شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوانب من الحياة الاقتصادية عند المرابطين والموحدين
نشر في ميثاق الرابطة يوم 15 - 01 - 2010

استطاع المرابطون لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي توحيد المناطق الساحلية المتأثرة بالحضارة الأندلسية مع المناطق الداخلية بداخل البلاد المتأثرة بالحضارة البيزنطية، ونشروا المعطيات الحضارية في المغرب كله بسهوله وجباله، ومن ثم ضمت المؤثرات الحضرية والقروية لتنصهر في وحدة بين شمال البلاد وجنوبها وبين الأندلس وإفريقيا الشمالية والوسطي، وأصل الملثمين -كما سبقت الإشارة- من قبائل الصحراء التي لم تكن تعرف طلاوة الحضر وكانت تهتم فقط بتربية الأنعام والمواشي والإبل، إلا أنهم بعد الاحتكاك بالحضارة الأندلسية اقتبسوا منها، وعملوا على التكامل بين الاقتصاد الأندلسي والاقتصاد المغربي ومد الجسور بين العدوتين ما وسعهم ذلك؛ إذ تذكر المصادر أن المرابطين عند فتح مدينة «فاس» سنة (462ه) عملوا على تطوير اقتصادها وبناء الحمامات والفنادق والأرحاء على الأودية رغبة في رواج اقتصادها وتحريك عجلته ذات اليمين وذات الشمال، كما أن الوصف الدقيق للشريف محمد الإدريسي الحسني السبتي (564ه/1160م) في كتابه الشهير "نزهة المشتاق في اختراق الأفاق" [1] #_edn1 لمدينة «مكناس» كما شاهدها في عهد المرابطين يظهر مدى اعتناء المرابطين بترويج الاقتصاد حيث ذكر أنها كانت تتكون من مجموعة أحياء متقاربة، وتمتاز بخصوبتها وعيونها الدافقة، وكانت تنتج القمح والعنب والزيتون والفواكه، وغراساتها منتظمة يتصل بعضها ببعض.
لقد اهتم المرابطون الأشاوس بجميع نواحي الاقتصاد وحاولوا جهد المستطاع اكتشاف وتطوير أساليب اقتصادية جديدة رغبة في ازدهار البلاد ومواكبتها للتطورات التي كانت ترد عليها خصوصا بعد ضم المغرب والأندلس سياسيا ومد الجسور بينهما، ومن النماذج الاقتصادية التي أولوها عنايتهم الفلاحة، الصناعة، والملاحة.. والتي سنلامس بعض الجوانب منها تذكيرا لعظمة هذه الدولة المجاهدة التي استطاعت في ظرف وجيز أن تعمل على تنمية وازدهار اقتصاد المغرب والأندلس على السواء وتدخل التاريخ من أبوابه الواسعة.
الفلاحة عند المرابطين :
اعتنى المرابطون بالفلاحة والزراعة في دولتهم الفتية وسعوا إلى تطوير أساليبها وتنميتها لكي تستطيع أن تفي بحاجيات ومتطلبات البلاد، وتذكر المصادر والمراجع التاريخية التي اهتمت بالحقبة المرابطية أن المرابطين كانوا من أغنى القبائل الصحراوية، وأن مدينة «أغمات» التاريخية كانت ".. من المدن الخصبة التي تصدر منتجاتها الوافرة إلى السودان من نحاس وأكسية وصوف وزجاج وأحجار وتوابل، ومصنوعات حديدية وغيرها.. و في ناحية سوس كانت تزدهر زراعة قصب السكر" [2] #_edn2 ، كما كانت هناك عدة أنواع من الفلاحة مزدهرة ومتوفرة في باقي أنحاء المغرب تذكرها المصادر التي أرخت لهذه الحقبة التاريخية الذهبية.
وبعد وصول المرابطين إلى الأندلس ساهموا في نهضة الفلاحة وغرس الأشجار وتوسيع مجال الزراعة مما يوحي أن التواصل والصلات التي كانت بين المغرب والأندلس وحدت بين نظاميهما الاقتصادي من جميع الجهات، ويمكن الوقوف على ذلك بالتفصيل في كتب «الرحلات» وكتب «الوثائق» وكتب «النوازل» ككتاب "الإعلام بنوازل الأحكام" للقاضي عيسى ابن سهل(توفي486ه)، و"فتاوى أو مسائل أبي الوليد بن رشد" (توفي520ه)، و”نوازل ابن الحاج“ (توفي529ه)، و"مذاهب الحكام في نوازل الأحكام" لابن القاضي عياض (توفي575ه)، و"المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب" للونشريسي (توفي914ه)، وما تقدمه من معلومات دقيقة عن الحياة الاجتماعية بصفة عامة وعن الحياة الاقتصادية بصفة خاصة؛ إذ هي تساعد على إزاحة بعض الغموض الذي يلف تاريخ المجتمع المغربي والأندلسي، كما تعمل على تقديم إفادات على مستوى الأخبار وجزئيات الوقائع، كوصفها مثلا لبعض مظاهر النشاط الزراعي والصناعي الذي كان المغرب والأندلس يعرفه خلال العصر المرابطي، وذكرها لأنواع المحصولات الفلاحية التي كانت متوفرة آنذاك كالحبوب والزيتون والكتان وتربية المواشي.. والتي كانت تفرض كنفقة للمرأة المطلقة على سبيل المثال لا الحصر، فهذه الكتب تتضمن إشارات أخرى غنية إلى جوانب اقتصادية جديرة بالتتبع والدراسة؛ لأنها تكشف عن طبيعة القضايا اليومية للمجتمعين المغربي والأندلسي في عهد المرابطين، خاصة ما يتعلق بمسائل الفلاحة والمياه والصناعة وحرفها وأنواع التجارة ما ينتج ويصدر وما يجلب من الخارج؛ ومن ثم يمكن التعرف على بعض مظاهر النشاط الزراعي والصناعي الذي كان المغرب والأندلس تعرفه خلال عصر المرابطين، كأنواع المحصولات الفلاحية التي ذكرتها النصوص (حبوب، زيتون، كتان، تربية مواشي..) والتي تتحول إلى أغذية وألبسة.. أما «كتب الوثائق» فتسجل عقود بيع وشراء واستئجار، وعقود مساقاة وغرس ومزارعات، وعقود زواج.. وتفيد هذه الوثائق في توضيح كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المغرب والأندلس، ومن أهم كتب الوثائق على سبيل المثال لا الحصر التي يمكن الرجوع إليها في هذا المضمار: كتاب ”الوثائق والسجلات“ لابن العطار الأندلسي(توفي399ه) تحقيق المستعربين الإسبانيين PedroChalmeta وFrederico Corienté، وكتاب ”المقنع في الوثائق“ لابن مغيث الطليطلي (توفي459ه) تحقيق الإسباني JAvier Aguirre، وكتاب ”الوثائق المجموعة“ لابن فتوح البونتي (توفي462ه)، والكتاب المعاصر ”وثائق المستعربين في طليطلة في القرنين 12-13“ لأنخل جنثالث بالنثيا: Angele Gonzalez Palencia."Los Mozarabes de Toledo en los siglos 12-13".3vols.Madrid.1962.، فبفضل ما توفره هذه الكتب من نصوص دقيقة يمكن كشف اللثام عن هذا الجانب بالغرب الإسلامي في عهد الدولة المرابطية التي كان لها الفضل كل الفضل في ترسيخ النواة الأولى للحضارة المغربية.
التجارة عند المرابطين :
كان لحالة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهدته دولة المرابطين في عصر يوسف بن تاشفين وعصر ولده علي بن يوسف الأثر الكبير في ظهور أهمية التجارة وازدهارها، ولاشك أن اعتناء التجار بهذا الميدان يعود إلى إلغاء الدولة المرابطية للضرائب الفادحة والمكوس على التجارة والمتاجر، مما ساعد على استفحال ظاهرة التجارة وامتهانها من لدن العديد من شرائح المجتمع المغربي الأندلسي الذي كان يتكون من مجتمع العامة من التجار والصناع والحرفيين والمزارعين، ومما ساهم أيضا في ازدهار التجارة بالغرب الإسلامي على عهد المرابطين ذلك التوحيد بين المغرب والأندلس والسودان حيث أصبح "في الإمكان أن تنتقل القوافل من أقصى السودان إلى أقصى الأندلس ثم إلى العالم العربي شرقا والعالم الأوروبي شمالا، ونشطت مراكز جديدة كسجلماسة وأغمات.." [3] #_edn3 ، التي أصبحت مراكزا تجارية يحسب لها ألف حساب ويعطى لصادرتها أهمية كبرى.
