{ رغم أن المغرب سنّ القانون رقم 15.91 ، إلا أن وضعية التدخين والمدخنين هي في ارتفاع مهول مع ما يترتب عن ذلك من أضرار للمدخن أو لمن يكون في وضعية تدخين سلبي، فما هي أسباب تعثر القانون؟ للأسف، تعرف ظاهرة التدخين في المغرب تناميا مضطردا، ويزداد عدد المدخنين رغم التحسيس بمضار التدخين بجميع أنواعه وآثاره الصحية الوخيمة، فضلا عن كون هذه الآفة أضحت منتشرة في أوساط القاصرين والشباب، الأمر الذي له انعكاسات سلبية بالغة الخطورة على الصحة، وكذلك له تداعيات اجتماعية متعددة. بالفعل المغرب سن القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والاشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن في مطلع التسعينات، إلا أن التطبيق العملي لهذا القانون ظل معلقا لعدة اعتبارات، من أهمها عدم صدور المراسيم التطبيقية وغياب التنصيص على الجهات الموكول لها تطبيق هذا القانون. كما أن التطورات التي ظهرت بالمغرب على عدة مستويات ، جعلت مفاهيم التبغ واستهلاكه ومضاره تعرف عدة تحولات، فقد ظهرت أنواع أخرى من التدخين لاتقتصر على السجائر فقط، وإنما تشمل كذلك النرجيلة «الشيشة»، التي ثبت بأن مضارها تفوق مضار السجائر، فضلا عما تخلفه هذه الظاهرة من آثار اجتماعية خطيرة في أوساط الشباب والمتمدرسين.
{ هذا الفراغ التشريعي وهذه المتغيرات دفعتكم بصفتكم رئيسة الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، إلى جانب مستشارين آخرين، لتقديم مقترح قانون آخر، لكنه لم ير النور بدوره، فما السبب في ذلك؟ أمام هذه الوضعية، بادرنا في الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، إلى تقديم مقترح قانون يرمي إلى منع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية ونسخ القانون 15.91، تم التصويت عليه في مجلس النواب في 23 يونيو 2008، وبمجلس المستشارين في يوليوز من نفس السنة، إلا أن هذا القانون مازال لم ير النور، وعلى ما يظهر بأن الأمانة العامة للحكومة مازالت تحتفظ به في الرفوف، لكونه لم يجد طريقه إلى النشر بالجريدة الرسمية لحد الآن!
{ لكن المغرب وقّع على اتفاقية دولية في 2004 حول الموضوع، فما السر في هذا التأخير ؟ المغرب وقّع على الاتفاقية الدولية لمحاربة التدخين في 14 أبريل 2004، والتزم بالتصديق عليها، لكن مازال هذا التصديق متعثرا، وبالتالي فإن كل الأسئلة والاحتمالات أو القراءات للعوامل التي تحول دون تفعيل هذا القانون، تبقى واردة، بالمقابل فإن تكلفة التدخين ترتفع يوما عن يوم، وذلك بالنظر إلى المصاريف الصحية، وطبيعة الأمراض، وكلفتها المادية والمعنوية، على الفرد، محيطه والمجتمع ككل، وهي كلفة أكبر بكثير من أية مداخيل ربحية يمكن الترويج على أنها تشكل مكاسب نتيجة للاتجار في السجائر والنرجيلة ومشتقاتهما.
هل أثرتم الانتباه إلى مآل مقترح القانون الذي تم تجميده؟ * نعم لقد عملنا على ذلك، حيث راسلت رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان من أجل برمجة مقترح القانون الذي تقدمنا به، وذلك في 17 شتنبر 2012، ومراسلة في نفس الموضوع إلى رئيس مجلس المستشارين في 10 أكتوبر 2012، ثم مراسلة ثالثة في 26 فبراير من السنة الجارية.
{ هو مقترح من المعارضة وفقا للمقتضيات الدستورية، لكن الحكومة لم تتفاعل معه إذن؟ هو سؤال ضمن أسئلة أخرى تُطرح ارتباطا بهذا الموضوع، يُتساءل من خلاله إن كانت الحكومة قد عجزت وهي ليست بقادرة على التأثير على قطاعاتها الوزارية من أجل حماية المواطنين من هذه الآفة، التي تفشت في صفوف المواطنين، خاصة منهم الناشئة، وللأسف تتواجد بكثرة بجوار المؤسسات التعليمية ، حيث تفرّخ المقاهي والفضاءات التي «تقدم» مساحاتها الإسمنتية للشباب كي يتعاطوا للتدخين وللنرجيلة بها.
{ ما تعليقكم على هذه الوضعية ؟ للأسف، فإن المقترح لم يتم التعامل معه بشكل جدي بالرغم من كونه يلائم كل مقتضيات الاتفاقية الدولية لمحاربة التدخين التي وقعها المغرب، والتي تعتبر نصف التزام للدولة فقط!؟
{ ماهي بعض التأثيرات السلبية للتدخين على الصحة؟ هناك تداعيات صحية متعددة وخطيرة، والتي منها ما يصيب الجهاز التنفسي الذي يعتبر بوابة الأمراض التعفنية، من قبيل داء السل، التهاب القصبات الهوائية المزمن، سرطان الرئة، سرطان المثانة، سرطان الحنجرة، سرطان اللسان، والتي تتضاعف خطورتها إذا ماكان المعني بالأمر يعاني من داء السكري أو داء فقدان المناعة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أعداد الوفيات، لكون الأمراض تصبح أكثر مقاومة للعلاج بالنظر إلى ضعف المقاومة المحلية في الجهاز التنفسي. والمرأة بدورها تكون عرضة لأضرار عضوية متعددة بفعل التدخين، فضلا عن تأثير ذلك على الجنين إن كانت حاملا، دون إغفال التأثير السلبي على أطفالها، إذ تبين الإحصائيات أن 80 في المئة من الأبناء الذين يدخنون كانت أمهاتهم يُدخنَّ. ( * ) عضو الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين