وضعية السوق العشوائي لبيع السمك بالجملة بالجديدة: تحديات صحية وبيئية تهدد المستهلك    منتدى الصحافيين والإعلاميين الشباب يجتمع بمندوب الصحة بإقليم الجديدة    تلميذ يرسل مدير مؤسسة تعليمية إلى المستشفى بأولاد افرج    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    طنجة.. حفل توزيع الشواهد التقديرية بثانوية طارق بن زياد    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليمي تطوان وشفشاون    إسرائيل تفرج عن محمد الطوس أقدم معتقل فلسطيني في سجونها ضمن صفقة التبادل مع حماس    بطولة إيطاليا لكرة القدم .. نابولي يفوز على ضيفه يوفنتوس (2-1)    ملفات التعليم العالقة.. لقاءات مكثفة بين النقابات ووزارة التربية الوطنية    تفكيك شبكة تزوير.. توقيف شخصين وحجز أختام ووثائق مزورة بطنجة    الكشف عن شعار "كان المغرب 2025"    الدفاع الحسني الجديدي يتعاقد مع المدرب البرتغالي روي ألميدا    أغنية "Mani Ngwa" للرابور الناظوري A-JEY تسلط الضوء على معاناة الشباب في ظل الأزمات المعاصرة    أوروبا تأمل اتفاقا جديدا مع المغرب    "الحُلم صار حقيقة".. هتافات وزغاريد وألعاب نارية تستقبل أسرى فلسطينيين    استمرار الأجواء الباردة واحتمال عودة الأمطار للمملكة الأسبوع المقبل    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    حصار بوحمرون: هذه حصيلة حملة مواجهة تفشي الوباء بإقليم الناظور    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء المغربية    هذه خلاصات لقاء النقابات مع وزارة التربية الوطنية    الجمعية المغربية للإغاثة المدنية تزور قنصليتي السنغال وغينيا بيساو في الداخلة لتعزيز التعاون    ملتقى الدراسة في إسبانيا 2025: وجهة تعليمية جديدة للطلبة المغاربة    إفران: استفادة أزيد من 4000 أسرة من عملية واسعة النطاق لمواجهة آثار موجة البرد    فريدجي: الجهود الملكية تخدم إفريقيا    جبهة "لاسامير" تنتقد فشل مجلس المنافسة في ضبط سوق المحروقات وتجدد المطالبة بإلغاء التحرير    أداء الأسبوع سلبي ببورصة البيضاء    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    الأميرة للا حسناء تترأس حفل عشاء خيري لدعم العمل الإنساني والتعاون الدبلوماسي    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    كيف كان ملك المغرب الوحيد من بين القادة العالميين الذي قرر تكريم ترامب بأرفع وسام قبل مغادرته البيت الأبيض بيوم واحد    "مرض غامض" يثير القلق في الهند    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    وزارة الصحة تعلن أمرا هاما للراغبين في أداء مناسك العمرة    حماس تسلم الصليب الأحمر 4 محتجزات إسرائيليات    إطلاق أول مدرسة لكرة السلة (إن بي أي) في المغرب    السياحة الصينية المغربية على موعد مع دينامية غير مسبوقة    إس.رائ..يل تطلق سراح أقدم أسير فل.سط..يني    المغرب يفرض تلقيحاً إلزاميًا للمسافرين إلى السعودية لأداء العمرة    مونديال 2026: ملاعب المملكة تفتح أبوابها أمام منتخبات إفريقيا لإجراء لقاءات التصفيات    شاحنة تودي بحياة سائق دراجة نارية في قلعة السراغنة    لقجع.. استيراد اللحوم غير كافي ولولا هذا الأمر لكانت الأسعار أغلى بكثير    تيرغالين: الوداد وبركان لم يفاوضاني    الربط المائي بين "وادي المخازن ودار خروفة" يصل إلى مرحلة التجريب    "حادث خلال تدريب" يسلب حياة رياضية شابة في إيطاليا    ريال مدريد أكثر فريق تم إلغاء أهدافه في الليغا بتقنية "الفار"    نوفاكو فاشن: احتجاجات العمال غير مبررة وتسببت في خسائر فادحة    اثنان بجهة طنجة.. وزارة السياحة تُخصص 188 مليون درهم لتثمين قرى سياحية    أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!    بالصدى .. بايتاس .. وزارة الصحة .. والحصبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3 آلاف مصاب بالسيدا يتعايشون مع المرض علاجهم مرتبط باستمرار صندوق مكافحة الإيدز في دعم العلاج بالمغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 02 - 12 - 2010

يفرق فاطمة ومحمد أكثر ما يجمعهما، فرغم أنهما من سن متقاربة، إلا أنها هي من بلدة فقيرة بجهة سوس، دفعتها قساوة الحياة للعمل في حقول تنتج من الخضروات والبواكر الموجهة نحو أسواق بلدان الإتحاد الأوروبي وأوروبا الشرقية، قبل أن تدفعها الحاجة كما زميلات عديدات لها إلى امتهان الدعارة، أما هو فلم يسبق له أن نجح في كسب قوت يومه بعرق جبينه. قادته مغامراته المجنونة إلى عالم الإدمان، بدأ بتدخين السجائر، قبل أن يحترف لف لفافات الحشيش، وأخيرا مدمنا على حقن الكوكايين.
