كل من اتصل به هاتفيا ليسأل عن أحواله يجيبه بنوع من المزاح بأن «عقله في النرويج والجثة هي التي توجد بالمغرب»، في إشارة إلى حجم معاناته والتفكير يوميا في طفليه اللذين رحلا عنه منذ 19 من الشهر الماضي. إنه حالة البطل الأولمبي السابق خالد السكاح الذي يعيش اليوم على حلم وحيد، هو استعادة سلمى (16 سنة) وطارق (13 سنة) ابنيه اللذين هربتهما طليقته إلى النرويج أجبر خالد السكاح، العداء المغربي الأولمبي السابق، على مغادرة شقته بحي أكدال بالرباط، حيث يقضي يومه في التجول عبر شوارع العاصمة رفقة بعض أصدقائه، من مقهى إلى آخر، ونصيبه من النوم لا يتعدى ثلاث ساعات يوميا. مغادرته شقته كانت بسبب عجزه عن تحمل فراق طفليه: سلمى (16 سنة) وطارق (13 سنة)، فكل ركن في المنزل يذكره باللحظات السعيدة التي أمضاها رفقتهما. همه اليومي هو متابعة ما تكتبه الصحافة الوطنية والدولية حول قصة اختطاف طفليه من طليقته النرويجية بعد مغادرتهما المغرب عبر ميناء بشمال البلاد. زواج عن حب في سنة 1991 كان للسكاح موعد مع «النصيب» في حفلة حضرها رفقة أصدقاء له، حيث تعرف على سيسليا هوبستوك، التي شعر بانجذاب نحوها، وكانت وقتها طالبة تتابع دراستها بالهندسة. في أقل من سنة قرر السكاح الزواج بسيسليا، التي قال إنها تزوجها عن حب، وعاشا أياما سعيدة لم تظهر خلالها أي مشاكل كبيرة، باستثناء الخلافات البسيطة التي تعرفها كل البيوت. في سنة 1995 تقدم بطلب الحصول على الجنسية النرويجية، حتى يتمكن من التنقل إلى النرويج عند استقراره بالمغرب، خاصة أنه كان ينوي الاستقرار به نهائيا، وحصوله على الجنسية يعفيه من طلب التأشيرة في كل مرة يرغب في مرافقة أسرته الصغيرة إلى النرويج. يقول السكاح: «كان بإمكاني الحصول على أي جنسية من أي بلد أوروبي، لكنني لم أفعل وتقدمت بطلب الحصول على الجنسية النرويجية لأجل أطفالي لا غير». قبل سنة 2006 كان السكاح يعيش رفقة زوجته في أمان واطمئنان، لا شيء يعكر صفو حياته سوى بعض الخلافات الزوجية البسيطة التي تعرفها كل البيوت، غير أن انقلابا حصل في علاقتهما بعدما أصبحت متطلبات الزوجة المادية مرتفعة، وأخذت تحرض طفلتها على عدم الصيام بعد بلوغها وإبعادها عن الديانة الإسلامية لصالح الديانة المسيحية، يقول السكاح، كما لم تتوان عن نهيه عن الصيام. ويضيف السكاح: «لم يسبق لزوجتي أن تصرفت بهذا الشكل قبل سنة 2006، فكانت حياتنا عادية ولا تتدخل في شعائري الدينية ولا اعتقادات طفلي المسلمين، بل بدأت الصراعات بعد استقرارها بالمغرب، كما أخذت تطالبني بالمزيد من المال دون توقف». نقطة وحيدة سوداء، يراها السكاح كانت قبل سنة 2006، وتتعلق بالمال، تعود قصتها إلى سنة 1999، حيث تم التحايل عليه، حسب قوله، لشراء نصيب شقيق زوجته من الإرث في الشقة، إذ اكتشف أنه لم يدون باسمه، بل باسم زوجته، مما دفع الزوجة إلى كتابة اعتراف بالدين، غير أنها مزقت الأوراق. في صيف سنة 2006، وافقت سيسليا، التي كانت تعمل ببلدها مهندسة بالداخلية، على مرافقة زوجها إلى المغرب قصد الاستقرار به بصفة نهائية بعدما حصل التراضي بينهما، فكانت كل من سفارة المغرب بالنرويج والسفارة النرويجية بالمغرب على علم بقرارهما. لم تتحمل الزوجة العيش بالمغرب ولم تتأقلم مع عاداته وتقاليده، فقررت الرحيل إلى بلدها الأصلي ورفعت دعوى قضائية أمام القضاء النرويجي سنة 2007، فقضى بحق الحضانة لها. لا يعتقد السكاح أن ما حدث له من تداعيات الزواج المختلط، بل في رأيه يعود ذلك إلى طبيعة النشأة الاجتماعية للزوجة التي يهمها «المال ولا شيء