حصلت «المساء» على نسخة مشروع قانون منظم للطب يوجد على طاولة وزير الصحة الحسين الوردي، من المنتظر أن يثير جدلا واسعا لدى مكونات القطاع الصحي وهيئاته ومنظماته المهنية. ودق المهنيون في قطاع الصحة ناقوس الخطر بعد أن تبين لهم أن الفصل 57 من مشروع القانون يفتح القطاع أمام الاستثمار الأجنبي وغير المهني، مما يهدد بتجريد مهنة الطب من مظهرها المهني الأخلاقي والإنساني ويدرجها في خانة المقاولة التجارية، إذ سيصبح بإمكان أي كان، إذا ما تم تمرير المشروع، أن يفتح مصحة خاصة. وقال البروفيسور محمد بنعكيدة، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، ل«المساء» إن مشروع القانون يهدد الأمن الصحي للمغاربة ولن يحافظ على نبل المهنة وطابعها الوطني الإنساني؛ كما يهدد استقلالية الطبيب وحرية قراره، ولن يصون مصلحة المواطن وصحته وسيحوله إلى مجرد مستهلك. وأضاف بنعكيدة أن مشروع تعديل القانون 10 94 المنظم للطب -والذي عدل في 1994 وصدر سنة 1996، قبل أن تدخل عليه تعديلات جديدة الآن- كان موضوع نقاش بين الكثير من الأطراف، منها الجمعية المغربية للمصحات الخاصة ووزارة الصحة والنقابة الوطنية للأطباء والأمانة العامة للحكومة، وتمخض عنه الاتفاق على تعديل مشروع القانون الذي سيحول المصحة إلى مجرد مؤسسة تجارية لأسباب عدة، منها إخضاع سلك الأطباء بأن يتحولوا إلى مأمورين وظيفيين، إذ سيصبح «مول الشكارة» متحكما في قراراتهم في المصحات الخاصة وفقا لمنطق تجاري محض، كما سينزع مشروع القانون عن الطبيب كل الحوافز المهنية والإنسانية، وسيحرم المريض من حرية اختيار طبيبه، فيجد نفسه خاضعا للنزعة اللاإنسانية للممارسات التجارية، حيث ستعمد الشركات العملاقة أو شركات التأمين إلى تشييد مصحاتها الخاصة حتى يتسنى لها نقص النفقات الخاصة، والاستثمار بشكل تجاري في قطاع له رسالة محض إنسانية. وأشار رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة إلى أن نموذج المؤسسة العلاجية المملوكة للمستثمرين غير الأطباء، بالمنطق الاقتصادي، هو أمر كارثي لأن عالم الأعمال سيدير المصحات التي قد يملكها كما يدير اليوم مقاولاته التجارية الأخرى، وتمر تنمية الأرباح والمداخيل المادية عبر زيادة المنتوجات وخفض النفقات، وهكذا فمن الممكن أن نسمع غدا عن مصحات لا تجرى بها عمليات جراحية معينة بعلة مدخولها الضعيف، كما قد نجد أنفسنا أمام زوال بعض الاختصاصات التي لا تدر مداخيل كبيرة؛ وأضاف رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة أن القانون يجب أن يضمن حق المواطنين في حرية الولوج إلى العلاج بكيفية مرنة وعادلة، كما ينبغي أن يكفل حماية الطبيب وتمكينه من إعطاء علاجات جيدة، تناسب سمعته وتحترم المبادئ الأخلاقية لمهنة الطب، وحماية صناديق التأمين الصحي الإجباري ضد كل الممارسات التي تهدد توازنها المالي ومصداقيتها. وعلمت «المساء» بأن لوبيات ورجال عالم المال والأعمال يدفعون باتجاه تمرير المشروع الذي يوجد الآن على طاولة الحسين الوردي للمصادقة عليه، وذلك بغية تحقيق مصالحها الخاصة بعيدا عن كل تفكير في مصلحة المواطن، وأن الكثير من الأسماء المعروفة تسعى إلى المصادقة على القانون الذي يتيح لغير المهنيين فتح مصحات خاصة. يشار إلى أن الجمعية المغربية للمصحات الخاصة ومهنيي القطاع تقدموا بمقترحاتهم بخصوص مشروع القانون، وهي الآن بين يدي وزير الصحة.