لم يسبق لفاطمة ومحمد أن التقيا من قبل، وربما لن يلتقيا أبدا، فلكل منهما مسار وحياة، وأيضا حياة قاسية. كلاهما يعتقد أنه ربما يكون مصابا بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، لكن لا أحد منهما يريد أن يستسلم لفحص روتيني بسيط، فكلاهما يؤجل موعد الكشف إلى وقت لاحق. فهل يفعلان ذلك يوما؟
بعيدا عنهما هناك العشرات من الأسئلة التي تظل بدون جواب شاف. هل حملات التوعية الموسمية كافية لمواجهة الخطر الذي يشكله مرض قاتل كالسيدا؟ لماذا جهة سوس ماسة تسجل أكبر نسبة من المصابين بالداء؟ ولماذا يربط هذا المعطى بكون جهة سوس وجهة سياحية؟ أليس انتشار الداء مرتبط أيضا بالبحارة الذين يقصدون المدينة وبالعمال والعاملات الزراعيات؟ ثم هل ارتفاع عدد المصابين بجهة سوس ماسة يعني أن باقي جهات المملكة في مأمن؟ وهل رحلة العلاج مؤمنة في المغرب؟ وإذا كان الأمر كذلك ماهي تكلفة العلاج؟ وهل من الممكن ضمان علاج المصابين في السنوات المقبلة بالمجان؟
فرصة استثنائية
منذ أول حالتين موثقتين للوفاة من جراء الإصابة بمرض الإيدز في كاليفورنيا في منتصف عام 1981، انتقل هذا المرض دون توقف عبر البلدان والقارات حاصداً في طريقه أرواح ما يزيد على 25 مليون شخص ومنذراً بأبشع تهديد يواجه التنمية في وقتنا الحالي. في المغرب البلد الذي يعتبر قطع خطوات كبيرة في مجال محاربة هذا الداء يعتقد الخبراء أنه يواجه فرصة استثنائية لصدّ وباء الإيدز، مادامت معدلات انتشاره مازالت منخفضة، لكن عوامل الخطر لا تتوقف هنا فهذا الوباء ينتشر انتشارا سريعا بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، وأيضا المشتغلات بالجنس. الخطر قادم أيضا مادامت هناك بيئة مواتية لانتشار الفيروس نتيجة لعوامل عديدة، مثل معدلات الهجرة العالية وتزايد تعاطي المخدرات عن طريق الحقن والفقر وارتفاع معدلات البطالة ونسبة الشباب العالية إلى مجموع السكان. ويمكن أن يصبح تأخير إجراءات التدخل أمرا مدمرا على المستوى الاجتماعي ومكلفا على المستوى الاقتصادي، حتى إذا بقيت الإصابة محصورة إلى حد كبير بين الفئات المعرضة لمخاطر عالية. فهل حملات التوعية الموسمية كافية لمواجهة الخطر؟
الحقن...تقتل
التقيناه في مقهى وسط مدينة الدار البيضاء، شاب منهك بملامح شبه أوربية فقدت الكثير من بريقها، عينان غائراتان تتوسطهما حدقتان بدتا كأنهما أكثر اتساعا من حجمهما الطبيعي، واحمرار مفاجئ لهما، يزول . . ثم يعود، في دورة لا تتوقف. فيما بدت الجبهة كأنها لجمجة هيكل عظمي. رغم أن محمد بالكاد تجاوز العقد الثالث من عمره فإن يديه تهتزان لا إراديا بين الحين والآخر، كما أن أعراض الشيخوخة المبكرة بادية عليه.
