انتشرت خلال الآونة الأخيرة دعارة المهاجرات الإفريقيات. إذ أصبحت منافسة هؤلاء المهاجرات لبائعات الهوى المغربيات في الطرق أو داخل الملاهي الليلية من الأمور العادية. ورغم خطورة الظاهرة على صحة المغاربة، على اعتبار أن عددا من هؤلاء المهاجرات مصابات بالسيدا، فإن السلطات الصحية والأمنية المغربية تكتفي بحملات موسمية لا تقضي على الظاهرة من جذورها، بل تعمد إلى ردعها من حين إلى آخر. «المساء» لامست هذا الموضوع الحساس والمسكوت عنه من خلال التحقيق التالي. الساعة الثامنة مساء من يوم الجمعة الماضي بشارع أم الربيع بالقرب من إقامة الفردوس بحي الألفة بالدارالبيضاء.. فتاتان يظهر من سحنتيهما أنهما إفريقيتان تنتظران بالجانب الأيسر من الشارع، وقد ارتدتا ملابس مثيرة لا تتناسب والجو البارد الذي كان يخيم ذلك المساء. المارة لا يسترعيهم منظر الفتاتين، اللتين كانتا تقفان في انتظار شيء ما. فقط رواد المقهى المقابل ممن اعتادوا الجلوس في تلك الفترة من المساء يعرفون ما تبحث عنه الفتاتان بملابسهما التي تفتح مخيلات المغاربة على كثير من التساؤلات والتأويلات. كانت الفتاتان تراقبان بإمعان الشارع وتتفحصان سائقي السيارات القادمة وكذلك خوفا من دوريات الشرطة التي تجوب الشارع من حين إلى آخر بحكم قرب الدائرة الأمنية الفردوس من الشارع الذي تقفان به. بعد أزيد من نصف ساعة من الوقوف وقفت سيارة رمادية اللون تقدمت نحوها إحدى الفتاتين بكل ثقة قبل أن تتبادل بضع كلمات مع السائق الذي كان شابا في نهاية عقده الثالث، ثم ما لبثت أن ترجلت من السيارة وابتسامة عريضة رسمت على محياها، ثم ودعت صديقتها التي ظلت واقفة في المكان بحثا عن زبون. فرصة مواتية للاكتشاف ما إن رحلت صديقتها حتى تقدمنا منها في محاولة لمعرفة كواليس عالم دعارة الإفريقيات، اللائي غالبا ما يكن مهاجرات غير شرعيات اضطرتهن الظروف إلى الارتماء في أحضان هذه المهنة من أجل العيش. بعد كلمات تعريفية وتبادل عبارات المجاملة اقترحنا عليها ارتياد مقهى قريب لشرب شيء ما، فوافقت بعد تفكير طويل لأن برد المساء بدأ يشتد. كان اسمها «مفيمبا» وهمها الأول الحصول على المال. كانت تتحدر من الكونغو الديمقراطية، وتقيم بالمغرب، الذي وصلته بعد رحلة طويلة من الحدود الجزائرية، مع إحدى مواطناتها التي تقيم بطريقة شرعية بإحدى الشقق المكتراة بحي الفردوس بالدارالبيضاء، وقد اضطرت بعد نفاد مدخراتها المالية إلى ممارسة الدعارة من أجل العيش وادخار بعض المال من أجل إكمال الرحلة نحو الفردوس الأوربي، الذي كانت تحلم به حينما انطلقت من بلدها قبل سنتين. تحكي مفيمبا أن كثيرا من مواطناتها اللائي وصلن إلى المغرب ومازلن يصلن، رغم الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، بفضل وسطاء محترفين خبروا مسالك وطرق الصحراء الإفريقية، يمارسن الدعارة وبعضهن مصابات بأمراض جنسية وتعفنية، بينها «السيدا»، إلا أنهن يضطررن إلى العمل من أجل الحصول على لقمة العيش وتوفير بعض المال من أجل استكمال الرحلة. وتضيف الشابة الإفريقية، التي كانت تحمل هموما لا حصر لها أنها، تعرضت للاغتصاب مرات عديدة من طرف مواطنيها وأيضا من طرف مغاربة خلال محاولتها الوصول إلى مدينة الدارالبيضاء للقاء طالبة تدرس الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني من أجل القيام باستراحة المحارب قبل أن تكمل الرحلة في اتجاه الشمال. بعد عدة تجارب، توصلت