ماذا لو تحدثنا عن التجربة الأخيرة للفيلم التلفزي الأخير . . ما هو الجديد في هذه التجربة ؟ أظن أن الجديد هو تناول موضوع معقد و مركب، و هو موضوع علاقة الناس بالموت. الموت في هذا العمل شخصية تتفاعل مع الشخصيات الأخرى و تؤثر في مسارات الأحداث و تتأثر بها. لقد مثلت في الفيلم بصورة مختلفة تماما لما يرد في مخيلة العموم عند سماع العبارة. الموت بالنسبة لي و كما قدمته في هذا العمل امرأة جميلة و جذابة و موشحة بالبياض. شيء آخر أظنه أساسي في هذا العمل هو شاعرية الحوار. إذ أن كتابة حوارات «سيدة الفجر» أخذت مني فترة طويلة من الزمن لأن الكلام اليومي لا يمكنه أن يعبر عن أحاسيس عميقة و قوية مثل الارتباط بالحياة و التضحية و الخيانة. لّذلك حاولت أن أجعل من شاعرية الحوارات حاملا و موصلا لأحاسيس الشخصيات. كما أن العمل الذي قمت به مع مدير التصوير (إيفان أومس بلانكو) في صياغة هذا الحكي عن طريق صورة رقمية عالية الدقة، يعتبر طفرة في مجال الإنتاج التلفزي المغربي. إذ أننا عملنا و كأننا بصدد فيلم سينمائي صرف. لماذا تبقى الأفلام التلفزيونية على الصعيد الوطني دون انتظارات الجمهور المغربي ؟ المسألة في نظري مشكلة أفكار خاطئة لدى مخرجي الأفلام التلفزية. لقد سمعت مرات عديدة الكثيرين يتحدثون عن الفيلم التلفزي بنوع من الإستصغار بالمقارنة مع الفيلم السينمائي و هذا خطأ فادح. لأن الفيلم التلفزي يشاهده الملايين من الناس. لأن التلفزة موجودة في كل بيت ، بينما الفيلم السينمائي رهينا بالعرض في القاعات التي أصبحت شبه منعدمة في المغرب و بالتالي لا يشاهد إلا من طرف بضع مئات و على أكبر تقدير بضع آلاف من المشاهدين. من هنا أقول كي تتحسن جودة أفلامنا التلفزية على الكتاب و المخرجين أن ينظروا إليها كوسيلة تواصل مع أكبر عدد من المشاهدين، و على القناتين التلفزيتين أن ترصدا ميزانيات أكثر من أجل رفع جودة الإنتاج. الذي أستغرب له الآن هو وجود نوع من الإنتاج التلفزي يؤكد إمكانية تصوير فيلم في إثني عشر يوما و بممثلين هواة و تقنيين مبتدئين. في نظري هذا نوع من الهراء و العبث لأنه في مجال السينما و التلفزيون لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نصل لجودة مقبولة إذا لم يكن هناك الوقت و التمويل الكافيان للعمل لماذا تبقى الأفلام التلفزيونية قليلة على مستوى الإنتاج في نظرك؟ لاأظن أنها قليلة إذ لدينا فقط تلفزتان تنتجان أفلاما. و لكن هناك أيضا مشكلة كبيرة هي غياب النصوص الجيدة. السيناريو في المغرب مشكلة كبيرة. أصبح الجميع يتصور أن بإمكانه كتابة سيناريو بينما النصوص الجيدة التي تكتب في السنة قد لا تتعدى نصين أو ثلاثة. إذن المشكلة مركبة من ناحية الجهات المنتجة المحدودة و من جهة أخرى ليست هناك أفكار و نصوص خلاقة. بعض السبب في الحناء و بعضه في اليدين كما يقول المغاربة. الآن أصبح علينا المطالبة بالجودة في ما ينتج لأنه تبين بشكل جلي أن المقولة التي تروج للوصول للجودة كنتيجة للكمية أبانت عن فشلها.. على مستوى السينما . تحدث لنا عن تجربتك في الأفلام القصيرة ؟ فيلمي الأول «يوم سعيد» أنتجته بإمكانيات بسيطة جدا و من دون دعم و لكنه استطاع أن يشارك في أربعة عشر مهرجانا وطنيا و دوليا و ما زالت العديد من الجمعيات و المنظمات الحقوقية و التربوية و السينمائية تطلب نسخا منه لعرضها في إطار أنشطتها و محترفاتها. لم أكن أتوقع من فيلمي الأول و الذي لم تتوفر له إلا الإمكانيات الأقل من الضرورية أن ينال هذا النوع من الرضا. تجربة هذا الفيلم أكدت لي فكرة كنت أحملها حتى قبل أن أبدأ بصناعة أفلام و هي أن الموضوع و السيناريو الجيدين هما ضمان إمكانية فيلم جيد. و من هنا جاءت مزاوجتي للكتابة و الإخراج. الفيلم الثاني و هو «سفر رائع» فيلم يحكي عن المهمشين و عن أحلامهم و آمالهم في النجاح و سوف يعرض في شهر أكتوبر القادم بمهرجان السينما العربية ب»فيميك» فرنسا و قبلها بمهرجانين بإسبانيا. أما الفيلم الأخير و الذي أنا الآن بصدد وضع لمساته الأخيرة قبل إخراج نسخه فهو أيضا يدور في فلك الطفولة. لا أريد أن أفصل الآن في موضوعه لأنني أريد أحتفظ للمتفرج بالتشويق الذي يتضمنه. و لكنني يمكن أن أقول أن الفيلم يمثل خطوة جديدة و مختلفة نوعا ما في مساري و هو من تشخيص الممثلة الجيدة و الجميلة في آن «خلود» و ابني شادي الكلاعي. على مستوى الأفلام القصيرة في المغرب نرى غزارة في الإنتاج وضعفا على المستوى الجمالي . في نظرك إلى ما يرجع السبب؟ نفس المشكلة التي تكلمنا عنها سابقا. «الورق» كما يقول المنتجون الأمريكيون. كل فيلم جيد يبدأ بورق جيد. أي السيناريو. ما حدث في المغرب هو أن المركز السينمائي أراد أن يقنن مجال الإنتاج فسن قانونا بموجبه لا يمكن لشركة إنتاج أن تحصل على رخصة تمكنها من القيام بتنفيذ الإنتاج إلا إذا كانت قد أنتجت فيلما مطولا أو ثلاثة أفلام قصيرة، و بدل أن تأخذ شركات الإنتاج هذا الشرط كإمكانية جيدة لتقنين و تنظيم القطاع أصبح الجميع يتهافت لإنتاج ثلاثة أشرطة قصيرة في وقت قياسي و منعدمة الجودة لا يمكنها أن تعرض في أي مكان و مصيرها رفوف أصحابها. الآن وقد انتهت هذه الحمى أقول أنه كان من الممكن استغلال تلك الفرصة استغلالا جيدا لتكوين مخرجين و تقنيين جدد، لكن للأسف تم التركيز فقط على كيفية الالتفاف على القانون و بأقل ثمن ممكن. بدأ اهتمامك بالسينما انطلاقا من تجربتك في الأندية السينمائية . هل يمكن أن نقول ان النادي السينمائي هو مدرسة للتكوين؟ فعلا مثلت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية في مرحلة معينة مجالا لنشر الإهتمام بالسينما. أنا شخصيا التحقت بالنادي السينمائي و عمري لا يتجاوز الثانية عشرة. كنت أحب السينما بشكل كبير قبل الإلتحاق بالنادي السينمائي. كانت السينما الأمريكية و السينما الإيطالية التجارية تملأ أحلامنا و مخيلتنا الطفولية. و بعد أن التحقت بالنادي السينمائي اكتشفت قارات سينمائية جديدة. إكتفت إيزنشتاين و بودوفكين و دزيكا فيرتوف و نيكيتا ميخالكوف و غيرهم من المخرجين السوفييت و الشرقيين عموما. و مع هذه الفتنة الجمالية بدأت أنخرط في نقاشات الفن و السياسة