إن امتداد رقعة الدولة المرابطية في السودان والمغرب والأندلس مكن التجارة من الازدهار والحضو بنصيب وافر من الاهتمام في هذا العصر، ومن تم أدى إلى فتح منافذ كثيرة وطرقا مختلفة لتسويق المنتجات الزراعية والصناعية، فنشطت بذلك حركة الصادرات والواردات ونمت التجارة الداخلية والخارجية على السواء، كما أن الاستقرار السياسي الذي عرفته الدولة المرابطية ساهم في تأمين التجارة الداخلية بين حواضر الدولة في المغرب والأندلس، فشجع ذلك التجار على ولوج هذا الميدان والعمل على تنميته وازدهاره، وزاد في هذا الازدهار سيطرة المسلمين على حوض البحر الأبيض المتوسط فكان لهذا التحكم في الحوض دورا في الازدهار الاقتصادي والتجاري بين الشرق والغرب، إذ كانت سفن المرابطين دائبة الحركة إلى «سوريا» لجلب التوابل والمنتجات الفاخرة من بلاد الشرق إلى شمال إفريقيا؛ ومما يؤكد التبادل التجاري بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق العثور على قبر بمدينة «ألميرية» في الأندلس يحمل اسم تاجر إسكندري الأصل اسمه ابن خليف الإسكندري توفي بهذه المدينة سنة (519ه)، ينتمي إلى أسرة سكندرية مرموقة في العصر الفاطمي اشتغل بعض أفرادها بالتجارة، مما يدل على أن التجارة كانت قائمة بين الأندلس في العصر المرابطي وبين مصر في العصر الفاطمي، كما عثر على قبر شاهد آخر بنفس المدينة يحمل اسم أبو عمر عثمان بن محمد بن بقي الشامي الذي توفي بالمرية سنة (525ه)[4] #_edn4 ؛ وهذا يثبت بالملموس قيام صلات تجارية بين مدينة «ألميرية» أعظم ثغور الأندلس التجارية في عصر دولة المرابطين وبين مصر والشام في العصر الفاطمي[5] #_edn5 ، كما أن "وثائق الجنيزة" الذائعة الصيت تتضمن الكثير من المعلومات عن تجارة التوابل عبر الخليج العربي وبحر القلزم، ولقد استفاد منها العديد من الباحثين في تاريخ الإسلام الاقتصادي وفي دراساتهم التاريخية والحضارية؛ وصفوة القول أنه بفضل سيطرة المرابطين على حوض البحر الأبيض المتوسط عم الرخاء جميع بلاد المغرب في ذلك العهد الزاهر.
في ذات السياق سجل التاريخ للمرابطين حرصهم الشديد على نمو أسطولهم البحري لما لمسوه من أهمية هذا الأسطول سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، فاهتموا به اهتماما كبيرا وبفضله احتلوا مركزا مهما في حوض البحر الأبيض المتوسط مما ساعد على ازدهار التجارة الخارجية المرابطية، وتأمين طرق التجارة البحرية من الأخطار الكثيرة التي كانت تهددها خصوصا خطر القراصنة الذي كان يحدق بها من كل ناحية، ولقد كان لهم في عهد يوسف ابن تاشفين أسطولا صغيرا يتألف من السفن التي تنقل الجند من المغرب إلى الأندلس، وكان عدد هذه السفن كبيرا بالنسبة إلى السفن البحرية، وقد ارتقى هذا الأسطول في عهد علي بن يوسف وأظهرت وحداته نشاطا ملحوظا في البحر الأبيض المتوسط حيث يذكر الشريف الإدريسي أن "أحمد بن عمر كان واليا لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين على جملة من أسطوله" ؛[6] #_edn6 ومن ثم نلمس أن الأسطول المرابطي في عهد علي بن يوسف كان ضخما، وأنه كان ينقسم إلى وحدات، ولقد انتصر الأسطول المغربي على أسطول الفرنجة في فتح بلنسية وجزر البليار[7] #_edn7 ، كما اشتهر من أمراء البحر في عهد علي بن يوسف، علي بن ميمون الذي كانت له جولات بحرية رائعة على سواحل الأندلس وإيطاليا وفرنسا؛ وبفضل حمايتهم للطرق التجارية وتوسيعهم لها استطاع المرابطون بحنكتهم وحسن تدبيرهم إقامة نشاطا تجاريا بين دولتهم الفتية وبين البلدان الأوروبية الغربية ".. وقد استمرت هذه الحركة مزدهرة رغم غارات الإيطاليين على سواحل المغرب الإسلامي، وظلت العملة التي كانت تسلك آنذاك في «كَطلُونِية» و«مُونبِيليه» باسم الدينار المنقوش دليلا على قيام تجارة نشيطة بين بلدان الغرب الأوروبي وبين مسلمي الأندلس والمغرب، وقد استحوذ تجار «جِنْوَة» و«بِيزَة» على قدر كبير من تلك التجارة خلال العصر المرابطي" [8] #_edn8 .
