غيرت وجه العالم لن تطوي سنة 2011 آخر صفحاتها بالشكل نفسه الذي طوته بها السنوات العشر الأخيرة في عمر الألفية الثالثة، لأن هذه السنة لم تدون نفسها في التاريخ بمداد يمحوه النسيان بسرعة توالي الأحداث، بل وضعتها في خانات التاريخ الحمراء. ولم تكن 2011 كذلك في بقعة واحدة من بقاع العالم، ووضعت بصماتها على كل أرجاء المعمور، ومست كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية أصرت على أن تطوي صفحتها بطي صفحة زعماء حكموا شعوبهم بالحديد والنار، كما أصرت على أن تطوي صفحتها بطي صفحة من تاريخ سياسات اعتقد مخططوها أن لها الدوام، بعثرت أوراق إستراتيجيات وخلطت حابل قرارات سياسية كبرى تصدر في الدول العظمى بنابل بسطاء، أمثال البوعزيزي، نقطة انطلاق الثورات العربية، لتفرز خريطة سياسية جديدة، يكون فيها الإسلامي الذي سمي إلى وقت قريب في هذه البيوت”الخطر الأخضر”، حاكما شرعيا لا ينازعه في حكمه أحد. رياح التغيير التي ساقت بها سنة 2011 خريف عمرها، مست أيضا أقوى الاقتصادات، وزعزعت أركان ميزانيات واحد من أقوى الاتحادات، الاتحاد الأوربي، وحركت الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي في العالم بأسره، كما ألحت على أن يكون لها يد في تغيير بعض معالم خريطة العالم، فشطبت من على وجوده قوة نووية تعتد بها أعتى دولة اقتصادية في العالم، قبل أن تبرز الطبيعة القوة الحقيقية في وجه اليابان. وطنيا، سخرت 2011 من الأماني التي أطلقها السياسيون في البلاد عند مطلع ساعاتها الأولى، وحركت كراسي القرار تحت أقدامهم. وفكت عقدة لسان شعب ظل إلى وقت قريب يخشى المطالب. الزلزال سنة الانتخابات التي هزت أركان ثلاثة أنظمة عربية وجعلت الثورة قصيدة شعر تتغنى بها الشعوب في الميادين والساحات في عددها الأخير، فتشت مجلة “تايم” الأمريكية في وجوه كل شخصيات العالم لاختيار واحد، أو واحدة منها علما مميزا لسنة 2011، فلم تجد غير شاب ملثم بنظرات حادة خلفه لهيب نار وغضب، وأطلقت عليه “المحتج” وتوجته اسما مطلقا لعام قلب وجه العالم، وحمل كل جينات الاستثناء، وسيفرض على المؤرخين ومقتنصي اللحظات الفارقة وضع فواصل كبيرة ما قبل 2001، وما بعد ثورة بمسميات عربية وأمازيغية وكردية وإسلامية ومسيحية وعلمانية وليبرالية لبست ألوان الربيع. 2011، كان يمكن أن تبدأ وتنتهي رتيبة ككل سنوات عطشنا السابقة إلى الحرية والديمقراطية والعدالة والحق في الصراخ، قبل أن يطلقها محمد البوعزيزي، الشاب التونسيبسيدي بوزيد، احتراقا ولهيبا في جسده الذي اختزل، في لحظة، جغرافيا الوطن العربي وأشعل الساحات والشوارع والميادين بأجساد وحناجر أخرى، ربما كانت تنتظر لحظة احتراق قاسية كي يعم الغضب الأرجاء، ويرتفع عاليا شعار “ارحل”… ويتوالى سقوط أنظمة العار مثل حبات سبحة منفرطة. 2011، بدأت من مجرد فكرة في الاحتجاج، بطريقة ما، ضد يد امتدت لتصفع بائعا متجولا بمكان ما من الوطن العربي، قبل أن تتحول الفكرة إلى مشروع غضب عارم وزحف في الشوارع وثورة مبرمجة على سقوط أنظمة الاستبداد والفساد من البحر إلى البحر، ثم ربيعا بكل الألوان أزهر إلى حد ما نظاما ديمقراطيا في تونس، حين اعتلى المناضل الحقوقي والمعتقل السياسي السابق منصف المرزوقي سدة الحكم مكان الرئيس الهارب. 2011، يمكن تدوينها لحظة لحظة وثانية ثانية وجزءا من الثانية دون أن يتسرب إليك الملل، كما يمكن كتابتها بأشكال مختلفة تتوحد، في النهاية، في عنوان كبير اسمه “التغيير”. “التغيير” الذي كان لا بد أن يتخذ في تونس صيغة هروب مذل في جنح الظلام، وفي مصر قرار استقالة مكرهة وشريطا من المحاكمات وجلسات استنطاق، وفي ليبيا صورة ملك لكل الملوك انتهى في قبضة شباب عبثوا بمؤخرته قبل أن يردوه قتيلا مثل جرد، ويلبس في سوريا شكل عناد طائفي مصبوغ بالأشلاء والدم، ويطلع في اليمن من رائحة الشياط ورئيس محروق يحمل شعار “ارحل” في وجه شعبه، دون حياء. 2011، كانت سنة مغربية أيضا، وثورة على مقاس الخصوصية، ورغبة مشتركة في صنع استثناء مطلوب، بدأ في شكل حركة رفعت منذ البداية، سقفا واضحا للمطالب وشعارا كبيرا ظلت وفية له إلى اليوم “سلمية سلمية لا موس ولا جنوية”، ما أثمر، في المقابل، تجاوبا في شكل مسلسل للإصلاحات السياسية بدأ بخطاب 9 مارس الماضي، وانتهى بإقرار دستور جديد وانتخابات تشريعية سابقة للأوان وتغييرا في بنى الحكم، حين أعطى الملك الإشارة لحزب إسلامي لقيادة الحكومة المقبلة. 