تحل ذكرى يوم الأرض 30 مارس للسنة الثانية على التوالي في سياق تداعيات أحداث ما بعد طوفان الأقصى يوم 7 اكتوبر 2023 وما نتج عنه من تطورات على مستوى معركة تحرير فلسطين ودحر المحتل المشكل من التحالف الثلاثي الصهيوني الامبريالي الرجعي العربي، والتي لازالت مستمرة عبر حرب الإبادة الجماعية وعملية التطهير العرقي مستخدمة في ذلك اخر ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية من أدوات الدمار الشامل وحتى تلك التي حرموا استخدامها، ما نتج عنه أكثر من 200000 بين شهيد وجريح ومجهول المصير لحد الآن، ناهيك عن تدمير أكثر من 88٪ من البنية التحية لقطاع غزة وأكثر من 950 شهيد بالضفة الغربية وازيد من 15 ألف معتقل جديد وحصار تام لمخيمي جنين وطولكرم مع تهجير أكثر من ثلثي سكانهما، إضافة إلى التجويع وقطع الكهرباء ونسف منابع الماء على قطاع غزة والتراجع عن اتفاقية الهدنة التي فرضت على الكيان الصهيوني جراء الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وضرابات المقاومة الموجعة لجنود الكيان الصهيوني. لكن بما أن أهداف المحتل لم تتحقق فإنه بات يعلم أنه أمام أمرين أحلاهما مر بالنسبة له، الاستمرار في حربه البشعة بدعم مطلق من كل الجهات تقريبا عدا بعض جيوب المقاومة التي لا تقوى لحد الآن على التأثير في ممارساته الوحشية والهمجية التي لم يشهد بها التاريخ قط، بهدف تهجير الفلسطينيين من غزة بدعم ومشاركة مباشرة للولايات المتحدةالأمريكية، والقضاء على المقاومة المسلحة واسترجاع أسراه، وهو ما يبدو بعيد المنال على أرض الواقع حتى لو بقي مقاوم واحد بالقطاع، فإنه سيفضل الاستشهاد على الاستسلام والتهجير، وهي معادلة صارت تؤرق بال المحتل وداعميه، وهو ما اتضح من خلال التحريض على المقاومة وإن بشكل محدود داخل القطاع عبر مظاهرة تم استغلالها لأغراض دنيئة، وهو الحدث الذي أخرج الصهاينة العرب ومنهم المغاربة من جحورهم للتكشير عن أنيابهم بغية غرسها في ظهر المقاومة الباسلة للنيل منها وشيطنتها تحت مسميات شتى، تارة ظلامية المقاومة مختزلة إياها في حركة حماس فقط في نكران تام لما تقدمه باقي الفصائل الفلسطينية المقاومة من جهاد وجبهة شعبية وجبهة ديمقراطية وأولوية الناصر صلاح الدين وانتفاصة شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح وغيرها كثير، وتارة أخرى إرجاع سبب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني إلى تهور هذه الأخيرة (المقاومة) واستعدادها التضحية بشعبها، دون تحميل المسؤولية للمسؤول الأول والأخير عن كل ما حدث ويحدث ألا وهو الاحتلال الصهيوني، وذلك بعدما فشلت في ترديد متلازمة قديمة مفادها أن قادة المقاومة يتحصنون في الفنادق الفخمة بينما يدفعون الشعب ليقتل في غزة، خاصة عندما تقدم القادة قافلة الشهداء إن بغزة أو بلبنان( اسماعيل هنية، السنوار، حسن نصر الله…..)