بمثابة تمهيد: يعتبر الإسلام، العلمانية وفلسطين، احد ابرز مصادر القلق لدى الإسلاميين المغاربة تجاه الحركة الأمازيغية، وبالتالي فإنها تعتبر، في اعتقادنا، من أهم العوامل والأسباب التي تثير الصراع القائم بين الأمازيغ والإسلاميين، خاصة بعد التحولات التي عرفها الخطاب الأمازيغي مع بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم، فما هي خلفيات هذا الصراع/النزاع الذي يكون حامي الوطيس أحيانا؟. وللإجابة عن هذا السؤال، وأسئلة أخرى سنثيرها فيما بعد، قمنا بإعادة قراءة معظم أن لم نقول ” كل ” ما كتبه الإسلاميين المغاربة حول القضية الأمازيغية مند نشأتها في أواخر الستينيات من القرن الماضي إلى الآن؛ سواء كانت كتبا، أو مقالات، أو حوارات صحفية. طبعا، لقد كانت غايتنا الأساسية من إعادة قراءة مجمل كتابات الإسلاميين المغاربة حول القضية الأمازيغية، خاصة فيما يتعلق بالجدال الدائر خلال العقدين الآخرين حول مسالة التعدد اللغوي والثقافي والعرقي في بلادنا، وكذا حول مسالة إعادة كتابة تاريخ المغرب، وغيرها من الأمور والقضايا التي يطرحها الأمازيغ في منتدياتهم ولقاءاتهم وكتاباتهم. لهذا، فان مسالة إعادة قراءة موقف الإسلاميين المغاربة من الحركة الأمازيغية، باعتبارها حركة ديمقراطية علمانية تحررية، تسعى إلى تحرير الإنسان المغربي الأمازيغي من الاستبداد والاستلاب الفكري العربي، هي مسالة مهمة وضرورية لفهم واستيعاب موقف الإسلاميين من القضايا الأمازيغية. فمن المعروف، أن موقف الإسلاميين المغاربة من الحركة الأمازيغية يتراوح بين موقف القبول والرفض، خاصة بعد تطور مطالب الحركة الأمازيغية، وانتقالها بالتالي من المطالب الثقافية إلى المطالب السياسية، وعلى رأسها دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي كلغة وطنية ورسمية، وتبنيها ( أي الحركة الأمازيغية) الصريح والعلني للعلمانية، واختيارها للحرف ألاتيني لكتابة اللغة الأمازيغية ( نشير هنا إلى بيان الجمعيات الأمازيغية حول اختيار حرف كتابة اللغة الأمازيغية وهو البيان المعروف ب ” بيان مكناس” الذي وقعته العشرات من الجمعيات الأمازيغية بالمغرب) وتأسيس كذلك الكونكريس العالمي الأمازيغي سنة 1995، وصولا إلى مسالة اختيار الحرف الأمازيغي بعد تأسيس ما يسمى بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتأسيس أيضا الحزب الأمازيغي الديمقراطي المغربي بقيادة الأستاذ احمد الدغرني سنة 2005 . على أية حال، لقد كانت غايتنا الأساسية من إعادة قراءة كل ما كتبه الإسلاميين المغاربة حول القضايا والمحاور التي ذكرناها سابقا، بشكل دقيق وموضوعي، هي محاولة متواضعة لفهم أسباب وخلفيات النزاع القائم بين الإسلاميين والأمازيغ بشكل أفضل وأعمق، حيث يسعى الأمازيغ إلى ” الجاهلية ” حسب رأي وتصور احد شيوخ الإسلاميين، بينما يسعى الإسلاميين في نظر بعض الأمازيغ إلى إعادة أمجاد ” السلف الصالح “، والذين( أي الإسلاميين) مافتئوا يعزفون على أوتار الدين/ الإسلام واللغة العربية، من اجل إثارة المشاعر والعواطف(1). بل وفي