التي تلي العروض و تعلمت من الشعارات السياسية اليسارية أكثر مما تعلمته من التقنيات السينمائية ،و لكن الأمر كان ممتعا للغاية و محفزا على البحث و اقتناء الكتب و كراء الأفلام من الفيديو كلوب حتى أصبحت السينما شيئا فشيئا هي المركز الذي تدور حوله حياتي كلها. و جاء وقت تحمل المسؤولية في تسيير النادي السينمائي و صرت مسؤولا عن البرمجة و بدأنا نبرمج أفلاما الواقعية الجديدة الإيطالية و الموجة الجديدة الفرنسية و أفلاما ألمانية للجيل الجديد و السينما الجديدة البرازيلية و هكذا و مع تقلص اهتمام فصائل اليسار بالنادي السينمائي و التحاقهم بجمعيات مثل جمعية حقوق الإنسان و جمعية المعطلين و جمعيات الأحياء كروافد جديدة للنضال، كنت و مجموعة صغيرة نقاوم فناء النادي السينمائي بعرض أفلام رائعة جدا مثل «فان خوخ» لموريس بيالا و «سولاريس» لطاركوفسكي. لكننا لم نستطع أن نستمر طويلا. في رأيك كيف هي السينما المغربية ؟ في أحسن مراحلها من ناحيتي الكمية و الجودة. صرنا ننتج أربعة عشر شريطا مطولا في السنة تقريبا، هذا أمر جيد جدا. و كذلك اهتمام الجمهور المغربي بالفيلم المغربي يعتبر مؤشرا رائعا على الحالة الصحية لسينمانا. و لكن هناك بعض نقاط الضعف التي علينا الإهتمام بها حتى نستطيع تتويج هذا النجاح و صيانته و ضمان إستمراريته. أولا و قبل كل شي يجب الحديث عن القاعات السينمائية التي هجم عليها مغول الإسمنت و دمرها عن آخرها و ما تبقى منها لا تتوفر فيه أدنى شروط العرض. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستقيم المعادلة الإنتاجية السينمائية بدون عروض و تذاكر و قاعات عرض. أظن أن على المركز السينمائي ووزارة الثقافة بشراكات مع الجماعات المحلية وضع مخطط وطني لإنشاء دور العرض، بتقديم الدعم المالي للمستثمرين من أجل إنشاء قاعات للعروض و الزام المنعشين العقاريين في إطار دفاتر التحملات على خلق دور للعرض. ثم هناك نقطة أخرى و هي غياب النقد السينمائي. أنا ألاحظ أنه في الوقت الذي كان المغرب لا ينتج إلا فيلما واحدا كل سنتين كان هناك أكثر من عشرين مقالة نقدية تكتب عن هذا الفيلم و الآن و نحن نكاد نصل لعشرين فيلما في السنة ليس هناك و لا عمود نقدي يتناول السينما المغربية بكتابة نقدية أكاديمية قوية و ذات تأثير. إنها فعلا مشكلة. من سيقوم مسار مبدع ما، من سيطرح موضوعات جديدة للتناول، من سيدافع عن توجه سينمائي ما، إنها مهنة النقاد السينمائيين. للأسف غاب النقد و لم يبق هناك إلا المتابعات الصحفية التي تواكب العروض الأولى للأفلام. ما هو الجديد ؟ وهل هناك مشروع سينمائي في المستقبل؟ أنا الآن بصدد إعادة كتابة سيناريو فيلمي السينمائي المطول الأول و الذي أتمنى أن يكون جاهزا قبل نهاية السنة. الفكرة و الخطاطة الأولى كتبتها منذ أزيد من أربع سنوات و في كل مرة كنت أنتهي من عمل ما كنت أعود لتطويرها و البحث أكثر في المراجع عن معطيات أكبر في موضوعها و الإلتقاء بشخصيات قريبة من طبيعة حياة الشخصية الرئيسية للفيلم. أظن أن العمل قد صار قريبا جدا من النضج.