مفيمبا إلى أن الرجال المغاربة يتقنون عبارات المجاملة والكلام المعسول، لكنهم في غالب الأحيان لا يرغبون في دفع المال، لكن الكلام المعسول بالنسبة إليها لن يدفع مصاريف العبور إلى مدينة مليلية السليبة، لذلك أصبحت تحرص على الحصول على المال أولا قبل التوجه إلى المكان الذي يحدده الزبون. دعارة راقية غير بعيد عن حي الفردوس الشعبي، الذي تقيم به المهاجرات الإفريقيات، بدأت خلال الأشهر الأخيرة الحانات الراقية والنوادي الليلية بالشريط الساحلي لعين الذياب بجلب عشرات المهاجرات الإفريقيات، اللائي يبحثن عن زبناء يغدقن عليهن الأموال من أجل مرافقتهن بعد سهرات طويلة غير مبالين بالأخطار التي يمكن أن تحملها علاقات عابرة مع تلك المهاجرات الإفريقيات، اللائي لا أحد يعرف حالتهن الصحية والأمراض الجنسية التي يمكن أن ينقلنها إلى زبنائهن. وبخلاف مفيمبا، التي تتخذ من الشارع مقرا لاصطياد زبنائها أملا في الحصول على مبالغ مالية صغيرة لا تتعدى في الغالب 200 درهم، فإن عددا كبيرا من الإفريقيات الجميلات أصبحن يترددن على أماكن ترفيهية ونواد ليلية راقية بالدارالبيضاء تمكنهن من كسب مبالغ مالية كبيرة يمكن أن تصل إلى أزيد من 1000 درهم خلال الليلة الواحدة، إضافة إلى الهدايا والمخدرات ومختلف أنواع الخمور الموجودة بالمكان. مصابات يعملن في صمت نفت مفيمبا بشدة أن تكون مصابة بأي مرض جنسي، مؤكدة أنها تحرص خلال عملها على اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لتجنب انتقال جميع الأمراض الجنسية إليها، إذ تفرض على زبنائها ضرورة استعمال العازل الطبي قبل أي علاقة جنسية. غير أنها لم تنف في الوقت ذاته وجود مهاجرات مصابات بأمراض جنسية، بينها السيدا، يعملن بشكل عادي بشوارع الدارالبيضاء في غياب أي مراقبة طبية بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية. وتعتبر أن هؤلاء المهاجرات مضطرات إلى العمل من أجل العيش ولا يمكنهن التوقف عن العمل، كما لا يمكنهن الإفصاح عن إصابتهن بالمرض مخافة فقدان زبنائهن الذين اعتادوا لقاءهن بكيفية منتظمة، لكنهن- حسب مفيمبا- يحرصن ما أمكن على استعمال وسائل الحماية، إلا إذا رفض الزبون ذلك، وغالبا ما يرفض الرجال ما فوق سن الأربعين، حسب تجربتها، وضع العوازل الطبية، معللين أن هذا الأمر يقلل من درجة المتعة الجنسية التي يبحثون عنها، والتي يبذلون من أجلها مبالغ مالية مهمة ويخاطرون من أجلها أيضا بوضعهم الصحي. مفيمبا وصديقاتها لا يولين اهتماما كبيرا بصحة المغاربة ما دام وجودهن بالمغرب مؤقتا ورهينا بجمع مبلغ مالي محترم يمكنهن من تغطية مصاريف الرحلة في اتجاه أوربا، لذا هن ماضيات في عملهن دون أدنى شعور بالذنب. 160 حالة سيدا بين المهاجرين كشف مصدر من الجمعية المغربية لمكافحة السيدا أن هناك حوالي 160 مهاجرا إفريقيا مصابا بالسيدا يعيشون في المغرب ويتلقون العلاجات الضرورية داخل مقراتها، إضافة إلى الدعم النفسي الذي يقدم إلى المصابين في هذا النوع من الأمراض. ورغم أن المغرب كان يشكل فقط محطة عبور بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة، فقد تحول في السنوات الأخيرة إلى بلد للاستقبال.