أمام تزايد عدد الضحايا الذين يتساقطون يوميا في سوريا، والمأزق الدبلوماسي الذي دخلته الأزمة، أصبح الحديث يتصاعد في العواصمالغربية ، عن حل عسكري حاسم في هذا البلد، ولو خارج غطاء أممي بعدما ظهر جليا أن روسيا والصين ترفضان بقوة أي تدخل غربي، ورغم ذلك سيكون من المفيد تحليل الوسائل العسكرية التي يمكن توظيفها في هذا الباب. في البداية يبدو من الضروري طرح بعض الفرضيات الجدية للإحاطة عن قرب بهذا الموضوع الشائك. ومن بين هذه الفرضيات، من الواضح أن أي تدخل سيتم لا محالة في إطار تحالف يضم عدة دول أوربية بدعم لوجستيكي فقط من جانب الولاياتالمتحدة المنشغلة حاليا بانسحابها من أفغانستان وبالانتخابات الرئاسية المقبلة. في المقابل يمكن للقوات السعودية والقطرية والإماراتية وحتى التركية أن تلتحق بهذا التحالف. والثقل السياسي، وأيضا العسكري لتركيا ، لن يكون محايدا لنجاح هذه العملية التي ستدار لامحالة من طرف الحلف الاطلسي علما بأن تركيا تبقى متشبثة بهذا الحلف. وهناك فرضية أخرى مهمة يتعين اعتبارها: لا يمكن تصور تدخل أي قوة برية غربية، باستثناء بعض الوحدات الخاصة، مهما كانت القدرات الحقيقية للمعارضة المسلحة السورية، فالدروس المستخلصة من تجربة أفغانستان تمنع عمليا أي تدخل بري للقوات الغربية في بلد مسلم. بعد طرح هذه الفرضيات، ماهي الوسائل العملية التي يمكن تصورها؟ مثلما حدث في ليبيا ستشكل القوات البحرية والجوية مدعومة على الارض من طرف وحدات خاصة، العمود الفقري للقدرات العسكرية للتحالف. فالقدرات العسكرية البحرية للقوة الدولية ستكون مكلفة بضمان حصار الواجهة المتوسطية لسوريا والبحرية السورية تتوفر على غواصات وبعض القطع العائمة لكنها لن تكون في مستوى مواجهة تحالف أكثر جاهزية وقوة في هذا المجال، بالمقابل تشكل الصواريخ السورية المضادة للبوارج، بعضها تسلمته دمشق مؤخرا من روسيا، تهديدا حقيقيا وخطيرا سيتعين التشويش عليها أو ضربها بسرعة. وهذا التهديد الجدي سيتطلب عمليا تظافر جهود حاملات الطائرات والوسائل الجوية على مسافة قريبة من السواحل السورية. أما الوسائل الجوية من خلال مرونتها وقوة نيرانها ستكون من الوسائل المفضلة وتتمثل مهمتها الاساسية أولا في ضمان التفوق الجوي من أجل تحرير الأجواء ومنع أي هجمات ضد السكان المدنيين تشنها الطائرات المروحية السورية، لكن ، للأسف، القوات السورية المضادة للطائرات متعددة وفعالة والدليل على ذلك هو إسقاط القوات السورية لطائرة استطلاع تركية مؤخرا، وفي ظل هذه الظروف فإن القوات الجوية للتحالف ستعمل في مرحلة أولى على تأمين تفوق مجالي. وإيطاليا أو تركيا تتوفران على معدات مضادة للرادارات. لكن هل هذه المعدات ستكون كافية أمام عدو متحرك؟ بالواضح قد تقتصر قوات التحالف على أن تعمل في أصعب المراحل على العمليات التي تمت في كوسوفو سنة 1999. وهناك حل بديل يتمثل في أن يطلب من الامريكيين تدخل صواريخ ماهوك وأيضا الطائرات القتالية الشبح من نوع F22. هذه الطائرات التي لا يرصدها الرادار، بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية السورية وتدمير مواقعها مع إخبار الطائرات المقاتلة الكلاسيكية للتحالف في وقت مناسب عن مواقعها والمساعدة