فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3 آلاف مصاب بالسيدا يتعايشون مع المرض علاجهم مرتبط باستمرار صندوق مكافحة الإيدز في دعم العلاج بالمغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 02 - 12 - 2010

يفرق فاطمة ومحمد أكثر ما يجمعهما، فرغم أنهما من سن متقاربة، إلا أنها هي من بلدة فقيرة بجهة سوس، دفعتها قساوة الحياة للعمل في حقول تنتج من الخضروات والبواكر الموجهة نحو أسواق بلدان الإتحاد الأوروبي وأوروبا الشرقية، قبل أن تدفعها الحاجة كما زميلات عديدات لها إلى امتهان الدعارة، أما هو فلم يسبق له أن نجح في كسب قوت يومه بعرق جبينه. قادته مغامراته المجنونة إلى عالم الإدمان، بدأ بتدخين السجائر، قبل أن يحترف لف لفافات الحشيش، وأخيرا مدمنا على حقن الكوكايين.
لم يسبق لفاطمة ومحمد أن التقيا من قبل، وربما لن يلتقيا أبدا، فلكل منهما مسار وحياة، وأيضا حياة قاسية. كلاهما يعتقد أنه ربما يكون مصابا بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، لكن لا أحد منهما يريد أن يستسلم لفحص روتيني بسيط، فكلاهما يؤجل موعد الكشف إلى وقت لاحق. فهل يفعلان ذلك يوما؟
بعيدا عنهما هناك العشرات من الأسئلة التي تظل بدون جواب شاف. هل حملات التوعية الموسمية كافية لمواجهة الخطر الذي يشكله مرض قاتل كالسيدا؟ لماذا جهة سوس ماسة تسجل أكبر نسبة من المصابين بالداء؟ ولماذا يربط هذا المعطى بكون جهة سوس وجهة سياحية؟ أليس انتشار الداء مرتبط أيضا بالبحارة الذين يقصدون المدينة وبالعمال والعاملات الزراعيات؟ ثم هل ارتفاع عدد المصابين بجهة سوس ماسة يعني أن باقي جهات المملكة في مأمن؟ وهل رحلة العلاج مؤمنة في المغرب؟ وإذا كان الأمر كذلك ماهي تكلفة العلاج؟ وهل من الممكن ضمان علاج المصابين في السنوات المقبلة بالمجان؟
فرصة استثنائية
منذ أول حالتين موثقتين للوفاة من جراء الإصابة بمرض الإيدز في كاليفورنيا في منتصف عام 1981، انتقل هذا المرض دون توقف عبر البلدان والقارات حاصداً في طريقه أرواح ما يزيد على 25 مليون شخص ومنذراً بأبشع تهديد يواجه التنمية في وقتنا الحالي. في المغرب البلد الذي يعتبر قطع خطوات كبيرة في مجال محاربة هذا الداء يعتقد الخبراء أنه يواجه فرصة استثنائية لصدّ وباء الإيدز، مادامت معدلات انتشاره مازالت منخفضة، لكن عوامل الخطر لا تتوقف هنا فهذا الوباء ينتشر انتشارا سريعا بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، وأيضا المشتغلات بالجنس. الخطر قادم أيضا مادامت هناك بيئة مواتية لانتشار الفيروس نتيجة لعوامل عديدة، مثل معدلات الهجرة العالية وتزايد تعاطي المخدرات عن طريق الحقن والفقر وارتفاع معدلات البطالة ونسبة الشباب العالية إلى مجموع السكان. ويمكن أن يصبح تأخير إجراءات التدخل أمرا مدمرا على المستوى الاجتماعي ومكلفا على المستوى الاقتصادي، حتى إذا بقيت الإصابة محصورة إلى حد كبير بين الفئات المعرضة لمخاطر عالية. فهل حملات التوعية الموسمية كافية لمواجهة الخطر؟
الحقن...تقتل
التقيناه في مقهى وسط مدينة الدار البيضاء، شاب منهك بملامح شبه أوربية فقدت الكثير من بريقها، عينان غائراتان تتوسطهما حدقتان بدتا كأنهما أكثر اتساعا من حجمهما الطبيعي، واحمرار مفاجئ لهما، يزول . . ثم يعود، في دورة لا تتوقف. فيما بدت الجبهة كأنها لجمجة هيكل عظمي. رغم أن محمد بالكاد تجاوز العقد الثالث من عمره فإن يديه تهتزان لا إراديا بين الحين والآخر، كما أن أعراض الشيخوخة المبكرة بادية عليه.
تربى محمد بإحدى مدن الشمال المغربي قبل أن يرحل صوب الولايات المتحدة الامريكية قبل عشر سنوات للدراسة، غير أنه سرعان ما عاد أدراجه إلى بيت العائلة بتطوان. بعد تردد طويل قرر أخيرا أن يزور مدينة الدار البيضاء بحثا عن مصحة لعلاج الإدمان.
بدأت حكايته قبل سنوات من الآن:»كنت في سن الرابعة عشر من عمري حين دخنت أول سيجارة. كانت لعبة مارستها كجميع المراهقين، غير أن اللعنة لم تتوقف. بعد السيجارة الأولى وجد محمد نفسه وقد احترفت لف لفافات الحشيش. «أول حقنة كانت على ذراعي، كانت للتسلية فقط، كنت في سن الثانيةوالعشرين، كنا نريد أنا وصديقي خوض تجربة جديدة، كنا نعتقد أن الحشيش عالمنا الذي لن نبرحه، لكننا كنا مخطئين. لقد كنا حقا غير قادرين على إدراك خطورة تصرفاتنا. عندما سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت عقدت العزم على أن تغيير الأجواء ومحيط أصدقائي سيساعدني على التخلص من الإدمان، لكن النتائج كانت عكسية تماما. في كل مرة أقرر فيها بدء حياة جديدة أفشل، أنا الآن أريد أن أتعالج من هذا الداء، ولا أعرف إن كنت سأقدر على ذلك أم لا؟
كما هو الحال بالنسبة لمحمد فإن المئات من الشباب من مدمني المخدرات القوية في مدن الشمال، على الخصوص هم في تزايد، بعد أن سيطرت مافيا هذه التجارة على المنطقة وحولتها إلى معبر شبه آمن لتجارة الموت. بلغة الأرقام يصنف مكتب الأمم المتحدة لمحاربة الجريمة والمخدرات المغرب ضمن الدول الثلاث الأكثر استهلاكا للكوكايين على مستوى الدول العربية. بنسبة تقارب 0,1% من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، في حين تبلغ نسبة مستهلكي مواد أفيونية، حسب نفس المصدر، نحو 0,02%، لكنها ترتفع لتشكل ما نسبته 4,2% بالنسبة لمستهلكي ‹›الكيف›› ومشتقاته.
وبمعنى أدق فإن عدد مستهلكي الكوكايين بالمغرب يقارب 31 ألف شخص، أما عدد مستهلكي الأفيون فيقدر ب 6250 شخص، في حين يرتفع عدد مستهلكي الكيف ومشتقاته إلى مليون و300 ألف شخص.
«الوضع جد خطير»، حسب عضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ هناك أزيد من ألف مدمن على حقن الكوكايين شمال المملكة لوحدها، حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة، التي تؤكد أيضا أن 39 في المائة من هؤلاء المدنين يحملون فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، بينما 90 في المائة مصابون بداء التهاب الكبد الفيروسي.
سوس العالمة..مريضة
بعيدا عن شمال المملكة بمئات الكيلومترات، وبالضبط بجهة سوس ماسة درعة لا تتوفر احصائيات دقيقة عن عدد مدمني المخدرات القوية، لكن الأرقام صادمة فيما يتعلق بعدد المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، على الأقل مقارنة مع باقي جهات المملكة.
في العادة يواجه من يطرح السؤال لماذا هذه الجهة بالضبط، بجواب شبه مكرر مفاده أن المنطقة تشهد إقبالا سياحيا كبيرا مقارنة بباقي الجهات، لكن هذا المعتقد تفنده الجمعية المغربية لمحاربة السيدا.
