مثلت الشبكة العربية للمساءلة الاجتماعية في المؤتمر العربي حول إدارة الحكم العربي، وأثناء هذا اللقاء راودني فضول معرفي وسياسي وإعلامي لأزور ميدان التحرير ومشاهدة ما يعتمل فيه من احتجاجات على هامش الإعلان الدستوري لرئيس الدولة لاالمصري محمد مرسي، وما يعطيه من حصانة خارج المساءلة. وبالرغم من حزمة البرمجة في هذا اللقاء، فقد برمجت زيارة إلى ميدان التحرير، ساحة في الفضاء العام المصري أصبحت مرجعية في تحديد ثورة مصر على نظام مبارك، ساحة مؤثثة بكل تعابير الثورة من خيام وحلقات للنقاش السياسي، وحلقات للتعبير الفني والأدبي.. كل الوجوه في الميدان، منتشية ، حزينة لهذه الثورة أو بتعبير آخر الثورة المغتصبة. وما أثارني قبل الدخول في زحمة الميدان، شباب مجند لتأمين جميع مداخيل الساحة، وقبل الدخول ينتابك شعور كأنك داخل لملعب كرة القدم أو السينما، بحيث لابد من الإدلاء ببطاقة المرور، إنها ثورة تحصن مداخل العبور إليها في ميدان التحرير. صافحت أولئك الشباب، وعرفتهم بهويتي، مناضل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومراسل لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بالمغرب، أريد الدخول إلى فضاء ميدان التحرير لأشارككم رفض الدستور، وأعيش لحظات الثورة بجانبكم، وأهتف بسقوط الظلم والاستبداد والفساد. فزت بهذا العبور، فوجدت نفسي بين فئات كأنني أعرفهم مسبقا، أساتذة، محامون، عمال، طلبة وغلابة بتعبير مصري، شعارات تؤثث لافتات الميدان، مطالبة بالحرية ورافضة للإعلان الدستوري. وما أثارني، كذلك، وجود أعلام عربية: فلسطينية، ليبية ومغربية تباع من طرف شباب لترفع في الميدان إلى جانب العلم المصري. فتساءلت مع نفسي لماذا تباع أعلام مغربية، ليبية وفلسطين فقط؟ وبين ثنايا جماهير الميدان تتناقل الأيادي مناشير الأحزاب، لكل حزب نظرته للثورة وللإعلان الدستوري لمستقبل مصر. ومن حسن حظي أنني أقمت في الميدان حتى المساء، حيث استمتعت بفناء ثوري توزع، أغاني الشيخ إمام، وما أبدعته الثورة من أغانيها الشبابية. وفي حلقات صغيرة وكبيرة للنقاش حول التحضير للمسيرة المليونية لمناهضة ورفض الإعلان الدستوري امتد هذا النقاش إلى ساعة متأخرة من الليل، حيث تم التأكيد على تتبع المسيرة المليونية يوم الثلاثاء، كما أذيع تأجيل المسيرة المضادة المنظمة من طرف أنصار حركة الإخوان المسلمين لتفادي الاصطدام بين المسيرتين، وتغير مكان الثانية من ميدان التحرير إلى ساحة جامعة القاهرة. الكل في ميدان التحرير ينعم بالمساواة في عملية رفض الإعلان الدستوري لرئيس الجمهورية، وفي هذه اللحظة شعرت بتحقيق حلم ماركس في اندحار الطبقات، كما تذكرت الزمن الجميل لنقاشات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مناقشة قضايا الوطن التي كانت بدون استئدان، لأن الجامعة كانت مفتوحة على محيطها.