و اليساريون الراديكاليون عندما يطرحون الانتقال الديمقراطي و الملكية البرلمانية، ينطلقون بالضبط من التاريخ الواقع، تاريخ مقاومة اليسار للاستبداد، الاستبداد الذي لا زالت مظاهره الدستورية و المؤسساتية و الثقافية و السياسية و الاجتماعية حاضرة في معيش و واقع الطبقات و الفئات الشعبية. لأن ما تحقق من تقدم في مجال حقوق الإنسان و الحريات العامة، المستفيد منه هي النخب السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية. لذلك، فإن مواجهة الإشكالات الشاملة، الثقافية والسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، للانتقال الديمقراطي المفترض هي بالضبط مواجهة و حل إشكالات تخلف الوعي و التصور الديمقراطي بإعادة بناء برنامج الإصلاحات و التغييرات الديمقراطية الدستورية و السياسية، وهي الإصلاحات التي يمكن تركيزها في الملكية البرلمانية كما سبق أن وضحت في مقالة (المسار الملتبس للديمقراطية في المغرب و نقد بعض أطروحات محمد الحبيب طالب. الجريدة الأولى عدد ). و تناولي الواضح للملكية البرلمانية، الذي ينتقده الرفيق الحبيب طالب و يعتبره «صنمية لغوية»، مرده للمسار الملتبس لـ»الديمقراطية» و لحكومة التناوب التوافقي التي اعتبرها اليسار المعتدل (خصوصا الاتحاد الاشتراكي- التقدم و الاشتراكية- و الاشتراكي الديمقراطي) تجسيدا للانتقال الديمقراطي بهدف التقدم في طريق بناء نظام سياسي اجتماعي ديمقراطي. و قد قال الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي كلمته في فشل هذا الانتقال المفترض. 8- لم يعتبر قط لا ماركس ولا لينين النضال من أجل الديمقراطية كهدف في حد ذاته، بالنظر لكون مضمونها طبقي و نسبي، ولكن أكدا أن نظام الديمقراطية البرجوازية يساهم في خلق شروط تغيير النظام الرأسمالي و فتح سيرورة بناء الاشتراكية. و قد أكد لينين دور النضال من أجل ديمقراطية مندمجة في النضال من أجل الاشتراكية، و أكد أن «البروليتاريا لا يمكن أن تنتصر إلا إذا مرت من الديمقراطية، و يعني هذا تحقيق ديمقراطية كاملة و في كل فصل من فصول نضالها مطالب ديمقراطية مصاغة بالأسلوب الأكثر قوة و فعالية... و يجب ربط النضال الثوري ضد الرأسمالية ببرنامج و بتكتيك ثوري بالنسبة لجميع المطالب الديمقراطية: الجمهورية، المليشيات، انتخاب الموظفين (الكبار طبعا) من طرف الشعب، المساواة المدنية للنساء، حق الأوطان في تقرير مصيرها... إلخ»2 وأضاف أن الاشتراكية الديمقراطية لا يمكن بثاثا أن تتخلى عن النضال الفوري و الحازم من أجل كل المطالب الديمقراطية»( Lénine. uvres, tome 22 - p.156-158) و تأكيد لينين جاء لأن هذا التخلي يصب في طاحونة القوى البرجوازية و الرجعية. و لن نمل من تذكير وعي بعض اليساريين، الذي غالبا ما يجنح و تجرفه غوايات الممارسة النخبوية، رغم أنني أقر بالدور الأساسي السياسي و الإيديولوجي و التنظيمي للنخب اليسارية في قيادة التغيير الديمقراطي، أن أهداف برنامج الانتقال الديمقراطي ستكون بالضرورة، اقتلاع الجذور البنيوية للتأخر و التخلف الديمقراطي في كل مستوياتها من اقتصاد الريع، وقيم الزبونية، والتركيب الاجتماعي المشبوه وغير المنتج في معظمه، وعلاقات وعقلية الرعايا، وثقافة التقليد.. الخ. إذا كانت هذه أهداف الانتقال الديمقراطي، و التي حاصل اتفاق حولها من طرف كل الديمقراطيين، هل يمكن أن نحقق هذه الأهداف و السلطة السياسية و بنيات دولتها لم تبلور أهداف انتقالها الديمقراطي لاقتلاع الجذور البنيوية لاقتصاد الريع و فساد أغلبه و الذي ترعاه الدولة وقيم الزبونية الراسخة في دواليبها، وتركيبها الاجتماعي المشبوه وغير المنتج في معظمه، وعلاقات وعقلية الاستبداد في مؤسساتها و إدارتها و أجهزتها الأمنية، وثقافتها التقليدية...الخ»...؟! > هوامش: 1 (K. Marx: Le communisme et la Gazette- générale» d Augsbourg, in: Gazette rhénane, 16 octobre1842) 2- Lénine »Prolétariat révolutionnaire et droit des nations« uvres, tome 21 - p. 424) انتهى