الجزء الأول ديباجة: إن كل من يرصد سيرورة نمو وتطور الحركة الأمازيغية بالمغرب، سواء على المستوى الفكري أو على المستوى التنظيمي، سيلاحظ لا محالة تراجع كبير في دينامكية الحركة ( أي الحركة الأمازيغية) خلال العقد الأخير. خاصة بعد تأسيس ما يسمى " بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، حيث يمكن اعتبار حالة التقاعس والتدهور والتراجع والانشقاق السائد في الصف الأمازيغي من ابرز السمات البارزة في المشهد الأمازيغي الراهن. ولكن هذه الوضعية اليائسة لا تنفى وجود حقيقة أخرى قائمة في المشهد الأمازيغي، حيث إذ ما تمعن المرء جيدا في الأوضاع الأمازيغية الراهنة بشكل موضوعي وديمقراطي، سيلاحظ دون أدني شك، بروز بوادر تجدر وانتشار الوعي الأمازيغي داخل المجتمع المغربي الذي يعيش تحولات عميقة. ومن جانب آخر، سيتأكد أيضا من الانفتاح الايجابي للقوى الديمقراطية التقدمية تجاه المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية، وخاصة المنظمات والهيئات والفعاليات المستقلة. مما لا ريب فيه أن الواقع الأمازيغي الجديد يرمز في العمق إلى واقع الانشقاق والتصدع الذي تعيشه الحركة الأمازيغية في الآونة الأخيرة، نتيجة عوامل موضوعية وذاتية، سنأتي على تناولها في السطور القادمة من هذه المقالة المتواضعة التي نروم من خلالها إلى مناقشة بعض أراء ومواقف الحركة الأمازيغية؛ لنقل مواقف بعض فصائل الحركة الأمازيغية، من بعض الأحداث والإشكالات التي تواجه الحركة الأمازيغية في الوقت الحاضر. لكن قبل هذا وذاك، نود التأكيد على أننا لا نقدم هنا واقعا خياليا أو أننا نقوم بتضخيم الواقع القائم، كما نستبعد من تفكيرنا التشاؤم واليأس الذي أصاب العديد من الفاعلين الأمازيغيين. لكن في المقابل نحاول التعامل مع المعطيات القائمة والمتوفرة لدينا حول الواقع الراهن للحركة الأمازيغية كما هي قائمة وموجودة دون انحياز عاطفي أو مبالغة سياسية، لان ذلك يعتبر في نظرنا نوع من الكيد للحركة الأمازيغية. قد لا يخفى على المتتبع النزيه لمسار تطور الحركة الأمازيغية مند تأسيسها في أواخر الستينيات القرن الماضي الدور الريادي الذي لعبته هذه الحركة (الحركة الأمازيغية) في نشر ثقافة الحوار، وفي نشر ثقافة الاختلاف والتعدد من جهة، ومساهمتها الفعالة في إعادة التوازن للفكر السياسي المغربي المعاصر لاستيعاب مبادئ الديمقراطية، العقلانية، الحداثة والنسبية في تعامله مع القضايا الوطنية الكبرى من جهة ثانية. لقد تمكنت الحركة الأمازيغية رغم صعوبة ظروف العمل والنضال في المرحلة السابقة، سواء من الناحية القانونية والسياسية، حيث تميزت المرحلة الممتدة ما بين 1956 إلى حدود المرحلة الراهنة بالحصار، والتضييق والإقصاء لكل ما هو أمازيغي، بل أنها ( أي المرحلة السابقة) تميزت أيضا بالاعتقالات والاغتيالات والترهيب المستمر للمناضلين الأمازيغيين، مع بعض الاستثناءات القليلة جدا في المرحلة الممتدة ما بين خطاب الحسن الثاني حول تدريس " اللهجات" سنة 1994 إلى الوقت الراهن، أو من الناحية المادية حيث أن الإمكانيات الضرورية للعمل والنضال كانت شبه منعدمة لدى الحركة الأمازيغية مما جعل العمل الأمازيغي، ولمدة طويلة جدا (حوالي ثلاثة عقود) عمل نخبوي/ أكاديمي بامتياز. إذن في ظل المناخ السياسي السائد في بلادنا طيلة العقود الماضية؛ أي طيلة أزيد من خمسين سنة، وفي ظل ظروف القهر والقمع استطاعت الحركة الأمازيغية من بلورة أطروحات فكرية في غاية الأهمية، أطروحات واضحة الأهداف والرؤى، ومنسجمة مع التحولات الوطنية والدولية. واليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات من " العهد الجديد"، وبعد عقدين من "الانتقال الديمقراطي"، تدرك الحركة الأمازيغية ومعها القوى الديمقراطية الحرة أن الطريق نحو تحقيق دولة الحق والقانون ليست معبدة ولا مفروشة بالزهور، بل أن الأمر يتطلب منها (الحركة الأمازيغية) حشد وتعبئة كل الإرادات والفعاليات الشعبية للانخراط في صيرورة النضال الديمقراطي التقدمي لبلادنا. وهذا العمل يتطلب منا القيام بقراءة واضحة لمختلف العناصر التي تؤثث المشهد السياسي في بلادنا، والوقوف على ممارسة مختلف الفاعلين فيه. بدءا بالدولة بمختلف أجهزتها الإيديولوجية والمؤسساتية التي مازالت ترفض كل ما له علاقة بالهوية الأمازيغية مع سعيها الحثيث إلى احتواء المد الديمقراطي التقدمي للحركة الأمازيغية، وصولا إلى الخطابات الأخرى التي تعالج القضية الأمازيغية من منظور مختلف. لقد أدى تطور الخطاب الأمازيغي بالمغرب خلال السنوات العشر الأخيرة إلى بروز أسئلة لامست بعضا من أكثر القضايا إثارة وحساسية في المشهد الثقافي والسياسي في بلادنا من قبيل: الثقافة الوطنية، المواطنة، الديمقراطية، التنمية، العنصرية، المساواة، إعادة كتابة التاريخ الوطني، الانتماء القومي للمغاربة، دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي كلغة رسمية، التعدد الثقافي، التعدد اللغوي، التسامح والتعايش وغيرها من القضايا التي باتت تعتبر حاليا من أولويات المشهد الثقافي والسياسي في بلادنا. إن حجم الإشكالات التي يثيرها الخطاب الأمازيغي وأهميته القصوى في دمقرطة المجتمع المغربي تستدعى من المناضلين الأمازيغيين إجراء تقييم (النقد الذاتي) موضوعي لتجاربنا النضالية، وبالتالي تصحيح أخطائنا، بعد الاعتراف بها، ومعاينة وتفحص بعض المواقف والتقديرات ( الإجابات) التي تطرحها الحركة الأمازيغية. ومن المفيد أن تتم عملية التقييم هذه التي ندعو إليها بعيدا عن التقييم العاطفي لحركة مناضلة غير محتاجة، في اعتقادنا، للتمجيد وتضخيم الذات. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، علينا مراجعة تحالفاتنا وإستراتيجياتنا على قاعدة التحليل الملموس للواقع الملموس. انطلاقا من هذه القناعات الراسخة لدينا، وعلى ضوء المعطيات السالفة الذكر، وإسهاما منا في إغناء الحوار الأمازيغي - الأمازيغي نقدم هذه الورقة لتسليط الضوء على مجموعة من المواقف والإشكالات الغامضة في المشهد الثقافي الأمازيغي الراهن قصد المساهمة في تجديد الخطاب الأمازيغي الديمقراطي التقدمي المستقل، خاصة بعد تزايد الانتقادات والاتهامات المتكررة للحركة الأمازيغية حول جملة من القضايا والتطورات التي طفت على سطح الأحداث خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد اكتساح الحركة الأمازيغية لمجموعة من المواقع والميادين(الجامعات، المؤسسات الحكومية والهجرة.. ) التي كانت إلى حدود الأمس القريب احتكارا على القوميين والإسلاميين فقط. وبعد خروجها( أي الحركة الأمازيغية) عن الصمت في العديد من القضايا الوطنية ( الانتخابات وقضية الصحراء مثلا) والقضايا الدولية ( قضية فلسطين مثلا) وغيرها من القضايا الوطنية والدولية الأخرى. فكما هو معروف لدى الباحثين والمتتبعين للشأن الأمازيغي، كثرت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة للحركة الأمازيغية، حيث تنشر في الصحافة بين الحين والأخر مقالات تتعرض بالنقد للخطاب الأمازيغي، سواء الانتقادات المتعلقة بواقع الحركة الأمازيغية أو كالتي تتعلق بإستراتيجية وتحالفات الحركة الأمازيغية. كما أن المواطن العادي له نصيب كبيير من هذه الانتقادات والتساؤلات المطروحة حول طبيعة الحركة الأمازيغية، ربما أكثر من أية وقت مضى، وهذه العناصر والتطورات تعتبر الباعث الأساسي وراء صياغة هذه الورقة. وإذا شئنا الدقة أكثر قلنا حول مرجعيتها، أهدافها وتحالفاتها الإستراتيجية، خاصة بعد مشاركة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة رئيسية حزب " كاديما" تسيبي ليفني في مؤتمر طنجة الدولي بدعوة من مؤسسة أماديوس التي يترأسها نجل وزير الخارجية المغربي، وما اثأر ذلك من الردود الرافضة والمؤيدة للزيارة، ومنها التصريحات المثيرة للجدل لبعض الفاعلين الأمازيغ، وخاصة تلك التصريحات النارية والمستفزة في نفس الوقت التي أدل بها الأستاذ احمد الدغرني ، وكذلك الزيارة التي قام بها مجموعة من الأساتذة وضمنهم " نشطاء أمازيغ" للكيان الصهيوني خلال شهر نونبر الماضي. يقال " أن من يزرع الريح لابد أن يحصد العاصفة، وباعتبارنا في منتصف الطريق، ولان زروعنا كانت سيئة، وفي كثير من مجال، فلابد أن يكون حصادنا سيئا، ولذلك لا يجب الاستغراب مما نرى ونسمع" تهدف هذه الورقة إذن إلى محاولة تقديم قراءة موضوعية نقدية عقلانية للخطاب الأمازيغي، وذلك من اجل المساهمة في توضيح التصورات العامة التي يرتكز عليها الخطاب الأمازيغي في عمله النضالي، وهي بمثابة أفكار وعناصر أولية في الخطاب الأمازيغي الديمقراطي التقدمي المستقل قابلة للنقاش والحوار. ومما هو جدير بان ينبه إليه، هنا، هو أن عملية الوضوح الفكري والإيديولوجي تكتسي أهمية بالغة جدا، خاصة بعد تأسيس ما يسمى بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما أن طبيعة تطور المجتمع المغربي خلال العقد الأخير يفرض علينا المزيد من الوضوح والشفافية أولا، والمزيد من التكتل والعمل الوحدوي ثانيا. الحركة الأمازيغية وتباين المواقف: يبدو أن الفاعلين الأمازيغيين لم يستفيدوا بما فيه الكفاية من تاريخ الحركة الأمازيغية التي ظلت مند إعلانها في أواخر الستينيات القرن الماضي تناضل ضد الاستلاب الفكري والإقصاء الممنهج للهوية الأمازيغية. حينما نشير إلى هذه الحقيقة المعروفة لدى المتتبعين والمهتمين بالشأن الأمازيغي، فإننا ندرك كامل الإدراك حجم " المشروع" الذي تناضل من اجله الحركة الأمازيغية من جهة، كما ندرك من جانب أخر أن الحركة الأمازيغية تحتوي على صفحات ومحطات ووقائع مليئة بالعبر والدروس التي لم تتم الاستفادة منها كما كان يفترض، خاصة أن الحركة الأمازيغية شهدت مراحل المد والجزر، والانكفاء والتقدم، كما عرفت تغيير وتطور جدري في خطابها وشعاراتها وتنظيماتها ومواقفها. ومن بين المسائل التي لم تستفيد منها الحركة الأمازيغية، في نظرنا، هي مسالة عقد التحالفات الممكنة مع الأطراف الفاعلة اليوم في المشهد المغربي. فهكذا يتم الخلط بين العمل الإستراتيجي والعمل التكتيكي، مما يوثر بشكل كبير في مسار تطور الحركة الأمازيغية، وبالتالي في تحقيق مطالبها المشروعة(1). الأمر الذي أدي بالعديد من الفاعلين الأمازيغيين إلى مغازلة الحركات الإسلامية (محمد بودهان، المهدي مالك..)، وآخرون يعانقون المخزن العروبي العنصري الحاكم في بلادنا ( محمد اتركين، عبد الرحمان العيساتي، احمد زاهد،..)، أما أصدقائنا في الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة، فيشنون الحرب المطلقة على الجميع دون هوادة أو تميز. هذا من جانب ومن جانب أخر نلاحظ عودة الصراعات والخلافات بين الفاعلين الأمازيغيين حول القيادة والمواقع، هذا إضافة إلى الغموض السائد في العديد من المفاهيم والمواقف التي تصل في أحيان كثيرة إلى حد التناقض والتباين بين مكونات الحركة الأمازيغية نفسها.(2) فلا ندري على سبيل المثال، لماذا يرفض بعض الأمازيغ، خاصة الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة، التيارات اليسارية ؟. هذا مع العلم إن معظم المفكرين والمناضلين الأمازيغ، الأموات منهم والإحياء، انبثقوا من اليسار؛ وخاصة من اليسار الماركسي اللينيني. بل أكثر من ذلك هناك الكثير من المفكرين والمناضلين الأمازيغيين الذين غادروا الحياة ويعتبرون شهداء الحركة الأمازيغية وهم ماركسيون التوجه ، نحص بالذكر: معتوب وناس، بوجمعة الهباز، سعيد سيفاو وغيرهم من الأمازيغ الذين فارقوا الحياة. كما أن معظم المناضلين والمفكرين الأمازيغيين الذين مازالوا على قيد الحياة كانوا ( أو مازالوا) يساريون ماركسيون، مثل: الأستاذ احمد الدغرني، إذ بلقاسم، احمد عصيد، محمد صلو، محمد الشامي، مريم الدمناتي وغيرهم كثيرون. إضافة إلى هذه الحقائق، هناك حقيقة أخرى يجب التنبيه إليها نظرا لأهميتها في تصحيح بعض المغالطات والمواقف التي تصدر باسم الأمازيغية. إذا كان نقد مواقف اليسار المغربي من القضية الأمازيغية في وقت ما، يعتبر من الناحية التكتيكية مسالة مفهومة ومقبولة أيضا في سياق المراحل السابقة من تاريخنا الحديث، فان استمرارنا في نهج نفس الأسلوب يعتبر خطئا فادحا من الناحية الإستراتيجية. ليس فقط لكون أن اليسار حقق العديد من التراكمات الفكرية والسياسية، سواء على المستوى الجماهيري والمدني( تواجده القوى والفعلي داخل العديد من الجمعيات والمؤسسات والنقابات) أو على مستوي الدولة (الحكومة والبرلمان ..). بل إن موقف اليسار المغربي من القضية الأمازيغية، بمختلف توجهاته وانتماءاته الفكرية والإيديولوجية، سواء كانوا افردا أو تنظيمات، تغير بشكل كبيرا جدا خلال السنوات الأخيرة (موقف الجمعية المغربية للحقوق الإنسان، المركز المغربي للحقوق الإنسان، النهج الديمقراطي، اليسار الاشتراكي الموحد...)، فلم يعد هناك يساريا واحد، حسب علمنا، يرفض اللغة والهوية الأمازيغية، أما الاختلافات القائمة حول دسترة اللغة الأمازيغية أو الهوية الوطنية أو حول مسالة إعادة كتابة التاريخ الوطني وغيرها من القضايا التي تطرحها الحركة الأمازيغية فهي عادية جدا في جدلية الصراع، وهي خلافات موجودة حتى داخل مكونات الحركة الأمازيغية نفسها. حيث هناك من الأمازيغ من يعتبر القضية الأمازيغية قضية " ثقافية"، وآخرون يعتبرونها قضية "حقوقية" ، ومجموعة أخرى تعتبرها قضية " سياسية". لذا فان المسالة في اعتقادنا المتواضع، تتعلق بنقطتين أساسيتين في تحديد مواقف كل طرف ( أو تنظيم) من القضية الأمازيغية، أولها تتعلق بالمصالح الذاتية والجماعية لكل طرف، وما يفرضه ذلك من تحديد الأولويات النضالية. وثانيها تتعلق بالمنطلقات والمرجعيات الفكرية والإيديولوجية لكل فريق أو شخص في تعامله مع القضية الأمازيغية. هناك فئة واسعة من المناضلين والمفكرين اليساريين، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، يعتبرون القضية الأمازيغية جزء من " الصراع الطبقي "، وهناك آخرون يعتبرونها مسالة مرتبطة ب " تنمية المناطق الأمازيغية " وفئة أخرى تربطها بمسالة " غياب الديمقراطية"، وغيرها من القراءات والتأويلات التي تحضى بها القضية الأمازيغية من قبل القوى اليسارية، وهي قراءات لا تعادي في العمق القضية الأمازيغية بقدرما هي قراءات سياسية تتحكم فيها عوامل وظروف شتى، هذا إضافة إلى أن مسالة الأولويات تختلف من شخص إلى أخر، ومن تنظيم إلى أخر. كما يمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن بعض مواقف الحركة الأمازيغية تساهم أحيانا بشكل كبير في تعميق الغموض لدى العديد من المهتمين والمتتبعين للشأن الأمازيغي، فالحركة الأمازيغية هي التي طالبت بتأسيس معهد للثقافة الأمازيغية دون تحديد نوعيته وصلاحياته وأهدافه، وهي التي طالبت أيضا بدسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور ( انظر ميثاق أكادير 1991 )، والحركة الأمازيغية هي التي تنادي بمقاطعة الانتخابات دون حسابات دقيقة، وغيرها من المواقف الغامضة. أمام هذا الوضع كيف يمكن لنا تنظيم الصف الأمازيغي الذي يعيش حالة من التمزق والتشتت الإيديولوجي والتنظيمي؟. وحتى نكون منصفين وواقعين في كلامنا نشير انه من اجل هذا الهدف شهدت السنوات الأخيرة من تاريخ الحركة الأمازيغية عدة مراجعات فكرية وثقافية واسعة النطاق، شملت العديد من القضايا والإشكالات الوطنية ، وكذلك حول العديد من الاقتراحات التنظيمية التي انبثقت منها: فكرة الحكم الذاتي، فكرة الحزب الأمازيغي الديمقراطي المغربي، الاختيار الأمازيغي ولجنة مراكش، كما انبثقت منها جبهة أماواي للعمل الأمازيغية والعديد من التنسيقيات المحلية، الهادفة جميعا إلى تعزيز وتقوية الحركة الأمازيغية من ناحية، وإعادة الثقة إلى العمل المشترك (التنسيق) بين الأطراف الأمازيغية من ناحية أخرى. ولكن ما نلاحظه من خلال متابعتنا ومشاركتنا في العديد من اللقاءات والندوات الفكرية، سواء في الداخل أو في الخارج، هو غياب ثلاثة أمور أسياسية في الفعل الأمازيغي الراهن، وهي أمور في غاية الأهمية في عملية المجابهة والصراع من اجل تحقيق المطالب المشروعة للحركة الأمازيغية، وهي: أولا: غياب الوعي السياسي لدى معظم الفاعلين الأمازيغيين. ثانيا: غياب التجربة السياسية مما ينعكس سلبا على أداء الحركة الأمازيغية. ثالث: غياب الثقافة الديمقراطية لدى معظم إمازيغين، مما ينعكس سلبيا عن أداء الجمعيات الأمازيغية سواء داخليا ( العلاقات الداخلية) أو خارجيا. فبعد رحيل العديد من المفكرين والفاعلين الأمازيغيين من الجيل الأول للحركة الأمازيغية، سواء بسبب الموت ( محمد أبحري، القاضي قدور، علي صدقي أزيكو..) أو بسبب المرض والسن ( محمد شفيق..) أو بسب انضمام البعض الأخر الى" المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" فان معظم الفاعلين الأمازيغيين في الساحة الأمازيغية حاليا يفتقدون إلى الوعي السياسي، سواء على المستوى الفكر السياسي وما يتطلب ذلك من استيعاب وفهم آليات اشتغال الفاعل السياسي، والتوجهات والاستراتيجيات القائمة في المجتمع، وكذلك في فهم واستيعاب كيفية صياغة القرارات السياسية والعوامل المؤثرة فيه ( أي في القرار السياسي)، أو على مستوى السلوك السياسي وما يتطلب ذلك من الانفتاح والحوار مع جميع الفاعلين داخل المجتمع، وما يتطلب ذلك من حسابات سياسية دقيقة جدا، والرزانة والتعقل في اتخاذ القرارات