التاريخ يقدم في كثير من الأحيان مؤشرات على ترابط الكثير من الأحداث رغم تباعدها الزمني. يوم 23 يونيو 1939 تم توقيع اتفاق عدم اعتداء بين فرنسا وتركيا وافقت بموجبه حكومة باريس على ضم لواء الاسكندرونة بأكمله إلى تركيا. تقول الموسوعات أنه يعتقد بأن هذا الاتفاق تم لضمان تأييد تركيا للحلفاء مع بداية الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل عدم انضمامها إلى دول المحور. رجال القانون ذكروا أن فرنسا بعملها هذا خالفت صك الانتداب الذي يوجب على السلطة المنتدبة الحفاظ على سلامة ووحدة الأراضي التي انتدبت عليها، خاصة وأن الدولة العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى اعترفت بموجب "المادة 27" في معاهدة سيڤر عام 1920 بعروبة منطقتي الاسكندرونة وقيليقية "أضنة ومرسين" وارتباطهما بالبلاد العربية. اللواء كان جزءا من الدولة السورية العربية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي أثر معركة ميسلون بعد أن خان الغربيون اتفاقياتهم مع العرب بالسماح لهم بالاستقلال بعد مساندتهم الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى. بعد توحيد الدويلات السورية التي شكلها الانتداب الفرنسي، ضم لواء الاسكندرونة إلى ما يسمى السلطة "السورية" المركزية أي المشرف الفرنسي العام. في 29 مايو 1937 أصدرت عصبة الأمم قرارا بفصل اللواء عن سوريا وعين للواء حاكم فرنسي. قضية لواء الاسكندرونة عكرت بعد استقلال سوريا علاقات دمشقوأنقرة وكادت تقود البلدين أكثر من مرة إلى حرب، حيث لم تعترف سوريا قط بضم تركيا للواء، وما زالت الخرائط السورية والعربية ترسمه ضمن أراضي سوريا. أنقرة استبدلت اسم اللواء بمحافظة هاتاي، وعاصمتها مدينة الإسكندرونة التي تقع على البحر المتوسط في رأس خليج اسكندرون على البحر المتوسط، وهي من أهم الموانئ في تركيا اليوم. بعد 73 سنة بعد 73 سنة يوما بيوم على الصفقة الفرنسية التركية، وفجر يوم يوم السبت 23 يونيو 2012، قال ناطق عسكري سوري لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" ان "هدفا جويا مجهول الهوية اخترق مجالنا الجوي بسرعة قصوى على ارتفاع منخفض فوق مياهنا الاقليمية فتصدت له وسائط دفاعنا الجوي على مسافة كيلومتر من اليابسة واصابته اصابة مباشرة فسقط في البحر" غرب محافظة اللاذقية. وأضاف "تبين لاحقا أن الهدف الجوي كان طائرة عسكرية تركية دخلت مجالنا الجوي على بعد حوالي 60 كلم من محافظة اللاذقية وتم التعامل معها وفق القوانين المرعية". وتابع الناطق العسكري انه "تم التواصل بين قيادتي القوات البحرية في البلدين حيث تقوم سفن البحرية السورية بالاشتراك مع الجانب التركي في عمليات البحث عن الطيارين الاثنين المفقودين". وكان مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قد اعلن في وقت سابق بعد اجتماع أزمة في أنقرة ان المقاتلة التركية التي فقدت قبالة السواحل السورية وهي من طراز ف 4 اسقطتها سوريا. وتابع ان "تركيا العضو في حلف شمال الأطلسى ستعلن موقفها النهائي وستتخذ بعزم الاجراءات الواجب تبنيها حين يتم كشف الحقيقة كاملة حول هذا الحادث". واوضح اردوغان في مؤتمر صحافي ان الحادث وقع على بعد 15 كلم قبالة مدينة اللاذقية السورية. ولم يتضمن البيان الذي صدر اثر إجتماع الأزمة الذي ضم رئيس الوزراء ورئيس هيئة الاركان العامة الجنرال نجدت أوزيل، وقائد سلاح الطيران، ووزير الداخلية إدريس نعيم شاهين، ووزير الخارجية احمد داود أوغلو، ووزير الدفاع عصمت يلماظ ورئيس جهاز الاسخبارات هاكان فيدان، تفاصيل عن المهمة التي كانت تقوم بها المقاتلة على مقربة من الاراضي السورية. وعادة ما يخصص سلاح الجو التركي هذا النوع من الطائرات القديمة نسبيا والامريكية الصنع للقيام بمهمات استطلاع. وكانت هيئة اركان الجيش التركي قد أفادت ان "اتصال الرادار واللاسلكي مع احدى طائراتنا التي اقلعت عند الساعة 10.30 (7.30 ت غ) من ملاطية انقطع عند الساعة 11.58 في البحر جنوب غرب محافظة هاتاي. فتح الطريق لتدخل "الناتو" عدد كبير من المراقبين اعتبروا الحادث نقطة تحول تفتح الطريق لتنفيذ المشروع الأمريكي القاضي بتدخل حلف الناتو عسكريا في سوريا. خاصة وأن اردوغان كان قد ذكر في أبريل 2012، ان بلاده قد تلجأ الى البند الخامس من معاهدة الحلف لحماية حدودها مع سوريا. وينص البند الخامس من معاهدة حلف شمال الاطلسي على انه في حال تعرض أي عضو من أعضاء الحلف لاعتداء فان كل الأعضاء مرغمون على اعتبار هذا الاعتداء ضدهم جميعا وبالتالي يتحتم عليهم اخذ الاجراءات اللازمة لمساعدة البلد الذي تعرض للاعتداء. كما كانت تركيا قد طرحت في وقت سابق امكانية انشاء ملاذ آمن أو ممر إنساني داخل سوريا لصالح المعارضة وهو أمر من الممكن أن يستتبع تدخلا عسكريا، لكنها قالت في حينها أنها لن تقوم بعمل كهذا دون موافقة من مجلس الأمن الدولي التابع للامم المتحدة. بعد ساعات على إسقاط الطائرة التركية وعلى عكس توقعات غالبية المراقبين، اقرت أنقرة بان طائرتها قد تكون انتهكت المجال الجوي السوري، وقد خفف هذا الاقرار من خطورة الحادث الذي من شأنه أن يؤجج التوتر بين أنقرةودمشق ويهدد بعواقب دولية وخيمة. ونقلت وكالة انباء الاناضول عن الرئيس التركي عبد الله غول قوله "عندما تفكرون في سرعة الطائرات لدى تحليقها فوق البحر، فمن الطبيعي أن تمر وتكرر المرور فوق الحدود خلال فترة قصيرة من الوقت". واضاف "هذه أمور غير متعمدة تحصل بسبب سرعة الطائرات". وفي حين أجمعت الصحافة التركية السبت 23 يونيو على توجيه الاتهامات لحكومة دمشق بسبب هذا الحادث مطالبة بأن "تدفع الثمن"، اعتمد نائب رئيس الوزراء التركي بولند ارينغ موقفا معتدلا. وقال "علينا الحفاظ على الهدوء، وألا نسمح بالانجرار إلى تصريحات ومواقف استفزازية". بالون إختبار بعض مصادر الرصد في القارة الأوروبية ذكرت أن دوائر نافذة في واشنطن وتل أبيب صدمت إلى حد ما بالإقرار التركي بالخطأ، واعتبرته تراجعا عن تفاهمات سابقة ومحاولة من أنقرة لتجنب استدراجها من طرف بعض حلفائها إلى مواجهة عسكرية مع دمشق. نفس المصادر أفادت أنه على ضوء التحركات الروسية الصينية لمنع تدخل حلف "الناتو" في سوريا رأت بعض الاوساط في العاصمة الأمريكية أن مواجهة عسكرية سورية تركية يمكن أن تشكل بالون إختبار لدرجة جدية موسكو في حماية الحليف السوري، غير أن قادة تركيا رفضوا حتى الآن لعب هذا الدور. الموقف التركي من إسقاط طائرته أعتبر كذلك بمثابة عقبة أمام جهود البنتاغون لتنفيذ مجموعة من الخيارات العسكرية، بعد طلب تقدم به الرئيس اوباما في شهر مارس 2012 حول تخطيط من هذا القبيل. وقد أخبر الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئات الاركان المشتركة، أعضاء في مجلس الشيوخ أن الخيارات التي تتم دراستها تشمل حمولات تنقل جوا، واستطلاعات جوية على مواقع الجيش السوري، وإقامة منطقة حظر طيران وبالتالي ضرورة تدمير سلاح الجو السوري وشبكة دفاعه الجوي ومخازن لأسلحته وطرق ووسائل تموينه. كما أعد الجيش الأمريكي خططا حول الكيفية التي تقوم بها قوات من التحالف بالسيطرة على مخزونات الأسلحة الصاروخية والكيماوية والبيولوجية السورية التي تعتبر أكبر تهديد لإسرائيل. المحلل حسن كوني من جامعة "كولتور" في اسطنبول ذكر أنه عبر اسقاط طائرة تركية، ربما ارادت سوريا ان تستعرض قوتها عبر الأسلحة الروسية الحديثة التي تملكها "لكي تثبت أنها ليست ليبيا" التي استهدفتها غارات الحلف الأطلسي في صيف 2011. وأضاف في حديث لشبكة "ان تي في" الخاصة "انها طريقة للقول: احذروا اذا فكرتم في مهاجمتنا". واظهر الحادث حسب مراقبين عسكريين قوة الدفاعات الجوية السورية التي حصلت عليها من روسيا وهو ما يعد احد أسباب عدة لاحجام الغرب عن أي تدخل في الوقت الحاضر على الأقل. وقد وقع الحادث غداة نشر صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يقول ان ضباطا في الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي.آي.ايه" موجودون سرا في جنوب تركيا ويقومون بتنسيق إيصال ومراقبة شحنات الأسلحة التي تقدمها تركيا وبلدان عربية إلى المعارضين السوريين. ونفت أنقرة هذه المعلومات مشيرة إلى أنها لا تقدم أسلحة للمعارضة السورية أو أنها تسمح لطرف ثالث بنقل السلاح عبر الأراضي التركية إلى أيدي المعارضة. التصريحات التركية لم تخل من مفارقة حيث أن مكان اسقاط طائرة ف 4 يقع على بعد أقل من 50 كيلومترا من اقليم هاتاي حيث معسكرات تجمع وتدريب الجيش السوري "الحر" المعارض الذي يشن هجمات يومية على القوات الحكومية السورية. يوم السبت 23 يونيو 2012 نقلت وكالة فرانس برس عن دبلوماسي عربي في جدة قوله ان السعودية وقطر تدفعان رواتب الجيش السوري الحر بمشاركة تركية. وأضاف الدبلوماسي بعد ان طلب عدم الكشف عن هويته "الاموال تتدفق منذ اشهر وعقد الاتفاق في الثاني من ابريل عبر السعودية وقطر بتنسيق اداري من تركيا حيث توجد بعض فصائل الجيش السوري الحر". "الهدف من ذلك هو تشجيع اكبر قدر ممكن من فصائل الجيش السوري على الانشقاق وتنظيم الجيش السوري الحر والسيطرة عليه ومنع اي منظمات متطرفة من الانضمام اليه". متحدث بإسم وزارة الخارجية السعودية قال أنه ليس لديه علم بشأن التقارير عن تمويل المملكة للمعارضة السورية". المغالطات والاكاذيب تؤكد مصادر رصد أن الأحداث المرتبطة بالازمة السورية مشبعة بالمغالطات والاكاذيب خاصة على الصعيد الدولي وفيما يخص إمدادات السلاح والتدخل بالقوات الخاصة وأجهزة المخابرات. فاتح يونيو 2012 كشف موقع اخباري امريكي