و بالتالي، فالقناعة الفكرية الراهنة التي يدافع عنها الرفيق محمد لحبيب طالب و رؤيته السياسية، منذ نهاية السبعينات على الأقل، تنطلق من فرضية التبرير السياسي للادماج في الواقع السياسي الممكن كمعطى و نتاج لمجرى الأحداث الجارية داخل الدولة و المجتمع المتخلفين (الخصوصية المغربية). و هو تبرير يندرج في إطار نظرية الاشتراكية الليبرالية- مع استحضار الفارق في واقع هذه النظرية بين دولة نظام سياسي تهيمن فيه قيم الحداثة و التقدم و الديمقراطية وواقعها في دولة نظامها السياسي تهيمن فيه قيم التقليد و التأخر و هيمنة الاستبداد- التي تدعو لتصالح اليسارية الاشتراكية مع الواقع السياسي الاجتماعي الرأسمالي التبعي المخزني السائد في المغرب، و تصالح اليسارية الاشتراكية مع «اليمينية الليبرالية». أليس هذا ما يدعونا له الرفيق حينما يطلب من «المناضل السياسي التقدمي أن يتسلح بفكر مطابق كي لا يكون أكثر عرضة من غيره على أن يحول بنفسه تلك الميزة التي تميزه في تعاطيه الجدلي بين الموضوع و الذات و بين الموضوعية و الذاتية إلى ذاتوية و إرادوية غير موضوعية و غير عقلانية و غير تاريخية بالتالي»!؟! بمعنى أن نتسلح بفكر مطابق للمجرى الواقعي للأحداث، تلك الأحداث التي صنعها و بلورتها هيمنة الاستبداد السياسي و الاجتماعي، لا تلك التي صنعها و يصنعها النضال الديمقراطي الشعبي للحركة الديمقراطية السياسية و الاجتماعية بشكلها السياسي الاجتماعي الواعي المنظم من طرف القوى السياسية الديمقراطية أو بشكلها «السياسي» الاجتماعي العفوي. و نعرف أن الجمع بين الليبرالية و الاشتراكية بدأت مع نقد برودون لاشتراكية ماركس و مع الفكر الاجتماعي في القرن التاسع عشر مع توكفيل Tocqueville في فرنسا و هوبهاوس (Hobhouse) في أنجلتيرا و ديوي (Dewey) في أمريكا و صولا إلى حاضرنا مع سيرج أوديي Serge Audier الذي يوضح في كتابه «الاشتراكية الليبرالية «Le socialisme libéral تصور الاشتراكيين الليبراليين القائم على قيم اليسار السياسي و المذهب الاقتصادي الليبرالي. الإنتقال الديموقراطي هو تحليل و برنامج و أهداف لعملية سياسيّة تتميز بها مرحلة المرور، في الحالة المغربية، من الهيمنة الثقاغية و السياسية للاستبداد ومن النظام السياسي الاجتماعي التقليدي المخزني التبعي إلى سيرورة بناء نظام سياسي اجتماعي ديموقراطي وفقا للشروط الموضوعية التي يجري فيها هذا الانتقال الديمقراطي. و نعتقد أن اليسار الراديكالي، منذ بداية التسعينات على الأقل، لم يعد يطرح الثورة على النظام السياسي و لم يعد يتوسل بوسائل االممارسة السياسية الثورية وفقا للصيغ التي سادت في نهاية ستينات و سبعينات القرن العشرين. و طرأت داخل اليسار الراديكالي تحولات عميقة، و حدهم بعض اليساريون المتشبثون ب»الصنمية اللغوية» الذين لا يرون من «الدينامية التاريخية» سوى تلك التي تخرج من تاريخ «التوافقات الفوقية» بين المؤسسة الملكية و نخبها و ليست تلك «الدينامية التاريخية» التي تصنعها النضالات الاجتماعية السياسية لكتلة الشعب الكادح و المحروم و المهمش و القوى اليسارية الراديكالية، لذلك يرفضون الاعتراف لهذا اليسار الراديكالي بميزة قيامه بهذه التحولات الفكرية و السياسية.