إذ صار متوسط وجود المهاجرين الأفارقة في المغرب يصل إلى 6 سنوات. وهؤلاء المهاجرون يتحركون بشكل دائم، منغلقين على أنفسهم ويعانون من الهشاشة الاجتماعية. ومن أجل مواجهة هذا الوضع وضعت الجمعية المغربية لمكافحة السيدا برنامجا لمساعدة هؤلاء المهاجرين في مختلف مناحي حياتهم، وخاصة فيما يتعلق بالجانب الصحي المرتبط بالحماية من الأمراض المنقولة جنسيا، وفي مقدمتها السيدا. واعتبرت الدكتورة فتيحة غفراني أنه بناء على البرنامج الذي تشتغل في إطاره جمعيتها يوجد أزيد من 8 آلاف مهاجر سري من إفريقيا جنوب الصحراء موزعين بين الرباط بنسبة 60 في المائة، والدارالبيضاء بنسبة 40 في المائة. ويقوم مشروع وقاية القرب الخاص بالمهاجرين على حماية المهاجرين وتقليل انتشار الأمراض المنقولة جنسيا بينهم وتخفيض نسبة انتقال عدوى السيدا. ويروم البرنامج كذلك دراسة شريحة المهاجرين الأفارقة المعنيين وتحسيس هؤلاء المهاجرين بأخطار السيدا والأمراض المنقولة جنسيا وطرق الوقاية منها. ويتأتى هذا الأمر من خلال تكوين مؤطرين من بين المهاجرين السريين أنفسهم. انتقام صامت تعمد بعض المهاجرات اللائي تعرضن لاعتداءات جنسية أو جسدية من طرف المغاربة خلال رحلتهن إلى المغرب إلى الانتقام من المجتمع عبر عدم توقفهن عن ممارسة الدعارة، رغم أنهن مصابات بأمراض جنسية خطيرة. وتقوم هؤلاء المهاجرات بنشاطهن في سرية تامة وبعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، التي ليست من أولوياتها مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي تكتفي بحملات موسمية بين الفينة والأخرى لردع المهاجرين غير الشرعيين بعد استفحال ضلوعهم في بعض الأنشطة الإجرامية كشبكات النصب والاحتيال والسرقة وتهريب وترويج المخدرات، إلا أن شبكات دعارة الإفريقيات يجب أن تمثل أولوية لأنها تشكل خطرا مباشرا يهدد صحة المغاربة الجنسية، ويمكن أن تكبد البلاد ملايين الدراهم سنويا إذا ما استفحل انتشار الأمراض المنقولة جنسيا وخاصة السيدا.
ملاحقة أمنية يقظة كانت الساعة تشير إلى حوالي السابعة والنصف بمقر الأمن الإقليمي للحي الحسني بالدارالبيضاء. رجال أمن بالزي المدني يقودون مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة إلى داخل إحدى القاعات من أجل التحقق من هوياتهم. المهاجرون، بينهم فتاتان، صامتون على غير عادتهم حينما يكونون جماعات. الجميع كان ينتظر ما سيسفر عنه التحقيق وعيونهم تتخوف من إحالتهم على النيابة العامة، التي غالبا ما تقرر ترحيلهم نحو بلدانهم الأصلية عبر الحدود الجزائرية. رجل الأمن المشرف على المداومة ذلك المساء اعتذر بلباقة لأحد المهاجرين الشرعيين، الذي لم يكن يحمل جواز سفره أو أي وثيقة تثبت أنه مهاجر شرعي، بعد أن أدلى أحد أصدقائه بوثائقه الشخصية قبل أن يغادر المكان متحسرا على أصدقائه الذين ظلوا داخل مصلحة المداومة قبل عرضهم صباح اليوم التالي على النيابة العامة بتهمة دخول التراب الوطني بصفة غير شرعية. حتى وقت قريب كان الأفارقة، سواء الذين يعيشون بصفة شرعية أو غير شرعية داخل عدد من أحياء الدارالبيضاء، وخاصة حيي الألفة والمدينة القديمة، يعيشون بشكل عادي، لكن الأمر تغير اليوم لأنهم أصبحوا معرضين بين الفينة والأخرى لمتابعات أمنية يمكن أن تنتهي بالترحيل خارج المغرب. مصدر أمني أكد ل«المساء» أن تنامي الملاحقات الأمنية في مواجهة المهاجرين الأفارقة جاءت بعد تصاعد نشاطهم في بعض الأمور غير القانونية، إذ أصبح يستعين بهم تجار المخدرات الصلبة في توزيع بضاعتهم لكونهم غير مسجلين لدى المصالح الأمنية، وكذلك بعد تنامي استغلالهم من طرف شبكات الدعارة التي تنشط بالعاصمة الاقتصادية. حالات سيدا غير