تربى محمد بإحدى مدن الشمال المغربي قبل أن يرحل صوب الولايات المتحدة الامريكية قبل عشر سنوات للدراسة، غير أنه سرعان ما عاد أدراجه إلى بيت العائلة بتطوان. بعد تردد طويل قرر أخيرا أن يزور مدينة الدار البيضاء بحثا عن مصحة لعلاج الإدمان.
بدأت حكايته قبل سنوات من الآن:»كنت في سن الرابعة عشر من عمري حين دخنت أول سيجارة. كانت لعبة مارستها كجميع المراهقين، غير أن اللعنة لم تتوقف. بعد السيجارة الأولى وجد محمد نفسه وقد احترفت لف لفافات الحشيش. «أول حقنة كانت على ذراعي، كانت للتسلية فقط، كنت في سن الثانيةوالعشرين، كنا نريد أنا وصديقي خوض تجربة جديدة، كنا نعتقد أن الحشيش عالمنا الذي لن نبرحه، لكننا كنا مخطئين. لقد كنا حقا غير قادرين على إدراك خطورة تصرفاتنا. عندما سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية كنت عقدت العزم على أن تغيير الأجواء ومحيط أصدقائي سيساعدني على التخلص من الإدمان، لكن النتائج كانت عكسية تماما. في كل مرة أقرر فيها بدء حياة جديدة أفشل، أنا الآن أريد أن أتعالج من هذا الداء، ولا أعرف إن كنت سأقدر على ذلك أم لا؟
كما هو الحال بالنسبة لمحمد فإن المئات من الشباب من مدمني المخدرات القوية في مدن الشمال، على الخصوص هم في تزايد، بعد أن سيطرت مافيا هذه التجارة على المنطقة وحولتها إلى معبر شبه آمن لتجارة الموت. بلغة الأرقام يصنف مكتب الأمم المتحدة لمحاربة الجريمة والمخدرات المغرب ضمن الدول الثلاث الأكثر استهلاكا للكوكايين على مستوى الدول العربية. بنسبة تقارب 0,1% من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة، في حين تبلغ نسبة مستهلكي مواد أفيونية، حسب نفس المصدر، نحو 0,02%، لكنها ترتفع لتشكل ما نسبته 4,2% بالنسبة لمستهلكي ‹›الكيف›› ومشتقاته.
وبمعنى أدق فإن عدد مستهلكي الكوكايين بالمغرب يقارب 31 ألف شخص، أما عدد مستهلكي الأفيون فيقدر ب 6250 شخص، في حين يرتفع عدد مستهلكي الكيف ومشتقاته إلى مليون و300 ألف شخص.
«الوضع جد خطير»، حسب عضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ هناك أزيد من ألف مدمن على حقن الكوكايين شمال المملكة لوحدها، حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة، التي تؤكد أيضا أن 39 في المائة من هؤلاء المدنين يحملون فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، بينما 90 في المائة مصابون بداء التهاب الكبد الفيروسي.
سوس العالمة..مريضة
بعيدا عن شمال المملكة بمئات الكيلومترات، وبالضبط بجهة سوس ماسة درعة لا تتوفر احصائيات دقيقة عن عدد مدمني المخدرات القوية، لكن الأرقام صادمة فيما يتعلق بعدد المصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، على الأقل مقارنة مع باقي جهات المملكة.
في العادة يواجه من يطرح السؤال لماذا هذه الجهة بالضبط، بجواب شبه مكرر مفاده أن المنطقة تشهد إقبالا سياحيا كبيرا مقارنة بباقي الجهات، لكن هذا المعتقد تفنده الجمعية المغربية لمحاربة السيدا.
