احتضنت مدينة الرباط يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، فعاليات الملتقى الوطني الدراسي الأول "نوافذ"، المنظم من قبل جمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، حول موضوع "التعليم والتكوين المسرحي في المغرب الحاضر ورهانات المستقبل".وناقش المشاركون، حسب الورقة التقديمية للملتقى، دور المسرح، كأحد الإجراءات الناجعة، لتحقيق التربية الفنية والجمالية الذي ساهم في الرقي بمستوى الفرد والجماعة، على اعتبار اعتماد هذه التربية على الحس الجمالي والإنساني لزرع القيم المثلى وتشغيل الخيال، وتطوير حس الابتكار والإبداع وروح المبادرة وتوطيد روح الانتماء للجماعة وحس المواطنة. ترأس الجلسة الأولى، التي تمحورت حول موضوع "دور القطاعات الحكومية وغير الحكومية في مجال التعليم والتكوين المسرحي" مولاي أحمد بدري، وتوزعت أشغالها بين مفهوم التكوين والتعليم المسرحي في المغرب، ودور القطاع الوصي بين التصور والمسؤولية، والتكوين المسرحي في المغرب من بداية الاستقلال إلى الثمانينات، مع الأخذ بعين الاعتبار، تجربة وزارة الشباب والرياضة، فضلا عن الآليات الفنية والمسرحية لتفعيل برنامج "بلوغ الآخر" في فضاءات المؤسسات التعليمية. بينما ترأس عز الدين بونيت، الجلسة الثانية، التي تمحورت حول موضوع "تجربة التكوين المسرحي بالمغرب"، والتي توزعت محاورها بين التكوين المسرحي الجهوي، وأخذ تجربة المركز الدرامي بمراكش كنموذج في الموضوع، والتكوين المسرحي وتجربة المعاهد الموسيقية للجماعات المحلية، ومناقشة وضعية التكوين المسرحي بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، فضلا عن رهانات الجودة وأخلاقيات المهنة المرتبطة بالتكوين المسرحي الاحترافي بالمغرب. وتوزعت محاور الجلسة الثالثة حول موضوع "التعليم الموازي بواسطة المسرح"، من خلال مناقشة التربية المسرحية لأهداف غير فنية، والمسرح وتربية الأطفال، وضرورة خلق آليات للتواصل وبناء بعد للتكوين داخل ورشة مسرح الطفل، بالإضافة إلى الدعوة الملحة إلى تعليم مسرحي متكامل بالوسط المدرسي المغربي، فضلا عن الآداب الدرامية. وتفرعت محاور الجلسة الرابعة حول "المسرح والتربية الفنية ورهانات المستقبل"، بين اللعب الدرامي وعلاقته بالإبداع والتربية، والتكوين المسرحي بين الموهبة والمعرفة، والتكوين المسرحي كأداة للتربية وتجربة المربي النظير. وأبرزت الفنانة المغربية، لطيفة أحرار، رئيسة جمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، أن خريجي المعهد، استطاعوا طيلة عمره الممتد على حوالي ربع قرن، من إبراز مكانتهم في الساحة المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، الوطنية والعربية والدولية، بانسجام تام مع كل المكونات والحساسيات الأخرى الفاعلة فيه، بعيدا عن كل فئوية، باعتبار هذه المؤسسة ملكا للحركة المسرحية المغربية بكل مشاربها وتجلياتها وللثقافة المغربية بمختلف تلويناتها، غير أنه رغم كل هذه المكتسبات، فإنه لا بد من وضع الأصبع على مكامن خلل كثيرة تحتاج من كل الفاعلين المتدخلين، التنبيه والبحث عن إمكانيات الحل والتنظيم. وأشار الفنان المغربي، سعيد عامل، مدير الملتقى، إلى أن اللقاء يسعى إلى الخروج بخلاصات تهم بالخصوص فلسفة وأبعاد التكوين الفني المسرحي، ارتباطا بروح مخططات الإصلاح وأوراش التطوير بالمغرب، وتثمين التجارب السابقة في مجالات التكوين الفني والمسرحي، ودور المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والاتفاقيات الدولية في مجال التكوين الفني المسرحي وطنيا وجهويا. وأبرز أحمد لكويطع، الكاتب العام لوزارة الثقافة، خلال مداخلته في الملتقى، أن التربية الفنية والجمالية للأجيال الجديدة، تؤدي حتما إلى خلق مجتمع متوازن، وذلك لأن هذه التربية تركز بالخصوص على المبادرة الفاعلة، مشيرا إلى أن التربية الفنية والمسرحية تتمتع اليوم، في المجتمع المغربي، بالصدارة من خلال دورها الفاعل في تأهيل وتطوير مهارات الأجيال الجديدة. وقال لكويطع، إن الجيل الجديد من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، منح نفسا جديدا للحركة الثقافية، وأغنى المشهد السمعي البصري بالمغرب، وخلق تراكما في انسجام تام مع جيل الرواد، داعيا هؤلاء إلى الانخراط في التنمية المحلية من خلال بث المقومات الثقافية بالجهات، عبر التنشيط في الجمعيات الثقافية ودور الثقافة والانفتاح على كل مكونات المجتمع. وأبرز في هذا السياق الخيط الناظم الموجود بين الموهبة والمعرفة، مؤكدا أن كل موهبة تكبر وتنمو بعيدا عن البحث قاصرة، ويبقى هذا الملتقى مناسبة لفتح حوار حول مضمون التكوين لاستشراف آفاق تطويره. وأجمع جل المتدخلين خلال اللقاء على أن هذا الملتقى يعد فضاء للحوار والتواصل لبحث أهلية المسرح في تطوير الفرد وترسيخ فاعلية المسرح، في المجتمع، ودوره في استكشاف معالم الوجود. مذكرين في الآن ذاته بالتربية الفنية خلال فترة الستينات، التي كان فيها التعليم الفني يتجلى على شكل الأنشطة الموازية وفي الأندية والمسرح الجامعي، داعين إلى إدماج التربية الفنية في المنظومة التعليمية. يذكر أن الملتقى نظم من قبل جمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، بشراكة مع الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، وبتعاون مع وزارة الثقافة.