معلنة وجود مهاجرات إفريقيات غير شرعيات مصابات بالسيدا بالمغرب حقيقة لا يستطيع أن ينكرها أحد، إلا أن عدد هؤلاء اللواتي يتلقين العلاج لدى مختلف الجمعيات المهتمة بالمهاجرين الأفارقة غير معروف بشكل دقيق. وحاولت «المساء» طيلة أسبوع كامل معرفة عدد الإفريقيات المهاجرات بطريقة غير شرعية المصابات بالسيدا في المغرب، إلا أن مسؤولي وزارة الصحة تحفظوا على تقديم أي رقم رسمي عن عدد الحالات المسجلة بالمغرب. وقدرت مصادر مطلعة عدد الإفريقيات المصابات بالسيدا في المغرب، اللائي تم تشخيص حالاتهن، بأكثر من 200 إفريقية بعضهن يتلقين العلاج بمدن الدارالبيضاءوالرباطووجدة، إضافة إلى مهاجرات أخريات لا يتلقين أي علاج بسبب خوفهن من الترحيل أو عدم اكتشاف إصابتهن بالمرض بعد، وهو ما ينتج عنه انتقال العدوى بين المغاربة الذين يمارسون الجنس مع أولئك الإفريقيات وينقلون بدورهم الفيروس إلى زوجاتهم أو مغربيات أخريات يمتهن الدعارة. ولوحظ خلال السنوات الأخيرة إقبال متزايد على المغرب من طرف المهاجرين السريين الأفارقة لأنه يعتبر بالنسبة إليهم بلد العبور، وغالبا ما تتحول فكرة العبور من المغرب إلى أوربا إلى حرص على البقاء مع اشتداد الخناق من طرف الأوربيين على حدودهم الجنوبية، وبالتالي يصبح الحل الوحيد المتاح أمام هؤلاء المهاجرين هو العيش في المغرب مع استحالة عودتهم الطوعية نحو بلدانهم الأصلية. فريسة سهلة كشف تقرير حديث لمنظمة «أطباء بلا حدود»، التي تتولى تقديم الرعاية الطبية للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بالمغرب، أن العدد الكبير من المهاجرين يأتي من وسط وغرب إفريقيا، وهم يتوجهون إلى المغرب هربا من الفقر والبطالة المنتشرة في بلدانهم الأصلية والنزاعات المسلحة والعنف، وفي بعض الحالات يفرون من العنف الجنسي. ويتجه المهاجرون، حسب التقرير ذاته، إلى مدينتي الرباطوالدارالبيضاء في فصل الشتاء أو يمكثون في مدينة وجدة أو حولها، على الحدود الجزائرية، قبل محاولة الوصول إلى أوروبا. وتتسم أوضاع العيش لديهم بالفقر المدقع. وغالبا ما يتم توقيفهم من طرف السلطات الأمنية المغربية، التي تقوم بترحيلهم عبر الحدود الجزائرية أو الموريتانية. ويعتبر التقرير أن هؤلاء المهاجرين يقعون بسهولة فريسة شبكات الاتجار والتهريب، كما أنهم يتعرضون لخطر الاعتداء والسرقة من قبل المجرمين، الذين يفلتون تماماً من العقاب إلى حد ما لأن ضحاياهم ليسوا في وضع قانوني. ويؤثر هذا الوضع المتدهور في الصحة العقلية للمهاجرين، إذ إن 25 في المائة من الأشخاص الذين تلقوا استشارات طبية من قبل طاقم منظمة «أطباء بلا حدود» يعانون من أعراض غير محددة مرتبطة غالبا بالإجهاد والقلق. عنف جنسي قاتل أكدت الأرقام الصادرة عن منظمة «أطباء بلا حدود» في المغرب أن الفرق الطبية للمنظمة قدمت خلال سنة 2010 الرعاية الطبية لأكثر من 145 مهاجرة إفريقية ضحية العنف الجنسي. ولاحظت المنظمة الدولية أن امرأة من كل ثلاث نساء، تم علاجها من قبل الطاقم الطبي للمنظمة في الرباطوالدارالبيضاء في الفترة ما بين ماي 2009 ويناير 2010، تعرضت لاعتداء جنسي واحد أو أكثر في بلدها الأصلي أو خلال رحلتها أو في المغرب، وجمع الطاقم شهادات من 63 مريضا كان 14 منهم دون سن 18. وتوضح هذه الشهادات، التي ساهمت في تقرير منظمة «أطباء بلا حدود» حول العنف الجنسي والهجرة، الضعف الحاد لهؤلاء النساء خلال رحلتهن، وهو ما يوضح