رئيس الجمعية، فرع أكادير له رأي آخر في الموضوع:» لا أحد يملك إجابة شافية على سؤال، لماذا جهة سوس ماسة تسجل أكبر نسبة من المصابين بالداء؟ الجمعية كما الوزارة ليست لها أية تفسيرات واضحة، لكن هناك على الأقل بعض من النقط التي يمكن الاستدلال بها. أهمها طبيعة العمل الموسمي الذي توفره المنطقة. فهناك العديد من النسوة اللواتي يأتين من مدن بعيدة للعمل في الضيعات الفلاحية المنتشرة في المنطقة، هاته العاملات مطالبات بتوفير لقمة العيش من عمل موسمي لا يزيد عن 50 درهما عن كل يوم عمل، كما أن ساعات العمل تتناقص من موسم لآخر، ما يدفع بعضهن إلى امتهان الدعارة كسبيل لسد لقمة العيش.
فاطمة..قصة عاملة جنس
تفسيرات الجمعية تلتقي مع قصة فاطمة، وهي فتاة عاشت تجربة العمل في الضيعات الفلاحية بمنطقة بإقليم شتوكة أيت باها. فاطمة اشتغلت هناك في ضيعة متخصصة في إنتاج البواكر من الخضروات الموجهة للتصدير. «كنت أتقاضى،تقول فاطمة، على الأكثر 1200 درهما، تقتطع منها واجبات الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قبل أن نكتشف أن ما يتم اقتطاعه لا يدفع للصندوق، مقابل هذا المبلغ الزهيد كان علي دفع مقابل السكن والمأكل، لكن ليس ذلك فقط، فقد كان علي أيضا إعالة باقي أفراد الأسرة. فاطمة كما جميع العاملات الزراعيات لا يزيد أجرهن عن 1200 درهم، يوضح مصدرنقابي:» إذا كان الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي محدد في 50 درهما في اليوم، فإن العاملة أو العامل الزراعي لا يتقاضى أجرة يوم العطلة الأسبوعية (4 أيام في الشهر)، كما يتم اقتطاع حوالي 3 دراهم في اليوم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالتالي فإن الأجر الشهري لا يتجاوز 1200 درهم.
ظلت فاطمة تقيم في غرفة بعيدة رفقة بعض من زميلاتها في العمل، ولأن ما كانت تتحصل عليه بالماد يوفر مصاريفها اليومية فقد كانت تضطر بين الفينة والأخرى إلى قبول دعوات زملاء لها في العمل لممارسة الجنس مقابل 20 درهما في الليلة. كثيرات من أمثالها يعتبرنها فرصة مثالية لادخار بعض النقود.
انقطعت فاطمة عن العمل بهذه الضيعات منذ أزيد من خمس سنوات، بعد أن ظهر عليها مرض جلدي بسبب الاستعمال المفرط للمبيدات الكيماوية، حيث نصحها الطبيب المعالج بترك العمل فورا، وهو ما استجابت له مرغمة:»تركت العمل هناك على مضض، فرغم أن الأجرة لم تكن تكفيني لإعالة أفراد أسرة لا دخل لها سوى ما يجنيه أفرادها من عمل مماثل، لكنها على الأقل كانت تغطي جزءا من حاجياتنا».
تركت فاطمة علمها كعاملة زراعية مرغمة لتجد نفسها مرغمة على امتهان أقٌدم حرفة في التاريخ، غير أنها سرعان ما ستجد نفسها مرة أخرى مرفوضة، بعد أن بدأ زبناؤها يتبرمون من الأكزيما التي على يديها. بعد أن لفظتها دور الدعارة تشتغل فاطمة حاليا، في تنظيف الصحون بإحدى مقاهي مدينة أكادير، ومع أن دخلها المادي من مهنتها الجديدة لا يكاد يغطي نفقات كراء الغرفة حيث تقيم، فإنها مع ذلك حريصة على المساهمة في مصاريف باقي أخواتها في القرية التي تبعد بمئات الكيلومترات عن مقر عملها الجديد.
