منظمة الصحة العالمية: زلزال بورما حالة طوارئ من أعلى مستوى    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط ويتقبل التهاني بهذه المناسبة السعيدة    محكمة باريس تدين مارين لوبان في قضية اختلاس أموال عامة وتجردها من الترشح للرئاسيات    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    القضاء الفرنسي يدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن باختلاس أموال عامة    مزاعم جزائرية تستوجب رد مغربي صريح    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    طقس اليوم الإثنين بالمغرب    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    الحرس المدني الإسباني يفكك شبكة لتهريب الحشيش من المغرب عبر نهر الوادي الكبير ويعتقل 23 شخصًا    ترامب سيزور السعودية منتصف مايو المقبل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة نبيل باها: الانتصار على أوغندا هو ثمرة عمل طويل ومكثف    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    وزارة التعمير تفتح باب الترشيح لمنصب مدير الوكالة الحضرية للناظور    ليلة العيد.. 6 حالات اختناق بسبب سخان الماء في طنجة    طنجة.. شاب ينجو من الموت بعد سقوطه من الطابق الثالث ليلة العيد    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    المغرب يبدأ "كان U17" بخماسية    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    ساكنة الناظور تحيي يوم الأرض بوقفة تضامنية مع فلسطين    حماس: قتل الأطفال في خيام النزوح يوم العيد يكشف الفاشية الصهيونية وتجردها من الإنسانية    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    نقابة تدين تعرض أستاذة للاعتداء    المرجو استعمال السمّاعات    توقيف مروجي مخدرات في خريبكة    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يطيح بأوغندا بخماسية نظيفة    حظر مؤقت لصيد الحبار جنوب سيدي الغازي خلال فترة الراحة البيولوجية الربيعية    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    المغرب يعزز استثمارات الذكاء الاصطناعي لضمان التفوق الرقمي في القارة    أسعار العقارات في الرياض ترتفع 50% خلال ثلاث سنوات    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    بنعبد الله: الأرقام الحكومية تؤكد أن 277 مستوردا للأبقار والأغنام استفادوا من 13,3 مليار درهم (تدوينة)    دوافع ودلالات صفعة قائد تمارة    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    نقاش "النقد والعين" في طريقة إخراج زكاة الفطر يتجدد بالمغرب    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    على قلق كأن الريح تحتي!    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات سريعة في «ضجيج الذاكرة» للقاص إبراهيم أبويه
نشر في المساء يوم 31 - 01 - 2013

يتشكل غلاف المجموعة القصصية «ضجيج الذاكرة» للقاص المغربي إبراهيم أبويه الصادرة عن دار الوطن من أيقونات وعلامات تختلف إيحائيا لتتصل مع
بعضها دلاليا حاملة مقولا حافلا بزخم المعنى الواضح حد الالتباس، والملتبس حد الوضوح، ومع ثنائية الغموض والوضوح ينهض المعمار الدلالي للغلاف ليشعل أسراره.
الخلفية يتقاطعها البياض الخفيف والأزرق الداكن، إضافة إلى سواد ينحاز عن قصد إلى بني مرتعش، كأن بياض الفطرة ونقاوة الأبجدية انضافت إلى سواد الواقع المقيت، فاعلة فيه منفعلة به، لولادة زرقة متمردة لا حدود لها. زرقة السموات السبع أم جرح البحار أم زرقة المعنى المولود من اصطدام الألوان تلك؟
في الوسط تشتد الإنارة مستبدة بمنتصف الورقة، داخلها يتموقع شخص يحمل حقيبة، يتجه إلى قلب الضباب. عن يمينه ويساره أعمدة تزداد صغرا كلما انزاح البصر إلى أن تصير لا شيء. والشخص واقف ينظر إلى البياض البعيد مرخيا ذراعيه. وفي الأعلى يستقر العنوان «ضجيج الذاكرة» متشحا بالبياض الناصع الذي أشرقت به حروف بارزة مائلة إلى حد ما كأنها ترقص في وليمة سردية.
نحن أمام ذاكرة تحمل وعيا ولاوعيا. ذاكرة مثقلة بمعانٍ ومشاهدَ وشمت بأنامل مدربة. ذاكرة، كما يشي بذلك العنوان، يؤثثها ضجيج ما؛ ضجيج ليالٍ يسعى السارد إلى القبض على كيميائها. فلتَحْلُ رحلتنا مع ذلك القبض الحكائي الشذري المغري.. وأنا أقرأ «الضجيج» ألفيتني مقتربا من صاحب الذاكرة وهو «يحدق مليا في سرب طيور يتجه نحو الشمس». هذا هو إبراهيم أبويه: داعية بثوب بوذا، صوت داعٍ إلى التطهير الجمالي من درن ما: «بلل لسانك بماء الحقيقة وادخل محرابها متطهرا».. سنفعل يا إبراهيم.. سنفعل لا محالة.
