ثم إذا راجعنا و نظرنا بموضوعية جميع برامج القوى الديمقراطية الراديكالية و ممارستها الاجتماعية و المدنية، و هي في وضعنا الحالي تتمثل في قوى سياسية و اجتماعية و مدنية، ينعتها الرفيق محمد الحبيب طالب ب»الراديكالية المتعالية»، نجدها تمارس راديكالية واقعية حية و فاعلة في وعي و ممارسة الحركة الجماهيرية و الاجتماعية الشعبية رغم أنها تعاني من تهميش و قمع السلطة السياسية و مؤسساتها السياسية و الأمنية، كما تعاني من تهميش و مناهضة القوى الديمقراطية. و لا يسمح المجال لاستعراض النضال الديمقراطي النوعي الذي خاضته الحركة الجماهيرية و الاجتماعية الشعبية في مناطق عدديدة من المغرب منذ بداية سنة ألفين على الأقل بتأطير من هذا اليسار الراديكالي: طاطا (من أجل ديمقراطية الحق في التطبيب و رفع التهميش عن المنطقة)، آيت أورير(من اجل الحق في الأمن و رفع التهمش الاجتماعي)، اخريبكة (من أجل حرية التعبير بالتظاهر و رفع الحيف الاجتماعي) ، منطقة بوعرفة و تالسينت (مناهضة القمع المخزني الممارس من طرف العامل و رفع الحيف الاجتماعي و مناهضة الغلاء)، تكونيت، تنزولين، زاكورة...(من أجل الحق في مياه السد توزيع عادل لها)، صفرو (مناهضة غلاء المعيشة و واقع التهميش و الفقر و القمع)... العيون و الداخلة (الحريات العامة و التهميش الاجتماعي مع ملاحظة أن رهانات أحداث العيون و الداخلة تحكمت فيها خلفيات نزاع الصحراء) تيملي (ضد التهميش السياسي و من أجل الحقوق الثقافية و الاجتماعية) إفني (ضد إقصاء المنطقة من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية)... هذه بعض الأمثلة لمناطق انتفضت لأنها تعيش القهر الاجتماعي و التهميش الاقتصادي و قمع الحريات العامة، إضافة إلى حركية نضالية مسترسلة مارستها تنسيقيات مناهضة الغلاء و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تمحورت حول الحقوق الديمقراطية الاجتماعية و الاقتصادية و كذلك الحريات العامة. هذه بعض الأمثلة للمد الشعبي التقدمي الفعلي في مناطق عديدة انتفضت فيها جماهير شعبية و ناضلت ديمقراطيا من أجل التحررمن القهر الاجتماعي و التهميش الاقتصادي و القمع السياسي. و مقاطعة الانتخابات البرلمانية لشتنبر 2007 مؤشر دال عن رفض هذا المد الشعبي لواقع سياسي اجتماعي متخلف و انتقال ديمقراطية زائف. هكذا نفهم ما ذهب إليه، نظريا، الرفيق محمد حبيب طالب، و نتفق كثيرا معه حين يؤكد أن «المناضل السياسي التقدمي لا يقرأ «الواقع التاريخي» الذي هو فيه، كموضوع للتأمل المجرد، بل كفعالية ذاتية، و كممارسة أيضا. و هذه مأثرته و ميزته في النظر على غير الكثير من الأحكام المثقفية المستهجنة للممارسة السياسية بإطلاق، و التي نعتبرها دون المعرفة الموضوعية العلمية إلى غير ذلك من الأحكام التي أخذت شكل الهجوم على «الإيديولوجيا» و على الممارسة السياسية في صلبها. فإذا كان لا بد من نقد «الإيديولوجيا»، و هو كذلك، فالنقد ينبغي أن يكون في ميدانها الذي هو ميدان التاريخ الإنساني و إشكالية التقدم فيه، و ليس ميدان العلم، العلوم الموضوعية البحثة هكذا بإطلاق. فالعلوم الإنسانية لا فكاك لها من الإيديولوجيا، و الإيديولوجيا (قبل كل العلوم) و لا زالت أداة التقدم التاريخي الإنساني». غير أن جل القوى اليسارية في صراعها ضد الاستبداد و من أجل الديمقراطية لم تستطع الممارسة من داخل هذا المد الشعبي التقدمي الذي ذكرت بعض أمثلة منه، حيث لازالت مضاعفاته تتواثر(أحداث إفني). 7- ليس الأساسي فقط تأكيد الأهمية الكبيرة للانتقال الديمقراطي كمفهوم نظري و «تصور فكري يسعى إلى التنظيم العقلاني للدينامية التاريخية»، بل كذلك تأكيد كون الانتقال الديمقراطي ممارسة لنظام حكم في جميع بنياته و حلقاته و ممارسة سياسية و ثقافية انتقالية توفر شروط التقدم الاجتماعي و الاقتصادي بما يمكن الدولة و المجتمع من الانعتاق و التحرر من واقع و عوامل التخلف و التأخر الثقافي و السياسي و تحديد الطابع الديمقراطي للنظام السياسي الاجتماعي المراد بناؤه و توفير الشروط الديمقراطية، خصوصا، لانخراط فعلي للطبقات و للفئات الاجتماعية (ليس فقط الشعبية) التي تعاني من تخلف الوعي و الثقافة السياسيين و الاجتماعيين في «الدينامية التاريخية». و إذا كانت علاقة الفكر بالواقع علاقة تناقض دائمة و أبدية، فإنها كذلك لأنها علاقة دياليكتيكية تتبلور في صلب الدينامية التاريخية و جدلية تناقضاتها. و لذلك كان طبيعيا أن يعطي ماركس أهمية أساسية للنظرية، إذ أكد منذ 1842 اعتقاده الحازم في كون الخطر الحقيقي ليس في المحاولات المُمَارَسة، و لكن في تحقيق الأفكار الشيوعية انطلاقا من النظرية. و يضيف أنه يمكن بالفعل الإجابة بالمدافع لمواجهة المحاولات الممارسة حتى و لو تحققت كلها. و يضيف انه عندما تكتشف الاشتراكية الدياليكتيكية بأن المجتمع يتطور في اتجاه محدد، فإن مجهودات الثوريين، المسنودين بالدينامية التاريخية، ستتجلى في اقصى فعاليتها1. الإشكال، إذن، لدى بعض اليساريين أنهم ينظرون إلى مفهوم الديمقراطية على أنه مبدأ مطلق و ليس نسبي، في حين أن بعضا آخر منهم لا ينظر للمضمون الطبقي للديمقراطية كمفهوم برجوازي و بالتالي لا ينظر لحدودها و عجزها(son déficit) بالنسبة للمصالح الحيوية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للطبقات و للفئات الاجتماعية الكادحة و المحرومة. و أعتبر أن النضال ، سياسيا و إيديولوجيا، ضد حدود و عجز الديمقراطية البرجوازية هذه و كذلك ضد مفهوم الديمقراطية المطلق هو مهمة راهنة، بالنسبة لليسار، لتجاوزهما من أجل سيرورة بناء ديمقراطية تتجسد فيها المصالح الديمقراطية الحيوية لجميع الطبقات والفئات الاجتماعية و في القلب منها المصالح الحيوية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للطبقات و للفئات الاجتماعية الكادحة و المحرومة و حقها في ظروف معيشية كريمة تحررها من واقع و عوامل الفقر و الهشاشة الاجتماعية، أي التحرر من الأمية و البطالة و البطالة المقنعة، و العجز الصحي و السكني... يتبع