بجلاء أن العنف الجنسي الممارس ضد هؤلاء المهاجرات يمكن أن يؤدي إلى انتشار أمراض تناسلية وتعفنية خطيرة وسط المجتمع المغربي لأن مرتكبي تلك الاعتداءات الجنسية لن يكتفوا بها فقط، بل يبحثون عن شركاء آخرين، وهو ما يهدد باتساع الدائرة نحو أشخاص آخرين من الجنسين. ونقلت المنظمة عن إحدى ضحايا هذا الاعتداء الجنسي، التي تدعى دينيس وتنتمي إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، تجربتها مع الاعتداء الجنسي في المغرب، حيث أكدت أنها عندما كانت تحاول الوصول إلى الحدود الجزائرية والمغربية كان عليها أن تمشي للوصول إلى مدينة وجدة، وكان الأطفال بصحبتها عطشى جدا وعندما رأت رجلاً في الشارع طلبت منه أن يمكنها من إيجاد بعض المياه، فطلب منها التوجه إلى منزل قريب وهناك قدم رجل ما المياه لأطفالها، وعندما كان الأطفال يشربون المياه خارج المنزل أجبرها رجلان على الدخول إلى المنزل واغتصباها الواحد تلو الآخر، وقاما بضربها ثم ألقيا بها وبأطفالها إلى الصحراء، لكن لحسن حظهم أن بعض المهاجرين عثروا عليهم أثناء عبورهم الصحراء وأتوا بهم إلى وجدة، وهناك ساعدتهم فرق منظمة «أطباء بلا حدود» على تلقي الرعاية الطبية والنفسية الاجتماعية. جهود غير كافية رغم الجهود التي تبذلها المنظمات العاملة في مجال مكافحة داء السيدا في المغرب، فإن المرض في ازدياد مستمر. وتؤكد إحصائيات هذه المنظمات أن 81 في المائة من المصابين انتقل إليهم المرض عبر الاتصال الجنسي، وهو ما يجعل التحذير من انتشار دعارة المهاجرات الإفريقيات، خاصة منهن اللائي دخلن المغرب بطريقة غير شرعية، من الأمور الأساسية في الحد من المرض ولو بجزء ضئيل. هذا الأمر جعل المنظمات المهتمة بمكافحة المرض بالمغرب تسطر برامج خاصة لفائدة المهاجرين الأفارقة المصابين بالمرض، غير أن إمكانيات هذه الجمعيات تبقى محدودة مقارنة بالأعداد الهامة من المهاجرين الأفارقة الذين يتدفقون على المغرب كل سنة، والذين يرفض أغلبهم إجراء الفحوص الخاصة بالسيدا خوفا من الوقوع في قبضة الشرطة، التي غالبا ما ترحلهم من المغرب إلى بلدانهم، التي غادروها إما بسبب مشاكل أمنية أو اجتماعية أو مشاكل الاقتصادية والرغبة في حياة أفضل أو بحثا عن الفردوس الأوربي.
28 ألف مغربي مصابون بالسيدا أكد تقرير برنامج الأممالمتحدة الخاص بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) أن عدد المصابين بهذا الداء في المغرب يقدر ب28 ألف شخص في سنة 2010، منهم 78 في المائة يعيشون في المدن. وتمثل النساء نسبة 48 في المائة، لكن تبقى نسبة الإصابة بالمغرب ضعيفة كما هو حال منطقة البحر المتوسط، وهي 0,1 في المائة، في الوقت الذي تسجل فيه بعض الدول الإفريقية نسبة10 بالمائة. وأضاف التقرير أنه بالمقارنة مع سنة 2009، ارتفع عدد المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة بنسبة 3.3 في المائة، فيما ظلت نسبة الإصابات الجديدة مستقرة عند 7.2 ملايين. وقد عرف عدد الوفيات الناجمة عن السيدا انخفاضا وصل إلى 1.8 مليون، أي أقل من 5.3 في المائة. هذا الانخفاض راجع أساسا إلى تحسن دورات العلاج وكثافة حملات التوعية، التي تمكن من إنقاذ المزيد من المرضى، وحاليا يتم علاج 4000 شخص في 12 مركزا للتكفل بالسيدا، فيما ستخصص وزارة الصحة ميزانية تقدر ب19.5 مليون درهم سنويا لمكافحة الداء. من جهة أخرى، وبالإضافة إلى تعزيز جودة التكفل الشامل بالمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة ومرضى السيدا، والذي يجمع بين الرعاية الطبية والعلاج والدعم النفسي والاجتماعي، تهدف استراتيجية مكافحة السيدا إلى التقليص من خطر انتقال الفيروس من النساء الحوامل المصابات إلى أطفالهم وكذا خفض عدد وفيات الأمهات المرتبطة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، فيما تتمثل أهداف المغرب في مجال محاربة السيدا في خفض نسبة انتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة بمعدل 50 في المائة. وبخصوص الحق في الولوج للعلاج، يعتبر المغرب من بين البلدان التي تمكنت من تعميم العلاج الثلاثي المضاد للفيروسات التقهقرية (ARV) لأي شخص متعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، وفقا لمعايير منظمة الصحة العالمية. من جهة ثانية، تدعو مضامين الاستراتيجية الجديدة إلى خلق آلية لحماية الأشخاص المصابين بفيروس السيدا والحاملين له، الذين يتعرضون للتمييز والتهميش جراء إصابتهم بالداء. وعلى الصعيد الدولي، وحسب نفس التقرير، فإن هناك 34 مليون شخص سنة 2010 يحملون الفيروس في العالم، مشيرا إلى تراجع حالات العدوى إلى أدنى مستوى لها منذ رصد المرض. وذكر التقرير نفسه أن عدد الإصابات الجديدة بالفيروس المسبب للمرض تراجع على مستوى العالم إلى21 في المائة في الفترة الممتدة بين عام 1997 حتى عام 2010. ومن الأمور الإيجابية الأخرى التي جاء بها التقرير أن المرضى المصابين بفيروس (VIH) أصبحوا يعيشون أطول مدة بسبب توفر العلاج أمام عدد أكبر منهم. كما أن عدد الوفيات بسبب السيدا انخفض ب5,3 في المائة في العالم. وأكد التقرير على أنه منذ ظهور المرض قبل 30 سنة تم تحقيق الكثير من التقدم. ففي 2010 تم صرف حوالي 16 مليار دولار على الجهود الدولية لمحاربة السيدا. وحسب الأممالمتحدة، فإن المناطق الأكثر إصابة بفيروس السيدا في العالم هي الدول الإفريقية جنوب الصحراء، ففي 2010 كان حوالي 68 في المائة من المصابين في العالم ينتمون إلى هذه المنطقة. وحسب تقديرات المنظمة، فإن عدد الأشخاص الحاملين للفيروس في هذه المنطقة يقدر ب22,5 مليونا، أكثر من نصفهم من النساء. وتبقى مكافحة السيدا من بين الرهانات الرئيسية في مجال الصحة العامة في المغرب، ومن أجل القضاء على هذا الوباء يجب مشاركة وتعبئة كافة الأفراد.لكن رغم الجهود المبذولة في مجال الوقاية والفحص، لازال هناك عشرات الملايين من الناس غير مدركين لإصابتهم، وهو ما يعد أمرا خطيرا، سواء عليهم أو على الغير.
الرعاية الطبية المباشرة لأطباء بلا حدود بدأت منظمة «أطباء بلا حدود» العمل مع المهاجرين في المغرب القادمين من جنوب الصحراء الكبرى في عام 2000 ولديها فرق في الرباطووجدة. ويتكون عمل منظمة «أطباء بلا حدود» من عنصرين، الأول يتمثل دوره في توفير الرعاية الطبية المباشرة، والثاني في تسهيل الاستفادة من النظام الصحي المغربي. إذ في عام 2010، أنجز طاقم المنظمة أكثر من ألفين و500 استشارة طبية، ووفر المساعدات النفسية الاجتماعية للمهاجرين عن طريق 182 استشارة فردية معنية بالصحة النفسية و48 جلسة جماعية. ويساعد الدعم النفسي الاجتماعي المرضى على مواجهة الإجهاد والصدمات التي يعيشونها. وتقوم منظمة «أطباء بلا حدود» أيضا بمرافقة المهاجرين إلى المراكز الصحية ومساعدتهم على الاستفادة من الرعاية الطبية في المرافق الصحية الوطنية.
مرض الإيدز وقانون الصحة تعتقد فاطمة الزهراء بوقيِِسي، المحامية بهيئة الرباط، أن هناك ترسانة قانونية يجب احترامها بخصوص مرض السيدا في المغرب، ونظمها المرسوم الملكي رقم 65-554، الصادر بتاريخ ربيع الأول 1387 الموافق ل26 يونيو 1967، والذي صدر بشأنه قرار لوزارة الصحة العمومية رقم 95-683 ب30 شوال 1415 بتاريخ 31 مارس 1995، والذي يحدد كيفية تطبيق المرسوم أعلاه والمعتبر بمثابة قانون يرمي إلى إجبارية التصريح ببعض الأمراض واتخاذ التدابير اللازمة بشأنها لحماية الأشخاص المحيطين بالمصاب مثل حمى التيفوئيد ومرض السل والجذام، وداء التهاب الكبد وحمى الملاريا، وأخيرا داء نقص المناعة المكتسبة الذي يصطلح عليه في نفس القرارLe syndrome d'immunodéficience acquise (SIDA) والمتعارف عليه عالميا بداء «الإيدز» . وهنا يقع اصطدام بين تقيد الطبيب بسر المهنة، كما هو منصوص عليه ضمن مقتضيات المادة الرابعة من القانون الصادر بتاريخ 19-06- 1953، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 2121 في الصفحة 828، الذي يلزمه بالتصريح بهذا الوباء فور اكتشافه لدى المصاب. لكن الواقع أثبت بأنه رغم الحملات التحسيسية التي تبين بأن العدوى لا تنتقل إلا في حالات معينة، فإن المصاب بداء الإيدز سيعيش - بعد الإعلان عن حالته– وضعية صعبة على جهتين، الأولى حالته الصحية والمأساة الرهيبة التي يعيشها نفسانيا وجسديا، والثانية معاملة من كان يعتبر أنهم يحبونه ويودون رفقته.
تعميم العلاج تؤكد وزارة الصحة أن المغرب يعد من بين الدول التي نجحت في التعميم المجاني للعلاج الثلاثي المضاد للفيروسات الارتدادية لكل شخص يحمل الفيروس ويستجيب لشروط منظمة الصحة العالمية. وأكدت الوزارة بأن الميزانية المخصصة لتفعيل هذا المخطط تقدر ب47 مليونا و762 ألف دولار، يساهم الصندوق العالمي لمحاربة السيدا والسل الملاريا ب31 في المائة منها. ووضعت الوزارة لمحاربة المرض كذلك «برامج خاصة» مثل الحملة الوطنية للتواصل الاجتماعي الرامية إلى محاربة التمييز، وبرنامج الحد من المخاطر، وتعبئة وإشراك الخطاب الديني، إضافة إلى برنامج الوقاية من انتقال داء فقدان المناعة المكتسبة من الأم إلى الطفل، الذي يعتبر برنامجا رائدا تم وضعه على صعيد ثلاث جهات بالمملكة، في إطار مقاربة للتدخل الشامل للصحة الإنجابية، التي تشرك مصالح صحة الأم والطفل على صعيد مؤسسات خدمات العلاج الأساسية. كما تتمثل رؤية الوزارة في مكافحة المرض بالبلاد في إدماج النصيحة واختبار داء فقدان المناعة المكتسبة في استشارات ما قبل الإنجاب، واحترام الأخلاقيات وحقوق الأشخاص الذين يخضعون للاختبارات، من خلال ضمان توجيه النساء الحوامل المصابات بداء فقدان المناعة المكتسبة نحو المراكز المتخصصة لرعاية الأم والطفل. وإلى جانب الاستراتيجية الوطنية للتواصل الاجتماعي حول السيدا، التي شملت حملات واسعة لمحاربة التمييز، أجرت الوزارة رصدا منتظما للإحاطة بدينامية هذا الوباء وتحديد الاختلالات، بالإضافة إلى استغلال الفرص المتاحة. ويعد المخطط الاستراتيجي الجديد (2012-2016)، الذي وضعته الوزارة لمكافحة المرض الذي ترتبط أولوياته مباشرة ببيانات موثوقة وسرعة انتشار هذا الوباء، الذي «يلزم المغرب بقوة من أجل تحقيق أهداف الألفية للتنمية التي حددتها الأجندة الدولية والرؤية الاستراتيجية الجديدة لبرنامج الأممالمتحدة المشترك المعني بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا).