لم تستطع التحذيرات المتوالية للأطباء، ولا الآلات الطبية الموضوعة بكل عضو من أعضاء جسده النحيف الذي أنهكته العمليات الجراحية من إقناعه بإيقاف التعاطي لتلك السموم..فبعد مضي أيام قليلة من إجراء آخر عملية على مستوى عروق القلب عاد إلى صحبته القديمة، احتساء القهوة والاستمتاع بدخان السجائر التي تعتبر حقيقة «وباء العصر أو الطاعون البني» كما يسميه البعض.موقف مؤلم ومؤسف يعيشه أبناء «محمد» البالغ من العمر 74 سنة، خاصة بعد تحذيرات الطبيب المعالج له بكون الاستمرار في التدخين قد يسفر على نتائج جد سلبية على صحة والدهم الذي يعاني من داء السكري، وضعف دقات القلب وسبق أن أجرى ثلاث عمليات جراحية على مستوى عروق القلب..ولا حياة لمن تنادي. قصة «محمد» واحدة من آلاف القصص الواقعية التي تعيشها بعض الأسر مع رب البيت أو الأبناء الذين تنال تلك السموم من أجسادهم، وتحول حياتهم إلى جحيم حقيقي بين صعوبة الإقلاع عن التدخين ومآلاته المؤلمة. صعوبة الإقلاع عن التدخين، مشكل يعترض الكثير من المدخنين بسبب إدمان الجسد على «النيكوتين»، وهو عقار مسبب للإدمان بقوة حيث يدخل إلى مجرى الدم فور استنشاقه، ويحفز على إفراز الأبنفرين والادرينالين في دم المدخن -حسب الأخصائيين-. شباب في مقتبل العمر، خصصت لهم الجمعيات المتخصصة في محاربة إدمان الشباب على التدخين أياما دراسية، وندوات متخصصة للتوعية بمخاطره، دون الوصول إلى الأهداف المرجوة..التدخين آفة وتحد صحي، ومحاربته تحتاج إلى مقاربة سياسية واجتماعية واقتصادية وصحية وثقافية..وهو ما استشعرته الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات التي اتخدت عنوان «التصدي للإدمان على التدخين والمخدرات مسؤولية جماعية وأولوية مستعجلة» شعارا لآخر حملة توعوية لها بالمؤسسات التعليمية. مخاطر التدخين يؤدي التدخين إلى وفاة شخص من بين شخصين؛ ومع ذلك، فهو يستهلك في كافة أرجاء العالم، لأنه يباع بثمن بخس ويتم تسويقه على نطاق واسع بفضل تقنيات مقنعة. وغالبا ما تجهل أخطاره وتجد السياسات العمومية صعوبة في التغلب على هذا الوباء-حسب تقرير لجمعية للاسلمى لمحاربة داء السرطان-. ويقدر انتشار التدخين بنسبة 18 في المائة لدى المغاربة البالغين 15 سنة فما فوق، وبنسبة 41 في المائة تقريبا لدى الساكنة التي تتعرض للتدخين السلبي-حسب ذات المصدر- الذي يؤكد على أن المغرب يعد أحد أكبر مستهلكي الدخان في المنطقة المتوسطية، حيث يستهلك ما يزيد عن 15 مليار سيجارة في العام. يؤدي الإدمان على التدخين إلى وفاة 6 ملايين شخصا سنويا في العالم حسب المنظمة العالمية للصحة، لكن على المستوى الوطني، ليست هناك إحصائيات عن عدد الوفيات المرتبطة بالتدخين. إلا أن سرطان الرئة يؤدي إلى مفعول مدمر، في بلدنا، الذي يدخن فيه 31.5 في المائة من الرجال، و3.3 في المائة من النساء، حيث أن 90 في المائة من حالات سرطان الرئة ناجمة عن التدخين. كما أن التدخين يعد «مسؤولا عن 25 في المائة من حالات القصور التاجي، من ضمنها الجلطات القلبية. ويتبين من تحقيق وطني حول عادات وسلوك المدخنين صدر سنة 2008، أن المدخن المغربي يصرف في المتوسط 22 درهما يوميا لشراء الدخان (30 في المائة من الحد الأدنى للأجور). يتسبب التدخين في قائمة طويلة من السرطانات، على رأسها سرطان الرئة، أمراض شرايين القلب وأمراض الجهاز التنفسي. ويؤثر التدخين أيضا على سرطانات المسالك البولية، الكلي، عنق الرحم، المعدة، والبنكرياس، وبالقضاء على التدخين، يمكن تفادي ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان. التدخين أيضا، هو العدو الأول للقلب والشرايين، فهو يسهل حدوث الحوادث القلبية، خاصة الجلطات القلبية. ويسرع شيخوخة الشريان ويرفع تردد حوادث عروق الدماغ. ويؤدي الالتهاب المزمن للقصبة، وهو شائع جدا لدى المدخنين، إلى تدهور تدريجي لوظيفة الجهاز التنفسي. ويعد السعال، خاصة مع الاستيقاظ صباحا، وضيق التنفس عند الجهد المبذول، علامات تحذير أساسية. وبالنسبة للأشخاص المصابين بالربو، فإن التدخين عامل يعمق الداء، كما يؤثر التدخين على خصوبة المرأة، وعلى توازنها الهرموني، ويحدث اختلالا في دورتها. التدخين السلبي التدخين السلبي، مصطلح يطلق على تعرض شخص غير مدخن لمزيج من الدخان الناتج عن احتراق التبغ في سيجارة المدخن والدخان الخارج مع زفيره ويعرف ايضاً بالتدخين الثانوي واللاإرادي والتدخين غير المباشر. وحسب إحصائيات سبق الإعلان عنها بإحدى البرامج التلفزية من طرف هشام البري، عن مديرية الأوبئة مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة، أن 60 في المائة من المغاربة معرضون للتدخين في الأماكن العمومية، وما يقارب 600 ألف حالة وفاة بسبب التدخين غير المباشر «السلبي»، و71 من الأشخاص يموتون بسرطان الرئة بسبب التدخين، و38 في المئة من مرضى القلب والشرايين يموتون بسبب التدخين، كما أن 42 في المئة من الأمراض التنفسية المزمنة يعتبر التدخين سببا لها.وفي قراءة له لهذه الأرقام، أكد المتحدث نفسه أنها مؤشرات تؤكد على أننا أمام ظاهرة خطيرة يجب تكثيف الجهود للتغلب عليها. وقد ثبت علميا أن التعرض للدخان يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الرئة، وقد سجلت الاحصائيات في الولاياتالمتحدة أن معدلات وفيات سرطان الرئة لأشخاص لم يكونوا من المدخنين وصلت إلى 3 آلاف حالة في السنة كلها نتيجة التعرض للتدخين السلبي. كما ارتبط التدخين السلبي بسرطان الجيوب الأنفية وقام الباحثون بالربط بين التدخين السلبي وسرطانات عنق الرحم والثدي خاصةً في السيدات وسرطان المثانة. وبخلاف السرطانات فقد ربطت العديد من الدراسات بين التدخين السلبي والمشاكل والأعراض التالية: أعراض مزمنة كالسعال والمخاط وأزيز الصدر ثقل الصدر تدهور الوظائف التنفسية التهابات الجهاز التنفسي الحادة مثل النزلات الشعابية التهاب الشعب الهوائية الازمات التنفسية واحتمال الإصابة بأزمات تنفسية مزمنة عند الأطفال التهابات العين والأنف والأذن الوسطى خاصةً عند الأطفال الموت المفاجئ للأجنة والمواليد انخفاض وزن المولود الإجهاض المتكرر سلوك الأطفال العدواني. واستنادا إلي دراسة الأعمار المتوسطة للشعوب، فتدخين سيجارة واحدة يقصر متوسط العمر المتوقع للفرد بما لا يقل عن 5-6 دقائق، أي أن الفرد الذي يبلغ عمره 25 عاما ويستهلك 20 سيجارة يوميا يتوقع أن ينتقص عمره وسطيا بمقدار 4.6 سنة، أما الذي يستهلك 40 سيجارة يوميا فينتقص من عمره بمقدار8.3 سنة. حكاية قانون جامد لم يتوقف فريق حزب العدالة و التنمية بمجلس النواب عن المطالبة بالموافقة على الاتفاقية الإطار للمنظمة العالمية للصحة المتعلقة بمحاربة ومكافحة التدخين والتبغ، والتي خرجت إلى حيز الوجود بتاريخ 21 ماي 2003، وذلك من خلال مقترح قانون يتعلق بمكافحة التبغ، سبق وتقدم به لإدارة مجلس النواب. وفي الوقت الذي تدق كل الدول ناقوس الخطر في 31 ماي من كل سنة، لتحصي خسائرها جراء التدخين، ولتقويم سياستها وحماية مواطنيها من هذه الآفة الخطيرة، ما تزال الحكومة المغربية مترددة في تطبيق