لا تفكر فاطمة كالعديد من عاملات الجنس في إجراء فحوص للتأكد من عدم إصابتها بأحد الأمراض المتنقلة جنسيا. «فكرت يوما في ذلك، لكنني سرعان ما عدلت عن ذلك، ربما أفعلها يوما،لكن ليس الآن،ليس قبل أن أشفى من هذه الإكزيما التي دمرت حياتي».
البحارة والسياح والعمال الزراعيون
مقابل التجمعات السكانية التي تقيمها العاملات في الضيعات الفلاحية، يكتري الرجال بدورهم غرفا أو خياما يقيمون فيها خلال توفر فرص العمل، هم الآخرون مهاجرون من أجل عمل موسمي لا يسد رمق العيش.
في تشخيص للجمعية المغربية لمحاربة السيدا تعتبر أن الظروف الاجتماعية التي يعيشها الطرفان. نسوة بمدخول مادي شبه منعدم، وأكثر من ذلك مطلوب منهن بتوفير دريهمات تقيهن شر الحاجة، ورجال بعيدون عن أهاليهم، ومستعدون لدفع بضع دريهمات من أجل إشباع رغابتهم الجنسية، وأيضا عاملات جنس لا تلتزمن بشروط الوقاية ..إنه الفضاء المناسب لانتشار الأمراض المعدية والمتنقلة جنسيا، وأساسا داء فقدان المناعة المكتسبة(السيدا)، لكن ليست الوضعية التي تعيشها عاملات الجنس في الجهة سببا رئيسيا في ارتفاع معدل انتشار الداء بالجهة، فميناء المدينة يعرف حراكا تجاريا كبيرا، حيث يقصده البحارة من مختلف دول المعمور، في حين أن مئات الآلاف من السياح الأجانب يقصدون الجهة للاستجمام، وبالتالي فلا يمكن أن تكون هذه الفئة أو تلك المسؤولة الوحيدة عما يقع في المدينة والجهة.
258 إصابة جديدة بالمرض
ارتفاع عدد المصابين بجهة سوس ماسة لا بعني أن باقي جهات المملكة في مأمن، فإذا كانت جهة سوس ماسة درعة تحتل الصدارة على صعيد المملكة من حيث عدد المصابين (25 %) فإن جهة مراكش تانسيفت الحوز (تضم حوالي 18 %) تليها جهة الدار البيضاء الكبرى (11%)، وجهة الرباط سلا زمور زعير (10%)، فيما تتفاوت النسبة بباقي جهات المملكة بين 3و4 %.
وعلى العموم فقد سجلت وزارة الصحة وفق آخر الإحصائيات ( إلى حدود نهاية شهر شتنبر الماضي) أن النساء يمثلن 47 % من الحالات الحاملة لفيروس نقص المناعة البشرية، فيما 39 % مصابون بمرض السيدا. بل إنه حسب نفس المصدر فإن 69 %من المصابين تتراوح أعمارهم بين 25 و 44 سنة.
في العام 2010 لوحده سجلت وزارة الصحة 258 إصابة جديدة بالمرض، وهو رقم يبعث على التفاؤل على اعتبار أنه الرقم الأضعف منذ سبع سنوات، حيث منذ اكتشاف أول حالة إصابة على المستوى الوطني (العام 1986) وعدد المصابين الذين اكتشاف إصابتهم في ارتفاع، في العام 1992 بلغ عدد المصابين وفق احصائيات رسمية 30 مصابا، قبل ان يرتفع الرقم إلى 165 مصابا في العام 1999، ثم 271 مصابا في العام 2004، وهو الرقم الذي استمر في الارتفاع سنة بعد أخرى، حيث بلغ على التوالي 289 مصابا، 291، 367، 416، ثم 412 مصاب خلال العام الماضي.
رحلة العلاج
في المغرب يتعايش أزيد من 3 آلاف مصاب مع فيروس نقص المناعة البشرية عبر 10 مراكز تقدم العلاج المضاد للفيروسات بالمجان، حيث يهدف هذا العلاج إلى منع فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر، وبالتالي السماح لجسد المريض بالتحرر من تأثير فيروس نقص المناعة البشرية ومقاومته. حاليا يعتبر العلاج الثلاثي العلاج الأكثر انتشارا في العالم والأكثر فعالية ليس في القضاء على الفيروس، بل فقط في منع تكاثره والقضاء على الأمراض الإنتهازية، والتحكم في المرض، وذلك بتوجيه ضربتين للفيروس، مما يمكن المريض من أن يصبح مجرد حامل للفيروس وليس مريضا بالسيدا.
