كتب أحد المفكرين الألمان عن اللغة العربية يقول: « اللغة العربية لغة ظلت متخلفة لا تواكب تطورات العصر، وذلك راجع لكونها لغة مرتبطة أشد الارتباط بالمقدس تنبع منه وتعود إليه، ولعل هذا ما جعل المواطن العربي يظل قابعا في قفص التقليد والتراث دون السعي إلى اقتباس قيم ورموز الحداثة كما هي عليه لدى الغرب»، ترى هل كان هذا القول نابعا من حقيقة تاريخية علمية متيقن منها؟ أم أن الأمر وما فيه ليس إلا ارتساما عاما قد يقول به أي كاتب أو قائل عابر في النص والمعنى؟ تطرح هذه الفكرة أزمة اللغة العربية في العصر الحالي، أزمة تتداخل في إنتاجها عوامل متعددة، يبقى من أبرزها عاملا إضعاف الهوية الوطنية من طرف المستعمر، وإهمال المثقف العربي للإنتاج الفكري بلغته الأم، بالنسبة إلى العامل الأول، يمكن رصده مع دخول المستعمر إلى الدول العربية – شمال إفريقيا، الخليج العربي، الهلال الخصيب - وتوقيع عهود الحماية أو الانتداب من طرف الدول الإمبريالية الكبرى – بريطانيا، فرنسا، ألمانياإسبانيا، إيطاليا... حيث حاولت هذه الدول نزع الهوية الوطنية وذلك بضرب مكوناتها الأساسية المتمثلة في اللغة والدين والعادات والتقاليد وكذا الأعراف والطقوس المعمول بها، مستعملة حينا مبدأ العنف المادي (قمع بعض رموز النخبة المثقفة والعلمية ذات التكوين العربي بجامعة القرويين، وقمع الزوايا ورجال الدين في المغرب مثلا)، ومبدأ العنف الرمزي حينا آخر، من خلال محاولة إنتاج نخبة مغربية مفرنسة أو فرنكفونية تضمن إدخال واستمرار الثقافة الفرنسية، وكذا جعل اللغة الفرنسية مفتاح العمل في الإدارة الاستعمارية وهو ما سيظل قائما حتى بعد خروج المستعمر، ثم جعل التعليم في المغرب مفرنسا وإعطاء أولويات التشغيل لذوي التكوين الفرنسي من خلال إنشاء مدارس ثانوية فرنسية لا زال بعضها قائما إلى يومنا هذا (ثانوية ليوطي في الدارالبيضاء، وديكارت في الرباط). أما العامل الثاني فيتراءى في حجم ونوع الإصدارات الفكرية وكذا عدد الكتب والمفكرين العرب الذين يكتبون ويتحدثون اللغة الأجنبية. في المغرب مثلا يوجد العديد من الباحثين والمفكرين والأدباء ممن يفضلون الكتابة والتعبير بغير لغتهم العربية، مما يساهم في إضعاف اللغة العربية، وكذا عدم إحداث نهضة فكرية تنويرية تمتح من قيم العروبة والإسلام، على غرار النهضة الاوروبية التي اعتمد فيها الرواد الذين صنعوها على لغاتهم الأم دون التطاول على لغات الآخرين، وهنا تحضرني حادثة عشتها وأنا احضر إحدى الندوات الفكرية للسوسيولوجي عبد الصمد الديالمي قدم فيها أحد كتبه، حيث سأله أحد الحاضرين عن السبب في تأليف الكتاب باللغة الفرنسية هل السبب يعود إلى كون اللغة العربية لا تستطيع التعبير عن الظاهرة التي قام الباحث بدراستها؟ فكانت إجابة الديالمي بسيطة وهي أن السبب في الأمر ليس إلا حضور المنطق النفعي والربحي، حيث صرح الباحث علنا: «على العكس اللغة العربية قادرة على التعبير بشكل جيد لكني كتبت بالفرنسية لأضمن مكاني في السوق الفرنسية ليس إلا »، بعد هذا الاعتراف هل يحتاج الأمر إلى تعليق؟