«ضجيج الذاكرة» مجموعة قصصية تنحاز في معظمها إلى الاقتصاد اللغوي الذي يتغيى منه الكاتب تفجيرا محتملا لفيزياء المعنى. تضم المجموعة ثلاثا وأربعين قصة، تختلف طولا وقصرا ودلالة وبناء. لكن ثمة ما يجمعها: ذات تنسكب أوجاعها القديمة/ الجديدة. تسكبها بالتقسيط تارة، ودفعة واحدة تارة أخرى. ذات غير محايدة أبدا، بل متصلة جدليا بمحيطها الاجتماعي والثقافي والنفسي يشكل جوهري. من هنا لا يخطئ البصر ولا البصيرة في تلمس الحضور القوي للأم والأب في متون النص، في منطوقها الواضح ومفهومها المضمر. ثمة حنين شاسع فجائعي لأيام الطفولة. حنين يكاد يكون نوستالجيا.
كأني بك يا إبراهيم ترى الآن الأشياء «تنزف تاركة وراءها حطام الكلمات اليتيمة»، ولأن «الفجر يبزغ حاملا كفنا مدثرا بالسواد»، فإنك تفتح منفذا في ذاكرتك، لتنسكب أنسام الأم، هادئة، معطرة، ولتنبعث كينونة الأب المغروسة فيك، انتماء وذاكرة وامتدادا. في المجموعة هدم وبناء. ثمة مبانٍ سوداء ذات أسقف شكلت من جماجم ما. أبنية الواقع والايديولوجيا ومنظومة القيم المنهارة. ما كنتَ متفرجا ولا محايدا، بل منخرطا في هدم هذه الالتواءات اللعينة قصد بناء نقيضها. ضوء مجازاتك يجمّل ليل المدينة:«الليل يجمع حقائبه الآن تاركا وراءه مدينة مزقها العطش وهجرتها العصافير».
من هنا تكمن أهمية «ضجيج الذاكرة». استيعاب واضح لمفارقات الواقع، ووعي بمفارقات عريه الفاضح. الكاتب يحلم بمدينة أفضل، بحدائق أكثر جمالا، بلغة أكثر مراسا، وبشمس لا تنطفئ أبدا، شمس الواقع التي طالما أصابها عطب الحياة المفارق: «نصبته الثعالب ملكا.. نزع أنيابه، نظف فمه، صفف شعره، تعطر ولبس ثوب الملائكة. توضأ وصعد المنبر.. رفع يديه للتحية.. المخالب لا زالت هناك».
في هذا النص الموسوم بتحولات فضح للذين يلبسون الأقنعة.. ولكن لا مفر من التعرية مهما كان القناع سميكا. إن المكانة المعتبرة والمقام العالي يقودان الناس إلى تحولات كثيرة: نزع الأنياب هو نزع لآلة القمع والبطش، واستبدالها بالعطر المتصل دلاليا بمفردة الملائكة، لكن رغم كل شيء، يتكشف للناس أن ثوب الملائكة الأطهار لم يستطع أن يخفي تلك الأنياب الباطشة التي ما زالت موجودة!
هو انتقاد حاد لمفارقات الواقع. انتقاد للذين «يتسابقون لتسلق جدار شيد في جوف الليل». يتسلقون ويصعدون ثم أخيرا يسقطون بعنف. المجموعة القصصية تسعى إلى تصوير موتهم المجاني، إلى رصد عمليات ارتطامهم العبثي بأرض الواقع.
ثمة انحياز إلى قضايا إنسانية، وطنية وقومية. والقصص الآتية شاهدة على هذا الارتباط الإنساني للكاتب بأسئلة الوطن والعروبة:
«الذوبان»: كان يعلم، المهدي بن بركة، أن الشر سيأتي من رحم الوطن، لكنه احتضن اللقاء الأخير..
«عنف المكان»: حين التفت وراءه أبصر سوطا يرسم تفاصيل البلاد..
«غزة»: أشلاء غزة تناثرت في كل البيوت العربية.
«أيها العربي الجميل»: نم واقفا، فجسدك لم يعد يحتمل الانهيار.
تحكي متون هذه القصص غربة الذات داخل وطنها، ورفضها صوت الليل؛ الليل المدجج بالقهر والسوط والسباب الجارح. هي ذوات كلما صفعها ليل العذاب تمردت وطارت مصافحة الشمس.
جدير بالذكر أن إبراهيم أبويه عاشق أبدي للشعر، وهو يسرد الأشياء لا ينسى أن يشعرن كيمياءها. يحول ما تراه العين إلى مرئيات متشحة بمجازات غير منقادة. لهذا استطاع أن يزرع في لغته الكثير من سحر البلاغة، مابين ومضات استعارية مثل «تغتالها الأسئلة».. «تقيأت الحافلة بؤس الركاب».. «يعتقل الفجر بداخلها»، وبين تشبيهات قوية ك«اصطدام الغيم في قلب العاصفة».. «صراخ الرعد في كبد السماء».. «كسيف غادر يقطر دما».

مصطفى ملح
شاعر وناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.