، لكن للاسف باءت المحاولة بالفشل، واتضح أن هناك شعب قرر الصمود والالتصاق بالارض والانتقال بشكل جذري في معركة التحرير والاستقلال بعدما حقق اختراقا غير مسبوق في داخل المحتل. لذلك فإن ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله، والمعركة الآن ذات مستويات عدة منها ما هو متعلق بتدبير الصمود داخل القطاع وتوفير الشروط الدنيا لذلك وهنا تقع مسؤولية الوفد الفلسطيني المفاوض الذي يبدو انه اذكى مما كانوا يعتقدون، كنا تقع على كل الشرفاء على المستوى العالمي المساهمة كل حسب ما يستطيع، لأن صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ورفضه التهجير أهم معركة وجب الانتصار فيها لان ذلك يمثل القلعة الحصينة التي تحمي ظهر المقاومة وتمده بالعنصر البشري، وكذلك وجب ضمان إمداد المقاومة بكل ما تحتاجه لخوض معركة جديدة سوف تطول هذه المرة، اما على المستوى الخارجي فلابد من إذكاء شرارة المظاهرات والاحتجاجات بكل الميادين والشوارع العالمية، وعدم التوقف عن الحرب الإعلامية التي تعبر واجهة مهمة جدا لمجابهة السرديات الصهيونية وعملائها، وفي نفس الإطار المساهمة الفعالة في معركة الوعي بالقضية الفلسطينية ونشره على اوسع نطاق وعدم التوقف عن فضح ما تمثله الصهيونية على المنطقة وحتى على سكان العالم أيضا لأنها تندرج في سياق الصراع على الثروات والسعي للسيطرة عليها وحرمان الشعوب التي تدفع دفعا نحو الفقر والمرض، أما على المستوى العسكري لابد من الإشادة بالدور العظيم الذي يقوم به اليمن وتشجيعه ليستمر بشكل تصاعدي، وعدم تبخيس أي مساهمة من اجل دعم صمود الشعب الفلسطيني مهما كان تأثيرها. لأن موازين القوى صارت مختلة نوعا ما لصالح المقاومة وهو ما يؤكده الانقسام الواضح في صفوف المستوطنين واليأس وعدم اليقين الذي تسرب للعديد منهم مما دفع ازيد من 500 ألف إلى مغادرة فلسطينالمحتلة الى غير رجعة واستعداد الكثيرين للحذو مثلهم في حال بقي الوضع على ما هو عليه ناهيك عن تراجع ثقة المستوطنين في جيشهم الذي اعتقدوا أنه لا يقهر وإذا بمقاومة نشأت تحت حصار دام اكثر من عشرين سنة وبامكانات بسيطة ان تكبده ما لم يتكبده في معاركه مع جيوش نظامية لدول لجلال قدرها مجتمعة، لهذا عمل المحتل وكل داعميه كل ما في وسعهم من أجل وأد هذه المعركة وقلب الموازين سواء باغتيال القادة والإطاحة بنظام الأسد بسوريا وتسليمها لعملائهم هناك من اجل منع تدفق السلاح والدعم، والضغط على إيران كي تتوقف عن دعمها للمقاومة أو عبر إغراء روسيا بحل يرضيها في أوكرانيا من أجل رفع يدها عن المنطقة أو على الأقل اتخاذ موقف محايد. لكن ما يعلمه الكيان الصهيوني وكل حلفائه أن ما وقع يوم 7 اكتوبر 2023 غير مسبوق وهو بداية نهاية الاحتلال، لذلك يسارعون الخطى من أجل العمل على ضمان عمر أطول له، وذلك بالضغط على المطبعين وغيرهم لبذل جهد أكبر ودعم أوسع وهو ما تشهده بلادنا حاليا وحتى على مستوى الدول العربية الأخرى. إذن تحل الذكر 49 ليوم الأرض لتعيد التذكير بما يرتكبه المحتل من جرائم حرب في حق الإنسانية، وليؤكد مجددا أن ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وأن الكفاح المسلح هو السبيل لتحرير الأرض والإنسان مهما غلت الأثمان فإنها لا تغلى على الحرية والاستقلال والكرامة، وخير ما أختم به ما قاله الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني: أخاف ان تصبح الخيانة وجهة نظر. لأنه في الوضع الذي يكون فيه الوطن محتل فإما ان تكون مع المحتل أو ضده ولا مجال لرأي ثالث هنا. شفيق العبودي العرائش في 30 مارس 2025