النقاب عن ان الرئيس باراك اوباما طلب من جهاز الاستخبارات المركزية العمل على انهاء نظام الاسد قبل نهاية عام 2012. واضاف موقع "وورلد تريبيون" نقلا عن دبلوماسي غربي رفيع المستوى ان حلفاء لاوباما، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وقطر والسعودية وغيرهم، اقنعوا الأدارة في البيت الأبيض أنه من دون تدخل الولايات المتحدة لن يسقط الأسد. وقال المصدر أن ال"سي اي ايه" ووزارة الخارجية الامريكية ينسقان العمل مع مجموعات من الثوار ويشمل هذا التعاون الجيش السوري الحر والاخوان المسلمين. وأكد الدبلوماسي ان "اللعبة بدأت على الساحة"، مضيفا ان "المعارضة السياسية السورية لا تملك سلطة فعلية على الارض وليس لديها حتى تأثير، بينما الجيش السوري الحر يرى أنه نشط وقوي، حتى وإن لم يكن الأمر فعليا كذلك". ورأى الدبلوماسي الغربي أن واشنطن انخرطت فعلا في عمليات كبرى ضد نظام الأسد. وضمن هذه العمليات، المحاولة الفاشلة لتسميم مجموعة من قيادات النظام السوري، وعلى رأسهم آصف شوكت مدير للاستخبارات العسكرية السورية التي تعد أقوى الأجهزة الأمنية في سوريا. آصف شوكت رقي إلى رتبة عماد في يوليو 2009 وأصبح نائبا لرئيس الأركان، مع العلم أنه برز كقائد عسكري عندما شارك في حرب أكتوبر 1973. ويضيف التقرير أن ادارة اوباما تدعم خصوم الأسد بالأسلحة والتوجيه والقيادة والتدريب، وتركز على تزويدهم بصواريخ ارض جو ومضادات موجهة ضد الدبابات، لأن الهدف هو توصيل أسلحة تمكن من عرقلة عمليات الجيش النظامي السوري في اجزاء واسعة من البلاد، وتحديدا قرب الحدود الشمالية مع تركيا وقرب الحدود الجنوبية مع الاردن، وهذا "من شأنه ان يوفر ملاذا آمنا للمعارضة، ومنه يمكن أن تتوفر خيارات متعددة للادارة الأمريكية. ويكمل الموقع قائلاً أنه في الوقت ذاته، ما تزال الادارة الامريكية تعمل على محور العمل الديبلوماسي لاسقاط الاسد. وكان أحد هذه الاقتراحات مطالبة الجانب الروسي بدعم خطة تشكيل حكومة جديدة من دون الأسد لكنها تضم بعضا من الرموز المقربة منه. حرب بالنيابة عمليات إرسال الأسلحة وخبراء المخابرات خاصة من الولايات المتحدةوفرنسا إلى سوريا ليست إلا جزء من الحرب المتعددة الأطراف التي تدور في بلاد الشام. قبل أشهر إعترف البنتاغون الأمريكي بأنه يتابع الموقف في سوريا على مدار الساعة بواسطة طائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، بينما نقلت صحف بريطانية أخبارا عن تدخل قوات خاصة تابعة "للناتو" لضرب مواقع للجيش النظامي السوري. مع اقتراب صيف 2012 كثرت الأخبار التي تتحدث عن مشاركة شركات الأمن الخاصة من أمثال بلاك ووترز الأمريكية، في المواجهات المسلحة إضافة إلى مقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية. يوم 15 مايو 2012 صرح بيتر هارلنغ وهو محلل متخصص في الشأن السوري بمجموعة الازمات الدولية: "المتطوعون الاجانب جزء من الصورة وكان ذلك أمر لا مفر منه تقريبا على ضوء سياق حالة الفوضى المتزايدة في جميع أنحاء البلاد والصراع السياسي ذي النعرات الطائفية وأشكال متطرفة من العنف تؤدي الى بعض التطرف". يذكر أن القوات السورية نجحت في الفترة