أنس العاقل، من مواليد مدينة شفشاون، ممثل وباحث في سلك الدكتوراه بجامعة "ظهر المهراز" بفاس، حول موضوع "المتفرج في المسرح والتلفزيون والسينما بالمغرب"، خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، وحاصل على شهادة الدراسات العليا المعمقة، تخصص أدب وفنون حديثة.يتحدث العاقل، في حوار مع "المغربية"، عن تجربته المسرحية والسينمائية، وعن علاقته بالفن والأدب، كما يحلل مكامن الخلل في الصناعة الدرامية الوطنية، وأسباب تخييبها لانتظارات الجمهور المغربي، ويكشف بالمقابل أسباب نجاح الدراما التركية بالمغرب، فضلا عن تشخيصه لواقع السينما المغربية. ما هي الأسباب التي كانت وراء اختيارك المسرح في بداية مسارك الفني؟ انطلقت علاقتي بالمسرح عن طريق الأدب، وكنت مولعا بقراءة الأدب العربي والعالمي أثناء مرحلة مراهقتي، إذ اطلعت خلال هذه الفترة على أعمال دويستويفسكي، ومكسيم غورغي، كما اطلعت على أشعار محمود درويش، وأمل دنقل، وبوشكين، وغارسيا لوركا، وجل أعمال نجيب محفوظ، والعديد من الأدباء، كما أنني نشأت في مدينة تتميز بحركية ثقافية كبيرة، فتبلور لدي وعي فني وثقافي منذ مرحلة مبكرة، أثناء هذه المرحلة، اكتشفت سلسلة المسرح العالمي، فانكببت على قراءتها على أساس قيمتها الفكرية والإبداعية. لألتحق بعد ذلك بجمعية العمل المسرحي بشفشاون، هناك تعلمت بأن الركح يضفي على النص المسرحي قيمة مضافة، من خلال الوسائط التعبيرية المتنوعة التي تتيحها الخشبة، وآمنت بالقدرة الكبيرة التي يمكن أن يلعبها المسرح بشكليه التربوي والإبداعي، كوسيلة للتطوير الذاتي، وللتربية على قيم المواطنة، وللارتقاء بالسلوك الإجتماعي والتذوق الجمالي، وتحضرني في هذا الصدد، مقولة لأحد كبار رواد المسرح الغربي، يردد فيها "أعطني مسرحا أعطيك شعبا". وأنا بدوري أقول "أعطني مسرحا أعطيك شعبا مواطنا"، لأن المسرح مدرسة المواطنة والانتماء بامتياز. هل كان لذلك تأثير في شخصيتك الفنية؟ لا يختلف اثنان في أن متعة المواجهة المباشرة ما بين الممثل على الخشبة والجمهور لا تعادلها أي متعة أخرى، إذ أن الخشبة تبرز القدرات الحقيقية للممثل، كما أن الجمهور يكون أمام حكم مباشر للفنان عكس التلفزيون. ما هو نوع الاتجاهات المسرحية التي تميل إليها؟ أميل للأعمال المسرحية التي تحمل قيمة فكرية عالية، وهموما كونية، أي أعمالا تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، وأعشق الأعمال التي تحمل قيمة إبداعية مضافة، ولا تساوم ولا تجاري السائد، أحب العروض التي تترك بليغ الأثر في جمهورها، كما أميل للمسرح الذي يقدم تجربة أدبية وفكرية رفيعتين في قوالب فنية وإبداعية مجددة، وأي عروض تثير دهشة طفولية لدى المتفرج، وتجعله يستمتع كما الأطفال. ما رأيك في العقلية التي يدبر بها الشأن الفني والثقافي بالمغرب؟ لا نستطيع أن ننكر المجهودات، التي يبذلها الوصيون على الشأن الثقافي بالمغرب مقارنة مع الموارد المادية والبشرية المخصصة للشأن الثقافي، لكنها تظل مجهودات مناسباتية، حيث يظل الشأن الثقافي دائما رهين الحسابات السياسية، رغم أن العكس هو الصحيح، لأن الفن والثقافة لديهما دوما حس استشرافي، فالعمل السياسي دون خلفية ثقافية يظل فقط مجرد مناورات تكتيكية وتبادل للأقنعة والمواقف، وليس عملا استراتيجيا استشرافيا. ما الحل في نظرك؟ أنا الآن فقط، بصدد تشخيص الوضعية، ولست بصدد إعطاء الحلول، لإعطاء الحلول يلزمني دراسة متأنية وشاملة، وجذاذات، واستراتيجيات عمل، وبرامج، ودراسات مستوفية، كما يلزمني تطبيق مهارات التدبير الثقافي. كيف ترى المستوى الحالي للدراما المغربية مقارنة بنظيرتها العربية؟ لنبدأ بمصر، إنها تتقدم علينا، على مستوى التلفزيون بسنوات ضوئية، سواء على مستوى الصناعة أو الصناعة الدرامية، أو على مستوى التسويق. ثم سوريا أيضا تتجاوزنا كثيرا على المستوى الفني والتقني، كما تتجاوزنا أيضا على مستوى وتيرة الإنتاج، وعلى مستوى التسويق، كما أن الدراما الخليجية أصبحت تتجاوز نظيرتها المغربية، سواء على مستوى التسويق، أو الصناعة الدرامية، وبالتالي يجب الاستفادة من هذه التجارب لإنقاذ الدراما المغربية. ماذا ينقصها إذن لتكون في مستوى تطلعات الجمهور المغربي؟ ينقصنا منتجون فنيون لهم دراية بمختلف مراحل الصناعة الدرامية، يفهمون في السيناريو، والإخراج والتمثيل وكذا التسويق السليم للعمل الدرامي. لكن للأسف في المغرب نتوفر على منتجين لا يمارسون إلا الإنتاج، لا يجمعون بين اختصاصات متعددة في العمل نفسه. نحن في حاجة ماسة لمنتجين يعرفون جيدا طبيعة الجمهور، الذي يتوجه إليه منتوجهم الدرامي، ويغامرون برأس مالهم الفني والمادي، وليس فقط أصحاب الشكارة، يمارسون الإنتاج بمنطق "الهمزة"، دون أي استثمار شخصي. كما ينقصنا أيضا كتاب سيناريو يجمعون ما بين الحرفية العالية والحس الأدبي، وليس كتاب خرافات وخزعبلات يكتبون أي شيء جادت به قريحتهم، فضلا عن حاجتنا أيضا إلى مخرجين متمكنين من الصناعة الدرامية، مواكبين للتطورات العالمية في مجال الصناعة الدرامية، ويعرفون طبيعة انتظارات الجمهور، نحتاج أيضا إلى نقاد متخصصين، يستطيعون التمييز ما بين الجودة والرداءة. ماذا ينقص المسرح؟ يجب بناء قاعات مسرحية صغرى في كل المدن المغربية، فضلا عن إقرار التربية الفنية والمسرحية، في أسلاك مقررات التعليم إسوة بدول العالم، وكذا ضرورة تشييد معاهد جهوية للتكوين المسرحي، تعمل على تأطير الطاقات والمواهب في كل جهات المغرب، وتحديث منظومة التكوين بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وجعلها مواكبة لمتطلبات السوق الفنية، واعتبار الشأن الثقافي خدمة عمومية توليها السياسة العامة للدولة كل الأهمية. كيف تقيم المستوى الإنتاجي للأعمال المغربية؟ عموما، لا تستجيب لتطلعات الجمهور المغربي وطبيعة انتظاراته، ثم أن القاعدة الكبرى للجمهور المغربي هي من الشباب، وهذه الفئة من الجمهور لها انتظارات كبيرة مقارنة لما تقدمه الدراما المغربية، نظرا لأنه متمرس ومطلع على آخر الإنتاجات العالمية، وهو جمهور منفتح على ثقافات العالم، من خلال وسائط الاتصال الحديثة. مع توالي دبلجة الأعمال الأجنبية باللهجة المغربية، هل في نظرك ذلك يؤثر على الدراما الوطنية؟ يجب ألا تتجاوز نسبة الأعمال الأجنبية المدبلجة عشرين في المائة من مجموع الإنتاج الدرامي بالقنوات التلفزيونية الوطنية، كما يجب أن تكون الدبلجة على مستوى عال من الحرفية، فقط في إطار الانفتاح على ثقافة الآخر، كما يجب أن ننتقي الأجود من هذه الأعمال، فدور القناة التلفزيونية موجهة إلى عامة الجمهور هو التربية، والتثقيف، والإخبار، وتشجيع الإنتاج الوطني، وجعله أيضا مواكبا لانتظارات الجمهور المغربي، وبالتالي يجب الاهتمام بالموروث الفني المغربي في إطار ترسيخ الهوية المغربية. في نظرك، ما السبب وراء إقبال الجمهور المغربي على الدراما الأجنبية خاصة منها التركية؟ الصناعة الدرامية التركية متطورة جدا مقارنة مع أعمالنا الدرامية، وأغلب المسلسلات التركية عالجت أعمالا روائية من الأدب التركي، كما أن السيناريوهات مكتوبة بحبكة متطورة، تتجاوز نمطية حبكة المسلسلات المكسيكية. من جهة أخرى فإن قوة هذه الأعمال تكمن في مزجها بحرفية عالية ما بين التقنية الأميركية، وشاعرية الصورة، وذلك كله وفق خصوصية المجتمعات الشرقية. إذ أنها عالجت مواضيع الحب والرومانسية، لكن بشكل مغاير تماما عن الدراما المكسيكية، إذ ترتبط مصائر العشاق بالهموم اليومية والإكراهات الاجتماعية للمجتمعات الشرقية، بل أنهم توجهوا أخيرا إلى إنتاج أعمال ذات قيمة إنسانية، حيث انكبت على مواضيع مرتبطة بالصراع الحضاري، (مسلسل "وادي الذئاب" على سبيل المثال). إضافة إلى ذلك فقد توجهت الدراما التركية نحو توظيف ممثلين وممثلات بكاريزما وجاذبية عاليتين، وفق أداء تشخيصي محكم يحمل خصوصية المجتمعات الشرقية، دون أن ننسى القيمة المضافة التي حملتها الدبلجة السورية عالية الجودة، وقام بها ممثلون محترفون. إن الجمهور المغربي حين يقبل على هذه الأعمال، يرجع ذلك أساسا إلى قيمتها الاحترافية والتقنية العالية، وكذا توفرها على مقومات الصناعة الدرامية، وهو ما نفتقده في الدراما المغربية. ألا تفكر في الهجرة إلى الخارج للمشاركة في أعمال أجنبية؟ أشارك في الأعمال الأجنبية التي تصور بالمغرب، لكنني لا أفكر بالهجرة على الإطلاق. أفضل أن أعمل على أكون ممثلا من الدرجة الأولى بوطني، رغم كل الإكراهات، وذلك أحسن بكثير لي من أن أكون ممثلا من الدرجة الثالثة بالولايات المتحدة الأميركية. والمثل يقول "اللهم قطران بْلادي ولا عسل البلدان"، كما يجب أن أطور إمكانياتي وأصبح بمستوى ممثلي الدرجة الأولى بهوليود. وكيف ترى المواضيع التي تناقشها السينما المغربية؟ لا يمكن الحديث عن سينما مغربية، لدينا فقط أفلام مغربية، لكننا بالمقابل ليست لدينا سياسة سينمائية واضحة، فنحن لم نصنع أفلاما جماهيرية، وبالمقابل، لم نستطع أن ننتج أفلام مهرجانات. وما كل الجوائز التي تحصل عليها الأفلام المغربية بمهرجانات دولية بذي قيمة، إذ أنها تعتبر مهرجانات درجة ثانية أو ثالثة في بعض الأحيان. يوم يفوز فيلم مغربي بالسعفة الذهبية أو الفضية ب"كان"، أو ب"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، أو بإحدى جوائز مهرجان برلين السينمائي الدولي، آنذاك يمكن الحديث عن