أحيان كثيرة يتم إثارة كذلك حماس بعض الكتاب “الإسلاميين الجدد”، الذين يتمادون بفعل ذلك في كتابة بعض السخافات والمزايدات السياسية حول مطالب الحركة الأمازيغية، بل وإشاعة الأكاذيب تلو الأخرى حول مواقف الحركة الأمازيغية(2). نضيف إلى هذا كله، أن الحركة الأمازيغية تعتبر في نظر بعض الإسلاميين بمثابة “الردة” الثالثة عشر، بعدما أحصى منها في تاريخ المغرب إثنى عشرة(3)، والردة تعنى الخروج عن الإسلام. وهذه الفكرة – أي فكرة ” الردة” – تعتبر واحدة من الأفكار والأكاذيب التي عمل الفكر العربي الإسلامي على إشاعتها وترسيخها في بنية الفكر والعقل المغربي مند قرون خلت. لهذه الاعتبارات، وغيرها، شرعنا عزيزي القارئ مند مدة في نشر سلسة من المقالات الفكرية حول مجموعة من القضايا الأمازيغية الراهنة، وهي مقالات نروم من خلالها إلى المساهمة في توضيح وتصحيح بعض المواقف والتصورات القائمة تجاه الحركة الأمازيغية(4). وهي ( أي المقالات) موجهة أساسا إلى المناضلين والفاعلين الأمازيغيين في الداخل والشتات على حد سواء، قبل غيرهم. وذلك من اجل تصحيح المواقف الخاطئة تجاه الحركة الأمازيغية، كما قلنا، ومن اجل الدفع بالحوار الديمقراطي الأمازيغي – الأمازيغي إلى الأمام في أفق تعزيز مكانتها ( أي الحركة الأمازيغية) اجتماعيا وفكريا وإعلاميا وسياسيا. ومن اجل ذلك سيكون الموضوع المركزي لهذه المقالة المتواضعة هو موضوع الصراع / النزاع القائم بين الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية، تطور الخطاب الأمازيغي: مما لا شك فيه، أن بروز الحركة الأمازيغية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، بشكل قوي، وفي شتى المجالات، وخاصة في المجال الاجتماعي، والإعلامي، والفكري. البروز الذي كان نتيجة حتمية لتطور الاحداث على المستوى الوطني والدولي، التي لا يتسع لنا المجال هنا لذكرها جميعا، بل لا حاجة بنا هنا إلى استعراض التفاصيل، سواء منها التي عرفها المجتمع المغربي أو المجتمع الدولي بعد انهيار جدار برلين. كما يعتبر تطور خطاب الحركة الأمازيغية فيما بعد، خصوصا مع الانفتاح ” الديمقراطي” الذي عرفه بلادنا خلال الألفية الأخيرة(5)، هذه التطورات تشكل بدون أدنى شك، احد ابرز أسباب اندلاع الصراع الإسلامي – الأمازيغي بالمغرب ، خاصة بعد تبنى الحركة الأمازيغية للعلمانية، وبداية التفكير في الانتقال من العمل الثقافي إلى العمل السياسي المباشر، كما قلنا سابقا. وموضوع المفارقة هو أن هذا التحول الحاصل على مستوى الأفكار والتصورات والمطالب التي عرفتها الحركة الأمازيغية خلال عقد التسعينيات، والذي اتسع وتعمق خلال العقد الأخير لم يجد طريقه إلى عقلية معظم الإسلاميين إلى حد الآن. والمسألة، على أية حال، وعموما، يبدو أن الفكر الأمازيغي يعيش حالة من التطور والتحول الشبه الجذري خلال العقود الأخيرة من تاريخ الحركة الأمازيغية بالمغرب، وهذا ما نلامسه في الإنتاجات الأدبية والفكرية للكتاب والمفكرين الأمازيغيين، وكذلك في أنشطة وبيانات الحركة الأمازيغية، ويتضح لنا ذلك بجلاء