رئيس الجمعية، فرع أكادير له رأي آخر في الموضوع:» لا أحد يملك إجابة شافية على سؤال، لماذا جهة سوس ماسة تسجل أكبر نسبة من المصابين بالداء؟ الجمعية كما الوزارة ليست لها أية تفسيرات واضحة، لكن هناك على الأقل بعض من النقط التي يمكن الاستدلال بها. أهمها طبيعة العمل الموسمي الذي توفره المنطقة. فهناك العديد من النسوة اللواتي يأتين من مدن بعيدة للعمل في الضيعات الفلاحية المنتشرة في المنطقة، هاته العاملات مطالبات بتوفير لقمة العيش من عمل موسمي لا يزيد عن 50 درهما عن كل يوم عمل، كما أن ساعات العمل تتناقص من موسم لآخر، ما يدفع بعضهن إلى امتهان الدعارة كسبيل لسد لقمة العيش.
فاطمة..قصة عاملة جنس
تفسيرات الجمعية تلتقي مع قصة فاطمة، وهي فتاة عاشت تجربة العمل في الضيعات الفلاحية بمنطقة بإقليم شتوكة أيت باها. فاطمة اشتغلت هناك في ضيعة متخصصة في إنتاج البواكر من الخضروات الموجهة للتصدير. «كنت أتقاضى،تقول فاطمة، على الأكثر 1200 درهما، تقتطع منها واجبات الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قبل أن نكتشف أن ما يتم اقتطاعه لا يدفع للصندوق، مقابل هذا المبلغ الزهيد كان علي دفع مقابل السكن والمأكل، لكن ليس ذلك فقط، فقد كان علي أيضا إعالة باقي أفراد الأسرة. فاطمة كما جميع العاملات الزراعيات لا يزيد أجرهن عن 1200 درهم، يوضح مصدرنقابي:» إذا كان الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي محدد في 50 درهما في اليوم، فإن العاملة أو العامل الزراعي لا يتقاضى أجرة يوم العطلة الأسبوعية (4 أيام في الشهر)، كما يتم اقتطاع حوالي 3 دراهم في اليوم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالتالي فإن الأجر الشهري لا يتجاوز 1200 درهم.
ظلت فاطمة تقيم في غرفة بعيدة رفقة بعض من زميلاتها في العمل، ولأن ما كانت تتحصل عليه بالماد يوفر مصاريفها اليومية فقد كانت تضطر بين الفينة والأخرى إلى قبول دعوات زملاء لها في العمل لممارسة الجنس مقابل 20 درهما في الليلة. كثيرات من أمثالها يعتبرنها فرصة مثالية لادخار بعض النقود.
انقطعت فاطمة عن العمل بهذه الضيعات منذ أزيد من خمس سنوات، بعد أن ظهر عليها مرض جلدي بسبب الاستعمال المفرط للمبيدات الكيماوية، حيث نصحها الطبيب المعالج بترك العمل فورا، وهو ما استجابت له مرغمة:»تركت العمل هناك على مضض، فرغم أن الأجرة لم تكن تكفيني لإعالة أفراد أسرة لا دخل لها سوى ما يجنيه أفرادها من عمل مماثل، لكنها على الأقل كانت تغطي جزءا من حاجياتنا».
تركت فاطمة علمها كعاملة زراعية مرغمة لتجد نفسها مرغمة على امتهان أقٌدم حرفة في التاريخ، غير أنها سرعان ما ستجد نفسها مرة أخرى مرفوضة، بعد أن بدأ زبناؤها يتبرمون من الأكزيما التي على يديها. بعد أن لفظتها دور الدعارة تشتغل فاطمة حاليا، في تنظيف الصحون بإحدى مقاهي مدينة أكادير، ومع أن دخلها المادي من مهنتها الجديدة لا يكاد يغطي نفقات كراء الغرفة حيث تقيم، فإنها مع ذلك حريصة على المساهمة في مصاريف باقي أخواتها في القرية التي تبعد بمئات الكيلومترات عن مقر عملها الجديد.