إن دولة المرابطين رغم قصر عمرها استطاعت ببعد نظر خلفائها ودربتهم الاستفادة من قربها من البلدان الأوروبية ومد الجسور معها عن طريق المبادلات التجارية التي سعت إليها بكل قواها بمختلف الوسائل والطرق رغم قرب عهدها بالحياة الأندلسية، وتحدت الصعاب والعقبات التي واجهتها كالهجمات الإيطالية المتكررة على سواحل المغرب، والخطر الدائم الذي كان يشكله القراصنة في حوض البحر الأبيض المتوسط، فسعت إلى تطوير أسطولها البحري لما لمسته من أهميته إذ يعتبر هو الأداة الفعالة لولوج الميدان البحري؛ وأنشأت المدارس المختصة من أجل تكوين البحارة المتميزين الذين يحملون لواء الدفاع عن أسطولها البحري، ومن ثم استطاعت بفضل هذه الجهود الذؤوبة تنمية التجارة الداخلية والخارجية في ظرف وجيز وتحريك اقتصادها وازدهاره.
الصناعة عند المرابطين :
لم تكن الصناعة أعزائي القرّاء الكرام أقل شأنا من التجارة عند المرابطين فقد ازدهرت ازدهارا كبيرا منقطع النظير حيث توفرت المواد الخامة التي تستعمل عادة في الصناعة، وتدفقت بكثرة على أسواق الأندلس من السودان، كما ساهم النشاط التجاري الذي كان قائما بين موانئ المغرب والأندلس والسودان بدوره في رواج الصناعة التي أصبح من السهل تسويقها وتصديرها إلى أسواق الاستهلاك المختلفة، فاستطاع الصناع بفضل ذلك مضاعفة الإنتاج والترويج لصناعات متنوعة، كما فتحت الدولة المرابطية أبواب المغرب أمام صناع الأندلس الذين توافدوا على المغرب حاملين معهم تجربتهم ومهارتهم المتميزة؛ ومن تم كان الصناع الحرفيين يشكلون جانبا كبيرا في المجتمع المغربي الأندلسي فأصبحوا موضع احترام الخليفة وأمراء الدولة حيث كانت لهم مشاركات عديدة في ازدهار الحياة الاجتماعية سواء في المغرب أو الأندلس عن طريق إبداعاتهم الرائعة.