غيره». قضايا أمام المحاكم حصلت سيسليا على طلاقها من القضاء النرويجي يوم 14 يناير من سنة 2008، ويوم 30 مارس من السنة نفسها تم الطلاق بالمغرب، فقضت المحكمة بفاس بمبلغ 2000 درهم شهريا منذ مغادرتها بيت الزوجية، بالرغم من أنه رفعت دعوى للنفقة منذ زواجها إلى سنة 2007. هذا الحكم قال السكاح إنه سيستأنفه لأنه يعتبره غير منصف لكون الزوجة هي التي أهملت الأسرة وغادرت بيت الزوجية. وتقدمت الزوجة أيضا، حسب السكاح، بدعوى قضائية بمدينة الخميسات تطالب فيها بحق الطلاق للشقاق، بالرغم من أنه لم يسبق له أن قطن بهذه المدينة ولم يعقد القران بها هذا الملف ما يزال معروضا بالمحكمة. أما موضوع الحضانة فلم تبت فيه محكمة قضاء الأسرة بالرباط، إذ سبق في جلسة سابقة أن تم حسم اختيار البنت البكر التي أقرت برغبتها في العيش رفقة أبيها، أما شقيقها طارق فلم يتمكن من حضور الجلسة بسبب امتحانات نهاية السنة. استطاعت طليقة السكاح بداية شهر مارس الماضي استصدار مذكرة بحث دولية من أجل إلقاء القبض على طليقها، الذي اعتبرته مجرما خطيرا قام باختطاف طفلين. وبالرغم من أن القضاء النرويجي حكم للأم بالحضانة، فالسكاح يعتبر أن القضية بالمغرب لم يتم البت فيها بعد، وأن الحكم الصادر عن محكمة النرويج ليس نهائيا، بل ابتدائيا، ومنح القضاء النرويجي الحضانة للأم اعتبره العداء المغربي عنصريا يبين الصورة الحقيقية لبلد قال إنه يميز بين النرويجيين الأصليين والأجانب والمجنسين في كل النزاعات التي تعرض على القضاء أو على إدارة الأمن النرويجي. المذكرة الدولية جعلت السكاح محروما من السفر خارج المغرب، حيث يخشى اعتقاله والزج به في غياهب السجن، وهو ما فوت عليه فرصة الحضور إلى العديد من الأنشطة التي يستدعى إليها، إلى جانب تفويت ارتباطات مهنية مع شركات للإعلام. محاولات الاختطاف كان السكاح يتابع باهتمام الرسالة الملكية التي كان يتلوها محمد المعتصم، مستشار الملك محمد السادس خلال المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات يوم 24 أكتوبر 2008، إلى أن رن الهاتف فكان المخاطب إدارة المدرسة التي يتابع فيها طفلاه الدراسة، تخبره أن السفير النرويجي جاء رفقة موظفين من السفارة يرغبون في أخذ الطفلين، فعاد مسرعا إلى المدرسة ليتسلم طفليه. المحاولة الثانية، التي كان للسفارة النرويجية فيها دخل، حسب العداء المغربي، كانت يوم 21 يونيو، عندما قدمت والدة الطفلين رفقة كومندو نرويجي مسلح، قام بتكسير بوابتين للشقة بالقوة، وكذا إحداث أضرار جسدية، فتم وضع شكاية عند الضابطة القضائية. لم يكن السكاح يمنع طليقته من زيارة طفليها، فمنذ طلاقهما زارت شقته ست مرات بحضور بعض أصدقاء العائلة من المغاربة والأجانب، وكانت ترافقهما حتى خارج البيت. يقول السكاح: «أقدر حاجة ابني إلى الأم، لذلك لم أمنعها يوما ما من زيارة طفليها رغم أن الملف مازال بيد القضاء». والسفير النرويجي أيضا كان يتردد على منزل السكاح، وسبق أن زاره رفقة رجل أمن بالسفارة، الذي قال إنهما كانا وقتها يخططان للطريقة التي سيتم بها اختطاف الطفلين. اختفاء نهائي بعد أمسية ممتعة أمضاها السكاح رفقة طارق وسلمى، خلد الجميع إلى النوم، وفي الصباح لما استيقظ لم يجد هما، فذهب عند رجال الأمن في حالة هستيرية لكي يبلغ عن اختفائهما، لكن دون نتيجة تذكر، ليعلم بعدها أن طفليه رحلا إلى النرويج بطريقة سرية. يؤكد السكاح أن تنسيقا حصل بين عملاء مغاربة وطاقم من السفارة لإتمام عملية الاختطاف يوم 19 يوليوز الماضي، عبر استعمال جميع التقنيات الحديثة، مما يبين