لا تفكر فاطمة كالعديد من عاملات الجنس في إجراء فحوص للتأكد من عدم إصابتها بأحد الأمراض المتنقلة جنسيا. «فكرت يوما في ذلك، لكنني سرعان ما عدلت عن ذلك، ربما أفعلها يوما،لكن ليس الآن،ليس قبل أن أشفى من هذه الإكزيما التي دمرت حياتي».
البحارة والسياح والعمال الزراعيون
مقابل التجمعات السكانية التي تقيمها العاملات في الضيعات الفلاحية، يكتري الرجال بدورهم غرفا أو خياما يقيمون فيها خلال توفر فرص العمل، هم الآخرون مهاجرون من أجل عمل موسمي لا يسد رمق العيش.
في تشخيص للجمعية المغربية لمحاربة السيدا تعتبر أن الظروف الاجتماعية التي يعيشها الطرفان. نسوة بمدخول مادي شبه منعدم، وأكثر من ذلك مطلوب منهن بتوفير دريهمات تقيهن شر الحاجة، ورجال بعيدون عن أهاليهم، ومستعدون لدفع بضع دريهمات من أجل إشباع رغابتهم الجنسية، وأيضا عاملات جنس لا تلتزمن بشروط الوقاية ..إنه الفضاء المناسب لانتشار الأمراض المعدية والمتنقلة جنسيا، وأساسا داء فقدان المناعة المكتسبة(السيدا)، لكن ليست الوضعية التي تعيشها عاملات الجنس في الجهة سببا رئيسيا في ارتفاع معدل انتشار الداء بالجهة، فميناء المدينة يعرف حراكا تجاريا كبيرا، حيث يقصده البحارة من مختلف دول المعمور، في حين أن مئات الآلاف من السياح الأجانب يقصدون الجهة للاستجمام، وبالتالي فلا يمكن أن تكون هذه الفئة أو تلك المسؤولة الوحيدة عما يقع في المدينة والجهة.
258 إصابة جديدة بالمرض
ارتفاع عدد المصابين بجهة سوس ماسة لا بعني أن باقي جهات المملكة في مأمن، فإذا كانت جهة سوس ماسة درعة تحتل الصدارة على صعيد المملكة من حيث عدد المصابين (25 %) فإن جهة مراكش تانسيفت الحوز (تضم حوالي 18 %) تليها جهة الدار البيضاء الكبرى (11%)، وجهة الرباط سلا زمور زعير (10%)، فيما تتفاوت النسبة بباقي جهات المملكة بين 3و4 %.
وعلى العموم فقد سجلت وزارة الصحة وفق آخر الإحصائيات ( إلى حدود نهاية شهر شتنبر الماضي) أن النساء يمثلن 47 % من الحالات الحاملة لفيروس نقص المناعة البشرية، فيما 39 % مصابون بمرض السيدا. بل إنه حسب نفس المصدر فإن 69 %من المصابين تتراوح أعمارهم بين 25 و 44 سنة.
في العام 2010 لوحده سجلت وزارة الصحة 258 إصابة جديدة بالمرض، وهو رقم يبعث على التفاؤل على اعتبار أنه الرقم الأضعف منذ سبع سنوات، حيث منذ اكتشاف أول حالة إصابة على المستوى الوطني (العام 1986) وعدد المصابين الذين اكتشاف إصابتهم في ارتفاع، في العام 1992 بلغ عدد المصابين وفق احصائيات رسمية 30 مصابا، قبل ان يرتفع الرقم إلى 165 مصابا في العام 1999، ثم 271 مصابا في العام 2004، وهو الرقم الذي استمر في الارتفاع سنة بعد أخرى، حيث بلغ على التوالي 289 مصابا، 291، 367، 416، ثم 412 مصاب خلال العام الماضي.
رحلة العلاج
في المغرب يتعايش أزيد من 3 آلاف مصاب مع فيروس نقص المناعة البشرية عبر 10 مراكز تقدم العلاج المضاد للفيروسات بالمجان، حيث يهدف هذا العلاج إلى منع فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر، وبالتالي السماح لجسد المريض بالتحرر من تأثير فيروس نقص المناعة البشرية ومقاومته. حاليا يعتبر العلاج الثلاثي العلاج الأكثر انتشارا في العالم والأكثر فعالية ليس في القضاء على الفيروس، بل فقط في منع تكاثره والقضاء على الأمراض الإنتهازية، والتحكم في المرض، وذلك بتوجيه ضربتين للفيروس، مما يمكن المريض من أن يصبح مجرد حامل للفيروس وليس مريضا بالسيدا.
