في هذا الحوار مع «المساء» يفتح المخرج حكيم نوري النار على القناتين التلفزيتين الأولى والثانية ويسائلهما عن أسباب رفض أعماله. كما أنه يتحدث عن واقع السينما المغربية وعن الأموال التي تصرف على دبلجة أعمال يعتبرها تافهة. و يدعو الحكومة الجديدة إلى مساءلة المسؤولين عن القناتين وتقديمهم للمحاسبة أمام الشعب الذي يقول: «اللهم إن هذا منكر». كما أن نيرانه لم تستثن أصحاب القاعات الذين يقول عنهم إنهم «كايديرو فينا ما بغاو». - كيف تقيّم واقع السينما المغربية الآن؟ السينما المغربية كانت فورتها في التسعينيات حين تصالح الجمهور مع الفيلم المغربي، من خلال مجموعة من الأفلام، منها فيلم «حب في الدارالبيضاء» لعبد القادر القطع، وفيلم «البحث عن زوج امرأتي» لعبد الرحمان التازي، وفيلم «الطفولة المعتصبة» لحكيم نوري، ثم «سارق الأحلام»، و«مكتوب» لنبيل عيوش، «ونساء ونساء» لسعد الشرايبي، و«عبروا في صمت»... هذه الأفلام كان عدد الجمهور الذي يشاهدها يفوق مشاهدي الأفلام الأمريكية بكثير. لكن مع الأسف وقعت تحولات في الجيل الجديد من المخرجين، حيث لم يعد يجد الجمهور ذاته في أفلامهم لعدة أسباب، منها الجرأة الزائدة، الجنس، مع احترامي لاختيارات المخرج، لكن يجب ألا ننسى أنه لابد من احترام الجمهور، فنحن لنا أخلاقنا وتربيتنا و ثقافتنا، واعتمادا على احترام هذا كله يمكن أن نعبر، فمثلا لما نأخذ « الطفولة المغتصبة» أو «عبروا في صمت» أو «مصير امرأة»، نتساءل:لماذا حققت ذاك النجاح؟ لسبب بسيط هو أن الشعب المغربي وجد ذاته فيها وواقعه الاجتماعي والسياسي وواقع المرأة. لما تخرج أفلاما بعيدة عن واقع الناس، وهنا أتحدث بشكل خاص عن الموضوع، فإن الناس لا يتقبلون ذلك. وأؤكد بأنني مع حرية التعبير، لكن بالنسبة إلى الأفلام التلفزيونية هناك خطوط حمراء يجب ألا نتجاوزها لأننا ندخل عند الناس إلى منازلهم ونقاسمهم الفرجة مع أسرهم. - وهل من مشاكل أخرى تواجه الفيلم المغربي؟ المشكل الكبير الآخر هو مشكل القاعات السينمائية. إذ أن مالكي القاعات السينمائية، التي لا تزال على قيد الحياة، «كايديرو فينا ما بغاو»، فحينما يخرج الفيلم للقاعة، ونقوم بكل شيء ونعرضه، يأخذ صاحب القاعة 70 في المائة، ولا يبقى لنا سوى 30 في المائة نعطي منها نسبة للموزع وما تبقى لصندوق الدعم، فماذا يتبقى لنا؟ والمشكل الأكبر هو التلفزيون، ففي دفتر التحملات هو ملزم بدعم السينما المغربية، وعليه أن يدخل كشريك مع أي فيلم أعطي له الدعم . فهناك قناتان وعلى كل واحدة، على الأقل، أن تشارك بمليون درهم. وهنا يجب أن يطرح السؤال أين هي أموال التلفزيون التي تساوي مئات الملايين الدراهم؟ أين تذهب؟ فمثلا في فيلمي «حد الدنيا» لم يتجشموا أنفسهم حتى عناء الإجابة عن طلبي. لماذا؟ هناك مسألة أخرى هي أن قيمة الدعم الذي كان يقدم لنا منذ مدة هو نفس الدعم الذي يقدم لنا الآن، مع العلم أن التكلفة زادت. - هناك من يقول إن سياسة الدعم التي راهنت على الكم جنت على السينما المغربية؟ أظن أن الخطأ الكبير هو المراهنة على الكم، فيمكن أن تقدم عشرين فيلما أو أكثر، لكن قد لا يشاهدها أحد. أعود إلى مرحلة التسعينيات حين كان تنتج سبعة أفلام في العام، لكنها كانت تشاهد جميعها. إضافة إلى ذلك هناك مشكل القرصنة. حقيقة هناك منظومة يجب أن تتغير لإعادة الحيوية للسينما المغربية. ويجب أن نقول إن المنتج المغربي لا يملك المال، وهو عبارة عن شركة أحدثت لأخذ الدعم. يجب أن نعرف أن الدعم زائد الإنتاج المشترك للقناتين هو ما يمكن أن يدفع بالسينما المغربية إلى الأمام، وإلا ستموت السينما في المدى القريب. - وما تعليقك على تغيير لجنة الدعم؟ يجب إعادة النظر في كثير من المقاييس، فلا يعقل أن مخرجا معروفا ناضل منذ عقود يصل به الحال بأن يرفض مشروعه أمام مخرج مبتدئ. فلماذا تنسى تجربة هذا المخرج ومصداقيته؟ كجواب يقدم البعض هو أن ما يهمهم هو السيناريو المقدم وقيمته. لكن يمكن أن تذهب عند أحسن سيناريست ويكتب لك سيناريو، ولكن هذا لا يعني أن الفيلم سيكون جيدا. ما أطلبه من هذه اللجنة ليس النظر فقط إلى السيناريو، بل إلى كفاءة المخرج والمنتج الحقيقي أيضا. إذ هناك منتجون لا يؤدون الضرائب ولا يحملون من الإنتاج سوى «كارت فزيت»، وهذا موجود حتى في التلفزيون.كما أنهم يأخذون 500 أو600 مليون. أما من يقيم شركة حقيقية ويشغل الناس فيقصى. - وماذا عن المهرجانات التي تقام هنا وهناك؟ في 35 عاما أخذت مرة واحدة جائزة أحسن إخراج «سارق الأحلام». وهذا يلخص واقع المهرجانات المزري. هناك غياب للمصداقية وحضور للزبونية وتصفية حسابات. إن أحسن جائزة يحصل عليها المخرج هي رضا الجمهور وتقديره. المهرجانات ضرورية لمعرفة الجديد والاطلاع على تجارب أخرى، لكن لو تكون بدون جوائز سيكون ذلك أحسن. أتساءل لماذا تكون الجائزة في السينما الوطنية؟ مع العلم أن الأفلام التي تفوز بجوائز يسخط عليها الجمهور ولا يشاهدها في القاعات. وقد قلت هذا الكلام منذ سنة 1998. هذا الواقع لا تستثنى منه حتى المهرجانات العالمية. - وماذا عن التعامل مع التلفزيون ودعمه للأعمال المغربية؟ بالنسبة إلي أنا مقصي من «دوزيم» منذ سنة 2007. ومشاريعي ترفض بدون تقديم أي جواب. أما القناة الأولى فأنجزت معها فيلمين فقط، كانا قد رفضتهما القناة الثانية. وهنا أتساءل: لماذا لا تقدم إجابات عن أسباب الرفض؟. أنا هنا لا أطلب أي امتياز من أي كان. كما أتساءل عما إذا كان المشرفون على القناتين يفكرون في الشعب المغربي أم لا. هل يفكرون في حساسيته وعقيدته وثقافته؟ لا أفهم. إننا نضحك عليه سنة بعد أخرى، فكثيرا من البرامج لا يسعنا إلا أن نقول عنها: «اللهم إن هذا منكر». وهذا يتفق عليه عموم المغاربة. فكلمة «الحموضية» أصبحنا نسمعها حينما أصبحنا نرى تلك الإنتاجات التي ليست في المستوى. مسألة أخرى تتعلق بدبلجة المسلسلات التركية والمكسيكية. لماذا يتم اللجوء إليها؟ أليست لنا ثقافتنا؟ أليس لنا مبدعونا وممثلون؟ هذه المسلسلات لا تقدم في بلدانها الأصلية. هذه المسلسلات لا تقدم إلا للناس السذج. وهذه الأموال التي تصرف عليها؟ ومن هم هؤلاء المشرفون على الدبلجة في المغرب؟ أكيد أن لهم مصالح مع من يستوردون تلك الأعمال، مع العلم أن عملية الدبلجة تتطلب أموالا كبيرة.إذن لمن تقدم الدبلجة؟ ومن هم المشرفون عليها؟ ولماذا لا تقدم طلبات عروض؟ ولماذا هذه العملية محصورة في البعض فقط؟. لهذا أقول: «باركا ما نضحكو على المغاربة» أتمنى من الذين تحملوا المسؤولية حاليا بعد الانتخابات أن يغيروا هذا الواقع. يجب أن تكون القرارات كبرى وقوية، فمن جنى على التلفزيون يجب أن يرحلوا بعد أن يحاسبوا، فالمال هو مال المغاربة. والمشكل عندنا في المغرب هو عدم المتابعة، وحينما تصبح المحاسبة حاضرة سيصبح من يتقلد منصبا يفكر ألف مرة ومرة فيما يقوم به. إنها لكارثة حين يقول لك مدير تلفزيون: إن التلفزيون ملكي، ديالي، أفعل به ما أريد، وندوز فيه اللي بغيت؟ من خول له ذلك؟ هذا يظهر العقلية الرجعية لمسؤولي التلفزيون. هناك فوضى أصبح القطاع يعرفها، وهذا هو الذي أنتج تلك الرداءة التي نراها في التلفزيون.هذا ليس كلامي، بل كلام جميع المغاربة. - وماذا عن حقوق المؤلف في المغرب؟ إنها منعدمة في المغرب. بالنسبة إلى المخرجين ومالكي قاعات السينما ليس عندهم أي حق، لا في السيناريو ولا الإخراج. وهذا لا يوجد في أي أرض. فقانونيا كلما مر فيلمك أو جزء من عملك في التلفزيون يجب أن يؤدى عنه. فلو كنت أقبض حقوق أعمالي التي تقدم في التلفزة أكثر من مرة لن أكون في هذا الحال المزرية التي أعيشها. وأنا إذا لم أقبض الدعم لن أعيش. فماذا سأفعل؟ هل أتسول أم ماذا؟ هذا حق يجب أن يعطى لنا، فلماذا هذه «الحكرة»؟. ذهبت إلى مكتب حقوق المؤلف لأسجل أعمالي، وقالوا لي: عليك أن تنتظر وهاأنذا أنتظر لأرى ماذا سيكون. هناك بعض ال»تيلي فيلم» مرت في التلفزة مايزيد عن ثلاثين مرة بدون مقابل. وأعرف أصدقاء في فرنسا وإسبانيا أخرجوا أفلاما للتلفزيون يعيشون من عائدات حقوقهم على أحسن حال. هذه حقوقنا ولا نطالب بأي امتياز. لدينا الحق في الشغل وحقوق المؤلف وحرية التعبير.