2011، هي أكثر من اللحظات التي أوردناها على سبيل الاختزال المتعسف، إنها ترسانة “قوانين رمزية” وأيقونة تغيير ستضبط إيقاع العالم والتاريخ خلال العقود المقبلة…وكل ربيع وانتم بخير. يوسف الساكت 20 فبراير… قوة حركت البرك الآسنة نظمت أزيد من 400 مسيرة ووقفة وساهمت في التعجيل بقطار الإصلاحات كان لحركة 20 فبراير دور أساسي في انطلاق مسيرة الإصلاحات التي شهدها المغرب في سنة 2011 ، وكان لايقاع الربيع العربي دور كذلك في ميلاد هذه الحركة التي أعلنت عن نفسها في البداية عبر مواقع الانترنيت، قبل أن تقوم بأول وقفة احتجاحية للتعبير عن مطالبها يوم 20 فبراير من سنة2011 في الدارالبيضاء، وفي عدد من المدن، تحت ضغط الهاجس الأمني وتخوفات من حدوث انزلاقات على غرار تونس ومصر. قامت الحركت بأزيد من 400 مسيرة ووقفة في أزيد من مائة مدينة وإقليم. تم التعامل معها في البداية بنوع من التساهل من لدن السطة قبل أن تشهد تدخلات عنيفة كادت تسيء إلى صورة المغرب بالخارج وتجعل الدولة تسقط في المحظور. رفعت حركة 20 فبراير شعارات تنوعت ما بين الدعوة إلى إسقاط الفساد والاستبداد، ورحيل بعض الوجوه السياسية وتلك المقربة من دوائر القرار العليا، ورسمت لنفسها، قبل ذلك، أرضيتها التاسيسية التي وضعت حدا فاصلا ما بين القوى السياسية والمدنية الداعمة لها، وجموع الحركة وطريقة عملها وتمويل أنشطتها، إلا أن مسار الحركة وإن عرف خطه الصحيح في البداية، لم يسلم من انحرافات كادت تعصف بالحركة وبشرعية وجودها بسبب خلافات إيديولوجية ومرجعية بين مكوناتها الأساسية: العدل والإحسان من جهة وفعاليات اليسار والمستقلين من جهة ثانية. ورغم ذلك، فقد كان للحركة التي ارتاب منها بعض السياسيين فهاجموها في البداية قبل أن يعودوا إلى مغازلتها في ما بعد، دور في إطلاق سراح عدد من معتقلي السفلية الجهادية وفي اتخاذ الحكومة لتدابير اجتماعية، توجت بزيادات في الأجور وفي التحكم في الأسعار، وتساهل غير محدود مع الاحتجاجات الاجتماعية، قبل أن يتوج هذا المسار بإصلاح دستوري عميق وبانتخابات، وقع إجماع على نزاهتها، والتي أدت إلى فوز كاسح لإسلاميي العدالة والتنمية، المستفيد الأول من الحراك الشعبي. تدبير الدولة لحراك الشارع اتسم بالارتباك في البداية، قبل أن يتم التراجع عن المقاربة الأمنية في ما بعد والاعتراف للحركة بالحق في التظاهر السلمي بعد أخذ العبرة من المنزلقات التي وقعت فيها الأنظمة السياسية المجاورة، والتي أدى القمع الهمجي فيها للتظاهرات إلى التعجيل برحيلها. رشيد باحة خطاب 9 مارس.. تفاعل مع مطالب الشارع لم تكد تمضي ثمانية عشر يوما على وصول نسائم الحراك العربي، الذي أشعل فتيله الشهيد التونسي محمد البوعزيزي، إلى الشارع المغربي، ومباشرة بعد ثالث نزول إلى الشارع قادته حركة العشرين من فبراير، حتى استشعر القائمون على تدبير الشأن السياسي بالمغرب، وإلى حد ما، حجم انتظارات الآلاف من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال الذين نزلوا بكل ثقلهم إلى الشارع يحملون لافتات تدين وتستنكر الغلاء الفاحش لأساسيات معيشهم اليومي وقلة فرص الشغل، وتفشي ثقافة المحسوبية والزبونية، وكانوا بين الحين والآخر يضمونها مطالب تدعو إلى محاسبة «المفسدين» والذين اغتنوا من الاتجار في بؤس وفقر الملايين من المغاربة. ومع مطلع الأسبوع الثاني من شهر مارس بدأ، كما هي العادة، يروج الحديث عن خطاب ملكي «يخلق ثورة في تاريخ الممارسة السياسية المغربية المعاصرة» كما علقت على ذلك الكثير من الأصوات وكتبت العديد من الأقلام. ففي ليلة التاسع من الشهر ذاته أطل الملك عبر شاشة قناة التلفزيون العمومي ليتلو خطابا، كان له مفعول السحر على نفوس الكثيرين الذين رأوا فيه الفرصة التاريخية للقطع مع تراكمات وترسبات الإرث الاستبدادي الموروث عن حقبة حكم الراحل الحسن الثاني. محمد أرحمني تفجير أركانة … بصمة سوداء في صفحات 2011 الأجهزة الأمنية تعاملت مع الملف بعقلية جديدة ترك حادث تفجير مقهى «أركانة» بساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، وما خلفه من خسائر بشرية ومادية ثقيلة، بصمته السوداء على صفحات أحداث سنة 2011. وما يمكن تسجيله، هو التعامل بأقصى درجات الحذر من طرف الأجهزة الأمنية ومديرية مراقبة التراب الوطني بالأخص مع الملف، رغم حجمه وخطورته. كما أن من النقاط الحسنة المسجلة انفتاح وزارة الداخلية على وسائل الإعلام، وإطلاع المغاربة على مجريات البحث ومستجداته لحظة بلحظة. الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومديرية مراقبة التراب الوطني، الجهازان الأمنيان اللذان كانا ينالان حصة الأسد من الانتقاد بخصوص تعاطيهما مع ملفات الإرهاب، أثبتا أنهما هامان لأمن واستقرار البلد، مع الحفاظ على ماء وجهه أمام المحافل الحقوقية الدولية. فقد مرت مرحلة البحث والتحقيق في غاية الهدوء، ولم تسجل أي تجاوزات أو انتهاكات حقوقية، مثلما حصل في أعقاب تفجيرات 2003. فالعقلية التسييرية لم تكن هي العقلية، والتدبير للملف لم يكن هو التدبير، لذلك أجمع الكل، بمن فيهم المعتقلون أنفسهم، في اعترافاتهم القضائية، على أن مرحلة البحث تميزت باحترام القانون وعدم اللجوء إلى الأساليب الكلاسيكية للوصول إلى الاعترافات. تزامن تفجير مقهى «أركانة» مع جدل كبير بالبلاد في صيف السنة المنتهية. الجميع كان منشغلا بالنقاش الحاد حول مدى قانونية الاعتقالات التي تشمل المشتبه في انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، بعد أيام قليلة على «غزوة» السلفية الجهادية لسجن سلا، والانفلاتات الأمنية التي أعقبتها. وبين مؤيد ومعارض لفتح الحوار مع معتقلي الإرهاب في السجون، كانت هناك أيد خفية تخطط في الظلام لأمر خطير. في خضم ذلك الجدل والنقاش، وفي يوم 28 أبريل الماضي، حوالي الساعة 11:55 بالضبط، دوى انفجار هائل في ساحة جامع الفنا السياحية بمراكش، مجهول الأسباب، وخلف على الفور 10 قتلى، وجرحى بالجملة. وبعدها بثلاثة أيام، ارتفع عدد القتلى بما يقارب الضعف. وأغلبهم كانوا من دول أوربية. عادل العثماني، الذي يلقب ب»أبي صهيب» و»أبو سياف الزرقاوي» و»أبو تراب المهاجر»، كان الصيد الأول الذي يقع في قبضة الأجهزة، وبعد أيام قليلة، تم الإعلان رسميا عن إيقاف ستة أشخاص آخرين، لعلاقتهم بالمتهم الرئيسي. وخلال جلسات محاكمته، ظل عادل العثماني يتحدث بلهجة استفزازية، وينكر أمام القضاة أي علاقة له بالجريمة الإرهابية، متراجعا عن تصريحاته السابقة. لكن ذلك كله لم يكن ليؤثر على قضاة تمرسوا في ملفات الإرهاب، وخبروا مواقف وسلوكيات المتابعين، الذين يعترفون أمام الشرطة القضائية، ويتراجعون في مرحلة المناقشة، لاعتقادهم أن القاضي يمكن أن يحكم بالبراءة للإنكار. واستقرت قناعة المحكمة على تورط المتهمين في الجرائم المنسوبة إليهم، لتحكم على المتهم الرئيسي بالإعدام، وعلى المتهم الثاني بالسجن مدى الحياة، فيما أصدرت في حق آخرين عقوبات سجنية متفاوتة المدد. محمد البودالي رياح التغيير تحمل بنكيران إلى رئاسة الحكومة المغاربة يعلقون آمالا على الحكومة الجديدة لتجاوز الأزمة الاجتماعية كان يمكن أن يكون عبد الإله بنكيران، الوزير الأول رقم 14، قبل أن يتغير هذا الاسم في الدستور الجديد ليحمل اسم رئيس الحكومة. ولم يستبعد محللون سياسيون أن تلعب الحكومة الحالية أدوارا مختلفة، نظرا للاختصاصات الواسعة، نسبيا، التي يمنحها لها الدستور الجديد، خصوصا بالنسبة إلى رئيس الحكومة المكلف بتنزيل مضامين الدستور بشكل فعال وإيجابي. أهم من النقاش السياسي والدستوري، يعلق المغاربة، الذين صوتوا بكثافة على حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات التشريعية ومنحوه 107 مقاعد برلمانية، آمالا عريضة على حكومة بنكيران لرفع عدد من التحديات وإيجاد مقاربات لملفات أساسية يمكن اختزالها في أربعة، تتعلق بالشغل وإصلاح نظام التقاعد والصحة ودعم القدرة الشرائية. وسيكون على أول حكومة «إسلامية» بالمغرب التعاطي مع هذه الملفات الحساسة في ظل «الأزمة الاقتصادية العالمية التي أرخت بظلالها على المغرب، كما هو حال كثير من الدول، إذ بلغ العجز التجاري المغربي مستويات قياسية، بسبب ارتفاع ميزان الأداء والتجاري. وكانت حكومة عباس الفاسي اتخذت مجموعة من الإجراءات للحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية خاصة على مستوى صندوق المقاصة، وهي الإجراءات التي ستظهر تأثيراتها السلبية على الاقتصاد الوطني خلال السنة المقبلة، التي ستكون مكلفة لحكومة بنكيران، الذي يراهن كثيرا على توسيع الوعاء الضريبي من خلال اعتماد مجالات ضريبية جديدة، وهو ما قد يتسبب في كارثة اقتصادية خطيرة»، حسب عدد من الباحثين. ويحتل ملف التشغيل أولوية أساسية في رهانات حكومة الإسلاميين، إذ تبلغ نسبة البطالة اليوم 9 في المائة، وينتظر المحللون ما ستحققه حكومة العدالة والتنمية، الذي وعد بخفض النسبة إلى أقل من 7 في المائة، إلى جانب عجز الدولة في توفير مزيد من المناصب المالية تحت طائلة وقوع فائض في الإدارة العمومية. إضافة إلى ذلك، سيكون على بنكيران، حسب المحللين أنفسهم، اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الاحتقان الاجتماعي، خاصة إضرابات المعطلين من حاملي الشهادات الجامعية، كما يجب أن تراعي هذه الإجراءات الظرفية الاقتصادية الصعبة، إلى جانب التعامل بحذر مع أي قرار يمكن أن يتخذ في هذا المجال، لأن المغرب ما زال يعاني تبعات الحوار الاجتماعي الذي أقر زيادة 600 درهم في راتب الموظفين، وهو مبلغ انعكس سلبا على مالية الدولة، حسب ما يمكن أن يفهم من تحذيرات والي بنك المغرب. وفي رأي العديد من المحللين وخبراء الاقتصاد، من الصعب تذليل كل الصعوبات والإشكالات المطروحة، في غضون السنوات الخمس المقبلة، خاصة بالنسبة إلى معضلة بطالة الخريجين، التي ما فتئت تستفحل، مع نزول أعداد متزايدة من خريجي الجامعات والمعاهد، سنويا، إلى سوق الشغل. وأمام تعثر إصلاح نظام المقاصة، يتساءل الرأي العام الوطني عن الحلول التي تقترحها الحكومة الجديدة لإضفاء الفعالية على الدعم العمومي للأسر والفئات المستهدفة، وتقليص نزيف الاعتمادات المخصصة للصندوق، والذي ظلت تستفيد منه، بشكل أكبر، الشرائح الاجتماعية الميسورة. ويطرح ملف صندوق المقاصة، الذي ذهبت كل التوقعات، بما فيها توقعات الحكومة، إلى أنه سيكلف ميزانية الدولة 48 