أيضا في تطور بنية الخطاب السياسي والثقافي للحركة الأمازيغية بالمغرب، خصوصا بعد مرحلة توقيع ميثاق أكادير سنة 1991 ، وصدور بيان محمد شفيق في مارس 2000 . هذا بالرغم من تعدد وتنوع مظاهر ” الأزمة ” التي تعتري واقع وديناميكية الحركة الأمازيغية خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد تأسيس ما يسمى بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. فهكذا، بدأ الخطاب الأمازيغي يستوعب تدريجيا قضايا الأمة برمتها، ولعل أحد الأسباب الكامنة وراء ذلك يكمن في عمليات الإخفاقات المتتالية التي تلحق بالوضعية المغربية الراهنة، على كافة المستويات والأصعدة، التي هي في معظمها امتداد للمرحلة الماضية، على نحو يكاد يكون شاملا. اختلاف المرجعيات والمنطلقات: لكن اللافت للنظر في هذا السياق، ونحن نحاول متابعة مجريات الفعل الأمازيغي عن كثب، هو وجود نقطتين أساسيتين في المشهد الأمازيغي برمته، سواء في الداخل(المغرب) أو في الشتات، حيث كثيرا ما يطرح علينا المواطنين، وخاصة المهتمين بشان الأمازيغي، أسئلة مستفزة، ومحرجة في نفس الوقت، أسئلة تتمحور أساسا حول ماهية(طبيعة) الحركة الأمازيغية وأهدافها، من قبيل : ماذا تريدون بالأمازيغية؟ لماذا تحاربون الإسلام؟ لماذا تناهضون القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية؟ وغيرها من الأسئلة المشروعة دون شك. هذه الأسئلة وغيرها كثيرة، تطرح علينا باستمرار، بالرغم من عدم وجود أية أدلة وحجج منطقية في أدبيات الحركة الأمازيغية تبرر طرح مثل هذه الأسئلة، وهي أسئلة ناتجة عن الإشاعات والمزايدات السياسية التي يروجها الإسلاميون في مقالاتهم وكتاباتهم ولقاءاتهم، قصد تحجيم الحقيقة عن الناس؛ ونقصد هنا حقيقة الخطاب الأمازيغي من ناحية، وحقيقة المطالب التي تنادى بها الحركة الأمازيغية من ناحية أخرى، وبالتالي حقيقة الصراع والخلاف القائم بين الحركتين، الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية. وعندما نقول أسئلة مستفزة ومحرجة، فإننا لا نعنى بذلك عدم توفرنا على الإجابات الممكنة لها، أو إننا نتهرب من الخوض في تفاصيلها، كما قد يفهم البعض، بقدر ما إننا نحاول وضعها – أي الأسئلة التي تطرح علينا - في سياق الظروف التي تطرح فيها، وذلك من اجل الفهم الجيد والأفضل لحيثيات ودوافع طرح مثل هذه الأسئلة. طبعا، هذه الأسئلة ليست بريئة أطلاقا، فكيف يمكن طرح مثل هذه الأسئلة بعد مرور أزيد من أربعة عقود من وجود الفعل الأمازيغي داخل المشهد الثقافي والمدني بالمغرب؟ أين يكمن الخلل في طرح مثل هذه الأسئلة، هل يكمن الخلل في خطاب الحركة الأمازيغية نفسها أم في الجمهور(أي في المتلقي) الذي يبدو انه لم يستوعب الخطاب الأمازيغي؟ ومن ناحية أخرى، لماذا يتم طرح وإثارة هذه الأسئلة من طرف القوميين المغاربة عموما، ومن طرف الإسلاميين بوجه خاص، وبشكل انتهازي وفظيع للغاية كلما اشتدت الأحداث وطنيا ودوليا (خاصة في فلسطين) ، علما أن مواقف الحركة الأمازيغية من الإسلام والعرب وفلسطين هي مواقف مبدئية معروفة وواضحة جدا لا غبار عليها نهائيا. بكل تأكيد، تعتبر الأسئلة التي اشرنا إليها سابقا، متجاوزة في الخطاب الأمازيغي الراهن، وبالتالي فان مسالة تقديم التوضيحات حول هذه الأسئلة ؛ وهي توضيحات غالب ما كانت تتم في أطار محاولة تفسير وتبرير تصورات ومواقف الحركة الأمازيغية من المواضيع المذكورة سابقا، فالحركة الأمازيغية ليست ضد الإسلام أو العرب أو فلسطين أطلاقا، كما يدعى بعض الإسلاميين. (6) ولكن ما نلاحظه، ويلاحظه غيرنا كذلك، هو إعادة صياغة وطرح هذه المواضيع كلما كانت هناك واقعة ما أو حادثة ما في بلادنا، أو فيما يسمى تعسفا بالوطن العربي؛ كتطور الاحداث في فلسطين على سبيل المثال، حيث اعتاد الإسلاميين في قراءتهم لمواقف الحركة الأمازيغية توجيه سهام التهم، وتزييف الحقائق والمعطيات من اجل تضليل الرأي العام الوطني، وبالتالي وضع الحركة الأمازيغية في مقابل العداء لقضايا وثوابت الأمة، ولطالما كان هؤلاء الإسلاميين يقومون بقراءات سياسية تلفيقية مكتوبة على عجل، وهي كتابات تفتقر في غالبيتها العظمة إلى التحليل المنطقي والموضوعي. إن تحليل خطاب الإسلاميين المغاربة تجاه الحركة الأمازيغية، ينقلنا إلى الإشكالية الأهم في عملية البحث عن الحقيقة، أعني حقيقة الخلاف/الصراع بين الإسلاميين والحركة الأمازيغية ككل، وليس من بعض مواقف وتصورات الحركة الأمازيغية التي قد نتفق مع بعض أطروحاتها وتصوراتها، ونختلف معها في البعض الأخر. وباختصار شديد، يكمن قلق الإسلاميين المغاربة تجاه خطاب الحركة الأمازيغية أساسا في المنطلقات والمرجعية الفكرية والسياسة التي تتحكم في تصورات كل طرف للقضايا المطروحة عليه، فبينما تعتمد الحركة الأمازيغية في نضالها المشروع على المبادئ الكونية ومنها: الديمقراطية – لعلمانية – الحداثة والنسبية. وتعتمد كذلك على كل ما توصلت إليه العلوم الإنسانية الحديثة في شتى المجالات المعرفية، وذلك في أفق تحقيق مجتمع ديمقراطي متعدد ومتنوع يتسع للجميع. وفي المقابل، نجد أن الإسلاميين يعتمدون في تصوراتهم الفكرية والسياسية على أمور تختلف كليا عن المنطلقات الفكرية والسياسية للحركة الأمازيغية، ومنها، العودة إلى الماضي (السلف الصالح؟) والفكر المطلق ( كل ما يقوله الإسلاميين صحيح في اعتقادهم!!؟)، والسعي إلى الوحدة على أساس اللغة المشتركة( اللغة العربية طبعا) والدين المشترك (الإسلام طبعا)(7). القضية الفلسطينية: مما لا ريب فيه، أن الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحديدا ، له حيزا كبيرا في الصراع الجاري بين إمازيغن والإسلاميين، فما هي حيثيات هذا الصراع؟ وما هو المطلوب تحديدا من الأمازيغ حتى يشعر الإسلاميين بالسعادة والارتياح تجاه موقف الحركة الأمازيغية من القضية الفلسطينية؟ أو بصيغة أخرى، ما هو نوع وشكل التضامن الذي يريده الإسلاميين من الأمازيغ تجاه فلسطين؟. لقد أثارت، ومازالت، قضية فلسطين أراء متباينة بين مؤيد ومنتقد، وبين متفهم ومعارض، فهي واحدة( أي قضية فلسطين) من قضايا كثيرة يتم تسييسها من قبل الإسلاميين، لقد أصبحت هذه القضية الإنسانية بامتياز، ولعل احد الأخطاء الفادحة التي ارتكبها العرب في موضوع فلسطين، في اعتقادنا، هو جعلها قضية عربية/ إسلامية. تعتبر هذه القضية رمزا لاحتدام الصراع والنزاع بين الإسلاميين والأمازيغ، فهي قضية تخبئ في أحشاها ما هو أعظم بكثير مما يقال عن زيارة ” بعض الأمازيغ” للدولة العبرية، أو موقف الحركة الأمازيغية من القضية الفلسطينية برمتها، التي تعتبرها قضية إنسانية بامتياز، وهذا لا يعني بالضرورة أن الأمازيغ ضد حق الفلسطينيين في الحرية والكرامة والاستقلال. وموقع الاختلاف المركزي والأساسي بين الأمازيغ والإسلاميين حول القضية الفلسطينية هو حول نظرة كل طرف لهذا الموضوع، فالأمازيغ ينظرون إلى الموضوع نظرة إنسانية، وبالتالي فان تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني المقهور تحدده هذه الخلفية، ولهذا فإننا لا نتضامن معهم( أي مع الفلسطينيين..) بصفتنا عربا أو باعتبارهم أشقائنا، كما هو الحال مع الإسلاميين، حيث يكون تضامنهم على أساس عرقي، ومن منطلق قومي محض، وهو تضامن شوفيني في العمق. على أية حال، نحن لا نريد هنا القيام بإعادة صياغة موقف الحركة الأمازيغية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو إعادة سرد كل ما تم قوله وتوضيحه حول هذا الموضوع من قبل الأمازيغ، كما لا نريد هنا أيضا إعادة الحديث عن مواقف بعض الأطراف الانتهازية، التي تسترزق باسم الدين( الإسلام) والقضية الفلسطينية، وعلى رأسهم بعض الإسلاميين، الذين يستغلون هذا الموضوع سياسيا، وبشكل فظيع جدا، طبعا هم يسعون من خلال إثارتهم لمثل هذه المواضيع ضرب مصداقية ومشروعية الحركة الأمازيغية، والتشويش على مطالبها المشروعة والديمقراطية، التي كثير ما تزعزع بنية الخطاب الإسلامي بالمغرب، خاصة عندما يتم الحديث عن دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي، أو إعادة كتابة التاريخ الوطني، أو المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، أو فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسة(العلمانية) وغيرها من المواضيع والقضايا التي تعتبر محطة الاختلاف الجذري بين الإسلاميين والأمازيغ، فعلى سبيل المثال فقط، يعتبر الإسلاميين بان القضية الفلسطينية هي قضية وطنية ومصيرية، وهم بذلك فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ومن حقنا أن نتساءل هنا، هل يوجد نفس الشعور والموقف لدى الفلسطينيين تجاه القضايا المغربية، وعلى رأسها قضية الصحراء؟. بينما ينظر الأمازيغ إلى القضية الفلسطينية كقضية إنسانية تستوجب الدعم والمساندة. ولكن ما يهمنا في هذا الورقة هو إعادة النظر في موضوع ” العلاقة” بين الأمازيغ وإسرائيل أمازيغيا، أو بصيغة أخرى ما هو دور الأمازيغ في إثارة هذه الموضوع ضد الحركة الأمازيغية؟. الأمازيغ وإسرائيل أية علاقة؟