سينما المهرجانات. وأكيد أن فيلما مغربيا فائزا في إحدى هذه التظاهرات سيكتسح شباك التذاكر من ناحية الإيرادات، لأن الجمهور المغربي عموما جمهور متمرس بالفرجة السينمائية، إذن، لماذا نستمر في إنفاق المال العمومي على أفلام لا يشاهدها أحد، وليست بذات قيمة فنية عالية؟! في تصوري الخاص، يجب أن يتوجه الدعم الذي يقدمه المركز السينمائي المغربي في سبيل دعم تشييد قاعات سينمائية محترمة، بمرافق متعددة، كما يجب دعم المستهلك مباشرة عبر المساهمة في تذكرة الولوج إلى القاعات السينمائية بنسبة خمسين في المائة، حتى يصبح ثمن التذكرة لا يزيد كثيرا عن ثمن القرص المدمج المقرصن. بالنسبة لمواضيع السينما المغربية وما أضحى يعرف ب"انفتاح السينما المغربية"، فهي تخضع لشروط المؤسسات المانحة للدعم، الشيء الذي يتحكم في طبيعة المواضيع التي تناقشها هذه الأفلام، خصوصا إذا كانت المؤسسات المانحة للدعم مؤسسات خاصة. هذا الأمر يفقد العمل حريته ومصداقيته. مع اقتراب شهر رمضان، في نظرك هل الأعمال التي تقدم للجمهور المغربي خلال هذا الشهر تتماشى مع طبيعة انتظاراته؟ أولا، ما يجعل هذه الأعمال تخيب أفق انتظارات الجمهور المغربي هو أنها لا تأخذ الوقت الكافي للإعداد لها، سواء على مستوى الدراسة والانتقاء، أو على مستوى الإنجاز. يجب أولا أن نعرف ماذا يريد المتفرج المغربي أن يشاهد خلال رمضان، وأن نعرف بالمقابل، ما الذي تقدمه القنوات العربية المنافسة، يجب أيضا أن يكون أيضا تصور مبني على دراسات عن طبيعة المشاهد المغربي. وعلى هذا الأساس يجري إنتاج الأعمال الرمضانية، كما يجب أن نفكر جيدا في طبيعة الأعمال التي تعرض في أوقات الذروة، بالعودة إلى البرمجة الرمضانية السابقة، نجد أن أغلب الأعمال التي برمجت في أوقات الذروة (موعد الإفطار)، تخيب انتظارات الجمهور المغربي، كان يجب علينا دراسة الأسباب والاستفادة من ذلك، بالمقابل، كان هناك القليل من الأعمال الجيدة، التي جرت برمجتها في أوقات تكون فيها نسبة المشاهدة متدنية جدا. الشيء الذي جعل الأحكام تعمم الرداءة على كل المنتوج الوطني الرمضاني. ما جديدك الفني؟ مسلسل تلفزيوني جديد باللغة العربية الفصحى، من المنتظر أن تعرضه القناة الأولى، بعنوان "الغريب" لمخرجته ليلى التريكي، بمشاركة العديد من الوجوه الفنية الوطنية. إلى جانب مسرحية بعنوان "الورطة" لمخرجها عبد الحق بلمجاهد، فضلا عن الفيلم القصير المعنون ب"قاطف الزهر"، لمخرجه الفنان ياسين أحجام. هل استطعت أن تحقق طموحك وإرضاء ذاتك، أم ليس بعد؟ ليست لدي طموحات، لدي أهداف، وأنا أحققها واحدة تلو الأخرى، مع توالي الأعمال التي أشارك فيها. هل لديك رسالة تود توجهيها؟ أتمنى أن تتحرك الإرادة السياسية بشكل عاجل لا يحتمل تأخيرا، في سبيل تطوير وتدبير مجال الدراما بالمغرب، لأن الهوية الثقافية والفنية أحد رهانات ارتباطنا بالوطن، نريد أن نرى صورتنا في تلفزيوننا لا في تلفزيون الآخر، ونريد أعمالا بجودة وقيمة فنية عالية، تبرز غنى وثراء التاريخ المغربي، وتبرز أيضا ذكاء المبدع المغربي، وكفانا من الحريك في تلفزيونات الآخرين.