الواقعة بين فبراير وأبريل 2012 في اسقاط أو تعطيل طائرتي استطلاع أمريكيتين بدون طيار من طراز "بريداتور" و"ريبر". وكانت الولايات المتحدة قد نقلت إلى قواعد في تركيا والعراق وإلى قطع الأسطول السادس في شرق البحر الأبيض المتوسط أكثر من 46 طائرة تجسس وهجوم بدون طيار لمراقبة المسرح السوري وكذلك لبنان ومصر. كما قامت واشنطن عبر الطائرات بدون طيار طراز "ار كيو 170 سنتينل" وهي طائرات استطلاع من دون طيار تحلق على ارتفاعات عالية وطائرات "بريداتور بي"، بتجميع معلومات لغرفتي العمليات في تل أبيب وواشنطن المكلفتين بمتابعة الأوضاع في المنطقة. الخيال العلمي الملفت بالنسبة للمراقبين أنه في الحروب بالوكالة التي تجرى على الضفة الشرقية للمتوسط تضطر كل من واشنطنوموسكو إلى إدخال أسلحة ومعدات تعتبر من أحدث ما في ترساناتهم للخروج بأفضل النتائج. يوم الخميس 21 يونيو نقلت وكالة أنباء "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله ان نشطاء في سوريا ودول أخرى تعتبرها الادارة الأمريكية مستبدة يستخدمون تقنيات أمريكية ربما تشمل ما يسمى "زر الطواريء" في الهواتف المحمولة و"الانترنت في حقيبة" أي الاتصال عبر الاقمار الصناعية ووسائل الربط الخاصة المؤمنة الموجودة في السفارات الأمريكية أو التابعة لها، وذلك للتغلب على القيود التي تفرضها الحكومات على الاتصالات. واضاف أليك روس وهو مستشار كبير لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون الابتكار ان الولايات المتحدة تعمل على ما بين عشرة الى 20 تقنية سرية يمكن استخدامها من قبل المحتجين وغيرهم. وتحدث أيضا عن كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك لمواجهة الدعاية التي تنشر على الانترنت من قبل ما وصفه "بالجيش الالكتروني السوري". خبراء في العاصمة الألمانية برلين ذكروا أن من بين التقنيات الأمريكية التي تستخدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشفير المعلومات والاوامر داخل الصور الرقمية والمقاطع الموسيقية والالعاب الالكترونية، والبطاقات الرقمية بما في ذلك تلك المستخدمة في الهواتف أو لخدمات البنوك. زيادة على ذلك يجرب خبراء أمريكيون وعبر ذبذبات صوتية في نشرات إذاعية أو بث تلفزيوني، مدى القدرة على التأثير على المشاهد وإعداد ذهنه لقبول فكرة أو دعاية تخص أمرا ما. الأسلحة الروسية يوم الجمعة 15 يونيو 2012 صرح انتوني اسايكن، المدير العام لشركة روزوبورونكسبورت وكبير مصدري الاسلحة الروسية بأن شركته تقوم بشحن انظمة صواريخ دفاعية متقدمة الى سوريا يمكن استخدامها لاسقاط الطائرات او اغراق السفن اذا حاولت الولايات المتحدة او الدول الاخرى التدخل. واضاف "أود القول ان هذه الاليات تعتبر وسائل جيدة للدفاع، والية دفاعية يمكن الاعتماد عليها في وجه الهجمات الجوية او البحرية. وهذا ليس تهديدا، الا انه لا بد لكل من يخطط للقيام بأي هجوم ان يعيد النظر في خططه". ورفض الناطق بلسان وزارة الدفاع الامريكية جورج ليتل التعليق عل تصريحات أسايكن. غير ان الكساندر غولتز، وهو محلل سياسي مستقل في موسكو، قال ان "مما لا شك فيه" ان الابحاث الروسية المتعلقة بشحنات