: لا يخفى على احد حساسية هذا الموضوع؛ موضوع ” العلاقات” الأمازيغية الإسرائيلية، وليس الوقت مناسبا أبدا للعب على العواطف وإثارة النعرات من أي صنف، وعلينا جميعا التحلي بالحكمة في معالجة هذا النوع من المواضع الحساسة، بل والحاسمة أيضا في بعض الأحيان. ومن هذا المنطلق فان الموضوع له طابع خاص، نظر لما يثيره من جدل حاد بين الحركة الأمازيغية وخصومها التقليديين من جهة، وبين الحركة الأمازيغية وعموم الجماهير الأمازيغية، وبالتالي فان الموضوع يحتاج إلى حوار وطني أمازيغي –أمازيغي، حوار ديمقراطي عقلاني يضع المصالح الأمازيغية فوق أية اعتبارات أخرى. لهذا فان مناقشة وإثارة الموضوع من جديد، سواء من الناحية المبدئية، أو من الناحية الإستراتيجية، يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة للحركة الأمازيغية التي تعيش في الوقت الراهن منعطفا تاريخيا في مسارها العام. وذلك في أفق إزالة الالتباس والغموض السائد حول موقف الحركة الأمازيغية تجاه العلاقات الثنائية بين اليهود والأمازيغ على وجه الخصوص، وتجاه الصراع العربي الإسرائيلي بوجه عام. ونظر لكون إننا لسنا مخولين للحديث باسم الشعب الأمازيغي أو باسم الحركة الأمازيغية، فان المواقف التي ستحملها هذه الورقة هي مواقف شخصية قابلة للنقد والجدل. ولكن انطلاقا من حرصنا الشديد على مستقبل الحركة الأمازيغية، وخاصة على جناحها الديمقراطي التقدمي المستقل الذي وصفه الأستاذ احمد عصيد في كتابه” سياسة تدبير الشأن الأمازيغي بالمغرب” ب “التيار الراديكالي” ، هو من جعلنا وحفزنا للتعبير عن موقفنا من المواضع المقترحة في هذه الورقة مع تمنياتنا الخالصة أن تكون هذه الورقة بمثابة أرضية للنقاش الأمازيغي – الأمازيغي حول المحاور المقترحة هنا للمناقشة. ولكن لابأس من الإشارة، ولو بعجالة، إلى نقطتين أساسيتين في موضوع العلاقات اليهودية – الأمازيغية ، أولها يجب التمييز بين القناعات المبدئية والتحالفات الإستراتيجية. فمن الناحية المبدئية موقف الحركة الأمازيغية من القضية الفلسطينية واضح جدا، وهو موقف منطقي وديمقراطي إلى ابعد الحدود، المتمثل في اعتبار القضية الفلسطينية قضية إنسانية وليست قضية وطنية مصيرية، هذا بالنسبة للحركة الأمازيغية بطبيعة الحال ، لكن هذا الموقف لا يجب أن يمتدد إلى علاقات ” رسمية” مع الكيان الصهيوني على اعتبار انه من “مصلحة” الأمازيغ عقد مثل هذه العلاقات كما يقول الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي السيد أحمد الدغرني. وثانيها من الضروري التمييز بين التعامل مع الشعب اليهودي الذي تجمعنا به علاقات الصداقة والمودة والتعايش السلمي كما يشهد بذلك التاريخ، وهي علاقات قديمة جدا، تماما كما تجمعنا بالشعوب الأخرى. ومن هذه الزاوية لا نجد ادني مشكلة في التعامل مع اليهود سواء كإفراد أو كتنظيمات مدنية ديمقراطية (كحركة السلام مثلا)، بعكس التعامل مع دولة إسرائيل التي تمارس شتى الإرهاب النفسي والجسدي على الإنسان العربي الفلسطيني، وهي دولة فاشية عنصرية توسعية لا يجب التعامل معها نهائيا، هذا بغض النظر عن موقفنا من القضية الفلسطينية. وأمام هذه الحقيقة الموضوعية نتساءل عن جدوى تنامي الحديث وإسرار بعض الأمازيغ عن ربط وتوطيد العلاقات مع دولة إسرائيل ؟ وما هي دوافع تنامي هذا الخطاب، خاصة بعد ترويج إشاعات بوجود جهات رسمية مغربية وراء هذه الزيارات تمهيدا لفتح علاقات رسمية بين إسرائيل والمغرب؟. وهل يدرك الأخوة الأمازيغ، وخاصة استأذنا المخضرم السيد احمد الذعرني، مدى حجم الخسائر التي تنتج عن مثل هذه العلاقات والتصريحات التي يدلوا بها في الموضوع؟. وباعتبارنا جزء من الحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة فإننا نتحمل بشكل أو أخر المسؤولية( أخلاقيا على الأقل) فيما يقع ويحصل من التطورات والتجاوزات أن صح التعبير، لهذا فإننا مطالبون بالتعبير عن موقفنا وتوضيح وجهة نظرنا للرأي العام، كإطراف أمازيغية ندعى إننا نملك خطاب مغاير ومختلف للخطابات السائدة في المشهد المغربي عموما والمشهد الأمازيغي خصوصا، ومن اجل ذلك سنوضح نقطتين أساسيتين في الموضوع. النقطة الأول وهي أن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي الأمازيغي هو شعب مسلم. وحينما نقول هذا الكلام يجب علينا أيضا استحضار مكانة فلسطين والقدس في قلوب المسلمون عامة، والمغاربة خاصة. ونحن حينما نشير إلى هذه المعطيات فإننا ندرك جيدا أهمية هذه المعطيات في تحديد صورة وموقف الأمازيغ المسلمون من الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وفي مدى تأثير ذلك في تحديد واتخاذ مواقف معينة تجاه الأطراف التي تتعامل مع الكيان الصهيوني. هذا بغض النظر عن المبررات والحجج التي يقدمها المدافعون عن مثل هذه ” العلاقات” التي لا يستسيغها المواطن الأمازيغي المسلم البسيط، لهذا فان الأمازيغ لا يستفيدون أي شيء من خلال خلق هذا النوع من ” العلاقة” مع الكيان الصهيوني، بل العكس هو الصحيح. النقطة الثانية: وهي أن إسرائيل دولة عنصرية وإرهابية تمارس جرائم بشعة في حق الشعب الفلسطيني بغض النظر عن لغته وثقافته وهويته وانتماءه، وبالتالي فان التضامن مع هذا الشعب المقهور واجب أنساني وأخلاقي قبل كل شيء، وفي هذا السياق نشير إلى موقف فنزويلا إثناء حرب إسرائيل على غزة، ورفض زيارة إسرائيل يمكن اعتباره نوع من التضامن مع الشعب الفلسطيني دون أن يعني ذلك أن القضية الفلسطينية قضية وطنية أو شيء من هذا القبيل. وبعد هذا التوضيح المختصر نتساءل عن جدوى حديث بعض الأمازيغ عن خلق علاقات مع إسرائيل؟ وهل إسرائيل التي تحضى بدعم دولي تحتاج إلى علاقة صداقة وتعاون مع جمعيات أمازيغية ذاتية تطوعية لتمرير مشاريعها التطبيعية؟ ومن حقنا أيضا أن نعرف ماذا قدمه اليهود المغاربة/ الأمازيغ للثقافة الأمازيغية؟ وكم من جمعية يهودية أمازيغية موجودة في إسرائيل؟. ما يجب أن يعيه المناضلين الأمازيغيين، هو أن المصلحة الأمازيغية تقتضي التضامن مع جميع القضايا الإنسانية العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية للشعب الأمازيغي ، كما يجب أن يدركوا جيدا انه ليس للامازيع مشاكل وصراعات مع الشعب العربي، بل أن مشكلتنا وصراعنا قائم مع الأنظمة العربية الاستبدادية، سواء في شمال إفريقيا أو في المشرق العربي. بعض الهوامش: 1 : يقول عبد السلام ياسين في كتابه ” حوار مع صديق أمازيغي” على سبيل المثال أن (( اللغة العربية من عصاها عصى الله، ومن شاقها شاق الله، ومن كفر بها كفر بالله ..)) ص: 96. ومن حقنا أن نسأل هنا هل هذا الموقف هو موقف ديني أم سياسي؟ نستطيع التأكيد هنا أن موقف الأستاذ ع. السلام ياسين هو موقف سياسي وليس ديني للاعتبار بسيط، وهو عدم وجود أية آية قرآنية تؤكد ما يقوله الشيخ ياسين، أو تؤكد قدسية اللغة العربية. ونشير هنا أيضا أن الله يدعونا عبر كتابه المقدس القران الكريم بعدم الكفر به ( أي الكفر بالله) والنبي محمد (ص) ولا يدعونا إلى عدم الكفر باللغة العربية أو تقديسها، كما أن اللغة العربية ليست ركن من أركان الإسلام ولا ركن من أركان الإيمان. 2: نشير هنا على سبيل المثال إلى الأكاذيب التي يروجها الإسلاميون حول وجود ” علاقة ” بين الأمازيغ والكيان الصهيوني، وحول “زيارة وفد أمازيغي ” لدولة العبرية، وكذلك ” تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية الإسرائيلية” بينما الحقيقة أن الوفد الذي زار إسرائيل خلال الشهور الماضية هم مجموعة (18 شخص) من رجال التعليم لا علاقة لهم بالحركة الأمازيغية نهائيا، حيث لا يوجد بينهم ولو شخص واحد محسوب على الحركة الأمازيغية. كما لا توجد أية جمعية للصداقة الأمازيغية الإسرائيلية بتاتا، بقدر ما كل ما هنالك هي تأسيس جمعية لصداقة الأمازيغية اليهودية وبين الاثنين فراق شاسع جدا. الأولى تعنى وتفيد تأسيس جمعية لصداقة إمازيغن مع الدولة الإسرائيلية بينما تعنى الثانية تأسيس جمعية لصداقة بين الأمازيغ واليهود( أي مع الشعب اليهودي، والمجتمع المدني…). ونشير في هذا الصدد أن الأمازيغي الوحيد المحسوب على الحركة الأمازيغية الذي زار إسرائيل هو الأستاذ احمد الدغرني فقط، ولقد كانت دعوته من طرف هيئة دولية نظمت مؤتمر دولي حول السلام في إسرائيل وليس بدعوة من دولة إسرائيل هذا من جهة ومن جهة ثانية السيد الدغرني لم تنتدبه الحركة الأمازيغية في زيارته لإسرائيل وبالتالي فانه لا يمثل الحركة الأمازيغية، وباعتباره مواطن فهو حر في اختياراته ومواقفه. 3: إبراهيم أعراب ” الإسلام السياسي والحداثة” منشورات أفريقيا الشرق بيروت- لبنان 4: نشرنا في هذا السياق عدة مواضيع منها على سبيل المثال ” من اجل رؤية جديدة للعمل الأمازيغي”، “الحركة الأمازيغية والإسلام ” ، ” ملاحظات نقدية حول مواقف الإستاد التجاني بولعوالي من القضية الأمازيغية” و ” الحضارة المغربية والتزييف المستمر ” وغيرها من المواضيع. 5: انظر كتاب ” 40 سنة من النضال الأمازيغي” منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي ، الطبعة الأولى 2007. 6: هناك العديد من الكتاب الإسلاميين الذين يعملون على إشاعة الأكاذيب والمغالطات حول الحركة الأمازيغية نذكر منها: مصطفى خلفي، عبد الكريم السكاكي، فؤاد علي، التجاني بولعوالي، المصطفى المسعودي،جلال التليدي، عبد الصمد الخياري وغيرهم كثيرون. 7: انظر احمد عصيد ” الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي” منشورات مجلة تاوسنا ، الطبعة الثانية 2000.