمرة لكي لا يتجمد، غير أن عرقه كان يتحول في دقائق إلى قشرة رقيقة من الجليد. ويقول هذا المهاجر السابق في النرويج إنه نجا من الموت بفضل الخبز الذي كان يبلله ويضعه على فتحات الشباك حتى يمنع الهواء القاتل من التسرب إلى داخل زنزانته بكميات كبيرة، لأنه لم يكن هواء طبيعيا، بل متعمدا. ويحكي هذا المهاجر السابق، في كتاب ينوي إصداره، بعد أن نجا من الموت وتم ترحيله إلى المغرب، عشرات الحكايات المهولة والفظيعة التي وقعت له ولسجناء آخرين، وهي حكايات لا يصدق أحد أنها تجري في النرويج، بلد الحريات وحقوق الإنسان.