على تدميرها. والامريكيون دون ان يتدخلوا هجوميا بشكل فعلي، بإمكانهم تنفيذ مهمات من هذا النوع خلال المرحلة الأولى للنزاع، علما بأن التدخلات الاولية تحظى دائما بمتابعة إعلامية وسياسية قوية، ولابد من ملاحظة أن هذا التدخل ، في مثل هذه الظروف، لا يمكن أن يتم إلا تحت قيادة أمريكية وبالتالي تحت إشراف الحلف الاطلسي. المهمة الثانية المنوطة بالقوات الجوية للتحالف تتمثل في القيام بعمليات الإسناد لصالح قوات المعارضة السورية، لكن القوات النظامية على الارض متمركزة بشكل جيد في المدن وسيكون من الصعب القيام بعمليات الإسناد داخل الوسط الحضري نظرا للخسائر المحتملة، علما بأن القوات السورية ستعمل وتلجأ الى المدنيين كدروع بشرية. هذه المهمات الصعبة والحساسة تتطلب أسلحة ملائمة وحدهم البريطانيون يمتلكونها. وفي ظل هذه الظروف، فإن مهمات الدعم للتحالف ستتمحور أساسا في المناطق القريبة من الحواضر وتتطلب دعم القوات الخاصة في الميدان. والمهمة الثالثة ستتمثل في تدمير مراكز القيادة والدعم واللوجستيك السورية، وهذه المهمة التي تندرج في الزمن تبقى أساسية وفعالة. والبناء السياسي العسكري للعدو الذي تبعثره الضربات الدقيقة في العمق تؤدي الى انهيار الترسانة عمليا ودون سابق إنذار.كل هذه المهمات، بما فيها العمليات البحرية، تتطلب وسائل استخباراتية دقيقة وفي الوقت المناسب، وترتكز على رصد متعدد وتحليلات دقيقة من أجل كشف الاهداف المحصنة والمخبأة. وفي هذا المجال القوات الاوربية غير مؤهلة بشكل فعال ، كما أظهرت ذلك العمليات في ليبيا، وقد تحدث الخبراء العسكريون كثيرا عن النقص الكبير في طائرات الرصد بدون طيار، بعد التدخل في ليبيا. والملاحظ أيضا ان طائرات التحالف يجب أن تكون مرابطة في قبرص أو جزيرة كريت وربما تركيا، وان طائرات التزود في الجو ستقدم الدعم اللازم لإنجاز كل هذه المهام الطويلة. وفي هذا المجال ستكون القوات الأوربية بدون شك رهينة بشكل كبير للوسائل الامريكية كما كان الأمر خلال كل العمليات الجوية الكبرى التي تمت مؤخرا. وماذا عن وسائل الهجوم الإلكترونية التي يمكنها ان تشوش، بل وتدمر شبكات المعلومات والاتصالات والقيادة السورية التي لا توجد في أوربا والتي تمتلك الولاياتالمتحدة وحدها قدرات حقيقية في هذا الميدان. وختاما فإن تدخلا في سوريا يحظى بالمصداقية والفعالية ويقتصر فقط على وسائل بحرية وجوية للأسباب التي ذكرنا سابقا ، سيكون مستحيلا وصعبا على المستوى العسكري دون الولاياتالمتحدة، بل ومشاركة تركيا. وهذا الاستعراض يؤكد أيضا وبشكل غير مباشر، محدودية قدرات تدخل القوات المسلحة الاوربية وخاصة الفرنسية التي تعتريها ثغرات في قدراتها في جميع الميادين المذكورة، ومن ضمنها الوسائل المضادة للدفاعات الجوية والبحرية وأيضا وسائل الاستخبارات والطيران التجسسي بدون طيار والأسلحة الدقيقة المستخدمة في الوسط الحضري والتزود والتموين وطائرات النقل التاكتيكي الحديثة وكذا قدرات الحرب والهجوم الإلكتروني.. وبالملموس فإن التدخل الاول كما حصل يوم 19 مارس 2011 ، بواسطة طائرات رافال الفرنسية من أجل إنقاذ سكان بنغازي من مجزرة محققة، سيكون اليوم مستحيلا وغير ممكن في سوريا. بتصرف عن «لوموند»