والمواقف المطلوبة من جهة، ومن البرتوكولات السياسية المتعلقة بطريقة عقد الاتفاقيات، وطريقة التعامل والحوار مع الأطراف الأخرى وغيرها من الأمور الضرورية. هذا إضافة إلى نقص حاد في التكوين والتأطير لدى فئات واسعة من الفاعلين الأمازيغيين، حيث يتم الاكتفاء في غالب الأحيان بترديد بعض الكلمات والعبارات الأمازيغية، والأسماء والرموز الأمازيغية فقط. في واقع الأمر هناك العديد من المواقف الغامضة لدى الحركة الأمازيغية، وخاصة لدى الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة، نشير على سبيل المثال إلى موقف ونظرة هذه الأخيرة ( أي الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة) إلى حركة عبد الكريم الخطابي وحركة جيش التحرير التي تعتبر في نظرها حركات أمازيغية مع إننا لم نعثر في جميع الكتابات والدراسات التي أنجزت حول هذين الحركتين إلى حدود الساعة على ما يدل ويشير إلى ذلك من الناحية الفكرية والسياسية وليس من الناحية العرقية والجغرافية. فلا يكفى أن يكون المرء أمازيغيا من الناحية "العرقية " مع استحالة إثبات ذلك علميا، حتى نقول أن فلان امازيغي. فإذا كان العرق هو المحدد الرئيسي ( والأمر كذاك على ما نظن) لدى الأخوة الأمازيغ في الجامعة في وصف واعتبار شخص ما بأنه أمازيغي، فان هذه المسالة تؤدي بنا إلى حقيقة موضوعية مؤلمة ومريرة. والحقيقية هي أن معظم الذين يعادون الأمازيغية هم أمازيغيون عرقيا، ونذكر منهم: الأستاذ محمد عابد الجابري، عبد السلام ياسين، محمد بركات، سالم حميش، محمد الأشعري، علال الأزهري واليزيد البركة وغيرهم كثيرون من الأمازيغ الذين يعادون الأمازيغية بالرغم أنهم أمازيغيون عرقيا وجغرافيا كذلك. وفي المقابل هناك من ينتمون " عرقيا" وجغرافيا أيضا إلى العرب وموقفهم من القضية الأمازيغية موقفا ايجابيا وديمقراطيا، نشير مثلا إلى موقف الأستاذ خالد الجامعي، وفاء سلطان، صادق جلال العظم وآخرون. ما اعرفه، ويعرفه الجميع أيضا، هو أن حركة عبد الكريم الخطابي ( وحركة جيش التحرير فيما بعد) لم تكن حركة أمازيغية بأي شكل من الإشكال، بقدر ما كانت تناضل بهوية عربية إسلامية، حيث كان عبد الكريم الخطابي يعتبر الشعب المغربي جزء من الأمة العربية، كما كان يعتبر المغرب وشمال إفريقيا جزء من الوطن العربي (3) . كما يعتبر شهداء حركة جيش التحرير في نظر الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة شهداء الأمازيغية، علما أن هذه الحركة لم تقدم أي شيء يذكر للغة والهوية الأمازيغيتين، بل أن الهوية الأمازيغية لم تكون حاضرة في تفكير قادة جيش التحرير، بل أكثر من ذلك كان بعض زعماء جيش التحرير قوميون عروبيين ( الفقيه البصري وشيخ العرب مثلا) ربما أكثر من القوميون العرب أنفسهم، فهل نعتبرهم شهداء الحركة الأمازيغية أيضا؟. وما هي الأسس النظرية التي على أساسها يتم اعتبار حركة عبد الكريم الخطابي وجيش التحرير حركات أمازيغية، علما أن مواقف هاتين الحركتين تتعارض طولا وعرضا مع مواقف الحركة الأمازيغية؟. وماذا قدمت هذه الحركات للقضية الأمازيغية حتى يتم اعتبارها حركات أمازيغية؟. نحن مقتنعون بان استمرار وتعميق النقاش الفكري والسياسي في إطار الحوار الأمازيغي – الأمازيغي بين المناضلين والفاعلين خارج المقاربات المخزنية للقضية الأمازيغية في أفق بناء حركة أمازيغية وطنية ديمقراطية، مستقلة، علمانية ومكافحة، متسلحة ببرنامج نضالي ثابت وواضح الملامح والأهداف، وذات