ليس هناك ما يبعث على التأمل أكثر من يوم وطني لمحو الأمية.. التأمل، لأن الحياة كلها حرب ضد الأمية، لكننا نحتاج دوما إلى يوم واحد فقط لكي نتذكر هذه الحرب، ونتذكر ضراوة العدو الذي نتربص به وهو يهزمنا، و لحطة تأمل لأننا حين نحارب أمية محددة نجد أنفسنا أمام أميات عديدة، أمية في السياسة، وأمية في الاقتصاد، و ربما أمية في الاجتماع، أو في الاستراتيجية، ولكننا لا نجد أبدا أية أمية في اللصوصية، وفي التنكيل بالقيم، وفي قتل السياسة، وفي تعميم الشعبوية وتمتيع العقل بسراح طويل الأمد ... ولا أمية في الأنانية وفي المصالح الشخصية، إذ أن الكثيرين اليوم، عندما يدخلون المجال العام يقرأونها طايرة. نحن «نحتفل» باليوم الوطني للأمية لكي نقرأ الأمية التي تستعصي على الاقتلاع بالرغم من كل النوايا الحسنة، وكل الإعلانات، المكتوبة طبعا بخط رفيع وبدون أخطاء تذكر، وبالرغم من كل الخطط، ما زلنا،إذا نزلنا إلى الملعب نجد صعوبة كبرى في الفوز ولو بنقطة واحدة لتأهيل الذين يعانون منها.. ومع ذلك نحاول أن نكون في مستوى أن نفرح بأقل نقطة، مهما صغرت في هذه الحرب، وسيكون الإنسان أميا بالفعل إذا ما أنكر المجهودات، ولا نعتقد بأن أحدا أكثر إيما نا من الآخر في هذا البلد، في هذه القضية، اللهم إذا كان ذلك بمحض حسابات، وإذا قرأها بالديماغوجية، ونقرأ بغير قليل من التفاؤل كل كلمة تقال في بلاغ انتصار عليها، نقرأ بكل تلهف بأن المغرب قطع أشواطا هامة في مجال القضاء على الأمية خلال الموسم الماضي .. وأن عدد المستفيدين من برامج محاربة الأمية ارتفع ارتفاعا واضحا، بزيادة بلغت نسبتها 130 في المائة . ونبتسم بغير قليل من الزهو عندما نقرأ بأن الغلبة للعنصر النسوي بين المستفيدين بما يمثل84 في المائة من مجموع المستفيدين من عملية محاربة الأمية. نقطب الجبين مستغربين، لكن نتفهم ونحن نقرأ «محاربة الأمية بواسطة أجهزة الحاسوب».. نعد على أصابعنا كم مرة حصلنا على شهادة تقدير من العالم على ما نقوم به من أجل الذين ترمي عليهم الأمية معاطفها ، ونتذكر جائزة كونفوشيوس لمحاربة الأمية عن برنامج البلاد الموجه للمراهقين في المناطق القروية. الجائزة الدولية « مالكوم أديسيشياه » التي تمنحها منظمة الأممالمتحدة للتربية الثقافة والعلوم (اليونسكو)، لتمكينها الصيادين من التغلب على الأمية. ونقول هي الأمية، في البر وفي البحر، في البر وفي الحبر، ونبتسم طويلا، لكن الواقع مر للغاية واللوحة قاتمة والأشياء التي نضعها للحرب لا تكون دائمة «مقروءة» جيدا.. ستقول القصاصة الرسمية، والبيان الرسمي والإعلان الحكومي، وكل الجهات المعنية بأن تقدما يحصل في هذا المجال، وهو ما لا يمكن أن ينكره إلا جاهل... بالقراءة والكتابة، لكن مشكلة الأمية هي الجانب الفارغ من كأسها التي يشربها الكثيرون، فلا أحد يمكنه أن يمر مرور الكرام على ما تقوله أخبار السياسة في المغرب، بخصوص كل الذين يدخلون السياسة بدون شهادات ابتدائية ويصلون إلى تدبير الجماعات، وربما تمثيل الأمة بالأمية.. وهنا تتعثر الجياد وتنحني، وهنا يمكن أن نقول : ألا يمكن أن تصبح الأمية خيارا أيضا وشهادة على وضع بئيس، وضع تكون فيه مرادفا لقوة الفساد والمال وضعف السياسة وتدني مستوى المشاركة.. نقول: ألا يمكن؟، ونحن جميعا نعرف الجواب... وهنا يبدو أن الإرادة في القطع مع آفة أساسية تسخر منها إرادة أخرى،إرادة أكثر علانية تعمل على تجميل الأمية ، إن لم نقل الرفع من قيمتها ..