ومع ذلك يمكن القول إن اتباع العلاج الثلاثي بكيفية منتظمة يعتبر عسيرا، ليس فقط بسبب المضاعفات الكثيرة والجانبية التي تصاحبه، بل أيضا لأن المريض يكون محكوما عليه بمواصلة هذا العلاج طيلة حياته وبشكل يومي، وهو ما يعتبر صعبا نظرا لتعقيد التركيبة العلمية الواجب توافرها فيه، والتكاليف الباهظة التي يتطلبها.
فهل تستمر وزارة الصحة في توفير العلاج المجاني للمصابين؟
تكلفة العلاج
إذا كانت وزارة الصحة وبتعاون مع الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا قد مكنت المصابين منذ العام 2003 من الولوج إلى العلاج بالمجان، فإن ولوج المصابين إلى العلاج الثلاثي ليس متاحا أمام الجميع، وأساسا بسبب التكلفة المالية للدواء، مادامت الأدوية الجنيسة غير متوفرة بعد.
مصدر طبي أكد للجريدة أن وزارة الصحة اقتنت العام الماضي دواء واحدا مرخص له من طرف «الجمعية الطبية العالمية»، في حين أن باقي مكونات العلاج الثلاثي غير متوفرة بسبب سعرها المرتفع، مادامت الأدوية غير الجنيسة غير متوفرة بفعل احتكار كبريات شركات صناعة الأدوية. لكن ماهي تكلفة العلاج؟
يحتاج المصاب، حسب نفس المصدر، خلال خضوعه للعلاج الثلاثي إلى حوالي 745 يورو خلال الشهر الواحد، في حين أن تكلفة علاج المصاب الذي يحتاج إلى العلاج الثنائي تصل إلى 491 يورو شهريا، بينما يحتاج المصاب الذي يخضع للعلاج الأحادي إلى حوالي 400 يورو شهريا.
بعملية حسابية بسيطة فإنه لعلاج ال 50 مصابا الذين هم بحاجة إلى العلاج الثلاثي في المغرب،فإنه يجب توفير 500 ألف يورو سنويا، علما أن عدد المصابين الذين هم بحاجة إلى العلاج الثلاثي مرشحون بالضرورة للارتفاع خلال السنوات المقبلة. فهل سيستمر الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز في دعم المغرب؟
صندوق مكافحة الإيدز ..
هل يستمر في دعم المغرب؟
يشكك المتتبعون في قدرة الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز على الاستمرار في دعم المغرب، فالصندوق يواجه عجزا قدره 20 مليار دولار، في حين أن منظمة «أطباء بلا حدود « ما فتئت تحذر من أن تقليص الدول الغنية للأموال التي تقدمها لعلاج فيروس ومرض الإيدز في الدول الفقيرة سيؤدي في النهاية إلى موت المزيد من الأشخاص وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية للأشخاص الذين يمرضون أثناء انتظارهم الدواء، بل إنها انتقدت بشكل مباشر الحكومة الألمانية لاعتزامها خفض التبرعات للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز إلى الثلث والنمسا التي رفضت التعهد بتقديم دعم، والولايات المتحدة التي «تتباطأ» في تمويل علاج الإيدز. علما أن الأمم المتحدة تقول أن هناك ما يقارب 33 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب (اتش.اي.في) المسبب للإيدز في شتى أنحاء العالم وإن أكثر من 9.5 ملايين شخص يحتاجون إلى الدواء ليس بإمكانهم الحصول عليه. فهل من الممكن ضمان علاج المصابين في السنوات المقبلة بالمجان؟ وهل يمكن أن يأتي يوم يراقب فيه المسؤولون عن الصحة الأماكن بيوت الدعارة العلنية منها قبل السرية، على الأقل للحيلولة دون انتشار الأمراض المنقولة جنسياً بين عاملات الجنس؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.