وبفضل ازدهار وتطور الصناعة في عهد المرابطين ظهرت بالمغرب والأندلس مراكز صناعية ضخمة ارتفع نجمها وذاع صيتها، وتميزت بنوع معين من الصناعات كمدينة فاس ومراكش وأغمات بالمغرب، وكانت هذه الأخيرة حسب ما تذكره المصادر تصنع مصنوعات حديدية من نحاس وغيره وتصدرها إلى السودان، كما أنها كانت تصنع منتوجات زجاجية وتصدرها من بين الأشياء التي كانت تصدر خارج المغرب، أما مدينتي فاس ومراكش فقد كانت بكل منهما أسواقا مشهورة تذكرها المصادر والمراجع المختلفة تباع فيها منتوجات محلية من جلد وأحذية وألبسة صوف إلى غيره من المنتوجات التي كانت رائجة في ذلك العهد والتي اشتهر المغرب بتصنيعها خلال الحقبة المرابطية؛ ولقد وصف ”الحسن الوزان“ أسواق مدينة فاس المختلفة وما كان يروج فيها من منتوجات صناعية محلية بأيد مغربية، كما وصف العباس بن إبراهيم مدينة مراكش وأسواقها في كتابه "الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام" نقلا عن الشريف الإدريسي الذي ذكر أن مراكش في عهد المرابطين كانت لها أسواقا مختلفة وسلعها نافقة [9] #_edn9 .
ومن أهم المدن الصناعية الأندلسية في عهد الدولة المرابطية مدينة «إشبيلية» و«ألميرية» و"قرطبة" وهم من أهم المراكز الصناعية بالأندلس التي ساهمت في ازدهار الصناعة خلال هذا العصر حيث كانت تتوفر على مواد خام تصلح لمختلف الصناعات التي استعملها المرابطون في منتوجاتهم الصناعية والتي كانت تغزو الأسواق الداخلية والخارجية [10] #_edn10 ، ومن الصناعة التي انتشرت عند المرابطين واهتموا بها اهتماما فائقا صناعة السفن[11] #_edn11 والأسلحة الحربية حيث كانت هذه الصناعة من الصناعات التي حرصت عليها الدولة المرابطية وسعت إلى تطويرها في كل حين نظرا لأهميتها بالنسبة لدولتهم التي كان شعارها رفع راية الإسلام عاليا والذود عن حمى الوطن كلما دعت الضرورة إلى ذلك؛ وللإشارة فرغم بداوة المرابطين وقلة خبرتهم بالبحرية بحكم انبثاق دولتهم من الصحراء، فقد استطاعوا أن يدركوا بفطنتهم أهمية القوة البحرية منذ أن شرعوا في فتوحاتهم بالمغرب وتمكنوا من فرض سيطرتهم وسلطانهم على السواحل.
يرجع الفضل في إنشاء البحرية المرابطية إلى دربة وحنكة القائد الباسل يوسف ابن تاشفين الذي وجه عنايته الخاصة نحو إنشاء أسطول بحري من أجل فتح الأندلس ونقل جيوشه وعتادهم نحوها وتوفير الحماية لهم، فاستعان بخبرة أهل الأندلس، كما استعان بالمواد الخام التي تتوفر بكثرة في الأندلس والتي تصلح لصناعة السفن كمعدن الحديد والأخشاب، كما استعان أيضا بدور صناعة السفن المنتشرة على طول السواحل الأندلسية، وخاصة دور الصناعة في «طرطوشة» و«دانية» و«شلب» التي كانت محاطة بغابات تصلح أخشابها لصناعة السفن" ؛ ولقد كان بمدينة «ألميرية» وحدها قسم كبير من الأسطول المرابطي حيث كانت تعتبر من أكبر قواعد هذا الأسطول الذي كان دائما على أهبة الاستعداد لتلبية أوامر الخليفة يوسف بن تاشفين من أجل الدفاع عن حوزة الوطن.
يستشف مما سبق ذكره أن الدولة المرابطية رغم قصر عمرها كان لها اهتماما بالصناعة والتجارة بالمغرب والأندلس حيث كثفت جهودها من أجل تطوير هذه الميادين وعملت على تشجيع التجار والصناع والحرفيين في مختلف الحرف، وكان لفتح الأندلس أثر واسع على الصناعة والتجارة بالغرب الإسلامي في عهد المرابطين الذين استفادوا من موقعها الإستراتيجي الذي مكنهم من مد الجسور مع البلدان الأوروبية الأخرى، بالإضافة إلى دربة خلفائهم وبسالتهم التي خولت لهم خدمة دولتهم الفتية وترسيخ قدميها في كل من إفريقيا وأوروبا على السواء وفرض وجودها رغم كثرة الإحن والمحن..