مواقف سياسية واضحة وديمقراطية هو السبيل الممكن، وربما الوحيد، في الشروط والظروف الراهنة للدفع بالحركة الأمازيغية نحو الأمام وتعزيز مكانتها اجتماعيا وإعلاميا وسياسيا وإنسانيا ( على المستوى الدولي). ومن اجل ذلك ندعو جميع الأمازيغ الغيورين عن الأمازيغية بعدم العمل على إعادة المفاهيم والتصورات والمواقف القائمة، بل ندعو إلى مراجعتها وتصحيحها وتكييفها مع التطورات والمتغيرات العاصفة بالمجتمع المغربي. كما ندعو إلى عدم الانجرار إلى معارك جانبية خاسرة، فالصراع الرئيسي في ساحتنا الآن، وفي المدى المنظور والمتوسط يجب إن ينصب حول إعادة تجديد الثقافة الأمازيغية لمواجهة التحديات والعوائق التي تعترض مصيرنا ووجودنا أولا، ومن اجل توحيد العمل الأمازيغي ثانيا. ومن المؤكد أننا لسنا في حاجة إلى إثارة جدال عقيم جانبي حول الزعامة وإعطاء الفرصة للسلطة وللقوى المعادية للقضية الأمازيغية ليفعلوا ما يشاءون بمصيرنا. /////////////////////////////////////////////////// بغض هوامش الجزء الأول: 1: نشير في هذا الصدد إلى موقف الحركة الأمازيغية من الانتخابات حيث قاطع معظم الفاعلين والجمعيات الأمازيغية الانتخابات دون التفكير في عواقب هذا القرار ( الموقف) . وفي هذا السياق بالذات صرح السيد نبيل بن عبد الله وزير الإعلام والاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية سابقا على هامش مشاركته في ندوة " الإعلام والديمقراطية " بالناظور خلال السنة الماضية بان التأخير الحاصل في انطلاق العمل ( البث) في القناة الأمازيغية له علاقة مباشرة بموقف الحركة الأمازيغية من الانتخابات التشريعية ( البرلمانية ) الأخيرة. 2: هناك العديد من المواقف المتباينة والمتعارضة بين مكونات الحركة الأمازيغية بالمغرب، نشير على سبيل المثال إلى الاختلاف القائم حول : المشاركة من الانتخابات - العلمانية - المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية – المصالحة – فلسطين - الدين – اليسار وغيرها من القضايا والمواضيع المطروحة للنقاش والتداول. 3: راجع في هذا الصدد كتاب المؤرخ الأمازيغي الأستاذ الصديق محمد أمزيان " محمد عبد الكريم الخطابي آراء ومواقف 1926 – 1963 " منشورات اختلاف – 12- . وللمزيد من الاطلاع والبحث في الموضوع يمكن مراجعة المراجع التالية: " محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي : وإشكالية استقلال المعرب " لدكتور زكي المبارك مجمد بن عبد الكريم نادرة القرن العشرين في قتال المستعمرين" تأليف محمد بن عمر بن علي العزوزي الجزنائي. عبد الكريم الخطابي : التاريخ المحاصر " علي الإدريسي " الخطابي في المنفى " ذ. الخلوفي الصغير محمد مفخرة الريف: المجاهد المغربي محمد عبد الكريم الخطابي" امحند البخلاخي ابن الريف راجع كذلك مجلة أمل عدد خاص حول " قضايا في حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي العدد 12 حول المواقف والتصورات الفكرية والسياسية لجيش التحرير يمكن مراجعة الكتب التالية: " مذكرات مؤسس وقائد مقاتل في صفوف جبس التحرير للسيد عبد العزيز أقضاض الدوائري ذكريات مقاوم " بنعبد الله الوكوتي حقائق تاريخية عن تأسيس جبس التحرير بقبيلة أجزناية مع نبذة من تاريخ هذه القبيلة " اعداد وتقديم محمد بن عمر بن علي العزوزي الجزنائي وهناك العديد من الكتب والمقالات التي تتناول هذه الموضوع التي لا يتسع بل لا داعي لذكرها جميعا على ما نعتقد.