أن النزاع العائلي انتقل إلى صراع بين البطل المغربي وسفارة البلد الذي يحمل جنسيته، حسب قوله. ما يعزز تورط السفارة النرويجية في عملية الاختطاف، التي يعاقب عليها القانون المغربي، حسب قول السكاح، هو أن والدة طفليه لم تكن موجودة في التراب المغربي وقت الاختطاف، بل حسب التحريات، فقد تم نقل الطفلين عبر سيارة رباعية الدفع لونها أسود تحمل رقم 3913 من ميناء ترفيهي شمال المغرب، وهنا تم تسليمهما إلى أمهما بسبتة، التي أرسلت رسالة قصيرة إلى هاتف طليقها تقول له: «ضحكنا عليكم». بعد رحيل الطفلين تم إدخالهما إلى مستشفى الأمراض النفسية من أجل التستر على واقعة الاختطاف، حسب المتحدث نفسه، وادعاء أن هناك سوء معاملة وضرب، حتى تكون ورقة تضغط بها أم الابنين من أجل ربح المعركة وانتزاع الأبناء من والدهما. غادر طارق وسلمى المستشفى ورحلا إلى جهة غير معلومة، حسب قول السكاح، الذي يحمل المسؤولية للسلطات النرويجية إذا لحق أي ضرر بابنيه. أزمة دبلوماسية أدت واقعة اختطاف طفلي السكاح إلى أزمة دبلوماسية بين المغرب والنرويج، ظهرت من خلال إصدار ثلاثة بلاغات من طرف وزارة الشؤون الخارجية، كان أولها بعد استدعاء بيرون أولاف بلوخوس سفير النرويج بالمغرب إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون من أجل الإدلاء بتوضيحات حول اختفاء طفلين مغربيين، بعد إيوائهما بمقر إقامة سفير النرويج في الرباط، تلاه بلاغ آخر يؤكد تنديد حكومة المغرب بتورط سفير المغرب في واقعة الاختطاف التي تمت من خلال ميناء ترفيهي بشمال المغرب. ولم يقف الحد عند هذا الأمر، بل انتهز الطيب الفاسي الفهري، وزير الشؤون الخارجية والتعاون مباحثات أجراها مع نظيره النرويجي، لإبلاغه بأن هناك حججا وأدلة تبين تورط السفارة في مغادرة طفلي السكاح التراب المغربي بطريقة غير قانونية، وبينت الخارجية المغربية أن الوضعية بعيدة عن أن تكون سويت والخلاصة مريرة». المرارة، حسب مقربين من السكاح، هي التي يشعر بها العداء المغربي لأن الاستخبارات المغربية لم تنجح في إحباط عملية تهريب طفله، بالرغم من أنها لم تكن المحاولة الأولى لتدخل السفارة في الموضوع، إذ سبق للسكاح أن وضع شكاية عند الشرطة القضائية قبل الحادثة. طليقة السكاح لها رواية مغايرة عبرت سيسليا هوبستوك طليقة السكاح عن خشيتها من تهديد زوجها بإرسال من يختطف طفليها (طارق 12 عاما وسلمى 16 عاما)، بعد نقلهما إلى النرويج. وحسب بعض وسائل الإعلام، فإن السلطات النرويجية تقول إنها لم ترتكب أي خطأ، بل إن الطفلين احتجزا بالمغرب رغما عنهما، وقال متحدث باسم الحكومة النرويجية «وصل مواطنان نرويجيان إلى السفارة النرويجية، وهما يخشيان على حياتهما، وتم قبول بقائهما في السفارة لبضعة أيام» وقال إن هوبستوك جاءت لتعود بهما إلى النرويج، ونفى أن تكون الحكومة النرويجية ساعدتهما على مغادرة المغرب. وقالت طليقة السكاح لوسائل إعلام نرويجية إنها سافرت مع السكاح وطفليهما إلى المغرب في سنة 2006 وأنه قام بحبسهما في غرفتين منفصلتين وسحب منهما جوازي سفرهما. وأكدت أنها عادت إلى النرويج في يناير سنة 2007 على أن يلحق بها الطفلان، لكن السكاح أبقاهما في المغرب. ونقلت صحيفة نرويجية عن هوبستوك قولها: «هذا مصير سيء ولا أعلم سبب تغير شخصيته». تأكيد السلطات النرويجية عدم مسؤوليتها عن عملية رحيل الطفلين جاء بعدما أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية بيانات شديدة اللهجة تتهم فيها السفير النرويجي بالمغرب بخرق كل الأعراف الدبلوماسية والقوانين الجاري بها العمل.