تعهد معمر القذافي بالقتال حتى النهاية المريرة، مما يزيد من احتمال حدوث صراع دموي مُطول مع فرص قيام العناصر الإسلاموية الراديكالية باستغلال هذا الصراع. ورغم أن التدخل العسكري الخارجي يمكن أن يساعد على منع محصلة سيئة للغاية، إلا أن مثل هذا العمل يحمل في طياته المخاطر الخاصة به وتعقيداته المحتملة. إن الولاياتالمتحدة وغيرها من أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي ["الناتو"] لديهم القدرة العسكرية للتدخل مباشرة وبصورة فعالة، مما يقلل من قدرة النظام الليبي على استخدام القوة العسكرية القاسية ضد شعبه. ويمكن تحقيق ذلك بسرعة نسبياً عن طريق استخدام الأصول الجوية والبحرية من الأسطول الأميركي السادس في البحر المتوسط وطائرات منظمة حلف شمال الأطلسي من صقلية أو جنوب ايطاليا لإقامة مناطق حظر طيران، وحظر قيادة سيارات، وحظر إبحار في شمال ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هناك تأثيرات نفسية هامة لعملية التدخل، بحيث تعزز من معنويات المعارضة وتُضعف معنويات القوى الموالية للنظام. وعلى الرغم من أنه سيكون هناك العديد من الجوانب الإيجابية المحتملة نحو اتخاذ عمل عسكري، لا سيما إذا تم توسيعه ليتجاوز نطاق مناطق حظر الطيران، إلا أن التدخل ينطوي على مخاطر إلى جانب منافع محتملة، ويمكن أن يؤدي إلى الالتزام بتكريس الموارد العسكرية لفترات طويلة. الفرصة لن يسقط النظام الليبي بغير معركة، والنتيجة يمكن أن تكون صراعاً مطولاً. ولو سار الحظ في طريقه فمن الممكن أن يعيد النظام تأكيد سيطرته مؤقتاً على بعض المناطق التي فقدها بالفعل. وفي أي سيناريو، هناك مخاطر كبيرة بأنه سوف يُقتل أناس كثيرون حيث أظهر القذافي استعداداه لاستخدام قوة كبيرة بأسلحة عسكرية لقمع المعارضة. وإذا كان قادراً على البقاء في السلطة واستعاد السيطرة على المناطق التي خسرها مثل بنغازي، فسوف يفرض على الأرجح انتقاماً عنيفاً. وعلاوة على ذلك، أظهر الجيش الليبي علامات عن حدوث انهيار حيث انضم بعض الأفراد إلى المعارضة ورفض آخرون الامتثال لأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، بل وهاجم البعض عناصر موالية للنظام. إن ضعف النظام وخطورة خسارة المزيد من الأرواح والاحتمالية الخطيرة لعودة النظام [إلى السيطرة على مجرى الأمور] كلها تخلق فرصة وحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحازمة. وقد أفادت التقارير بأن القذافي استخدم طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية ووحدات بحرية ومختلف القوات المقاتلة البرية (بما في ذلك عناصر شبه عسكرية ومرتزقة) ضد المتظاهرين. وربما تقوم أيضاً بعض قوات الجيش النظامية بدعم النظام. ولذا فإن المنافسة غير متساوية حتى لو اكتسبت عناصر المعارضة أسلحة، واستطاعت الاعتماد على دعم بعض وحدات الجيش الليبي. وحالياً، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن قوات النظام قد أعادت بالفعل السيطرة، على الأقل في طرابلس. خيارات للتدخل يمكن أن يتخذ تدخل الولاياتالمتحدة وحلف "الناتو" أشكالاً متعددة، وكلما اتسع بصورة أكبر من المرجح أن يكون أكثر تأثيراً. ورغم أن النظام قد استخدم القوة الجوية على نحو ما، إلا أن قواته البرية ستكون على الأرجح هي الأهم في تحديد المحصلة والتكلفة فيما يتعلق بالإصابات والخسائر البشرية. وسيكون لمناطق حظر الطيران تأثير ضعيف -- إن وجد أصلاً -- على مسار القتال البري. "منطقة حظر الطيران: التأثيرات والمتطلبات" من غير الواضح المدى الكامل الذي استخدم فيه النظام طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية أثناء الأزمة. ومع ذلك، يمثل هذا المخطط العسكري تهديداً كبيراً للمعارضة التي لها قدرة ضعيفة للدفاع عن نفسها ضد هجمات من هذا القبيل. إن فرض منطقة حظر الطيران تعني إقامة مناطق محظورة على الطائرات المقاتلة. ومن خلال تمشيط الجو فوق شمال ليبيا سوف تقوم قوات الولاياتالمتحدة و"الناتو" بالحد من -- إن لم يكن القضاء تماماً على -- قدرة النظام على استخدام القوة الجوية ضد شعبه. إن إنفاذ مناطق حظر الطيران ليس مسعى معقد لكنه يستهلك الموارد والتخطيط المكثف. وقبل انطلاق الطائرة الأولى، هناك حاجة ملزمة لتحديد مناطق الدورية بصورة واضحة، وإقامة مسارات لطائرات "الإنذار المبكر والسيطرة المحمولة جواً" والأخرى اللازمة للتزود بالوقود، وكذلك إنشاء مدارات استعداد جو - أرض، ويجب أن تكون هناك أيضاً قوة إنقاذ لاستعادة الأفراد. وتشمل مهام القيادة والتحكم الكبرى شغل وتوفير بوابة ألكترونية لروابط بيانات التحالف، وإزالة أي تعارض بين طائرات التحالف، ومراقبة إطلاق الصواريخ والطائرات الليبية، وتوجيه اعتراضات للطائرات العسكرية الليبية التي تنتهك مناطق حظر الطيران. وتشمل المهمات جو- جو تنفيذ دوريات جوية قتالية لمواجهة أصول القوة الجوية الليبية التي تشمل طائرات من طراز "ميراج إف-1" و"ميكويان جيروفيتش 21/23" و"سوخوي سو-22" و"سوكو جي-21 إس" ومروحيات "إم آي-24 هند" الهجومية، ومجموعة متنوعة من مروحيات النقل. إن العدد الدقيق للطائرات القابلة للاستخدام غير معروف غير أن التقييم العام هو أن معظمها هو في مراحل متنوعة من العطب. وبما أن ليبيا تمتلك قدرات صاروخية أرض- جو، فإن قمعاً تأهبياً لقدرة الدفاع الجوية للعدو سيكون مطلوباً لمواجهة بطاريات صواريخ "إس أي-2" و "إس أي -3" و "إس أي -6". كما سيكون مطلوباً أيضاً وجود قوة نشطة من طائرات التزود بالوقود لضمان وجود القدرة لدى جميع الطائرات على تحمل التمشيط الفعال. كما يجب أن تكون قوات استعادة الأفراد في حالة تأهب لتنفيذ مهمات الاستعادة لو حدث أن أُسقِطت طائرة من طائرات التحالف. وسوف تحتاج قوات الإنقاذ أن تكون عائمة إما في البحر المتوسط أو في مالطا لتقليل زمن الاستجابة. ويجب أن يولى الإهتمام لنشر طائرة التزود بالوقود من طراز"إتش سي-130"، حيث أنه ليست هناك قوة أساسية مساوية ل "القوات الجوية للولايات المتحدة في أوروبا"، وثمة عدد محدود فقط يدعم "فرقة العمل المشتركة في القرن الأفريقي". إن "القاعدة الجوية البحرية الأميركية سيغونيلا" في صقلية تقع بشكل مركزي في البحر المتوسط لدعم عمليات الاستقرار. وتتمتع بقدرة مطار ولها موقعها الممتاز لخدمة نقطة الإطلاق والاستعادة لتمشيط الجزء الغربي من أية منطقة من مناطق حظر الطيران. كما أن "قاعدة خليج سودا لنشاط الدعم البحري" في جزيرة كريت هي في موقع جيد لتوفير الوصول إلى النصف الشرقي من أي من مناطق الحظر هذه. "منطقة حظر قيادة السيارات: التأثيرات والمتطلبات" قد يكون من الضروري منع النظام الليبي من تعبئة ونشر القوات البرية ضد المعارضة. وإذا كان يأمل هذا النظام في إستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها، فسوف يحتاج إلى تحريك قوات كبيرة. وبالتالي، يمكن أن تحد مناطق حظر قيادة السيارات من قدرته على القيام بذلك خاصة بالنظر إلى التحركات طويلة المسافة من جانب القوات الثقيلة. بيد، ستكون هناك قضايا خطيرة تتعلق بتحديد القوى الموالية للنظام في الوضع الفوضوي الحالي، وتجنب الهجوم على عناصر المعارضة أو المدنيين. ويبدو أن الكثير من القوى الموالية للنظام تتألف من عناصر الميليشيات أو المرتزقة مما يزيد من صعوبة تمييزها عن المدنيين أو جماعات المعارضة. ومن أجل إنفاذ مناطق حظر قيادة السيارات، يجب إقامة معايير وإجراءات لتحديد الهدف والتأكد منه بشكل مفصل ومجمع عليه، فضلاً عن قواعد تفصيلية للاشتباك لأية طائرة يُحتمل أن تنخرط في عمليات تجاه أهداف أرضية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام طائرات