القانون رقم 9115 الصادر في أبريل 1991 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية ، بعد مرور 20 عاما على إقراره، ومرور حوالي سنتين على تعديله. وفي هذا الإطار، يؤكد الأستاذ خالد الإدريسي، محام بهيئة الرباط أن مقترح القانون القاضي بتغيير القانون رقم 91-15 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية مازال يراوح مكانه في الأمانة العامة للحكومة التي يمكن أن يطلق عليها بحق مقبرة القوانين، إذ غالبا ما تعطل المسار السلس للنص التشريعي وتوقف مسيرته بشكل يجعل الزمن الذي يستغرقه إصدار القانون وإخراجه إلى الوجود يأخذ وقتا طويلا قد يصل إلى سنوات. وأبدى الإدريسي مجموعة من الملاحظات تتعلق بكون هذا القانون يحتاج إلى حملة تحسيسية واسعة قبل إعماله واقعيا، على اعتبار أنه من الصعب إقناع المدخنين بالتوقف عن التدخين في الأماكن العمومية، لاسيما وأنه أصبح يعتبره بمثابة حق مكتسب تعود على ممارسته منذ سنين طويلة، وأن من شأنه أن يملأ الفراغ التشريعي، و يعطي الوسيلة القانونية للقضاء ولاسيما النيابة من أجل المتابعة بأفعال لاتدخل في إطار القانون المجرم للمخدرات الصادر سنة 1974، كالشيشة التي كانت النيابة العامة تقرنه دائما بالدعارة لمتابعة المحلات التي تعطي هذا النوع من المخدر لعلمها أن « الشيشة « في حد ذاتها مادة غير مجرمة. وشدد المتحدث نفسه على أن تفعيل هذا القانون يمكن أن يعطي للقضاء جرأة في تجاوز موضوع التدخين في الأماكن العمومية إلى مواجهة شركات التبغ والحكم لفائدة ضحاياها بتعويضات مالية مهمة في حالة إثباتهم أن السجائر هي السبب المباشر وراء إصابتهم بالأمراض، وحينئذ يكون قضاؤنا قد وصل إلى ما وصل إليه قضاء بعض الدول الغربية التي حكمت ضد شركات التبغ بتعويضات مالية هائلة لفائدة ضحاياها . ● الحسن البغدادي نسجل انخراطا محتشما للمنابر الإعلامية في صد الظاهرة ● ما هي أكثر الفئات العمرية التي تتعاطى للتدخين؟ هل تتوفر الجمعية على إحصائيات لضحايا هذه الآفة؟ ❍ الإحصائيات التي نتوفر عليها تشير إلى أن أكثر الفئات العمرية التي تتعاطى التدخين هي التي تقع بين سن 35 و 55 سنة وتتوزع على الشكل التالي : 13.9 في المائة لاتفوق أعمارهم 15 سنة 34.5 في المائة ممن لاتفوق أعمارهم عن 20 سنة 36.9 في المائة أعمارهم تتراوح ما بين 20 و 34 سنة 38.2 في المائة أعمارهم 35 و55 سنة 16.7 في المائة أعمارهم تفوق 55 سنة غير أننا داخل الجمعية لا نعتد بهذه الأرقام ما دامت تجربتنا الميدانية تغنينا عنها ولكونها تجعلنا على تماس دائم مع معاناة فردية وأسرية بالجملة. ● أي دور للجمعية في محاربة هذه الآفة أو الحد منها؟ ❍ عمل الجمعية في محاربة هذه الآفة يظهر من خلال المجهودات التي تبذلها سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ، فعلى المستوى الأول سطرت الجمعية إستراتيجية محكمة تنسجم وبناء صرح المشروع المجتمعي المتكامل الذي يطمح كل المغاربة إلى تحقيقه. أما المستوى الثاني فيتمثل في بلورة فعلية لهذه الإستراتيجية على أرض الواقع وذلك عبر الارتكاز على تفعيل مقاربات تبنيناها منذ البداية وهي: المقاربة الوقائية ويندرج في إطارها تنظيم حملات توعوية وتحسيسية مكثفة في الزمان والمكان لفائدة شباب المؤسسات التعليمية والتكوينية والتربوية والإصلاحية في المقام الأول. المقاربة العلاجية، وتكمن في المبادرات التي تتخذها الجمعية لتوجيه ومرافقة الراغبين في الإقلاع عن التدخين على ضوء تلك الحملات إلى المصالح والمراكز