لقد تتبعت حلقة برنامج «مباشرة معكم» ليوم الأربعاء 20 أبريل 2011 (ذكرى الربيع الأمازيغي) الذي كان موضوعه حول دسترة الأمازيغية والذي استضاف فيه الصحافي جامع كولحسن كلا من الأستاذ احمد عصيد والأستاذ محمد الشامي والسيدة أمينة بن الشيخ وبوشعيب ابيه ممثلا لحزب الاستقلال وموسى الشامي عن الجمعية المغربية للدفاع عن العربية وعدي السباعي ممثلا لحزب الحركة الشعبية. وقبل الحديث عن مجريات الحلقة والنقاش الدائر فيها بين الضيوف والرد على بعض المغالطات التي مازالت مترسخة في أدمغة البعض، ليس لأنها لم تصحح على مستوى الرأي العام بل فقط لأن هذه الفئة لا تساير الواقع المغربي ولا تعرف عن الوطن إلا الاسم بل تفكر بلغة الشرق وبإيديولوجيته وبالتالي تتعذر عليها مسايرة كل الإصلاحات الديمقراطية التي أصبح المغرب ينخرط فيها. والغريب في الأمر أنها تعمل على عرقلة كل ما هو جديد وكل ما هو مغربي حقيقي، وبهذا تصطاد دائما في الماء العكر... أود أن أشير إلى بعض الملاحظات الشكلية حول البرنامج، وبالضبط حول هذه الحلقة التي لم تحترم بالأساس موضوع النقاش، وذلك باستضافة ممثلي الأحزاب الأخرى التي قدمت مذكرات حول الموضوع عوض الجمعية المغربية للدفاع عن العربية، ولأن الأمر ليس لخلق الصراع بين العربية والأمازيغية. ثم نشير كذلك إلى غياب الحياد لمقدم البرنامج، إذ يميل إلى إثارة نقط للنيل من الأمازيغية وليس لمناقشة مدى إمكانية دسترتها، كما جاء في الخطاب الملكي كأعلى سلطة في البلاد، وبالتالي عدم التحكم في مجريات النقاش والخوض في مواضيع ليست الهدف من الحلقة، فكل من يناقش إشكالية الحرف وإشكالية اللغة واللهجات وإشكالية العربية والفرنسية فهو، بطبيعة المنطق وبثقافة احترام القرارات الرسمية للدولة وبالإجماع الوطني...، يغرد خارج السرب، وبالتالي يجدر بالميسر أو المسير أن يرده إلى الصواب وأن يركز على الهدف من الحلقة... وهذا كله لكي لا نقع دائما في ما يعبر عنه الباحث المغربي وأستاذنا الجليل بلعيد بودريس بغياب الانسجام والملاءمة في التفكير. لنعد إلى مجريات الحلقة التي مر حيز من وقتها في إسكات موسى الشامي ومطالبته باحترام الضيوف واحترام المسير وحق الكلمة أو الرد... وهنا أود أن أشير إلى أن مثل هذه المواقف هي التي تجعل التواصل ينحو نحو التعصب ونحو رفض الآخر مهما كانت أفكاره ومواقفه، وبالتالي استحالة السير نحو الأمام وتحقيق التقدم في أي موضوع، وخاصة عندما لا يتمتع المحاور بملكة الإنصات وباحترام الرأي الآخر، وهنا أود أن أذكر السي موسى بحكمتين أساسيتين، الأولى للصحابي الجليل أبو الدرداء (وهنا لنعلمه ما يقوله الدين) عندما قال: «إنما جعل لك أذنان اثنتان وفم واحد لتسمع أكثر مما تقول»، أما الثانية فهي للعالم والفيلسوف فولتير عندما قال: «قد أخالفك الرأي لكنني مستعد أن أدفع حياتي دفاعا عن حقك في الرأي». وهنا أدعو السي موسى إلى أن يقوم بإعادة مشاهدة الحلقة ليرى كيف كان يتدخل ولكي يحكم على نفسه، فقد قال لمحمد الشامي وهو يتحدث «إوا كمل دغيا»، كما ظل يقاطع الجميع ويهرج ويقدم أفكارا متجاوزة (إشكالية الحرف)، وكان يستعمل يديه لمنع عدي السباعي من التدخل بحكم أنه يجلس بجانبه... وهنا أتساءل، هل الشامي يعرف فعلا أن هناك شيئا اسمه أسلوب الحوار والتحاور أم إن جمعيته لم تعلمه ذلك؟ فهو الذي قال أيضا خلال الحلقة: «هذا النقاش ليس علميا» ولا أدري ماذا يقصد بذلك؟ ربما العلمية هي طريقته في النقاش المعتمدة على العاطفة وعلى الجهل التام بمسار الأمازيغية. فهل الشامي هو رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن العربية أم هو رئيس جمعية لمناهضة الأمازيغية؟ ثم لا ننسى أنه يحتاج أيضا إلى دروس للدعم في الثقافة المغربية وفي مجريات الأحداث التي وقعت في المغرب منذ الربيع الأمازيغي لسنة 1980 مرورا بميثاق أكادير سنة 1991 ثم المجلس الوطني للتنسيق سنة 1994 والمذكرة التي رفعتها الجمعيات الأمازيغية بعد ندوة حسان حول الإصلاح الدستوري لسنة 1996 والخطاب الملكي في نفس السنة ثم خطاب 2001 ثم معركة الحرف التي مرت، زد على ذلك عملية تدريس الأمازيغية التي انطلقت سنة 2003... (كما أريد أن أهمس في أذن جامع كولحسن بأن تتم دائما استضافة من لهم دراية بمواضيع الحلقات التي يريد تنشيطها لكي يمكن المشاهد من الاستفادة وتجنب هدر المال العام). أما موقف حزب الاستقلال، الذي يتسم بنوع من النفاق والتناقض في الأفكار، فهو يبدو لي طبيعيا لأنني أعرف جيدا مواقف هذا الحزب تجاه الأمازيغية. وهنا أود أن أذكر بحلقات إعلامية شبيهة بالحلقة مناط النقاش بالنسبة إلى هذا الحزب (لكنها جديدة من حيث الموضوع) تمت فيها استضافة ممثلين لهذا الحزب، ظلوا دائما يمارسون الحربائية والزئبقية، ليس فقط لأنهم يريدون تضليل الرأي العام بل لأنهم يمارسون التمثيل أمام الجمهور... وهنا أود التذكير باستضافة القناة الأولى في البرنامج الشهري «حوار» الذي ينشطه الصحفي مصطفى العلوي، يوم الثلاثاء 20 ماي 2003، الأستاذ والمفكر والصحفي عبد الكريم غلاب والذي عبر خلالها عن موقف إيجابي تجاه الأمازيغية، فهي أساسية ومهمة بالنسبة إلى الحزب وسيعمل جاهدا على خدمتها، واستغربت كثيرا ذلك التناقض التام الذي يعاني منه حزب الاستقلال وذلك النفاق الفكري الموجود في صفوفه، وفعلا فهو بمثابة ازدواجية الخطاب من أجل المصلحة فقط وليس من أجل الوحدة كما عبر عن ذلك الأستاذ عندما سئل بشأنه، هذه الازدواجية في الخطاب التي تنتهج من أجل تحقيق الغاية والهدف المنشود دون الرجوع إلى المرجعية الحزبية، فقد أصبح حزب الاستقلال مثل الحرباء يتغير لونه كلما دعت المصلحة والضرورة إلى ذلك، والغريب في الأمر أن الأستاذ عبد الكريم غلاب أكد أن حزبه كان ومازال يدافع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فلا أدري كيف ذلك؟ ربما كان يدافع عنها بسياسة التعريب التي يتبناها. إننا مازلنا نتذكر كل العداوة التي يكنها حزب الاستقلال للأمازيغية، ففي نفس البرنامج ونفس القناة وخلال حلقة ليوم 11 نونبر 1998 أكد الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي، والذي كان حاضرا خلال هذه الحلقة التي نتحدث عنها، أن اللغة الأمازيغية لا تستحق أن تكون في المدرسة. ولنتذكر كذلك ما صرح به الأمين العام السابق لنفس الحزب السيد امحمد بوستة (كان حاضرا كذلك) عندما أكد ضرورة تعريب المحيط خلال برنامج «مع الحدث» في القناة الثانية، وبالتالي فأين نصيب الأمازيغية عند حزب يجعل من التعريب شعاره الأساسي، ونحن نعرف جيدا ما فعلته سياسة التعريب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا من تهميش الأمازيغية وجعلها تعاني الكثير والكثير. لكن الملاحظ، والذي يمكن أن نفسر به هذه الازدواجية وهذا النفاق الفكري، هو أن قياديي حزب الاستقلال أصبحت لديهم الأمازيغية شرا لا بد منه، وخاصة بعد الخطاب الملكي لأجدير يوم 17 أكتوبر 2001 عندما أعلن الملك محمد السادس عن ظهير إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فلا بد لهم فعلا من تقبلها والتأقلم معها ولو عن طريق الخطابات والشفاه واللعب بالعبارات والكلمات، وكذلك اللعب على الزمن وضرورة تأجيل كل الإصلاحات التي تتعلق بالأمازيغية كما فعلوا بشأن القناة الأمازيغية التي كانت ستسمى السابعة لولا أن حزب الاستقلال غير ترتيبها لتصبح الثامنة عن طريق التماطل والتأجيل إلى أن تدخل القصر الملكي، فأصبحوا بذلك مضطرين إلى التحدث عن الأمازيغية رغم أنهم في العمق يكنون لها عداء كبيرا. وها هو اليوم في مذكرته حول التعديلات الدستورية، والتي تحمل أخطاء لغوية تحتاج إلى التصحيح كما أشار إلى ذلك محمد الشامي خلال حلقة برنامج «مباشرة معكم» ليوم 20 أبريل 2011، يدعو إلى جعل الأمازيغية لغة وطنية وليس لغة رسمية، بالإضافة إلى ضرورة توفير الضمانة القانونية لخدمتها والرفع من قيمتها كما صرح بذلك ممثل الحزب خلال هذه الحلقة الخاصة بتدريس الأمازيغية، وينسى السي بوشعيب أن أعلى ضمانة قانونية هي الدستور بعينه وليس ثمة قانون آخر أسمى منه. وهنا أتساءل عن هذا القانون الذي أشار إليه حزب الاستقلال والذي سيكون لنا بمثابة الضمانة؟ هل هناك قانون أعلى من الدستور؟ فنحن الأمازيغ لا نريده بل ما نريده فقط هو التصريح بها في الدستور الحالي كلغة رسمية.