الإنذار المبكر عالية الطلب/منخفضة العرض المزودة ب "نظام رادار الهجوم على الهدف والمراقبة المشتركة" [المعروف ب "نظام رادار المراقبة الأرضية المحمول جواً" JSTARS] يكون ضرورياً. ويوفر هذا النظام القدرة على تحديد اتجاه وسرعة وأنماط النشاط العسكري من جانب المركبات الأرضية والمروحيات لصياغة صورة عن الموقف على الأرض مشابهة للصورة الجوية المقدمة من طائرات "الإنذار المبكر والسيطرة المحمولة جواً". وحيث إنها تتطلب قدرة نادرة بالكاد، فإن خلق مناطق حظر قيادة السيارات والعمليات اللاحقة سوف يتطلب على الأرجح نقل الطائرات التي تم نشرها من ساحات أخرى وقبول المجازفة هناك. "منطقة حظر الإبحار: التأثيرات والمتطلبات" يقال أن نظام القذافي استخدم وحدات بحرية لقصف قوات المعارضة. إن إقامة منطقة حظر إبحار لمنع هذا النشاط يمكن أن تتحقق بطائرة و/أو وحدات بحرية برية في المنطقة بما في ذلك قوات الأسطول السادس الأميركي الموجودة في نابولي و"قيادة القوات المشتركة لحلف 'الناتو' في نابولي". ومن شأن ذلك أن يوسع نطاق المهمة ويمكن أن يخلق متطلباً لقوات إضافية، لكن من شأنه أيضاً أن يحد بصورة متزايدة من قدرة النظام على استخدام القوة العسكرية. تحديات التدخل المحدود إن السرعة في إقامة منطقة حظر واحدة أو أكثر هو جوهر المسألة في هذه الحالة، حيث يجب تعبئة الأصول الجوية المطلوبة وتنظيمها وتحضيرها لأية عملية. وسوف تتطلب عملية الإنفاذ وجود طائرات قتال ودعم كبيرة. ويمكن أن تتطلب أيضاً قتالاً فعلياً، يشمل جو- جو، وجو- أرض أو جو- بحر، وقمع الدفاعات الجوية. وسيشكل تجنب "تمدد المهمة" تحدياً آخر. فحالما تأخذ العملية مجراها، فمن المرجح أن تكون هناك مطالب وفرص لزيادة مستوى ونطاق العمليات. ومن المحتمل أن يؤدي استمرار هجوم النظام على المعارضة، إلى الضغط من أجل المزيد من التدخل المباشر، وربما يشمل إنزال قوات برية في نهاية المطاف. المخاطر والمنافع إن إمكانية القتال بين قوات "الولاياتالمتحدة - منظمة حلف شمال الأطلسي" والقوات الليبية تحمل بالضرورة احتمالية وقوع إصابات وضحايا. وعلاوة على ذلك، فإن عمليات منطقة حظر قيادة السيارات سوف تزيد من خطورة الأضرار المصاحبة لذلك، لأنه يمكن أن تكون هناك بعض الصعوبة في تمييز العدو من الصديق، وتجنب الإصابات المدنية وسط الفوضى الحالية. ويمكن أيضاً أن يتصاعد القتال إلى ما هو أبعد من الأهداف الأولية، إما نتيجة تمدد المهمة أو محاولات النظام الهجوم على القوات المتدخلة. وبشكل أوسع، يمكن توجيه تهم "الاستعمار" ضد الولاياتالمتحدة وأية دول أوروبية مشاركة، وقد تتكرر صداها في بعض الأماكن المعادية للغرب في المنطقة وخارجها. كما أن التدخل الخارجي يمكن أن يستفز النظام للهجوم على الأجانب في ليبيا الذين هم رعايا الدول المشاركة في التدخل. وأخيراً، فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها قد يجدون أنفسهم في موقف المساعد على إخراج نتيجة سيئة إذا تدهور الوضع إلى حرب أهلية أو عنف فوضوي أو إذا وصلت العناصر الإسلاموية المتشددة إلى السلطة. ورغم المخاطر فإن التدخل ضد النظام يمكن أن يجلب أيضاً العديد من المنافع المهمة. أولاً، سيكون إحتمال إنقاذ أعداد كبيرة من الأرواح. فإذا قام المتظاهرون العزل، أو المسلحون بشكل ضعيف، أو غير المنظمين، بتحدي قوات النظام المسلحة بقوة في الشوارع، سيتعرضون على الأرجح لحصد أرواحهم بأعداد غفيرة. وستكون نفس النتيجة راجحة لو شن النظام جهداً خطيراً لاستعادة السلطة في المناطق التي خسرها. وثانياً، يمكن أن يؤدي التدخل إلى نهاية أسرع للنظام مع خسائر وتأخر اقتصادي وسياسي واجتماعي أقل. وبأي طريقة تنتهي فيها الأزمة فإنها لن تكون نهاية طيبة، لكن يبدو بأنه سيكون من الأفضل بكثير لو تم إنهائها عاجلاً وليس آجلاً.