الاستشفائية التي تربطنا بها شراكات على قلتها. وأهم خطوة في هذا الاتجاه هي تقدم الجمعية بمشروع بناء مركز لعلاج المدمنين بمدينة مكناس وقد حظي هذا المشروع بالقبول ورصدت له مبالغ مهمة بتنسيق وتعاون مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2 مليون درهم ، مؤسسة محمد الخامس للتضامن 2 مليون درهم ، مجلس جهة مكناس تافيلالت مليون درهم و المجلس البلدي لمكناس وفر الوعاء العقاري فيما ستساهم وزارة الصحة بالأطر الطبية لذلك وينتظر البدء في أشغال البناء قريبا. المقاربة القانونية وتشمل العمل على حث المتدخلين والمهتمين في مجال التشريعات القانونية والمكلفين بضبط الأمن على أجرأة قانون منع التدخين 15/91 الذي صدر منذ 29 أبريل 1991 وتحيينه مع قيام السلطات الأمنية بحماية التلاميذ من مروجي وبائعي التبغ والمخدرات بأبواب المؤسسات التي يدرسون بها. المقاربة التشاركية ونهدف بواسطتها إلى تحقيق انخراط أكبر للفاعلين الرسميين والجمعويين في هذا الورش الذي فتحته الجمعية للتصدي لآلة الهدم لمشروعنا المجتمعي وقد حققنا انجازات مهمة بهذا الخصوص بحيث عقدنا شراكات متعددة. ● لمجهود الدولة فيما يخص محاربة التدخين؟ ❍ هذه المجهودات يمكن تقسيمها إلى مستويين: المستوى الأول ويتعلق ببعض المكونات التابعة للدولة مثل وزارة الصحة ووزارة الشباب والسلطات الوصية بجهة مكناس تافيلالت التي نشكرها على دعمها لنا في سبيل التصدي للظاهرة أما على المستوى الرسمي ممثلا في الأجهزة الأخرى للدولة كالمؤسسة البرلمانية والقضائية فإننا نسجل حتى الآن ومنذ عشرات السنين ضعفا واضحا على صعيد الأداء التشريعي وغيابا للإرادة السياسية اللازمة في تدبير هذا الملف الشائك والمكلف اجتماعيا واقتصاديا وإعطاءه الأهمية التي يستحقها. كما إننا نسجل انخراطا محتشما للمنابر الإعلامية في صد هذه الظاهرة المقيتة بل أن بعضها يساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تفشيها واتساع رقعتها الأمر الذي يتنافى والرسالة الإعلامية النبيلة المنوطة بها. ● كم تكلف السجائر المدخنين ماديا وصحيا؟ ❍ التكلفة ليست متساوية بين كل المدخنين على حد سواء إلا أنها تظل ثقيلة بكل المقاييس وهي تتوزع ماديا بحسب الإحصائيات المتوفرة لدينا كالتالي: أقل من 300 درهم شهريا بالنسبة ل18 في المائة من المدخنين. بين 300 درهم و600 درهم بالنسبة ل 50.80 في المائة من المدخنين. بين 600 و900 درهم شهريا ل 18.40 في المائة من المدخنين. أكثر من 1000 درهم شهريا ل 11.50 في المائة من المدخنين. غير معروف ل 1.20 في المائة من المدخنين. أما صحيا فإننا لا نتوفر على إحصائيات دقيقة لأن التغطية الصحية ببلادنا لا تتعدى 50 في المائة، ولذلك فإن حالات عديدة لضحايا التدخين غير مصرح بها. غير أنه يمكن الإشارة إلى التقارير ونتائج الأبحاث العلمية الصادرة عن المنظمة العالمية للصحة تأكد الحقائق التالية التدخين يقتل نصف مدمنيه. التدخين هو أول مسبب لأمراض القلب والشرايين الذي يعد بدوره أول متربع على أسباب الوفيات. التدخين هو أول مسبب لسرطان الرئة والفم والشفة والمثانة وغيرها. التدخين تمتد أضراره إلى كافة أعضاء الجسم. على أن هذه الكلفة ليست وحدها ما تخلفه السيجارة من عواقب وامتدادات وخيمة إن كان على المستوى الفردي أو الجماعي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مساهمتها في تفكيك الأسر وفي الفشل الدراسي وهدم المنظومة القيمية للمجتمع وبكلمة واحدة فإنها تشكل تهديدا واضحا للمشروع المجتمعي برمته.