الاسلحة الدفاعية تمثل تحذيرا للدول الغربية التي تفكر في التدخل. وقال ان "روسيا تستخدم هذه البيانات باعتبار انها احدى اساليب الردع في سوريا. وتظهر للدول الاخرى ان من المحتمل ان تعاني من الخسائر". وقد سلط أسايكن الاضواء على هذا الموضوع، وان كان بالامكان ايضا تفسير تصريحه على انه تحذير للدول الغربية ضد اتخاذ اجراء عسكري يماثل ذلك الاجراء الذي أسقط العقيد معمر القذافي عن السلطة في ليبيا. وكان الرئيس بوتين قد أعرب عن رأيه مؤكدا أن تلك الاعمال انتقاص للسيادة لا يرغب في تكرارها. وقد تحدث اسايكن، وهو من الشخصيات البارزة في الصناعة العسكرية الروسية، علنا عن شحنات الاسلحة الى سوريا: بما فيها منظومة الصواريخ الموجهة من طراز "بانتسير- س1" ومنظومة المدفعية التي تستطيع اصابة الطائرات على ارتفاعات تتجاوز تلك التي تطير فيها القاذفات اثناء القصف، والى مسافة 12 ميلا، وصواريخ مضادة للدبابات من طراز "بوك-إم2" والتي تستطيع حتى ان تصيب طائرات على ارتفاعات اكثر بعدا وإلى مسافة 82 ألف قدم، وصواريخ مضادة للسفن من طراز "باستيون" التي يمكنها اطلاق نيرانها لاصابة اهداف على بعد 180 ميلا من الشاطئ. غير أن رسلان علييف، وهو خبير في الشؤون العسكرية في مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو ذكر ان تصريحات ايسيكين وآخرين ادلي بها بصورة رئيسة لاحداث وقع سياسي. ويقول محللون غربيون أن موسكو رفضت تزويد سوريا بأحد أفضل انظمة دفاعها الجوي، وهو نظام الصواريخ "اس 300" الطويلة المدى. مشاة البحرية الروسية إذا كانت واشنطن تخوض على أرض الشام حربا سرية فإنه يظهر أن موسكو سترد على ذلك بشكل علني. وكالة انترفاكس الروسية للانباء أكدت يوم الاثنين 18 يونيو ان روسيا تعد لارسال قوة من مشاة البحرية إلى سوريا تحسبا لاحتمال ان تحتاج إلى حماية مواطنيها هناك وإزالة معدات من المنشأة البحرية في طرطوس، وأشارت إلى سفينتي إنزال كبيرتين. يوم الثلاثاء 19 يونيو 2012 قالت وزارة الدفاع الامريكية "البنتاغون" ان الجيش الروسي يعد لارسال ثلاث سفن حربية إلى سوريا. وذكر المتحدث بإسم البنتاغون الكابتن جون كيربي "ليس لدينا ما يشير الى ان هذه السفن وتلك المواد ترسل الى سوريا لاي غرض غير ما أقر به الجيش الروسي نفسه". موازاة مع ذلك صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لاذاعة صدى موسكو يوم الخميس 21 يونيو ان اي خطة سلام حول سوريا تتضمن فكرة رحيل الرئيس السوري بشار الاسد لحل الازمة "غير قابلة للتطبيق". وقال لافروف ان "خطة تتضمن وجوب مغادرة الرئيس الاسد قبل حصول اي شيء من حيث وقف اعمال العنف وعملية سياسية، هذه خطة لا تعمل منذ البداية، انها غير قابلة للتطبيق لانه لن يرحل". لقاء اوباما بوتين كان"غير ودي" ينقسم المحللون في تقديرهم للتطورات المستقبلية للأزمة السورية في المدى القصير والمتوسط. البعض يرى أن الحركة المسلحة المناهضة للأسد ستنكمش تدريجيا خاصة بعد أن يدرك اللاعبون الدوليون والاقليميون أن موسكو وبكين لن تسمحا بتكرار ما حدث في ليبيا. بينما يقدر آخرون أنه لا تزال في قبضة واشنطن أدوات مساومة لعقد صفقة مع الكرملين تسمح