وتجدر الملاحظة أن القوة الاقتصادية للدولة المرابطية الفتية تظهر بالملموس في قوة دينارها المرابطي الذي تتكلم عنه كتب الفتاوى والنوازل المختلفة بالتفصيل والمراجع الأجنبية التي أرخت لتلك الحقبة التاريخية، وباختصار شديد يمكن الإشارة إلى العوامل الكامنة وراء قوة العملة المرابطية التي ظلت متربعة على عرش العملات المسيحية المتداولة بمدة طويلة بعد سقوط نجم المرابطين، وهي عوامل اقتصادية وسياسية أهمها أن الدينار المرابطي كان يضرب من الذهب الخالص الذي كانت له سمعة عالمية وهو ذهب دولة غانة [12] #_edn12 الذي تحكم المرابطون في مناجمه وطرق تجارته منذ سنة (445ه/1053م)، وقد أدى تراكم الذهب بأيدي المرابطين إلى سك دينار وصلت درجة نقائه إلى 96 ب المائة، مما جعله مرجعا معتمدا في الأوساط التجارية الدولية آنذاك، جعلت الدول المسيحية في «قشتالة» و"أرغون" تحرص على الحصول عليه حتى أصبح اسمه يذكر في الوثائق والحوليات الإسبانية الوسيطية، التي ظهرت فيها كلمة "Marabotin" منذ سنة (477ه/1084م) وفق ما تذكره المصادر الأجنبية المعتمدة.
هذه باقتضاب شديد أيّها القراء الكرام بعض الإشارات والنماذج من الحياة الاقتصادية التي اهتمت بها الدولة المرابطية المغربية التي تعتبر غرة ناصعة في جبين التاريخ المغربي، وتاريخ منطقة الغرب الإسلامي الحافل بالأحداث التي يمكن اقتباس العبر منها وتفعيلها على أرض الواقع المعيش..
يتبع في العدد القادم إن شاء الله..

---------
1. #__edn1 كتاب في الجغرافية العامة يذكر فيه مؤلفه البناء والبحار والجبال، وأجناس النباتات والصناعات والتجارات، مع ذكر أحوال أهل البلاد ومذاهبهم وزيهم ولغاتهم.
2. #__edn2 إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، 1/219.ط:1دار الرشاد الحديثة، البيضاء، 1984م.
3. #__edn3 حسن السائح.الحضارة المغربية عبر التاريخ، 1/173.دار الثقافة، البيضاء، ط:1، 1975م. وللمزيد انظر:عز الدين موسى، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري، طبعة دار الشروق، القاهرة:1983م، ص: 27، وكمال أبو مصطفى، جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعلمية في المغرب الإسلامي من خلال نوازل وفتاوى المعيار المعرب للونشريسي، الإسكندرية، 1991م، ص: 7.
4. #__edn4 للتوسع انظر:السيد عبد العزيز سالم، تاريخ مدينة ألميرية الإسلامية قاعدة أسطول الأندلس، بيروت:1929م، ص: 170.
5. #__edn5 EL sayed abdel aziz salem.Algunos aspectos del florecimiento economico de Ammeria islamica durante el periodo de los Taifas y de los Almoravides.Revista del Instituto Egipcio de Estudios Islamicos..Madrid.1979. p8
6. #__edn6 الشريف الإدريسي، المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، طبعة: ليدن، ص: 54.
7. #__edn7 انظر: القلقشندي، صبح الأعشى 5/257.
8. #__edn8 حمدي المرعي، تاريخ المغرب والأندلس في عصر المرابطين -دولة علي بن يوسف المرابطي-، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1986م، ص: 352-353.
9. #__edn9 للتعمق انظر: العباس بن ابراهيم التعارجي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، 1/63-64، ط:1، فاس، 1936م.
10. #__edn10 للمزيد انظر: أمين توفيق الطيبي، جوانب من الحياة الاقتصادية في المغرب في القرن السادس الهجري، الجزائر:1987م.
11. #__edn11 حمدي مرعي، مرجع سابق، ص: 307.
12. #__edn12 للمزيد انظر:أمين توفيق الطيبي، دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس.ليبيا-تونس،الدار العربية للكتاب، 1984م، ص: 321.Messier.The Almoravids:West African Gold and the Gold currency of the Mediterranean Basin.Jesho.1970. p:32..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.