مليار درهم، أكبر تحد على الفريق الحكومي الجديد، بالنظر إلى أن الاعتمادات التي يلتهمها الصندوق، تعرف تزايدا صاروخيا، لا تستطيع مالية الدولة أن تستوعبها، وهو ما حذرت منه، المؤسسات المالية الدولية، أخيرا. ومن بين الإكراهات التي تواجه الحكومة الجديدة، اعتمادها على مشروع قانون المالية الذي وضعته الحكومة السابقة، ما يعني أن الحكومة الجديدة ستشتغل خلال السنة الأولى من عمرها، على قانون صاغه الفريق الحكومي السابق. وتعتبر قطاعات الصحة والتعليم والسكن من بين القطاعات التي تطرح تحديات كبرى على الحكومة الجديدة، في غياب سياسات ناجعة، قادرة على معالجة الاختلالات التي تعانيها. وسيكون حزب العدالة والتنمية مضطرا إلى مراجعة برنامجه الانتخابي لإضفاء نوع من الواقعية عليه، خاصة في ما يتعلق بتوفير 200 ألف منصب شغل التي تفترضها نسبة نمو تصل إلى 7 في المائة، وكذا رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم. جمال بورفيسي حلم المغرب “الخليجي” يُختزل في صندوق أعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في ختام قمتهم العادية في الرياض، في 20 دجنبر الجاري، إنشاء صندوق تنمية بحجم خمسة مليارات دولار للأردن، والمغرب، في إطار شراكة مع البلدين. وجاء في البيان الختامي أن القمة قررت «إنشاء صندوق خليجي يبدأ بتقديم الدعم لمشاريع التنمية» في الأردن والمغرب، «بمبلغ مليارين ونصف المليار دولار لكل دولة، وكلف وزراء المالية في دول المجلس دراسة النظام الأساسي والهياكل المطلوبة» لذلك، اثر الموافقة على دراسة مجالات التعاون المشترك وتشكيل لجان التعاون المتخصصة في هذا الشأن وصولا إلى الشراكة. وتمت دعوة المغرب إلى الانضمام رسميا إلى مجلس التعاون الخليجي في ماي 2011 وسط تساؤلات تستمد استفهاماتها من البعد الجغرافي. وكان رد المغرب سريعا، على الدعوة الخليجية في بيان أصدرته وزارة الخارجية المغربية اعتبر أن المملكة المغربية تلقت باهتمام كبير دعوة مجلس التعاون الخليجي المنعقد بالرياض على مستوى رؤساء الدول، بهدف انضمامها إلى هذه المنظمة، وطلب مجلس التعاون الخليجي فتح مشاورات مع المغرب حول هذا الموضوع. من جهة أخرى اعتبر مهتمون أن انضمام المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي سيشكل انضماما إلى تكتل عربي قوي بدا أنه محصن ضد الثورات والتحولات التي تعرفها المنطقة العربية، وأن بعض دول الخليج لعبت دورا أساسيا في الحراك العربي الحالي، وذلك عن طريق قوة الإعلام والمال، كما أن دول المجلس استطاعت تثبيت الأوضاع واستتباب الأمن في دولة البحرين من خلال تدخل قوات درع الجزيرة التي كان لها دور كبير في الحد من الاضطرابات التي شهدتها البلاد، إلى جانب دور الوساطة التي قامت بها في اليمن. كما أنه سيشكل على المستوى الاقتصادي امتيازا كبيرا بجلب الاستثمارات الخليجية التي من شأنها توفير فرص عمل تساعد على تحقيق التوازن الاجتماعي. م ص 2011… ربيع عربي زاحف وأزمة اقتصادية عالمية من احتجاجات ساحة التحرير بمصر المغرب شكل الاستثناء باحتجاجات سلمية أحسن النظام التعامل معها وانتقال هادئ في طور التشكل 2011، سنة الأزمات الاقتصادية والمالية الكبرى التي جعلت أقطابا اقتصادية كبرى تنهار أو تكاد، وتعيد النظر في سياساتها المالية والاقتصادية، معلنة سياسات تقشفية صارمة زلزلت دولا من قبيل اليونان وايطاليا واسبانيا وايرلندا. كما شهد العالم سنة 2011، ربيعا عربيا، لم يكن ينتظره الجميع، بدأ بحكاية بسيطة كان بطلها بائع خضر تونسي أقدم على إحراق جسده بعد إحساسه بالمهانة جراء صفعه من قبل شرطية في الشارع. هذا الحدث البسيط في ظاهره والمثير في تجلياته وتداعياته، أدى إلى اندلاع ثورة الياسمين في تونس التي أطاحت بأحد أعتى الأنظمة الديكتاتورية العربية، إذ فر بنعلي بعدما بلغه أن الثورة على أبواب قصر قرطاج، وكان للجيش دوره الأساسي في الإطاحة به. تلت ثورة الياسمين ثورة الفل في مصر التي أطاحت بمبارك، وامتدت نيرانها إلى باقي البلدان العربية بعدما تكسر جدار الخوف، وأصبحت الشعوب العربية ترى في حراك الشارع فرصة تاريخية لإسماع صوتها، والإطاحة بأنظمة استبدادية عانت بسببها ويلات القهر والتجويع ونهب الثروات. سقط القذافي بثورة شعبية كان لليد الخارجية دور أساسي فيها، لينتهي المطاف بمجنون الحكم في ليبيا إلى تقتيل وتشهير، إذ نقلت مختلف الفضائيات العالمية ومواقع الانترنيت صور القذافي مضرجا في دمائه، تحول الشخص الذي كان يرهب ليبيا والعالم إلى مستعطف مستكين يتوسل الصفح من ثوار ليبيا. طالت موجة الثورة البحرين واليمن وسوريا والجزائر …، واضحت لغة الميادين طاغية على الاحتجاجات الشعبية في مواجهة الأنظمة غير الشرعية، تلك الأنظمة التي آمنت بآلية التوريث وبقبضة الجيش في سبيل « شرعنة وجودها» وإخضاع شعوبها وقهرها عقودا، لتجد نفسها اليوم تتهاوى تباعا واللائحة ما تزال مفتوحة. المغرب كان استثناء رغم أنه لم يبرح دائرة الخطر بعد، فمباشرة بعد الإطاحة بالنظام التونسي ثم المصري، ظهرت إلى الوجود حركة 20 فبراير التي أعلنت نفسها حركة للتغيير الشامل، رغم أنها لم تطالب بإسقاط النظام، مقابل مطالبتها بإسقاط الفساد وبدستور ديمقراطي يؤسس لملكية برلمانية والقطع مع، ما تدعوه، زمن الاستبداد والتحكم، فكان جواب الملك واضحا في خطاب تاسع مارس، عكس باقي الأنظمة التي فضلت استفزاز الشارع قبل أن ينقلب عليها. والامتحان الأول الذي نجح فيه النظام في مواجهة حركة 20 فبراير، كان هو تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، وقبله الإعلان عن تدابير اجتماعية وسياسية لامتصاص مطالب الشارع التي استغلت موجة الربيع لتوسيع هامش الحركة الاحتجاجية في كافة القطاعات. عقب الإعلان عن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة قفزت إلى الأذهان خواطر سيطرة التيار الإسلامي على الشمال الإفريقي، خاصة بعد فوز حزب النهضة التونسية بأغلبية الأصوات في تونس، وكذلك الفوز المنتظر للإسلاميين في الانتخابات المصرية، وإعلان المجلس الانتقالي في ليبيا عن هويته الإسلامية، كل هذا يصب في اتجاه سيطرة إسلامية بهذه الدول، سواء التي شهدت ثورات الربيع العربي أو التي قامت بإصلاحات سياسية، كما هو الحال في المغرب. فدخول الشارع العربي إلى ميدان التأثير السياسي بفعل الثورات والآليات الديمقراطية ساهم في إفراز معطى جديد بفاعل سياسي مؤثر، فالإسلاميون حققوا فوزا معتبرا في تونس بقيادة حزب النهضة بنسبة فاقت 40 في المائة من مقاعد البرلمان، وتمكن الليبيون من إسقاط نظام القذافي، بفعل انخراط جزء مهم من الحركات الإسلامية في ليبيا في معارك مصراتة وطرابلس…، وتمكن الإخوان المسلمون والسلفيون مباشرة بعد هذا النصر من عقد مؤتمرهم الأول على التراب الليبي ليطلقوا مشروعهم السياسي ويطرحوا برنامجهم الاقتصادي. ويعلق الأمين العام لحزب العدالة والتنمية «عبدالإله بنكيران» ، رئيس الحكومة المعين، على التأثير المتبادل للأحداث في البلدان العربية في تصريحات إعلامية سابقة، بالقول: «إن ما حدث في تونس سيكون له تأثير إيجابي على الانتخابات المغربية»، وهو ما حدث بالفعل، فمما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات المغربية والانتقال الهادئ، الذي لم تتضح معالمه بعد، ستكون له آثار إيجابية ليس على مصر فقط، وسيمتد هذا «الاستثناء المغربي» إلى بلدان عربية أحرى، ليشمل منطقة الشام واليمن والأردن. واليوم تتشابه الخريطة السياسية العربية في ما بينها إلى حد بعيد، خاصة من حيث المكونات السياسية الأساسية، من قوى يسارية وليبرالية وشبابية وإسلامية، وهو ما يكشف أولى مؤشرات تغيير سياسي حقيقي قي أفق الديمقراطية، رغم ما يمكن أن يصاحبها هذا المسلسل من انتكاسات محتملة في حال فشل النموذج الإسلاموي. رشيد باحة البوعزيزي… صفعة قادت إلى قلب الأنظمة في 17 دجنبر من السنة الماضية وجهت شرطية إلى الشاب محمد البوعزيزي، البائع المتجول، صفعة مدوية تردد صداها في مدينة سيدي بوزيدالتونسية قبل أن تشعل نيران «التمرد» ضد نظام زين العابدين بن علي. لم يتقبل البوعزيزي الإهانة، سيما أنه حاصل على شهادة جامعية وعجز عن إيجاد منصب شغل، فأسعفته عربته على توفير مبالغ مالية بسيطة، وحينما حطمت الشرطية كبرياءه حرق جسده أمام مقر الولاية احتجاجا على إهانته ومصادرة عربته. مثل الحادث الشرارة التي أشعلت انتفاضة شعبية عارمة رافقتها أحداث عنف ومواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، في العديد من المدن التونسية بما فيها العاصمة، راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى. وبلغت أوجها في العاصمة، في 14 يناير الماضي، اضطر معها الرئيس بن علي، إلى مغادرة تونس تحت ضغط الشارع، لتدخل البلاد مرحلة حرجة في تاريخها، بعد تجميد العمل بالدستور والمؤسسات الدستورية إلى حين تنظيم انتخابات لاختيار مجلس تأسيسي يتولى وضع دستور جديد ورئيس جديد الذي لم يكن سوى منصف المرزوقي المعارض الشرس للنظام السابق. في التفاصيل خرج آلاف الشباب العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا من ولاية سيدي بوزيد، تضامنا مع البوعزيزي الذي كان لهم بمثابة الدافع الاساسي، لشق ثوب الخوف والمطالبة بحقهم في العمل ومقومات العيش الكريم، ووضع حد للفساد والرشاوي والمحسوبية، لكن لا أحد فكر حينها في الاطاحة بالنظام، رغم لجوء الدولة إلى بعض الحلول لحل مشاكل البطالة والإسراع في بعث مشاريع جديدة في سيدي بوزيد، بل أكثر من هذا استدعي أفراد عائلة البوعزيزي من قبل الرئيس السابق، فواساهم وقرر أن يعوضهم خسارتهم في ابنهم. ونتج عن المظاهرات التي شملت مدنا عديدة في تونس سقوط العديد من القتلى والجرحى نتيجة عنف قوات الأمن، وأجبرت الرئيس زين العابدين بن علي على إقالة عدد من الوزراء، بينهم وزير الداخلية، وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014، وتم بعد خطابه فتح المواقع الإلكترونية الممنوعة بعد 5 سنوات من الحجب، بالإضافة إلى تخفيض أسعار بعض المنتجات الغذائية. لكن الاحتجاجات توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية، مما أجبر الرئيس على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ، وكتب على المدينة الصغيرة أن تطفو على ساحة المدن الثائرة في العالم. خالد العطاوي الثورة التونسية… نهاية أنظمة الاستبداد الرئيس المخلوع وعائلته صفعت الثورة التونسية كل من تجرأ وقال إن عصر الثورات انتهى، وأن الضغط من أجل الإصلاحات التدريجية وحده طريق التغيير، فهاهي ضغوط الإصلاح والقوة الناعمة تطيح بنظام بن علي في أقل من شهر، في ثورة أطلق عليها اسم «الياسمين» للتخلص من الاستبداد والقهر والاستغلال. لا يكتمل المشهد في الثورات العربية دون تونس، فسنة 2011 هي سنة «ثورية» بامتياز، بل من أكثر السنوات إثارة في تاريخ العصر الحديث، فجرها محمد البوعزيزي، فتطايرت دماؤه لتمتد إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا .. ومن منطقة سيدي بوزيد ابتدأت رحلة المدن ثائرة تتحدى قمع الأنظمة وأسلحة الجيوش. طوت تونس صفحة زين العابدين بن علي بإقلاع طائرته دون عودة من مطار قرطاج، وترك لرئيس وزرائه محمد الغنوشي مهمة تولي الرئاسة المؤقتة، دون أن يدرك أنه فتح باب جهنم على دول عربية أخرى، فأطيح بحسني مبارك ومعمر القذافي، وعلي صالح في حين يهتز، الآن، كرسي بشار الأسد بقوة. تعاقبت الأحداث بسرعة في تونس، ولم يكن قد جف بعد حبر التعليمات التي قال بن علي إنه أصدرها بالكف عن إطلاق الرصاص الحي على المحتجين، خلال الخطاب الذي ألقاه، ووعد فيه أيضا بتفعيل التعددية وإحياء الديمقراطية والاستجابة إلى معظم المطالب المرفوعة حتى بدا أن كرة ثلج الثورة لن تتوقف عند هذا الحد، إذ أطاح سفك الدماء في قلب العاصمة تونس بالفرصة الأخيرة لاستعادة الثقة بالوعود الرئاسية، وسقط العدد الأكبر من الضحايا خلال معركة دامية دارت قرب مقر وزارة الداخلية، ولجأت خلالها القوى الأمنية إلى القنابل المسيلة للدموع لتفريق ومطاردة تظاهرة بدأت سلمية، وتدهورت الأمور أكثر لتصل إلى إطلاق الرصاص على بعض المحتجين، بالمقابل تعرضت بعض منازل العائلة الحاكمة إلى الهجوم وعمليات تدمير من قبل المتظاهرين، وأغلق الجيش ليلا المجال الجوي للبلاد وسد الطرق المؤدية إلى مطار العاصمة. خ . ع ميدان التحرير… رمز الثورة المصرية سطع نجم ميدان التحرير في الشهور الأخيرة، وأصبح لدى العديدين رمزا للثورة المصرية، وحافزا للثوار في بلدان عربية أخرى، إذ أصبحوا يبحثون عن ميدان خاص كمحفز على لم شملهم وتحقيق مطالبهم. لحظات لن تنسى عاشها ميدان التحرير خلال السنة الجارية، بعد أن احتشد به عشرات الآلاف من المصريين يوم 25 يناير الماضي، مطالبين بإصلاحات فورية، سيرا على نهج الثورة التونسية، قبل أن يطالب الثوار برأس حسني مبارك باعتباره رمز الفساد في البلد. لم تلب طلبات الثوار فنصبت الخيام إعلانا عن بداية اعتصام مفتوح إلى أجل غير مسمى، وتحول ميدان التحرير إلى ساحة لبسط المطالب نهارا، ومسرحا يلقي فيه المعتصمون بعض إبداعاتهم ليلا. أصبح ميدان التحرير العدو رقم واحد لحسني مبارك ورجالاته، وكلما اتستع صدره لاحتواء ثوار جدد كلما ضاقت سعة صدرهم، وكانت معركة الجمل شاهدة على ضيق تفكير الحكام، بعد أن سخر النظام مجموعة من البلطجية المسلحين بالعصي والهراوات وانهالوا بالضرب على المعتصمين به على أمل أن يفرغوا ميدان التحرير، فمبارك كان يعلم جيدا أن بقاء المعتصمين به سيقويهم ويضعف موقفه. رفع المعتصمون من سقف مطالبهم، وصدح الثوار بمطلب جديد طالبوا من خلاله بإسقاط النظام، وكان ميدان التحرير شاهدا على هذا التحول في المطالب، قبل أن يتحقق الحلم، بعد أن أعلن نائب الرئيس في بيان رسمي تخلي الرئيس عن منصبه مساء الجمعة 11 فبراير الماضي، وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد مؤقتا لمدة ستة أشهر. هستيريا عمت ميدان التحرير الذي تحول إلى ساحة احتفال كبيرة بعد إعلان خبر التنحي، وليلة بيضاء أخرى عاشها ميدان التحرير. ليلة مختلفة هذه المرة عن باقي الليالي التي كانت دموية في أغلبها، لتستمر الاحتفالات إلى اليوم الموالي قبل أن يقرر المعتصمون فض اعتصامهم والعودة إلى منازلهم، فالثورة قد حققت المطلوب منها. عاد الميدان الذي تتفرع عن ساحته مجموعة من الشوارع الرئيسية والكبرى في القاهرة لنشاطه العادي، غير أن شباب الثورة سرعان ما عادوا إليه بعد أن أحسوا بجهات تحاول الالتفاف على ثورتهم، قبل أن يقرروا الاعتصام به إلى حين تحقيق مطالبهم الجديدة المتمثلة في إنهاء حكم العسكر. الصديق بوكزول المرزوقي… طبيب وحقوقي على رأس تونس منصف المرزوقي الرئيس الرابع لتونس، وأول رئيس عربي منتخب ديمقراطي. مفكر وسياسي تونسي ومدافع عن حقوق الإنسان، ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية منذ تأسيسه حتى 12 دجنبر الجاري. بعد أن تعلم الفرنسية في المغرب، حصل “المرزوقي” على فرصة لدراسة الطب في جامعة ستراسبورغ بدعم من الحكومة الفرنسية، واستمرت رحلته في فرنسا 15 عاما تزوج خلالها وأنجب “مريم” و”نادية”، وفي عام 1973 حصل على شهادة الدكتوراه، ثم عاد إلى تونس عام 1979 ليكمل مهنته في التدريس بإحدى الجامعات التونسية. في سنة 1975 سافر إلى الصين ضمن وفد لمعاينة تجربة الطب في خدمة الشعب في الصين. عاد “المرزوقي” إلى تونس عام 1979 رغم إلحاح أقربائه على بقائه في فرنسا، وعمل أستاذاً مساعداً في قسم الأعصاب في جامعة تونس. شارك في تجربة الطب الشعبي الجماعي في تونس قبل وقف المشروع. أُعتقل في مارس 1994 ثم أطلق بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من “نيلسون مانديلا”. أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات في دجنبر 1997 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان من عام 1997 حتى 2000. غادر إلى المنفى في 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس. حيث بقي هناك حتى أعلن عن عزمه العودة بدون أخذ الإذن من السلطات التونسية. وينادي “المرزوقي” مثل سائر الليبراليين “بضرورة فصل الدين عن الدولة لأن كل تجربة تاريخية لكل الشعوب تثبت أن المزج بينهما دوما يقع لصالح الدولة التي تستعمل الدين كغطاء للاستبداد، فالدولة بطبيعتها سياسية والسياسة صراع مصالح، والدين داخل هذه المنظومة ليس سوى ورقة في يد الفرق السياسية”. كما عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وكان يدعو التونسيين دائما إلى الدفاع عن حقوقهم في وجه الاستبداد من قبل نظام الرئيس السابق “زين العابدين بن علي”. جمال الخنوسي القذافي… ملك الملوك الذي انتهى كالجرذان كان يبدو شخصية فكاهية أكثر منه زعيما سياسيا أو حاكم دولة، غرابة أطواره وسلوكاته الشاذة، دفعت الكثيرين إلى اعتباره شخصا أخرق لا يقدر مسؤولية أفعاله أو أقواله. لكن رغم هذه الشخصية الساخرة، قضى معمر القذافي 42 سنة على رأس أغنى دولة في شمال إفريقيا. كان الحكم بالنسبة إليه أشبه بلعبة مسلية لإرضاء نزواته الشخصية وطبعه المتقلب. مارس الديكتاتورية فيأجلى صورها، وكان بمثابة كابوس مرعب سواء بالنسبة إلى شعبه أو حكام بقية الشعوب. أتى معمر القذافي إلى الحكم سنة 1969 عن طريق انقلاب عسكري على النظام الملكي بليبيا، وكان حينها ملازما بالجيش، فأطلق على نفسه بعد الانقلاب لقب “قائد الثورة” إضافة إلى اشتهاره بلقب العقيد. كان القذافي متأثرا بشخصية جمال عبد الناصر، وتجلى ذلك بوضوح في نزوع الزعيم الليبي نحو إقامة مشاريع وحدوية قومية، إذ كان يرغب في خلق وحدة مع تونس على غرار ما تم بين مصر وسوريا سابقا، إلا أن محاولته هذه لاقت فشلا ذريعا، فوجه القذافي مشاريعه الوحدوية نحو بقية دول إفريقيا، وأراد أن يلعب أدوارا ريادية في هذا المجال لدرجة أنه أطلق على نفسه لقب “ملك ملوك إفريقيا”. لدى اندلاع الربيع العربي كان القذافي أول الزعماء العرب الذين عبروا عن موقف واضح ومعارض إزاء الثورات العربية، وكأنه كان يستشعر أن لهيبها سيطوله، وهو ما تم فعلا رغم أن القذافي قاوم اندلاع الثورة في بلاده بشراسة قبل أن يسقط في أيدي الثوار وينتهي ك”جرذ”.عزيز المجدوب ثورة ليبيا… العلَم يستلهم ألوانه من قصيدة شعر شكلت حدثا مختلفا عن باقي ثورات الربيع العربي لأنها ثورة واجهت العقيد الثائر بالسلاح شكلت الثورة الليبية حدثا كبيرا في السنة المنقضية، ليس لأنها أسقطت نظام طاغية امتلك بيده كل شيء، الثورة والثروة، ولكن لأنها اختلفت عن الثورات العربية في اليمن ومصر وتونس، فهي لم تبق سلمية بل تحولت إلى ثورة مسلحة. انطلقت الثورة الليبية شعبية سلمية، فأسقطت القذافي سياسيا ورمزيا في الأسبوع الأول منها، فلم يصدق «القائد» عينيه وهو يرى صوره تداس بالأقدام وكتابه الأخضر يتفحم حرقا، وهاله ما سمع من صرخات الثائرين تلعنه وتطالب برحيله، فكانت ردة فعله انتقامية، وبذلك جر القذافي الثوار إلى المعركة العسكرية، كان طموح العقيد أن يحول الثورة إلى حرب أهلية القبلية شرطها الأساسي، لكن نجاح الثوار في تجاوز المطب القبلي، جعل حركتهم الاحتجاجية تتحول حركة تحرر شعبية، ففقد القذافي كل ولاء عدا ولاء المرتزقة الذين نقلتهم الطائرات الجزائرية إليه من كل بلدان إفريقيا. في بداية الثورة رفع المحتجون في بنغازي وغيرها من مدن شرق ليبيا علم الاستقلال الذي تم إقراره عام 1951، وهو ما حمل إشارة قوية بقرب نهاية نظام القذافي، فالأمر، يرى بعض المتتبعين، كان يعني «بداية الاستقلال والتحرر الثاني لليبيا من ظلم واستبداد نظام القذافي». واستلهم الثوار ألوان العلم الليبي الجديد، من بيت لشاعر العراق العظيم صفي الدين الحلي: «بيض صنائعنا سود وقائعنا.. خضر مرابعنا حمر مواضينا»، وبهذا كان رفع العلم إيذانا بنهاية الطاغية. ثوار ليبيا اسقطوا الخوف، سنة 2011، وقضوا على أعتى الأنظمة الديكتاتورية، وواجهوا الرصاص والمدافع والمرتزقة الذين اكتراهم القذافي من دول مجاورة للقتال في صفوفه. لقد أكدت ثورة 17 فبراير في ليبيا أن ثورة الجماهير الحقيقية أسقطت بلا رجعة دولة الجماهير الزائفة التي تشدق بها القذافي وأعوانه، الذين حكموا ليبيا وتركوا للجان الشعبية التداول في الفتات. دخلت الثورة الليبية بعد 17 فبراير التاريخ، وسرعان ما تناقلت شرارتها بين المدن والأحياء والأزقة لتشتعل في خيمة العقيد معمر القذافي، وتطارد النار باقي أفراد عائلته وبقايا نظامه السياسي والأمني والعسكري. دخلت الثورة الليبية التاريخ، ودونت في أكبر الموسوعات التي تحدثت عنها بوصفها «ثورة اندلعت وتحولت إلى نزاع مسلح إثر احتجاجات شعبية بداية في بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، حيث انطلقت في يوم 15 فبراير إثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه، وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله، وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة بإسقاط النظام بمدينة البيضاء، فأطلق رجال الأمن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدينة الزنتان في اليوم نفسه، وقام المتظاهرون في الزنتان بحرق مقر اللجان الثورية، وكذلك مركز الشرطة المحلي، ومبنى المصرف العقاري بالمدينة، فتصاعدت الاحتجاجات وسقط المزيد من الضحايا، فاتخذت في اليوم الموالي، 17 فبراير، شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الأمن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام»، ثم تلا سقوط المزيد من الضحايا سقوط النظام. وأمام اندفاع كتائب القذافي نحو بنغازي، وإصراره على ذبح شعبه، سارعت دول كثيرة وقوى عظمى لمنعه من الوصول إلى المدينة، في سباق مخيف، كان يسير بقوات القذافي لقتل شعب أعزل ويسير بالمنتظم لوقف هذه المجزرة، فكان القرار الأممي 1973 يقضي بتدخل عسكري لتوفير الحماية للمدنيين ومنع المرتزقة من التنكيل بأبناء ليبيا الثائرين، ومساعدة الثوار على إسقاط النظام وتحقيق الشعار الذي رفع الأهالي منذ اليوم الأول الذي خرجوا فيه محتجين. إحسان الحافظي الثورة السورية… النظام البعثي يحتظر خلفت مواجهة الثورة الشعبية في سوريا من طرف قوات الجيش السوري، إلى حدود اليوم، أزيد من 5000 قتيل، وآلاف الجرحى. والرقم مرشح للارتفاع، في ظل استمرار التقتيل الممنهج للمدنيين، الذين خرجوا إلى شوارع المدن السورية، منذ عشرة أشهر، مطالبين بإسقاط النظام، وفي ظل استمرار سياسية» التفرج» التي ينهجها المنتظم الدولي، الذي بدا عاجزا، إلى حد الآن، عن وقف الآلة الجهنمية للنظام السوري، التي تحصد، يوميا، أرواح العديد من الأطفال، والنساء، والشباب والشيوخ. سيظل يوم الثلاثاء 15 مارس 2011، محفورا في ذاكرة السوريين، الذين خرجوا بالمئات للتظاهر ضد نظام بشار الأسد، أحد الأنظمة السياسية الأكثر دموية في العالم العربي، تلبية لدعوة أطلقها نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، للانخراط في انتفاضة 15 مارس ، وذلك من أجل التغيير الديمقراطي في البلاد التي يحكمها حزب البعث منذ نصف قرن. في مواجهة الآلة القمعية لنظام بشار الأسد، حاولت المعارضة السورية، التي عانت التشتت، أن تستجمع قوتها فلجأت إلى تأسيس مجلس انتقالي، في العاصمة التركية، أنقرة، يضم 94 عضوا، 42 منهم، من معارضي الداخل. وجرى تعيين المثقف السوري المعروف، إبراهيم غليون رئيسا للمجلس. إزاء استمرار جرائم النظام السوري ضد المدنيين، نهج المنتظم الدولي سياسة “التفرج”، أمام وقوف روسيا والصين إلى جانب النظام السوري، وإشهارهما للفيتو ضد كل إجراء يهدف إلى فرض العقوبات على سوريا. وحده الاتحاد الأوربي تمكن من فرض حزمة من العقوبات، التي لم تؤت أكلها إلى اليوم، ولم تتمكن من ثني النظام السوري عن مواصلة القمع ضد المتظاهرين. ودخلت الجامعة العربية، بشكل غير متوقع، وأقر وزراء الخارجية العرب عقوبات اقتصادية أوصى بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، خلال اجتماعه في القاهرة، والتي شملت منع كبار المسؤولين السوريين من السفر، ووقف التعامل مع البنوك الحكومية، وتعليق رحلات الطيران السورية، إضافة إلى تعليق رحلات الطيران السورية، وتكليف هيأة الطيران المدنية والعربية وصندوق النقد العربي بالإشراف على تنفيذ هذه التكليفات. كل هذه الإجراءات لم تُوقف جرائم النظام السوري ضد الشعب السوري، الذي ما يزال يعاني سياسة التقتيل الممنهجة. ما تزال سوريا مشتعلة، فلا النظام السوري أبان عن استعداده للتنازل والرضوخ للشارع السوري، ولا الشعب أظهر استعداده للتراجع، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه، إذ يبدو مصمما على الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة، من أجل فرض مطالبه في التغيير. جمال بورفيسي