للبيت البيض بتحقيق جزء من أهدافه. أصحاب التوجه الأول في دفاعهم عن تقديراتهم يستشهدون بلقاء القمة الذي عقد بين الرئيس أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين 18 يونيو على هامش قمة مجموعة العشرين في المكسيك. بعد ساعتين كاملتين كان بوتين مترددا، وظهر بعد ذلك مع اوباما أمام المراسلين في صورة عابسة تعبر عن الإحباط لدى الجانبين. وخلال عدة دقائق تطلب الأمر من مرؤوسيهما إرشاد المراسلين للخروج من الغرفة بعد أن قرأ كل منهما ملاحظات مكتوبة تم إعدادها، وظل الزعيمان جالسين جنبا إلى جنب ينظران إلى الامام دون اي تفاعل أو كلام من النوع الذي يدخل فيه الزعماء عادة أمام الكاميرات. وقال اوباما: "اتفقنا أننا بحاجة لنرى وقفا للعنف، ولإيجاد عملية سياسية تحول دون وقوع حرب أهلية". وذكر ممسؤولون امريكيون ان بوتين أمضى وقتا كبيرا في الإشارة إلى ما يعتبره الروس أمثلة فاشلة للانتقال السياسي في مصر وليبيا بالإضافة إلى قلقهم من أن الغرب لا يمتلك خطة ذات مصداقية لما قد يحدث للفصائل السورية المتقاتلة والاقليات العرقية إذا تنحى الأسد عن السلطة. وقام اوباما بجهد مطول ومفصل لطمأنة بوتين بان الولايات المتحدة لا تريد قطع الصلة بين روسيا وسوريا التي تعتبرها روسيا حليفة استراتيجية وآخر معقل حقيقي لنفوذها في المنطقة، وفقا لمسؤولين امريكيين. واعترف الأمريكيون أن المسؤولين الروس لم يصدقوهم عندما قدموا هذه التطمينات في السابق، ووفر لقاء الاثنين كما قالوا الفرصة لأوباما لمحاولة عرض هذه القضية شخصيا لبوتين. وسمح بوتين لنفسه بالتعليق على اللقاء قائلا: "وجدنا نقاطا مشتركة كثيرة بخصوص هذه القضية". واضاف إن البلدين سيواصلان المناقشات. ووصف اوباما الاجتماع الذي أعيد تحديد موعده ليتم خلال اجتماع مجموعة العشرين، بعد ان ألغى بوتين رحلته لحضور مؤتمر قمة اقتصادية عقده اوباما في كامب ديفيد شهر مايو بأنه "صريح وعقلاني ومعمق". الا أن مسؤولين أمريكيين لم يبذلوا جهدا ليصوروا اللقاء بين الرجلين على انه كان مليئا بالدعابة والروح المرحة. وقال مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة في روسيا للمراسلين في محاولة لاستبعاد أي انطباعات سلبية حول ما قد تكون لغة الجسد بين الرئيسين قد أوحت به: "أعتقد أن الكيمياء كانت ودية لانجاز الأعمال. لم يكن هناك شيء غير عادي حول تعبيرات بوتين، فهذا هو مظهره وهذه هي طريقته في التصرف". الآن وقد عقد اوباما وبوتين اول لقاء لهما خارج المسار المألوف واستمع كل منهما لتفسير الآخر حول ما اذا كان على الاسد أن يبعد أو لا يبعد من دوره في سوريا، فإن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم يأملون من أن يتمكنوا من التحرك نحو الأمام. وقال بنجامين رودس، مدير الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الامن القومي الأمريكي: "أعتقد أنه كان هناك اتفاق على الحاجة لعملية سياسية، وانها يجب ان لا تقتصر على وقف إطلاق النار. لكن هذا اللقاء بين هذه الشخصيات كبيرة الاهمية، كقادة لكل من البلدين، تأتي في وقت قد لا يكون له نظير من حيث التوتر. وهناك خلافات بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص عدد من القضايا الصعبة خاصة نشر الولايات المتحدة لنظام الدرع الصاروخي الذي يعتبره بوتين تهديدا، والتشريعات المنتظرة في الكونغرس التي تضر بالروس، والتصريحات الصادرة عن الخارجية الامريكية حول الاحتجاجات التي قوبل بها تنصيب بوتين رئيسا، وهو ما أدى إلى إغضاب الزعيم الروسي خاصة بعد كشف صرف ملايين الدولارات الأمريكية لتشجيع المعارضة الروسية. والتوترات المتجددة تأتي في الوقت الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة إلى حد كبير على التعاون الروسي في عملياتها العسكرية بأفغانستان. وبعد قطع باكستان خطوط الإمداد إلى أفغانستان، أصبح ما يسمى بشبكة التوزيع الشمالية التي تمر بروسيا طريق التعزيزات الرئيسي للحرب الأمريكية. وكون هذا كله يحدث وسط حملة انتخابات رئاسية كان في دائرة اهتمام البيت الابيض، خصوصا إذا أخذ في الاعتبار التأكيد الاخير من جانب المرشح الرئاسي الجمهوري، ميت رومني، بأن روسيا هي أكبر تهديد استراتيجي للولايات المتحدة. وتم الاستخفاف بهذه الاقوال على نطاق واسع في أوساط صانعي السياسة الخارجية، لكن تأثيرها كان ملموسا في موسكو. ورفضت إدارة اوباما ملاحظات رومني باعتبارها دعاية في عام انتخابي، ولكن نظرا لانها جاءت بينما كان بوتين يستعرض عضلاته، فقد وضعت اوباما في موقف صعب في اثناء محاولته إقناع بوتين بنوايا أمريكا الحسنة، أو على الاقل، عدم وجود نوايا سيئة تجاه روسيا. وجهدت البعثة الاميركية لاحقا للاجابة عن أسئلة الصحافة عن "غياب مشاعر الود" بين الرجلين. وأوضح رودس انه لو كان بوتين يريد اظهار خيبة أمله بعد اللقاء لفعل ذلك بصراحة. وقال "عندما يرى ان الاجتماع سىء فهو يظهر ذلك بوضوح". وأعرب الناطق باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف عن رضا الجانب الروسي عن المحادثات، مضيفا ان نبرة اللقاء لم تكن "قاسية" بل "بناءة ومنفتحة". إسرائيل تفقد صبرها إذا كانت واشنطن قد اختارت لغة التهدئة مع موسكو فإنه يسجل أن حليفة البيت الأبيض إسرائيل تظهر يوما بعد آخر مزيدا من أنواع العصبية وفراغ الصبر. فيوم 21 يونيو دعا نائب وزير الخارجية الاسرائيلية داني أيالون من باريس المجتمع الدولي إلى تحضير "تدخل كبير" في سوريا لتجنب "امتداد النزاع إلى لبنان والعراق". وقال أيالون لعدد من الصحافيين أثناء زيارة كان يقوم بها لفرنسا "كلما انتظرنا، تزداد الفوضى ويرتفع عدد الضحايا. وليس بوسع إسرائيل فعل الكثير، يعود الأمر للشعب السوري والغرب وروسيا لايجاد حل". ورأى أيالون ان "الحل الأكثر فعالية هو تدخل واسع للمجتمع الدولي مثلما حصل في البوسنة" متحدثا عن نشر قوة فصل مسلحة. وأكد أيالون الذي التقي وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس ضرورة إشراك كل الدول المعنية بما فيها روسيا". وحذر أيالون من انه "في حال لم يحصل شيء، ثمة خطر كبير من ان يمتد النزاع إلى لبنان والعراق، لوجود أوجه شبه بين سوريا وهاتين الدولتين". وكان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز قد أبدى رغبته وأمله في 10 يونيو 2012 بأن ينتصر الثوار في سوريا. [email protected]