ومع ذلك يمكن القول إن اتباع العلاج الثلاثي بكيفية منتظمة يعتبر عسيرا، ليس فقط بسبب المضاعفات الكثيرة والجانبية التي تصاحبه، بل أيضا لأن المريض يكون محكوما عليه بمواصلة هذا العلاج طيلة حياته وبشكل يومي، وهو ما يعتبر صعبا نظرا لتعقيد التركيبة العلمية الواجب توافرها فيه، والتكاليف الباهظة التي يتطلبها.
فهل تستمر وزارة الصحة في توفير العلاج المجاني للمصابين؟
تكلفة العلاج
إذا كانت وزارة الصحة وبتعاون مع الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا قد مكنت المصابين منذ العام 2003 من الولوج إلى العلاج بالمجان، فإن ولوج المصابين إلى العلاج الثلاثي ليس متاحا أمام الجميع، وأساسا بسبب التكلفة المالية للدواء، مادامت الأدوية الجنيسة غير متوفرة بعد.
مصدر طبي أكد للجريدة أن وزارة الصحة اقتنت العام الماضي دواء واحدا مرخص له من طرف «الجمعية الطبية العالمية»، في حين أن باقي مكونات العلاج الثلاثي غير متوفرة بسبب سعرها المرتفع، مادامت الأدوية غير الجنيسة غير متوفرة بفعل احتكار كبريات شركات صناعة الأدوية. لكن ماهي تكلفة العلاج؟
يحتاج المصاب، حسب نفس المصدر، خلال خضوعه للعلاج الثلاثي إلى حوالي 745 يورو خلال الشهر الواحد، في حين أن تكلفة علاج المصاب الذي يحتاج إلى العلاج الثنائي تصل إلى 491 يورو شهريا، بينما يحتاج المصاب الذي يخضع للعلاج الأحادي إلى حوالي 400 يورو شهريا.
بعملية حسابية بسيطة فإنه لعلاج ال 50 مصابا الذين هم بحاجة إلى العلاج الثلاثي في المغرب،فإنه يجب توفير 500 ألف يورو سنويا، علما أن عدد المصابين الذين هم بحاجة إلى العلاج الثلاثي مرشحون بالضرورة للارتفاع خلال السنوات المقبلة. فهل سيستمر الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز في دعم المغرب؟
صندوق مكافحة الإيدز ..
هل يستمر في دعم المغرب؟
يشكك المتتبعون في قدرة الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز على الاستمرار في دعم المغرب، فالصندوق يواجه عجزا قدره 20 مليار دولار، في حين أن منظمة «أطباء بلا حدود « ما فتئت تحذر من أن تقليص الدول الغنية للأموال التي تقدمها لعلاج فيروس ومرض الإيدز في الدول الفقيرة سيؤدي في النهاية إلى موت المزيد من الأشخاص وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية للأشخاص الذين يمرضون أثناء انتظارهم الدواء، بل إنها انتقدت بشكل مباشر الحكومة الألمانية لاعتزامها خفض التبرعات للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز إلى الثلث والنمسا التي رفضت التعهد بتقديم دعم، والولايات المتحدة التي «تتباطأ» في تمويل علاج الإيدز. علما أن الأمم المتحدة تقول أن هناك ما يقارب 33 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب (اتش.اي.في) المسبب للإيدز في شتى أنحاء العالم وإن أكثر من 9.5 ملايين شخص يحتاجون إلى الدواء ليس بإمكانهم الحصول عليه. فهل من الممكن ضمان علاج المصابين في السنوات المقبلة بالمجان؟ وهل يمكن أن يأتي يوم يراقب فيه المسؤولون عن الصحة الأماكن بيوت الدعارة العلنية منها قبل السرية، على الأقل للحيلولة دون انتشار الأمراض المنقولة جنسياً بين عاملات الجنس؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.